شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
اللبنانيون والعاملات الأجنبيات... النظام مسؤول عن العنصرية

اللبنانيون والعاملات الأجنبيات... النظام مسؤول عن العنصرية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 15 مايو 202006:33 م

في العقدين الماضيين، وفي العقد الأخير بشكل خاص، عاش عدد كبير من اللبنانيين نوعاً من "ازدهار استهلاكي" ناتج عن عملٍ فاشل للمنظومة الاقتصادية. أجل هو تناقض ولكنه حقيقي. هكذا كانت الأمور.

كانت القدرة الشرائية لعدد كبير من اللبنانيين ترتفع مقابل تفاقم أزمة النظام الاقتصادي، وهو أمر كان يمكن ملاحظته ببساطة من طبيعة السلع الاستهلاكية المعروضة في السوبرماركتات والتي صارت متنوّعة بشكل واسع جداً، وفاخرة، ومستورَدة بطبيعة الحال.

ما سمح لهذا التناقض بالاستمرار لسنوات هو هندسات مصرف لبنان المالية التي ظلت تؤجل الأزمة، وتخلق لدى الناس وهماً بأنهم يدّخرون، حتى وصلت إلى حد تبخير أموال المودعين، وسياسات حكومات فاشلة كانت تعرف عواقب ما يحدث ولكنها كانت تنتظر شيئاً يشبه ليلة القدر كي لا يصل البلد إلى انهيار، وليالي القدر لا تحلّ على الاقتصادات.

ولّد العيش بين جنبات هذا التناقض تجاوراً لأشخاص يعانون من فقر، وأحياناً فقر مدقع، مع أشخاص يستهلكون بشكل يمكن وصفه بالمبذّر، رغم أنهم ذوو كفاءات متقاربة، وهذا يحدث في نموذج اقتصادي ممسوخ مثل النموذج اللبناني. وأيضاً، وبطبيعة الحال، ولّد أفكاراً وعادات وقابليات نفسية، كما هو الحال مع كل نظام اقتصادي وتأثيراته على الأفكار والثقافة.

من رحم هذا التناقض تولّدت نظرة جزء كبير من اللبنانيين إلى العاملات الأجنبيات والعمال الأجانب ذوي الدخل المنخفض. النمط المستجدّ لحياة الفئة اللبنانية القادرة على الاستهلاك بتبذير رغم أنها غير ثرية هو ما أدى إلى استقدام هؤلاء على نطاق واسع، فقبل ذلك كانوا "ميزة" من "ميزات" حياة الأثرياء.

هنا، يأتي دور الحكومات اللبنانية المتعاقبة السلبي جداً. لو أنها دفعت البرلمان إلى إقرار قوانين لحماية العاملات الأجنبيات والعمال الأجانب لما كان ممكناً استقدامهم بمبالغ صغيرة نسبياً. نمط حياة الفئة المستهلكة بإفراط وغير الثرية "المرفّه" كان ثمنه انتهاك حقوق العاملات والعمال الأجانب. فرغم فقاعة الازدهار الاستهلاكي التي كبرت في العقدين الماضيين، كان النموذج الاقتصادي اللبناني يفتقر إلى القدرة على استقدام عاملات منزليات أجنبيات يتمتعن بحقوقهنّ، على نطاق واسع.

"الفئة اللبنانية غير الثرية والتي عاشت ‘ازدهاراً استهلاكياً’ كانت، في الحقيقة، تضع رجلاً في الهشاشة الاقتصادية ورجلاً أخرى في نمط استهلاك مبذّر. ومؤخراً، وخلال لحظات، فقدت توازنها واتضح لها أنها فئة فقيرة، وهو أمر كانت تجهله"

في الحقيقة، كانت الفئة اللبنانية غير الثرية والتي عاشت "ازدهاراً استهلاكياً" تضع رجلاً في الهشاشة الاقتصادية ورجلاً أخرى في نمط استهلاك مبذّر. مؤخراً، وخلال لحظات، فقدت توازنها واتضح لها أن موقعها الفعلي في المنظومة الاقتصادية، وطبيعة هذه المنظومة، لا يسمحان سوى بتصنيفها كفئة فقيرة، وهو أمر كانت تجهله، بسبب فقاعة تضخّم قدرتها الاستهلاكية.

في الوضع الحالي تصير المعادلة تقريباً كالتالي: العاملات الأجنبيات ينافسن مشغّليهنّ على لقمة العيش. لم تكن الفئة التي استعانت بخدمات عاملات منزليات أجنبيات تدرك أنها هشّة إلى هذه الدرجة. الآن، يتنازعها ميلان: "ميل البرجوازي الرحيم" (يعامل العمّال بشكل رحيم لأنه أقوى منهم وحداثي) و"ميل شراسة الفقير" (معادلة: "إما أنا أو هو"، وهي المعادلة التي تنتج عنها الميول العنصرية ضد الأجانب حول العالم).

"لم تكن الفئة اللبنانية التي استعانت بخدمات عاملات منزليات أجنبيات تدرك أنها هشّة إلى هذه الدرجة. الآن، يتنازعها ميلان: ‘ميل البرجوازي الرحيم’ و‘ميل شراسة الفقير’ الذي تنتج عنه الميول العنصرية ضد الأجانب حول العالم"

ولأن الفئة التي توسّعت في الإنفاق إلى حد التبذير كانت واسعة نسبياً، فإنها خلقت ثقافة عامة. نرى في صلب كل موقف من مواقف معظم اللبنانيين من العمالة الأجنبية صراعاً بين هذين الميلين. وما يرجّح نسبياً كفّة على أخرى هو وعي الشخص لموقعه في الانهيار الحاصل، وهل يستطيع إطالة أمد "رحمته البرجوازية" أم صار عليه أن "يستشرس".

في هذا السياق يأتي تصريح السيدة نوار المولوي، زوجة رئيس الحكومة حسان دياب، الداعي إلى "الاستغناء عن كل العمال الأجانب"، وقاصدة بشكل أساسي العاملات المنزليات، ومن بعدهنّ العاملين على محطات البنزين ونواطير البنايات.

هو تصريح له رِجلان، رجل في الواقع الذي يقول إن هناك شيئاً لم يعد ممكناً أن يستمر ورجل في الثقافة العنصرية الاستعلائية التي تولّدت عن واقع الحال خلال العقود الماضية، وما ينتجه أي واقع حال من تفرقة طبقية-عنصرية بين الناس.

ارتباط تصريحها بثقافة عنصرية سائدة كان فاقعاً، لأن دعوتها "الصبايا اللبنانيات" العاطلات عن العمل إلى العمل في الخدمة المنزلية مع إغرائهنّ بأن العمل في الخدمة المنزلية سيصير محترِماً لحقوق العمال وخاضعاً لقانون العمل، "بدل ما ثلاث أرباع مصريّاتنا تروح لبرا"، استبطنت تمييزاً بين العمال على أساس الجنسية.

أما ربطها التغيّر الذي تأمل به بقولها إن "العقلية اللبنانية ما بقت متل قبل ‘أنا ما بعمل هيك وما بشتغل هيك’"، فإنه لا يعدو كونه إعادة استخدام لفكرة ساذجة وغير صحيحة انتشرت مع انتشار القدرة على استقدام عمالة منخفضة الدخل بشكل شديد.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard