شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"أبتسم بتشفٍ لمعاناة أبي وأخي في الحجر المنزلي"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

العالم العربي وكورونا

الثلاثاء 21 أبريل 202005:32 م

بعدما أجبر فيروس كورونا المستجد، ما يقرب من ثلاثة مليارات شخص على مستوى العالم، أي ما يقرب من نصف عدد السكان، على التزام منازلهم، ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي، بآلاف المنشورات والمقاطع المصورة، التي تسخر من معاناة الحبس في المنزل.

ورغم الحسّ الفكاهي الذي يتمتع به المغردون والساخرون، إلا أن هناك فئة أخرى ليست بقليلة، لم يكن الأمر مضحكاً لها، بل ذكّرها بمعاناتها في حياتها المعطَّلة بين أربعة جدران، بأمر من أبيها، أخيها أو زوجها، وفي بيئة قاسية، انقلاب إحداهنّ على "قوانين الأسرة" ذات تكلفة نفسية، واجتماعية، ومادّية عالية.

فتيات ونساء محبوسات في منازلهن منذ سنوات طويلة، فبات هذا هو روتينهن اليومي، لم تختلف حياتهنّ قبل أو أثناء أزمة كورونا في شيء.

"محاصرة قبل كورونا"

آية حمدين (20 عاماً) طالبة بجامعة القاهرة، ترى أنها تعيش حياتها الجامعية، خاصة فترة الإجازة السنوية في "حجر"، قبل كورونا بفترة طويلة، تحكي لرصيف22 نمط حياتها الذي فرضه عليها أسرتها: "أنا في العام الثالث من دراستي الجامعية، وحتى الآن ممنوعة تماماً من الخروج مع صديقاتي أو زيارة صديقة في منزلها، أو حتى الجلوس مع صديقاتي لبعض الوقت في الجامعة، بعد انتهاء محاضراتنا، وليس مسموحاً سوى أن تزورني صديقاتي في منزلي، لذلك فإن حياتي تحولت لحجر منزلي اضطراري قبل أزمة كورونا بسنوات طويلة، خاصة في فترة الإجازات".

"حياتي تحولت لحجر منزلي قبل أزمة كورونا بسنوات،  ممنوعة من الجلوس مع صديقاتي بعد انتهاء المحاضرات، ومن نزول الشارع في الأجازة" 

وتصف آية، اللحظة التي قرّرت فيها الحكومة المصرية تعليق الدراسة بأنها "الأسوأ" في حياتها، تقول: "أنا لا أخرج، لا أرى الشارع والناس، لا أتنفس بحرية سوى أثناء ذهابي أو عودتي من الجامعة، فأتى قرار التعليق ليحرمني من هذا".

لكن ما يزيد الطين بلة بالنسبة لآية في الحظر، الذي تعيشه بالأساس طوال حياتها، هو مشاركة والدها وأخيها البقاء في المنزل، تقول لرصيف22: "مكوث والدي وأخي في المنزل لفترات طويلة يعني زيادة المشاكل، المشاجرات، والأجواء السلبية التي يفرضانها علينا أنا وأمي".

استغلّت آية شعور والدها بالملل لمكوثه فترات طويلة في المنزل، وبدأت تتحدث عما تعانيه كنمط حياة مفروض عليها، وقالت له إنهم يحرمونها من "أبسط حقوقها".

تكمل آية: "حاول أن يقنعني أنه يفعل هذا خوفاً علي، فقلت له هل تخاف علي من الناس والشارع، ولا تخاف علي من الاكتئاب أو عدم شعوري بالثقة بنفسي، أو عدم تكوين أي خبرة حقيقية تذكر قد تنفعني في حياتي؟".

"هل تخاف علي من الناس ولا تخاف علي من الاكتئاب؟".

أما نورا نهدي (23 عاماً)، خريجة كلية الزراعة وتسكن الإسكندرية، فتشعر بالتشفي من والدها عندما تراه متململاً من الجلوس في المنزل، وأحياناً تلقي بالنكات الساخرة.

تقول نورا لرصيف22: "أنا ممنوعة من الخروج من المنزل من قبل الحجر المنزلي، فمنذ أن تخرجت من الجامعة منذ سنتين، لم أخرج للشارع وحدي أبداً، إما مع أبي، أمي أو أختي الكبرى المتزوجة، وهو ما فعله أبي مع أختي أيضاً من قبلي، ولا يرى أبي وأمي أي حرج من أن يقولوها بشكل صريح، أنني سأظل حبيسة المنزل حتى أتزوج، فينزاح همّي ليتحمله رجل آخر، ووقتها هو الذي يقرر إن كنت أخرج للشارع وحدي أو لا".

كان والد نورا يرفض أن تكمل تعليمها الجامعي، لولا تدخل أمها وخالها، ويرفض بشدة أن تعمل.

كلما رأت نورا والدها تقول له: "هل شعرت الآن بالظلم من إجباري على المكوث في المنزل"، فيحاول التهرب منها، أو الرد بأن "النساء معتادات على ملازمة المنازل عكس الرجال"، وأحياناً يفقد أعصابه عندما تحاصره بالأسئلة.

وترى نورا أنه لا شيء سيتغير، وأنها لن تنال حريتها في بيت أسرتها.

"حجر من البيت للقبر"

أما روفيدة الفايز، جزائرية الأصل (32 عاماً)، تعيش وتعمل في القاهرة، فتتذكّر في ساعات الحجر أيامها التي قضتها في منزل أبيها في الجزائر.

تقول الفايز عن نمط حياة النساء المحجورات مثلها: "آلاف الفتيات محبوسات في منازلهن في الجزائر، غير مسموح لهن بالخروج لأي سبب، فهي من منزل أبيها لمنزل زوجها للقبر، البعض يبرر هذا بتقاليد المجتمع أو الدين، أو طبعاً بالابتزاز العاطفي الدائم بالخوف عليهن، وعانيت كذلك لفترة طويلة خلال سنوات مراهقتي الأولى، من حرماني من رؤية الشمس والشارع واستنشاق الهواء بحرية".

عندما انتقلت الفايز لمصر بعد زواجها، بدأت تتعامل مع المجتمع، وتكوّن روابط اجتماعية مع نساء أخريات، تقول عن مشاعرها: "كان يعتريني ألم قاسٍ عندما كنت أشرح شعوري بالفرحة الكبيرة بسبب خروجي مثلاً مع بعض الصديقات، ولا يفهم زوجي شعوري هذا، لأنه لم يفهم كيف كانت محظورة علينا هذه الأمور العادية".

"إن كان هناك شخص يحب الجلوس بالمنزل، فهذا لأنه انطوائي وليس لأنه امرأة، وعلى الكثير من الرجال أن يفكروا بشكل منطقي في تحكمهم غير السوي وغير الإنساني، بعدما جربوا ما أذاقوه لنا"

"أقسمت بربي وديني، أنني لن أجعل ابنتي تخوض تجربة الحرمان من الهواء والشمس، لحظة واحدة من حياتها"، تقول الفايز.

أكثر ما يثير أعصاب الفايز ادعاء بعض الرجال بأن النساء لا يمانعن الجلوس في المنزل، وأنهن معتادات على هذا، تقول لرصيف22: "هذا ليس سوى مجرد أكاذيب، وخرافات ذكورية عارية تماماً عن الصحة، فإن كان هناك شخص انطوائي أو يحب الجلوس بالمنزل، فهذا لأنه انطوائي وليس لأنه امرأة، وأعتقد أنه على الكثير من الرجال أن يفكروا بشكل منطقي في تحكمهم غير السوي وغير الإنساني، بعدما جربوا ما أذاقوه للنساء على مدى عقود من الزمان".

"لم أر الشارع"

تتذكر نجد الهادي (27 عاماً)، مصرية من أب سعودي، في فترة الحجر ذكريات الطفولة وبدايات الشباب، قبل أن تنفصل والدتها عن والدها.

تحكي نجد عن تلك الأيام: "أذكر أنني لم أر الشارع أنا وأمي سوى مرات معدودة، وكانت حياتنا قاصرة على المنزل، وزيارات الأقارب فقط، ربما يكون انفصال أبي عن أمي بعدما فاض بها الكيل، هو أحسن ما حدث لي في حياتي، فبعدما عدت معها إلى مصر، تغيرت حياتي كلياً، خلعت الحجاب الذي كنت مجبرة عليه، وانضممت لمدرسة مشتركة بين الجنسين، دخلت الجامعة وكونت صداقات بعضها مستمر حتى الآن".

"لم أر الشارع أنا وأمي سوى مرات معدودة".

قامت الثورة في 25 يناير 2011، وكانت نجد على مشارف الـ17 عاماً، نزلت إلى ميدان التحرير مع أبناء خالاتها، ووقعت في حب الثورة وميدان التحرير.

تتابع نجد لـرصيف22: "لو كنت ظللت في السعودية، لم أكن لأرى شيئاً من كل هذا العالم والحياة المليئة بالحركة والأحداث، وحتى الآن، لازالت هناك الكثير من المشاعر السلبية والجفاء العاطفي بيني وبين أبي، بسبب فرضه عليّ أنا وأمي الحظر المنزلي لسنوات طويلة".

تبتسم نجد بتشفٍ هي الأخرى عندما تتحدث مع والدها عبر الإنترنت، وهو يحدثها كم هي الحياة مملة في ظل حظر التجوال الذي فرضته الدولة لاحتواء فيروس كورونا.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard