شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"أخيراً انتبه للون شعري"... ماذا يحدث بين الأزواج في عزلة الحجر الصحي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

العالم العربي وكورونا

الأحد 3 مايو 202003:07 م

"كيف الحجر معكم؟"، "خليك بالبيت، "متى راح ترجع الحياة لطبيعتها؟"، بالطبع لا يكاد يمضِ يوما دون مشاركة هذه التساؤلات بيننا سواء مع الأصدقاء، العائلة، الأقارب، والجيران حتى باتت الأشهر عالمياً بعد أن حلّت أزمة كورونا ضيفاً ثقيلاً غيَّر ملامح الحياة اليومي لشرائح المجتمع كافّة، وعزلهم منزلياً.

بات التأقلم مع أنماط الحياة الجديدة التي فرضها هذا الوباء لا مفرّ منه، وعن دون قصد طفت عادات جديدة على السطح لدى الكثيرين، ويتجلّى ذلك أيضاً في العلاقات الزوجية للعاملين، حيث لم يكن يتاح لهم الوقت، للجلوس سوية، على عكس ما حدث بعد الحجر المنزلي.

"لم يكن ينظر لوجهي"

نور يوسف (35 عاماً)، فلسطينية فقدت وظيفتها كسكرتيرة في إحدى المدارس التعليمية بداية مارس الماضي، وكذلك زوجها الذي يعمل محامي في محكمة الصلح في مدينة غزة.

وبدت هذه المفارقة جديدة بالنسبة لزوجين معتادين على ممارسة مهامهم اليومية العملية، باتا في حالة بطالة دائمة.

"تغيَّر الزمن بكل تفاصيله، لم يعد لدينا سيطرة متلائمة مع عقارب ساعاتنا البيولوجية، وحدثت تغيرات على طبيعة مأكلنا، نومنا، عملنا، وحتى سلوك العناية بأطفالي"، تقول نور لرصيف22.

وامتدت التغيرات خارج منزل نور وزوجها أيضاً، تضيف نور: "لم يستوعب بعض الأقارب فكرة منع الزيارات العائلية، والتباعد؛ مما خلق لي نوعا من سوء التفاهم بيني وبينهم، إضافة لمعاناتي من التوتر بعدما كنت أقضي أغلب وقتي بين الأوراق وشاشة الحاسوب في العمل، أصبحت رهينة في منزلي".

"أول مرة زوجي ينتبه للون شعري الجديد، فلم يكن ينتبه لمثل هذه التفاصيل سابقاً، رغم أهميتها بالنسبة لي، حتى أني كنت أشعر بعض المرات بأنه لا ينظر لوجهي"

في البداية شكَّل الأمر لديها قلقاً كبيراً، عرَّضها لضغوطات نفسية، أنتجت بعض الصدامات مع زوجها، نظراً لتوقّف مصدر دخلهما الوحيد، حيث يعملان بعقد مؤقت، ما يشبه اتفاقاً ضمنياً "المال مقابل العمل"، هذا ما أدخلها في "دوّامة" لم تكن في حسبانها، لكنها حاولت الاستعاضة ببعض الأموال المُدَّخرة لديها، والتي كانت تستقطعها من المصروف اليومي.

تتذكّر نور حياتها سابقاً، وتقارنها باليوم: "ليس سرّاً أنّ الحياة العملية عادة ما تخلق فجوة بين أي زوجين عاملين بالكاد تسمح لهما ظروفهما المهنية الموازنة بين العمل والتفرغ للمنزل، وهذا ما كنت أستشعره عند اجتماعنا سابقا في كل يوم جمعة، والذي يمثّل الأجازة الأسبوعية مع الأولاد، حيث كنت أشاهد نظرة الاشتياق في عينيهم لي ولوالدهم، لأننا لم نكن نملك وقتاً كافياً للانتباه لهم، وهذا مؤسف حقا".

اختلف المشهد الأسري الآن، حيث أبرزت تداعيات الحجر المنزلي وجها آخر لكلا الزوجين، باتت تقضي العائلة ساعات طويلة سويا، مما قوى من أواصر العلاقات بين أفرادها كالاتجاه لمشاركة اللعب مع طفليهما، واكتشاف مواهبهم الجديدة بالرسم مثلا، ومراقبة أولى خطوات طفلهما الصغير في المشي.

ولكن أجمل ما حدث لنور مع زوجها، هو انتباهه أخيرا للون صبغة شعرها الجديدة، تقول لرصيف22 بصوت فرح: "أول مرة زوجي ينتبه للون صبغة شعري الجديدة؛ فلم يكن يعهد مثل هذه التفاصيل سابقا، رغم أهميتها بالنسبة حتى أني كنت أشعر بعض مرات بأنه لا ينظر لوجهي".

"ألعب الطاولة في المطبخ مع زوجي"

"تعاملنا مع الفكرة في أول أيام صدور قرار الحجر المنزلي بدعابة ومزح، توقعنا أن تكون مجرد إجازة سنأخذها من العمل لأيام قليلة ونعود، لكن الأمور فاقت التوقعات، وزادت أيام العزل لفترة طويلة، وفي ذات الوقت الحياة غير متوقفة، هنالك مسؤوليات وواجبات علينا فعلها من المنزل، ما جعلنا نخرج بفكرة ترضيني أنا وزوجتي تفادياً لحدوث أي تصادم"، يحكي نادر سيد أحمد (29 عاما)، يسكن في القاهرة، ويعمل مصمم ويب، وتعمل زوجته سارة (28 عاما) محاسبة في إحدى الشركات المصرية.

بشكل عملي قام نادر وزوجته بتقسيم المنزل صغير المساحة لأقسام، تشبه المكاتب، لكل منهما "مكتب" خاص به، غير مسموح للآخر الاقتراب منه، وتم وضع خطة زمنية يومية لمواعيد العمل والاستيقاظ، كل واحد منهما يجلس في مكتب العمل 5 ساعات، كما لو كان خارج المنزل.

"قسمنا منزلنا الصغير لمكتبين، واحد لي والآخر لزوجتي".

اكتشف نادر أنّ العمل من المنزل بشكل عام أفضل بكثير، يقول: "توفّر علينا هذه الطريقة مشكلة المواصلات التي تستغرق وقتاً، وتمنحنا وقتاً إضافياً لأشياء منزلية، مثل طهو الطعام مع زوجتي".

مثل الكثير من الأزواج، تغيرت علاقة نادر بالمطبخ، فمن مساعدة زوجته في إعداد الطعام، لإعداده هو بنفسه، يقول لرصيف22: "لا أذكر أني كنت أدخل للمطبخ سوى لتناول الماء، الآن أقضي فيه فترة لا بأس بها، وأشارك زوجتي في إعداد أطباق طعام مصرية، زي صينية الكنافة".

نور هي الأخرى سعيدة بعدة تغيرات طرأت على روتينها اليومي مع زوجها، تقول لرصيف22: "كنت أعاني في السابق من ضيق الوقت، وتحمّلي كافة أعباء المنزل لوحدي، فلم يكن زوجي يساعدني أبداً نظراً لاعتياده على الخروج يوميا برفقة أصدقاءه الى القهوة، لكن تغير الأمر فأصبح المنزل بمثابة قهوة حتى أننا نتبادل لعب الطاولة، وهذا ممتع جدا لنا".

"تغير الأمر، قسمنا المنزل الصغير لـ"مكاتب عمل"، وحددنا ساعات العمل، وتحول المنزل أيضاً إلى مقهى، حتى أننا نلعب الطاولة في المطبخ... وكم هذا ممتع"

وتؤكد نور على أنها وزوجها يتفاديان فكرة الخروج إلا لقضاء "حاجة ملحة" كجلب الطعام مثلا أو حدوث طرف طارئ، لالتزامهما بالإجراءات الاحترازية التي أعلنت عنها منظمة الصحة العالمية.

"أصبحنا عراة"

تثمن ديما مصطفى (31 عاماً)، سورية إعلامية، هي الأخرى تجربة الحجر المنزلي مع زوجها، تقول: "لقد جعل حياتنا تحت المجهر".

توضح ديما في حديثها لرصيف22 بأن العزل المنزلي عزَّز التواصل، والتضامن الأسري بينهما أكثر من ذي قبل، ومراقبة تفاصيل معيشتهما، ومنح مساحة أطول في سماع بعضهما البعض، ممَّا خلق مشاعر ايجابية في علاقتهما الزوجية، بعد أن كان كل منهما منغمساً في أعماله تحت وطأة ضغوطات العمل النفسية.

ورغم أن الزوجين كانا معتادان على الخروج يوميا سواء كان للعمل الصحافي الميداني أو للتنزه إلا أنهما حاولا الاستعاضة عن ذلك من خلال تطوير ذاتهم في المنزل، والاستمرار بعملهما "أون لاين"، والتشاور فيما بينهما لإعداد مواد صحافية، إضافة لمشاركة اهتمامات جديدة للقضاء على وقت الفراغ، كقراءة الكتب، ومشاهدة البرامج التلفزيونية، والقيام سويا بالأعمال المنزلية، وممارسة الرياضة.

ليس بالطبع كل تفاصيل العزل إيجابية، حيث تحدث مناوشات بينهما بين كل حين وآخر، ولكنها سرعان ما تذوب.

وقد لفت مارك ماديسون، كاتب أمريكي متخصص في العلاقات الإنسانية، في مقالة عن العلاقات العاطفية أثناء الحجر المنزلي، إلى بضعة تغيرات طرأت على الأزواج أبرزها "تراجع القدرة على تشتيت الانتباه التي كانت مُتاحة من قبل"، فإذا كنت أبا رديئا أو كُنتِ زوجة غاضبة، فقد كان يُمكنكِ من قبل تشتيت انتباه شريكك إلى ما لا نهاية، أما الآن فإنّ الوضع لم يعد كذلك، التواصل المُستمر لا يدع هناك شيئا يمكن أن تُخفيه عن نفسك أو عن شريكك، "لقد أصبحنا عراة عاطفياً مع شركائنا".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard