شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"أعمل في محل ملابس"... كيف يقضي شباب جامعيون في العراق "أحلى أيام العمر"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 20 يونيو 202005:05 م

لم يعش أحمد مصطفى (29 عاماً)، أيامه الجامعية في بغداد، بالشكل الذي كان يحلم به، والذي كان يمنّي نفسه بالاستمتاع بـ"أجمل أيام عمره"، وهو يشاطر أصدقاءه وزملاءه الدراسة الجامعية، حيث اضطر إلى فتح محل لبيع الملابس الرجالية في منطقة "العلاوي" في العاصمة العراقية، المكتظة بالسكان من جميع المحافظات العراقية، بعد مقتل والده في تفجير إرهابي وقع في مدينة الحرية عام 2007.

وقال مصطفى لرصيف22: "لم أشعر بجمال أيام الجامعة التي كنت أتخيلها، وأسمع من أصدقائي أنها تختلف عن أيام الدراسة في المراحل الدراسية السابقة، لكنها في الواقع لم تختلف عندي".

"الجامعة كانت أيام صعبة"

وأضاف مصطفى، وهو يتحسَّر بألم كبير على تلك الأيام التي قضاها في الجامعة: "استُشهد والدي في تفجير إرهابي وقع في المنطقة التي أسكن بها، ما اضطرني إلى إهمال الدراسة الجامعية على حساب العمل، لأنني تكفلت بعائلتي ومعيشتهم، خاصة بعد مقتل الوالد الذي خلف فراغاً كبيراً في حياتنا".

"استُشهد والدي في تفجير إرهابي وقع في المنطقة التي أسكن بها، ما اضطرني إلى إهمال الدراسة الجامعية على حساب العمل، لأنني تكفلت بعائلتي ومعيشتهم، خاصة بعد مقتل الوالد الذي خلف فراغاً كبيراً في حياتنا"

ويتذكر مصطفى يومياته في الجامعة قائلاً: "كنت أذهب إلى الجامعة من أجل حضور بعض المحاضرات، ومن ثم الالتحاق بالمحل الذي فتحته بعد استشهاد الوالد، كانت أياماً صعبة عشتها على عكس غالبية زملائي وأصدقائي الذين خدمتهم الظروف".

وحول الحصول على الوظيفة بعد تخرجه، يقول مصطفى: "لم أتمكّن من الحصول على أي وظيفة، سواء في مؤسسات الحكومة العراقية أو الشركات الأهلية، حافظت على محلي الذي أسترزق منه".

وتبلغ نسبة البطالة في العراق 19% وفقاً لوزارة التخطيط، إلا أن عدداً من مختصين يؤكدون أنّها أكثر من ذلك، وتصل في مستوى الشباب القادر على العمل لـ40%، ويدخل سنوياً الى سوق العمل في العراق أكثر من 600 ألف شخص بسبب تخرجهم من الجامعات والمعاهد، ويعود ذلك إلى تضخم القطاع العام وضعف القطاع الخاص في خلق وظائف جديدة تناسب النمو السكاني الذي يبلغ 2.3%، بينما الاقتصاد العراقي يشهد تراجعاً في النمو بسبب الأزمة المالية.

"ضعف التواصل بين الطلبة"

يقول محمد نعمان، وهو طالب جامعي على أبواب التخرج، وصاحب أعمال حرة: "لا يزال الكثير من طلبة الكليات والمعاهد بدون فرص عمل، وهذه أحد أهم الأسباب التي تؤدي إلى ضعف حلقة التواصل بين الطلبة، لأنه الحالة المادية للطالب أثناء الدوام مهمة جداً".

ويضيف: "نجد أن بعض الطلبة المتمكنين مادياً يعيشون أفضل أيامهم الجامعية من جوانب عديدة، منها المأكل، الملبس وتغيير هواتفهم من فترة إلى أخرى، أما ذوو الدخل المحدود أو أصحاب العوائل والعمل الشاق، فنجدهم يعيشون حياة جامعية أصعب بكثير من أولئك المتمكنين، الذين يعتمدون على أهلهم في الجانب المادي، فنرى الكادحين بملابس ثابتة وأنواع هواتف متواضعة".

ويشدد نعمان على تأثير الفوارق الاقتصادية بين الطلبة، مضيفاً: "هنا يحدث التأثير بكل أنواعه وأشكاله المعنوية والنفسية بين طالب وآخر، أو بين طالبة وأخرى، فالرابط المادي لدى الطلبة الجامعيين مهم جداً في حياتهم اليومية".

وتطرّق نعمان إلى واقعة حدثت معه عند دخوله الحرم الجامعي، مبرزاً تأثير الفوارق الاقتصادية على العلاقات بين الطلبة: "بأول أيامي، رأيت الكثير من الطلبة بسطاء ومتواضعين وبعض الطلبة متكبرين… حينها أدركت أن الرابط الاقتصادي مهم جداً بين الطلبة".

وبحسب نعمان، فإن تلك الفوارق تؤثر بنظرة الأساتذة الجامعيين لطلبتهم، يقول: "في الأيام الأولى تتشكل المجاميع والجروبات بين الطلبة، حيث الغني يرافق الغني و"الفقير" يرافق "الفقير"، ليس على مستوى الطلبة فحسب وإنما حتى على مستوى الأساتذة، الطالب "المتمكن" يرونه كبيراً ومحترماً ومقدراً، على عكس الطالب "الفقير" المتواضع، فان النظرة تكون سلبية اتجاهه"، على حد وصفه.

"العمل أخذ كل وقتي"

الطالب الجامعي حيدر المحمداوي، يعمل في أحد محلات الملابس في العاصمة بغداد بجانب دراسته، يشعر بأثر ظروفه المادية على علاقاته العاطفية في الجامعة، يقول لرصيف22 إن "العلاقات العاطفية لا ترتبط بالعمل، فلا يمكن أن نقوم بقياس أصحاب العمل بأنهم الأوفر بالحصول على تلك العلاقات، وأن العاطفة لا ترتبط بالعمل، ولكن الأكثر مالاً أكثر المحظوظين في تلك العلاقات".

وبالعودة إلى مصطفى وحول ارتباطه بعلاقة عاطفية: "العمل أخذ كل وقتي، كنت لا أستطيع حضور جميع المحاضرات، فكيف أفكر بدخول علاقة عاطفية مع زميلة في الجامعة؟!".

لكن منظور المحمداوي حول العمل يختلف كثيراً، حيث أكد أن "العمل له جانب نفسي كبير، خصوصاً في أيام دراستك في الجامعة، فهو أحد الجوانب التي تجعلك متمكناً للقيام بمهام أكبر وتحمل المسؤولية أمام ما تواجه من عقبات، بدأت أعمل بعمر صغير، كنت مراهقاً وقتها وكانت دراستي أهم ما عندي، لم أعجز عن التوفيق بين العمل والدراسة، وكانت الدراسة الدافع الرئيسي في حثي على الاجتهاد والعمل بحيوية من أجل كسب لقمة العيش الحلال والتفوق العلمي، أسوة بأصدقائي وزملائي".

لكن المحمداوي لم ينس أن الزمن اختلف كثيراً عن السابق: "زادت في الوقت الحالي احتياجات الطلاب، خصوصاً ما نشهده من تطورات في عالم الموضة والتطور الحاصل في الحياة الاجتماعية، واطلاع الطلاب على الثقافات الغربية؛ لذلك أصبح العمل مهماً للطلبة، وأصبحت له حاجه ملحة في حياة كل طالب أو طالبة، خصوصاً وأن البعض لا يمكن لأهله تحمل نفقاته، لذلك العمل لا يقلل من قيمة الفرد".

الفروقات الاقتصادية بعد 2003

أحمد ضايف، زميل المحمداوي، وهو صاحب أسواق غذائية، فيختلف حول تأثير الوضع الاقتصادي على العلاقات الاجتماعية والعاطفية في الجامعة، فيقول لرصيف22: "في العلاقة العاطفية لا شي يمنع، نعم توجد الكثير من طبقات المجتمع داخل الحرم الجامعي، لكن تبقى الكاريزما والحضور الشخصي هو الفرق في الجامعة".

"بصراحة شاهدت المئات من طلاب لا يعملون، كل شيء جاهز أمامهم بدون أي تعب يذكر، رغم هذا هم يتذمرون من حياتهم وكثيرو الشكوى"، وفقاً لكلام أحمد ضايف، عاكساً نظرة الكثير من ذوي الدخل المحدود في الجامعة.

"خسرت عملي في المرحلة الثانية الجامعية بسبب التزاماتي في دراستي، لم أستطع أوفق بين الاثنين، أصبحت أمام خيار واحد فقط، كان الاختيار بمثابة الانتحار، إما أن أترك دراستي أو عملي، كيف أعيش وأوفر مبالغ مادية تساعدني في الدراسة"

وهو ما يذهب اليه الباحث الاجتماعي، سجاد رحيم (45 عاماً)، يقول:"الفروقات الاجتماعية والتي حدثت بعد عام 2003 شكلت طبقات في المجتمع العراقي، حيث بات اليوم المتمكن مادياً لا يعمل ولا يراعي غير المتمكن، والذي يمضي الوقت كله في العمل الشاق".

ويضيف رحيم لرصيف22: "إن تلك الفروقات انعكست في الحياة الجامعية لدى الطلبة، فبعضهم لديه سيارات باهظة الثمن، وآخرون لا يملكون أجرة النقل، وحتى أنها أخذت منحى آخر في العلاقات العاطفية، فاليوم بات المال أهم من الشهادة العلمية، وأيضاً من الثقافة الشخصية بالنسبة للجنسين، فالطالب المجد والكادح في الوقت نفسه يعمل ليل نهار من أجل توفير بعض النقود لتسيير حياته اليومية".

"الطالب الكادح يثق بنفسه أكثر".

وهو ما يعتبره أحمد ضايف بـ "عامل إيجابي للطالب الكادح، ليكون أكثر ثقة بنفسه وأكثر حضوراً في المحاضرات وباقي أجواء الجامعة".

ولضايف ذكرياته أيضاً الخاصة بالجامعة، يقول: "كانت شاقة جداً لدرجة أنني خسرت عملي في المرحلة الثانية بسبب التزاماتي في دراستي، لم أستطع أوفق بين الاثنين، أصبحت أمام خيار واحد فقط، كان الاختيار بمثابة الانتحار وأنا مقبل على المرحلة الثالثة، إما أن أترك دراستي أو عملي، كيف أعيش وأوفر مبالغ مادية تساعدني في الدراسة"، واصفاً تلك المرحلة بـ "الصعبة جداً".

وينهي ضايف حديثه متذكراً واقعة علقت بذاكرته طويلاً، تجسد حال العديد من الشباب الجامعي "الكادح"، قائلاً: "عندما عدت من الكلية ذات يوم، ركبت مع بعض الأصدقاء لكي أنزل في ساحة النسور، عند نزولي من السيارة وأنا في ساحة النسور، تذكرت أنني لا أملك في جيبي إلا 500 دينار عراقي "ربع دولار أمريكي"، ومنزلي في مدنية الحرية بعيد جداً من الساحة، ذهبت مسافة طويلة سيراً على الأقدام، حتى يكفي المال معي للوصول إلى بيت، والحمد لله، بعد عبوري هذه المرحلة باتت أموري المادية جيدة جداً".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard