شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"مثال يُحتذى"... قصة هشام سليم مع نجله أعادت الأمل إلى العابرين جنسياً في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 4 مايو 202002:22 م

وحيداً مرغماً على فراق الأهل برغم الاشتياق إليهم، يحيا حاتم (اسم مستعار) في إحدى ضواحي العاصمة المصرية القاهرة، ليس لأنه مطارد أمنياً بل لأنه "عابر جنسياً"، الأمر الذي يراه الكثيرون في مصر "جريمة/ مرضاً نفسياً/ خللاً بحاجة لعلاج/ كفراً وتمرداً على خلقة الله".

الشاب العشريني قال لرصيف22 إنه بكى طويلاً وهو يشاهد حلقة مساء 3 أيار/مايو من برنامج "شيخ الحارة" على قناة "القاهرة والناس"، حيث أعلن الفنان المصري هشام سليم عن عبور ابنته سابقاً نورا، ابنه حالياً نور، جنسياً وتقبله ذلك ودعمه نجله برغم صعوبة الأمر مجتمعياً.

"العبور الجنسي ليس سهلاً"

خلال الحلقة، سألت مقدمة البرنامج إيناس الدغيدي هشام "هل ابنتك الكبرى مصابة بـخلل جيني؟": فأجاب "بنتي نورا بقت ابني نور (...) لم أستغرب تحولها لأنها منذ ولدت كنت أرى جسدها جسد ولد، حتى أول يوم حملتها فيه وكنت دائماً أشك في ذلك، حتى جاءتني في يوم من الأيام، وهذا أراه شجاعة منها خصوصاً أن هذه الأمور مرفوضة في مجتمعنا، وقالت لي ‘أنا عايشة في جسم غير جسمي‘".

وعن رد فعله حين صارحته ابنته وهي في عمر الـ18 (حالياً 26 عاماً)، أضاف: "قلت لها ‘ما المطلوب مني؟‘ لأني مؤمن أن الله هو الذي يصورنا في الأرحام (...) لا يد لها في ذلك". وأضاف: "أعرف أنها كانت تمر بمشاعر متضاربة أتعبتها… وهي تبحث عن نفسها في مجتمع غير متفهم، وعليها أن تقرر كيف ستحيا حياتها. هذا ما كنت أحمل همّه".

واعترف هشام بخطئه عندما كان يخاطب نجله كما لو أنه أنثى، وهذا ما كان يغضب نور. وأوضح: "كان صعباً أن أمحي من ذاكرتي الـ18 عاماً السابقة التي ربيتها خلالها".

وتابع مستخدماً صيغة المذكر لدى الكلام على ابنه: "بما أني أنا أبوه، فلازم أساعده أنه يقدر يحقق عيشته (...). جميع أفراد الأسرة يتعاملون معه بطريقة عادية جداً على أنه ولد، وهو ولد. وأشجعه على أن يحيا حياته كما يريد".

وختم هشام: "لأ أستطيع أن أطلب من المجتمع أن يتقبل أو لا يتقبل (العبور الجنسي). أريد أن أقول للناس الله يكون في عون الابن اللي كدا أو البنت اللي كدا ويكون في عون أهلهم".

"ليت أهلي يستمعون إليه"

تعليقاً على ذلك، قال حاتم: "تمنيت لو أني كنت جالساً وسط أبي وأمي وأفراد عائلتي حينذاك لأقول لهم هذا بالضبط ما كنت أريده منكم… التفهم والتقبل كي أستطيع مواجهة الصراع الذي يدور في رأسي".

لكنه، برغم كل شيء "ممتن" لهشام، ويأمل أن يشاهد ذووه الحلقة ويتداركوا موقفهم تجاهه. وقال إنه لا يعتبر أن ذلك جاء "متأخراً" بل سيفرح بلقاء أهله الذين يشتاق إليهم طوال الوقت برغم إصرارهم على عدم التواصل معه.

"بكيت كثيراً وأنا أشاهد حديث سليم عن العبور الجنسي ودعمه لابنته رغم صعوبة الأمر مجتمعياً"... إشادة واسعة بشجاعة الفنان هشام سليم في إعلان تقبل عبور نجله جنسياً وتفضيل راحته على "شعبية الأب ونظرة المجتمع له"

حاتم ليس وحده في هذا الصراع النفسي والمجتمعي، إذ يعاني العابرون جنسياً في مصر "أسوأ أنواع الانتهاكات ويتعرّضون للتمييز من جميع فئات المجتمع"، وهم محرومون من غالبية الخدمات العامة ومن حقوقهم الأصيلة، لا سيما في ما يتعلق بالرعاية الصحية والأوراق الثبوتية والاهتمام الإعلامي والحقوقي بقضاياهم وتسليط الضوء على مطالبهم.

خلال حديثه، سلّط هشام الضوء على معاناة نجله مع تعديل أوراقه الثبوتية من فتاة إلى شاب، وأوضح أنه عجز طوال عامين عن تجديد بطاقة هوية ابنه الرسمية لأن الموظفين يجدون أمامهم رجلاً فيما تفيد الأوراق الرسمية بأنه امرأة.

"خطوة نحو المستقبل"

ترى الناشطة الحقوقية والجندرية ملك الكاشف في تصريحات هشام سليم "خطوة عظيمة تستحق أن يطلق عليها ‘الخطوة الفدان‘، لأنها من أهم مكتسبات حركتنا، الثورة الجندرية"، حسب ما قالت لرصيف22.

وتكهنت ملك بأن "هذا الاعتراف سيشجع الأهالي، لا سيما البسطاء الذين يتخذون الفنانين قدوة، على تقبل العبور الجنسي لأبنائهم، كما أنه قد يقلل حوادث العنف والكراهية ضد العابرين جنسياً. وفي الوقت نفسه، سيشجع العابرين أنفسهم على رفع أصواتهم والتعبير عن ذواتهم مبكراً من دون خوف. هذه خطوة للمستقبل".

ولم تستبعد أن يتعرض هشام للهجوم، وربما لـ"التكفير"، لذا وجّهت رسالة دعم له عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، متمنيةً "أن يدعمه زملاؤه الفنانون برسائل صريحة عبر حساباتهم أو في تصريحات صحافية". ورأت أن من شأن هذه الخطوة أن تُحدث "صدى رائعاً في المجتمع".

وأملت ملك أن يدشن مجتمع العابرين والمنظمات المعنية بقضيتهم حملة لدعمه في وجه أي تطرف فكري قد يقف ضده.

"مثال يُحتذى به"

كان الفنان شريف رمزي في طليعة الفنانين الذين دعموا هشام بعد الحلقة، إذ كتب على تويتر: "شاهدت حلقة شيخ الحارة الجريئة، وأحب أن أوجه تحية كبيرة للنجم الكبير هشام سليم على شجاعته الكبيرة ولباقته (...) وحسن تعامله في مواقف حياته الشخصية وفنه. هشام سليم رجل نادر ومثال يحتذى به".

ملك الكاشف لرصيف22: "تصريحات هشام سليم خطوة عظيمة نحو المستقبل"، وشريف رمزي يصفه بـ"رجل نادر ومثال يحتذى به"... لكن البعض يخشى من تبعات خطيرة على الأب ونجله بعد "زوال التعاطف المجتمعي الحالي"

حظيت تصريحات هشام أيضاً بتقدير في الوسطين الشعبي والثقافي. رأت الأديبة سعاد سليمان في هشام "أباً موجوعاً على ابنته، عاش وفلذة كبده تجربة صعبة"، وعبّرت عن تعاطفها معه كونه "كان داعماً ظروف شخص يحمل له البنوة… إنه أمر صعب في هذا المجتمع المنغلق العقل".

المصور الصحافي محمد الراعي اعتبر أن "قول الفنان إن ابنه عابر جنسياً من أنثى إلى ذكر وإنه يدعمه في اختياراته، شجاع"، وانتقد "قطاعاً واسعاً (من الناس) يعتبر العابرين جنسياً مجرمين"، لافتاً إلى "حق كل إنسان في حرية الاختيار".

تقبل ميول الأبناء

وأشاد معلقون كثر بشجاعة الفنان سليم، واعتبروا أن نجله "محظوظ" بتفهه لوضعه ودعمه، مضيفين: "لولا لدى الآباء الآخرين مثل الدعم والتقبل اللذين لدى هشام سليم تجاه ابنه، لكان مجتمعنا أقل كراهية وأقل مشاكل نفسية".

صحيح أن هناك عدة مشاهير كشفوا عن عبورهم الجنسي مثل حنان الطويل (الشهيرة بـ‘مس انشراح‘) وهيفا ماجيك والراقصة المغربية نور الطالبي، لكن إعلان هشام يُعدّ "سابقة" من حيث تقبل الأهل ميول الأبناء المغايرة لما هو شائع في مجتمعات تفرض الوصاية الأبوية وتقيّد خيارات الأبناء بدعوى أنهم أقل خبرة أو ما شابه.

وفيما روى بعض الذين وضعهم كوضع نجل هشام سليم مواقف تكشف عن فصول من معاناتهم مع ذويهم بسبب عدم تقبل ميولهم، تساءل آخرون "كم إنساناً دُمرت حياته بسبب عدم تقبل أهله له؟".

وذكر أحدهم: "أبويا اتصل بالشرطة، قالهم تعالوا خدوا ابني عشان شاذ".

ووجه معلقون الشكر والتقدير للفنان سليم كونه قدم حرية ابنه وراحته النفسية على "شعبيته ونظرة الناس إليه"، لافتين إلى أن ابنه لن ينسى دعم والده ووقوفه إلى جانبه واحترام ميوله "في بلد زي مصر حيث سخط الأغلبية المقهورة من خبر زي ده". في حين أعرب متابعون وإعلاميون تخوفهم من مواجهة هشام ونجله لاحقاً تبعات سلبية لاعترافه "بعد زوال التعاطف الشعبي".

ولم تخلُ تعليقات من الهجوم المعتاد على من يطرح موضوع حرية التعامل مع الهوية الجندرية والجنسية بالطريقة التي طرحها سليم، إذ رأى مغردون مثلاً أنه "كان يجب أن يُقنع ابنته بضرورة تقبل جسمها".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard