شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"هددته بأنّي سأحرق نفسي فأجابني: لا أنا أحرقك"... عنف ضد المرأة العراقية ولا حماية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 7 مايو 202009:56 ص

"تخطر في بالي أحياناً أفكار مثل الانتحار بإحراق نفسي أو القفز من أعلى سطح المنزل، لكنني أتراجع لإيماني بأن الله سينقذنا ويجد لنا مخرجاً من هذا العذاب".

هذا ما تقوله أمل (اسم مستعار)، ابنة محافظة البصرة، جنوب العراق، التي لم تعد تحتمل الضغط النفسي المستمر وما تواجهه من تعنيف زوجها المستمر لها وما يكيله لها من إهانات يومية.

تعيش أمل (40 عاماً) وزوجها وأبناؤها الثمانية في بيت صغير مع أهل زوجها منذ عشرين عاماً، عانت خلالها من مئات وقائع التعنيف والضرب والإهانة على يد زوجها وأفراد أسرته، عدا حرمانها من زيارة أهلها ومعاقبتها بقطع المصروف عنها أو الطلب منها القيام بأمور صعبة...

والآن، مع الحجر في المنازل، تروي لرصيف22 أن "عنف زوجي عليّ وعلى أولادي زاد بأضعاف ما كان عليه قبل أزمة الكورونا. إذا سمع صوت الأطفال وهم يلعبون يضربهم ويضربني. أتجنب أن أتجادل معه لأنه أصبح سريع الغضب، والمشكلة أنه صار دائماً متواجداً في البيت".

لا تنسى أمل طفلها الرضيع، ابن الثمانية أشهر، والذي وقع ضحية التعنيف. في إحدى المرات، ذهبت إلى منزل أهلها إثر خلاف مع زوجها، وبدون إخبار أحد بذهابها، وبعد عودتها وقعت مشادة كلامية بينها وبين أهل زوجها، فضربها أخوه إلا أن الضربة أصابت طفلها الذي كان على يديها فتوفي فوراً. عادت حزينة إلى منزل أهلها وبقيت هنالك لمدة عام كامل.

تقول: "هم يستغلونني لأنه لا يوجد لديّ أحد يدافع عني، ولا قانونَ يضمن حقوق المرأة العراقية. نحن مضطهدات، والعشائر لا تفعل شيئاً سوى التعهد بعدم ضربنا مرة أخرى، وهي تعهّدات لا يلتزم بها الأزواج".

وتتابع: "تسبب لي الضرب المتكرر بضعف في نظري وسقوط بعض أسناني، وأمراض في الكبد. لا أذهب إلى الطبيب إلا عند زيارتي لأهلي، لأن زوجي لا يسمح لي بذلك وينتظر موتي".

أمل واحدة من عراقيات كثيرات يتعرضن للتعنيف من قبل بعض أفراد أسرهنّ. وصُعق العراقيون في 18 نيسان/ أبريل الماضي، بالأخبار التي تحدثت عن وفاة الشابة ملاك الزبيدي (20 عاماً) في أحد مستشفيات النجف.

سكبت ملاك البنزين على نفسها وأضرمت النار بجسدها في 8 نيسان/ أبريل، بعد تعرّضها لضرب عنيف على يدي زوجها الذي ارتبطت به قبل ثمانية أشهر من الحادثة فقط. وبعد أربعة أيام، تداول العراقيون فيدو لها تظهر فيه في المستشفى وهي مصابة بحروق شديدة.

وروت والدتها التي لم يُسمَح لها بزيارتها إلا في 11 نيسان/ أبريل: "أخبرتني أنها كانت تحترق لمدة ثلاث دقائق بينما كان (زوجها) ينظر إليها، وأخيراً دخل والده، وهو أيضاً شرطي، وأطفأ النار. توسَّلت إليهم أن يأخذوها إلى المستشفى لكنهم انتظروا أكثر من ساعة قبل أن يفعلوا ذلك. زعم والد زوجها لاحقاً أنه والدها أمام الشرطة وقال لهم إن الحريق كان حادثاً".

ظاهرة قديمة

العنف ضد المرأة في العراق لم يظهر في فترة حظر التجوّل والحجر المنزلي لمواجهة انتشار فيروس كورونا. هي ظاهرة قديمة لم يقرّ البرلمان قانوناً لوضع حد لها. ما نشهده في هذه الفترة هو فقط تفاقماً للظاهرة.

روت شابة تبلغ من العمر 18 عاماً لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" أن شقيقها أجبرها على الزواج من صديق له عندما كان عمرها 14 سنة، ورفضت عائلتها والشرطة وقاضٍ محلي مساعدتها عندما أخبرتهم أن زوجها ضربها وأجبرها على البغاء، وعندما هربت راح شقيقها يبحث عنها ليقتلها، وتقول: "من الطبيعي في عائلتي أن تقتل شخصاً. قتل جدي أخته وقتل عمي أخته".

في محافظة صلاح الدين، إحدى محافظات ما يُعرَف بـ"المثلث السنّي" في وسط العراق، استبقت هدى (اسم مستعار) قرار الحكومة بمنع التجوّل. قبل سبعة أشهر من أزمة انتشار الكورونا، عزلت نفسها في غرفتها الصغيرة داخل منزلها، بسبب التعنيف التي تعرّضت له من قبل والدها وأخيها الأكبر وإهانات والدتها المتكررة لها.

تحاول ابنة الـ31 عاماً تجنّب التواجد في المكان الذي يوجد فيه أهلها، وأساساً يمنع والدها إخوتها من التحدث أو الجلوس معها كي "تموت كمداً"، بحسب تعبيره.

في العام الماضي، تعرّضت هدى لأول مرة في حياتها، للضرب من قبل والدها، بتحريض من أخيها. كانت تتناول وجبة الغذاء مع أخيها الأصغر، وفجأة جاء والدها وبدأ بضربها على كتفها وظهرها وصدرها.

تغيّرت علاقة هدى بأبيها وأخيها الأكبر عندما قررت، كأي فتاة في عمرها، الزواج والاستقرار وتكوين أسرة، واعترضت على رفض والدها كل المتقدمين للارتباط بها.

بعد جدل حاد بينها وبينهما سقطت أرضاً، ونُقلت إلى المستشفى، وتبيّن تأثر عضلة قلبها نتيجة الصدمة وصارت تعاني من التعب وتسارُع دقات القلب وضيق في التنفس، فقررت ترك وظيفتها في إحدى المنظمات الدولية، رغم أن راتبها كان جيداً، قرابة مليون ونصف مليون دينار عراقي (1200 دولار) شهرياً.

تقول هدى لرصيف22: "والدي شخص متجبّر، وأخي مجرم بكل ما للكلمة من معنى. فقدت ثقتي بأهلي لدرجة أنني أغلق باب غرفتي بإحكام خشية أن يدخلوا عليّ ويقتلونني، وطلبت من صديقاتي إذا سمعنَ في يوم من الأيام بخبر وفاتي أن يبلغنَ الجهات المسؤولة بأنهما قتلاني".

وتضيف: "لم أتألم من ضرب أبي القاسي بقدر ألمي من أنه لا يوجد مكان يحتويني غير بيته، واكتشافي أن حبهم لي كان مصلحة ورياء، فالبنت لديهم هي تجارة رابحة، إذ يأخذون رواتبنا كل شهر ليعوّضوا ما أنفقوه علينا منذ لحظة ولادتنا. لذلك هم يعارضون تزويجي. يعتقدون أنه بزواجي سيذهب تعبهم إلى الغريب".

"سلوك عدواني"

يعرّف "إعلان القضاء على العنف ضد المرأة" الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993 العنف ضد المرأة بأنه "أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عنه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة".

"يستغلونني لأنه لا يوجد لديّ أحد يدافع عني، ولا قانونَ يضمن حقوق المرأة العراقية. نحن مضطهدات، والعشائر لا تفعل شيئاً سوى التعهد بعدم ضربنا مرة أخرى، وهي تعهّدات لا يلتزم بها الأزواج"

بحسب دراسة أجرتها وزارة التخطيط العراقية عام 2012، تحدثت 36% على الأقل من النساء المتزوجات عن تعرضهن لشكل من أشكال الأذى النفسي من أزواجهن، و23% للإساءة اللفظية، و6% للعنف الجسدي، و9% للعنف الجنسي.

وفي تقرير أصدرته وزارة التخطيط عام 2018، وردت مقارنة بين حالات تعرّض النساء للعنف بين عامي 2016 و2017، ولكن هذه الأرقام تستند حصراً إلى الشكاوي التي تقدّمت بها نساء، وهي نسبة قليلة مما يحصل.

ونشرت مديرية حماية الأسرة والطفل، عام 2014، دراسة عن العنف الأسري أظهرت أن أكثر أنواع العنف الممارس داخل الأسر هو من الزوج على الزوجة.

يعتبر الباحث في علم الاجتماع واثق صادق أن "العنف هو سلوك ناتج عن العدوانية التي تُنمّيها التنشئة الاجتماعية التي ترجّح كفة الذكر على الأنثى والتمييز بينهما".

ويضيف لرصيف22 أن "الذكر يترعرع وبداخله نظرة دونية للأنثى، ولا يعطيها قيمتها الحقيقية الإنسانية المساوية له، ما يؤدي إلى ممارسته العنف ضد أخته أو زوجته أو حتى زميلاته في العمل"، مشيراً إلى ظاهرة "تفريغ الطاقة السلبية على المرأة لكونها الأضعف ومرتبطة بقيم الشرف والأخلاق داخل المجتمعات العربية".

لا يقتصر أثر العنف ضد النساء على الأذى الجسدي. يشير نصيف الحميري، استشاري الأمراض النفسية في مدينة الطب وأستاذ الطب النفسي في كلية الطب في جامعة بغداد، إلى أن العنف النفسي يمتد ألمه لفترة طويلة وهو أكثر إيلاماً من العنف الجسدي الذي يزول بعد فترة من الزمن، ويضيف لرصيف22: "يسبب للمرأة شعوراً بعدم أهميتها في الحياة، ما يؤدي إلى الاكتئاب والتفكير في الانتحار".

قوانين ضد المرأة

هناك مواد في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 تبرر العنف ضد المرأة. توضح الناشطة الحقوقية ورئيسة جمعية الأمل العراقية هناء أدور أن هناك عنفاً وتمييزاً ضد المرأة في المادة 41 منه والتي تشير إلى حق "تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومَن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً أو قانوناً أو عرفاً".

وفي قانون العقوبات مواد أخرى تمنح عذراً مخففاً لمرتكب الجريمة الرجل إذا ارتكب جريمته بسبب "بواعث شريفة"، أو إذا وجد زوجته أو إحدى قريباته متلبسة في علاقة جنسية خارج إطار الزواج (المادة 409)، فتُخفّض العقوبة عليه إلى أقل من ثلاث سنوات.

وينص القانون أيضاً على إيقاف الإجراءات بحق مرتكب جريمة الاغتصاب إذا وافق على الزواج من ضحيته.

هذا فقط في قانون العقوبات، أما قانون الأحوال الشخصية فيمتلئ بالتمييز ضد المرأة.

تشير الأكاديمية والعضو السابق في المفوضية العليا لحقوق الإنسان بشرى العبيدي إلى أن المادة 41 من قانون العقوبات العراقي تتناقض مع المادة 14 من الدستور وفيها: "العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي".

وتقول لرصيف22: "طعنّا بهذه المادة أمام المحكمة الاتحادية كونها مخالفة للدستور فأتى الرد أنها لا تخالفه لأن المقصود بالتأديب هنا هو تمشية الحياة الأسرية بما يحفظ روابطها". تتعجب من هذا التفسير وتعلّق: "كأنّ حفظ الروابط الأسرية لا يتم إلا بالضرب والإهانة!".

مشروع قانون في الأدراج

لا يوجد في العراق قانون يحمي المرأة من العنف الأسري، ولكن يوجد قانون يسري فقط في إقليم كردستان الذي يتمتع بإدارة ذاتية.

مطالبات المنظمات والهيئات الحقوقية للعراق بإقرار هكذا قانون لها تاريخ طويل. ومؤخراً، في 16 نيسان/ أبريل 2020، أصدر صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان في العراق، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة في العراق، بياناً مشتركاً حثت فيه البرلمان العراقي على الإسراع في إقرار قانون لمناهضة العنف الأسري "يضمن محاسبة مرتكبي جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي"، وذلك على ضوء التقارير "المثيرة للقلق" التي تحدثت عن ارتفاع حالات العنف ضد النساء نتيجة للحجر المنزلي.

وفي 19 نيسان/ أبريل الماضي، أرسلت شبكة النساء العراقيات كتاباً إلى مجلس النواب تدعو فيه إلى ضرورة تبني المشروع الذي أرسلته رئاسة الجمهورية إليه في 15 أيلول/ سبتمبر 2019، في ظل "تصاعد وتيرة جرائم العنف الأسري".

"والدي شخص متجبّر، وأخي مجرم بكل ما للكلمة من معنى. فقدت ثقتي بأهلي لدرجة أنني أغلق باب غرفتي بإحكام خشية أن يدخلوا عليّ ويقتلونني، وطلبت من صديقاتي إذا سمعنَ في يوم من الأيام بخبر وفاتي أن يبلغنَ الجهات المسؤولة بأنهما قتلاني"

تشير الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان فدوى طعمة إلى أن قرار الحجر المنزلي لمكافحة انتشار الكورونا أدى إلى زيادة الضغوطات النفسية على الناس "ما أدى إلى ازدياد العنف الأسري"، لافتةً إلى "وجود العديد من الجرائم المخفية ضد النساء داخل المجتمع العراقي لم تظهر للإعلام".

وتؤكد طعمة لرصيف22 أن "إقرار قانون مناهضة العنف الأسري سيعمل على الحد من هذه الجرائم، ويحمي المرأة والطفل".

الأمر نفسه يؤكده واثق صادق. يقول: "أصحاب القرار في الدولة عليهم وضع الحلول المناسبة، عبر إقرار قوانين رادعة للحد من العنف المفرط الذي يُمارَس ضد المرأة".

ويضيف: "على المؤسسات الأخرى كمؤسسات التربية والتعليم والمؤسسات الدينية والإعلام تسليط الضوء على مثل هذه الظواهر بشكل علمي مجرد من العاطفة لنستطيع تلافيها"، مشيراً إلى أن "المشكلة التي تواجه المجتمع العراقي والدول العربية ككل ليست مشكلة اجتماعية بقدر ما هي مؤسساتية".

أما هناء أدور، فتتحدث عن أن "الانفلات الأمني وغياب سيادة القانون" بسبب عدم الاستقرار السياسي الذي يعاني منه العراق منذ عام 2003، إضافة إلى "بروز العادات والتقاليد العشائرية التي باتت فوق القانون، وتفشي الفساد الذي نخر مؤسسات الدولة". كل ذلك "انعكس بشكل سلبي على النساء والأطفال، وبتنا في أمس الحاجة إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة لفرض سيادة القانون بما يخدم حماية المواطنين، وبما يعزز حقوقهم ويحمي حرياتهم، والدفاع عن كراماتهم".

غياب الإرادة السياسية في حماية المرأة

تتحدث أدور عن "وجود رفض متعمَّد لأي قانون يضمن حق المرأة في العراق، كقانون مناهضة العنف الأسري".

تشير إلى تعاون تم مع وزارة الدولة لشؤون المرأة منذ عام 2010، أثمر عن مسودة أولى لقانون مناهضة العنف الأسري سنة 2012، لكن البرلمان العراقي لم يقرّه، و"يتذرّع بعض النواب بأنه ظاهرة مستقاة من بلدان غربية"، مع أن "كل ما تسعى إليه المنظمات الحقوقية هو أن يكون في العراق قانون منصف يوفّر الحماية للناجيات من العنف، ويحاسب مرتكبي الجرائم بحقهنّ".

"بُحَّت أصواتنا من المطالبة بتشريع قانون مناهضة العنف الأسري"، تقول لرصيف22 بشرى العبيدي، معتبرةً أن سبب عدم إقرار هذا القانون هو "أن الذي ينفّذ ويطبق القانون هم أصحاب فكر ذكوري، فهناك تعمُّد في تأخير تشريعه".

وفي ظل عدم تشريع قانون خاص، تدعو العبيدي إلى الالتفات إلى أداة قانون العقوبات "ليُطبَّق على هذه الجرائم دون تمييز والتفاف... ولتنفيذ العقوبات دون تهاون، وعدم القبول بالتدخّل العشائري، لتكون رادعاً لكل مَن تسوّل له نفسه ارتكاب مثل هذه الجرائم".

"الأحزاب والكتل الإسلامية المسيطرة على صنع القرار في مجلس النواب هي التي تمنع تشريع قانون مناهضة العنف الأسري، بسبب أفكار رجعية، وفتاوي دينية تجعلهم يصرون على الاستمرار في ذات الأفكار التقليدية التي دائماً ما تنظر للمرأة بطريقة مُهينة"

يطالب مشروع قانون مناهضة العنف الأسري المتداول بتوفير آلية لحماية للمرأة من معنّفها عبر اعتقاله وتوفير مكان آمن للضحية، وبرامج تأهيل نفسي لها.

غياب القانون الذي يحمي النساء في العراق يمنعهنّ من التوجّه إلى القضاء. تقول فاطمة (اسم مستعار): "لو كان هناك قانون حقيقي في العراق يحمي ويضمن حقوقنا كنساء عراقيات لكان ممكناً أن نتوجه إلى القضاء، لكن القانون في العراق يظلم المرأة".

تُشغل ابنة محافظة البصرة البالغة من العمر 30 عاماً نفسها بالأعمال المنزلية خلال الحجر من الصباح حتى المساء لتتجنب نشوب مشاكل مع زوجها الذي التزم بيته كغيره من المواطنين.

"بات يختلق المشاكل دون أسباب ليقوم بضربي على مختلف أجزاء جسدي وتحديداً على منطقة الرأس باستخدام عصا. من شدة الألم لا أستطيع النوم أحياناً. قبل أزمة كورونا كان يقضي معظم وقته خارج المنزل لذلك تعنيفه لي كان أقل. كان يضربني كل ثلاثة إلى أربعة شهور. ولكن الآن، زاد الأمر، هذا عدا الشتائم والإهانات"، تروي لرصيف22.

وتضيف: "آخر مرة، حاولت الإفلات منه وصرخت بأعلى صوتي من شدة الألم، لكن لم يساعدني أحد من الجيران. هددته بأنّي سأحرق نفسي فأجابني: لا أنا أحرقك مو إنتي تساوينها".

تتحمّل منذ سبعة أعوام أذى وتعنيف زوجها لها "من أجل أطفالي، وخوفاً من نظرة المجتمع لي كامرأة مطلقة، وبسبب نصيحة أهلي بالصبر والتحمل"، كما تروي لرصيف22.

من أشكال ممارسة العنف الأخرى ضد المرأة العراقية ما يجري في مسائل النفقة والحضانة.

تروي رنا (اسم مستعار) البالغة من العمر 31 عاماً والمقيمة في أحد مخيمات النازحين الواقعة في محافظة دهوك شمال غرب العراق في إقليم كردستان، أن زوجها طردها من البيت ومنعها من أخذ أطفالها وحرمها من رؤيتهم لمدة عامين، وتضيف: "طلبت من العشيرة إيجاد حل فطلبوا من زوجي أن يقدّم مالاً مقابل عدم مطالبتي بأبنائي. رفضت أخذ المال ورفعت قضية لدى المحكمة للطلاق وأخذ حضانة أبنائي، وكسبتها لكن لم تتحقق العدالة على أرض الواقع".

مرت سنتان ونصف السنة ولم تحصل رنا على أي مبلغ من النفقة المحددة بـ257500 ديناراً عراقياً (215 دولاراً)، رغم توفر المال لدى طليقها وتزوجه مرة أخرى وانتقاله للعيش في منطقة بعيدة عن المخيم.

رفعت شكوى أمام القضاء، وصدرت مذكرة لإلقاء القبض على زوجها نتيجة تهربه من دفع النفقة لأبنائه لكن لم يتم اعتقاله بسبب تدخل العشائر. تقول رنا: "احترت مع الحكومة، ودائماً أتساءل لماذا لا تنفّذ الحكم. نعيش حياة صعبة، وتعبت نفسياً من الأمر. أشعر بظلم كبير لعدم تنفيذ الأجهزة الأمنية قرار القاضي، عدا تهديده المتواصل لي بالقتل في حال استمريت في المطالبة بحقي".

أغلب قضايا العنف الأسري يتم فضها عشائرياً. يُبيّن القاضي المتقاعد ورئيس هيئة النزاهة السابق رحيم العكيلي أن "الأحزاب والكتل الإسلامية المسيطرة على صنع القرار في مجلس النواب هي التي تمنع تشريع قانون مناهضة العنف الأسري، بسبب أفكار رجعية، وفتاوي دينية تجعلهم يصرون على الاستمرار في ذات الأفكار التقليدية التي دائماً ما تنظر للمرأة بطريقة مُهينة".

ويضيف العكيلي لرصيف22 أن "مهمة القوانين هي تغيير هذه القواعد المستقرة في المجتمع، ومنع اعتداء الزوج على زوجته، لكن القوانين لا تفعل ذلك وإنما تكرّس هذه التقاليد، وتضع لها مسوّغاً قانونياً كضرب الزوج زوجته باسم التأديب".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard