شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"أرواحنا أهم"... الدراما الرمضانية المصرية على جناح كِمامة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 17 أبريل 202006:21 م

يثير استمرار العمل في صناعة الدراما المصرية، رغم تداعيات فيروس كورونا على المجتمع، سخطاً اجتماعياً، بسبب تكريس جهود كبيرة لخدمة هذه الصناعة واستثنائها من الإجراءات الاحترازية التي تتخذها الدولة في كافة القطاعات، رغم تكدّس مئات البشر في أماكن التصوير، من فنيين وعمال و"صنايعية" وسائقين ومصورين ومديري أعمال النجوم، بجانب الفنانين أنفسهم، المنتجين، المؤلفين والمخرجين.

ورغم تكثيف العمل في الدراما وتجاهل تحذيرات وزارة الصحة ومجلس الوزراء، فرض وباء كورونا تحديات جديدة وكبيرة على الموسم الدرامي الرمضاني 2020، وبات مُهدداً بالتراجع المخيف، سواء على صعيد عدد الأعمال الدرامية، أو على صعيد نسب المشاهدة، بعدما أجبر الفيروس (Covid - 19) بعض الشركات المنتجة للدراما على وقف التصوير، في حين قرَّرت شركات أخرى الاستمرار في العمل، مع تبرير ذلك بتوفير الإجراءات الاحترازية لحماية العاملين.

الدراما المصرية تعاني في الأساس من بعض القيود في الفترة الأخيرة، منها تحديد سقف الإنتاج بـ 70 مليون جنيه لكل عمل فني، إضافة لسيطرة بعض القنوات بعينها على سوق الدراما، وإغلاق بعض القنوات التلفزيونية.

"النقابة ليس من سلطاتها إيقاف تصوير الأعمال الفنية، لكن بدورنا كنا نتماشى مع الأزمة... من خلال بيانات تحثّ القائمين على ذلك، بتأجيل تصوير المجاميع في أماكن التصوير، بالإضافة إلى تعقيم هذه الأماكن" أشرف زكي نقيب المهن التمثيلية لرصيف22

وتراجعت الدراما المصرية على صعيد عدد الأعمال في السنتين الأخيرتين نظراً لاحتكار شركة إعلام المصريين التابعة للدولة، المتمثلة في شركة سينرجي للإنتاج الفني، على معظم القنوات والمنصّات الإعلامية، ومنها مجموعة قنوان "أون"، مجموعة "تايم"، مجموعة قنوات "النهار" ومجموعة قنوات "cbc"، بالإضافة إلى قرار منع بث الأعمال عبر يوتيوب، لإجبار المشاهد إلى اللجوء لمنصة تجارية تمتلكها "سينرجي" أيضاً وهي "Watch it"، وهو ما رصدته BBC العام الماضي في تقرير إخباري لها بعنوان "هل بات الإنتاج الدرامي في مصر تحت سيطرة الدولة؟".

"أرواح الأعضاء أهمّ"

ومع انتشار وباء كورونا، تعالت الأصوات المطالِبة بوقف الدراما هذا الموسم، حفاظاً على صحة الأبرياء ممن يعملون خلف الكواليس، كتب السيناريست عبد الرحيم كمال، عبر صفحته الرسمية على فيسبوك: "على السادة نقباء النقابات الفنية التحلي بالمسؤولية والحفاظ على أرواح المنتمين لنقاباتهم، منع التصوير واتخاذ الموقف الرسمي المناسب اللائق بكل نقابة، أرواح الأعضاء أهم من موسم رمضان"، وهو التصريح الذي قابله عدد كبير من العاملين بقطاع الدراما بامتعاض شديد.

كما طالبت الكاتبة مريم نعوم، العاملين بقطاع الدراما بوقف التصوير فوراً لحماية المجتمع، وتعرّضت بسببه الكاتبة لحملة هجوم شرسة، اضطرت بعدها للتأكيد على حزنها من عدم استجابة صنّاع الفنّ لطلبها، ومهاجمتها بطريقة دفعتها لاعتزال الكتابة، في بيان آخر نشرته على صفحتها في فيسبوك، منتقدة مبررات الشروط الجزائية التي يتعلّل بها منتجو الدراما، حيث اعتبرت أنَّ كورونا ضمن الظروف القاهرة التي لا تستوجب تطبيق أي شروط جزائية من القنوات على المنتجين أو العكس.

وصنعت الحالة الجدلية بين استمرار صناعة الدراما أو تجميدها في ظلّ تفشى كورونا، جبهتين من صناع الأعمال التليفزيونية، والمشاهدين أيضاً، ينحاز فريق لاستمرار الصناعة للحاق بالسباق الرمضاني، ليبقى محفزاً لقطاع كبير من المجتمع على البقاء في المنزل، والحفاظ على التباعد الاجتماعي للحدّ من الوباء.

ويرى فريق آخر أنّ استمرار إنتاج هذه الأعمال يعرّض العاملين فيها للإصابة، وكلّ إصابة واحدة تهدّد أسرة، وكل أسرة يمكن أن تنقل العدوى لحي أو مدينة بالكامل، وبالتالي فإنَّ الغاية من الاستمرار بصناعة الدراما للترفيه عن المجتمع في فترة الحجر المنزلي قد لا تكون منطقية.

"الوضع تحت السيطرة"

يرى أشرف زكي، نقيب المهن التمثيلية، أنَّ الوضع في مصر مازال تحت السيطرة، موضحاً أن مصر تختلف عن لبنان التي أصدرت قراراً سيادياً بوقف تصوير الأعمال الفنية هذا الموسم، ويكمن الاختلاف أن مصر قبلة الدراما العربية، كما أن الدراما فيها صناعة شبه موسمية، وبالتالي كان من الصعب إصدار قرار كهذا، قائلاً: "إحنا مش لبنان، الوضع مختلف جملة وتفصيلاً، وإذا أصدرت الدولة مثل هذا القرار نحن ملزمون بمتابعة تنفيذه مع الجهات المنتجة للدراما".

ويؤكد أشرف زكي لرصيف22: "النقابة ليس من سلطاتها إيقاف تصوير الأعمال الفنية، لكن بدورنا كنا نتماشى مع الأزمة خطوة بخطوة، من خلال مناشدات وبيانات تحثّ القائمين على ذلك، بتأجيل تصوير المجاميع في أماكن التصوير، بالإضافة إلى تعقيم هذه الأماكن".

وقال نقيب المهن التمثيلية أن عدد المسلسلات المقرر عرضها هذا الموسم هي 25 مسلسلاً، تم الانتهاء تقريباً من 19 عملاً منها، ويتبقى عدد قليل من المسلسلات جاري العمل به على قدم وساق، وربما سيكون هناك عمل أو اثنان خارج السباق على أقصى تقدير".

"استمرار الدراما لاعتبارات وطنية"

يرفض الناقد الفني طارق الشناوي الضغط لإصدار قرار سيادي بتوقيف تصوير الأعمال الفنية، موضحاً أن الحياة في مصر لم تتوقف بشكل كامل، خاصة أن قرارات الدولة كانت تخص التخفيف من التكدس والتجمعات، ويمكن اتخاذ الإجراءات الاحترازية في أماكن التصوير واستمرار العمل بها.

يقول الشناوي لرصيف 22: "أتوقع غياب بعض الأعمال وخسارة الرهان على نسب المشاهدة العالية هذا الموسم، لكن في نفس الوقت لا يمكن أن يتوقف تصوير الدراما الرمضانية، ليس لأسباب اقتصادية أو فنية، بل لاعتبارات وطنية، فمع إغلاق كافة منافذ الترفيه أمام المجتمع، لم يعد أمامنا سوى التلفزيون ليلتف حوله 100 مليون مواطن، هناك مسلسلات تم تصويرها والانتهاء منها قبل انتشار الوباء، وهناك مسلسلات انتهت بنسبة 80% قبل ظهور كورونا، وهذه المسلسلات يجب أن تستكمل وتعرض، نظراً للمجهود الجبار الذي بذل فيها، بجانب التكاليف التي صرفت عليها".

وينتقد الشناوي تأخر التصوير في كل موسم، وبعضها يبدأ التصوير قبل أسابيع من بداية الشهر، وشدد على ضرورة تدارك المنتجين لهذا الأمر في المواسم المقبلة، "ووضع خطط مبكرة للانتهاء من التصوير قبل فترة من الموسم، لكن بعض الأعمال التي تأخرت ولا تستطيع التدارك هذا الموسم بسبب كورونا، أنصح منتجيها بالتراجع وتأجيل العرض للموسم المقبل، طالما أن استمرار أو استئناف التصوير يحمل مخاطرة فلابد من التضحية بها".

"أتوقع زيادة نسبة المشاهدات"

مسلسل "هجمة مرتدة" بطولة الفنان أحمد عز والفنانة هند صبري، ومعهم كوكبة من النجوم، على رأسهم هشام سليم، محمود البزاوي، ماجدة ذكي وصلاح عبد الله، من المسلسلات التي نشرت تقارير صحفية بشأنها حول عدم لحاقها بالسباق الرمضاني، حيث يدور العمل حول ملف المخابرات في بداية الألفية الجديدة، ويقوم بإخراجه المخرج الشاب أحمد علاء ومن تأليف السيناريست باهر دويدار.

يقول أحمد علاء مخرج العمل لرصيف22: "لا يمكن الجزم بتأجيل المسلسل لموسم 2021، فقد انتهينا من تصوير 60% من مشاهد العمل، لكننا توقفنا تماماً عن التصوير بسبب كورونا، وإذا اتضحت الصورة قبل بدء موسم رمضان 2020 يمكن عرض المسلسل، خاصة أنه ضمن خريطة الأعمال المقرر عرضها هذا الموسم، في حين يتم تصوير باقي المشاهد بشكل مكثف في النصف الأول من رمضان".

"أتوقع خسارة الرهان على نسب المشاهدة العالية هذا الموسم، لكن في نفس الوقت لا يمكن أن يتوقف تصوير الدراما الرمضانية، ليس لأسباب اقتصادية أو فنية، بل لاعتبارات وطنية" الناقد طارق الشناوي لرصيف22

ونفى علاء تأثير كورونا على نسب المشاهدة في رمضان المقبل، بل توقع زيادة المشاهدين بسبب الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة، ومبادرات البقاء في المنزل، ما يزيد من أسهم ونسب المشاهدة للأعمال الفنية، رافضاً الربط بين الركود السينمائي للأفلام في شمّ النسيم وبين تراجع المشاهدات للدراما: "الدراما تذهب للناس في بيوتهم دون مشقة أو تكاليف، في حين ترتبط السينما بالحركة والتنزه، وهو ما حد من فرص نجاح أفلام موسم شمّ النسيم".

"الفن مرتبط بمؤسسات الدولة"

لعبت الدراما التليفزيونية في شهر رمضان دوراً بارزاً في تجسيد الملاحم البوليسية والعسكرية في السنوات الأخيرة، وبعد سيطرة مؤسسات الدولة على قطاع صناعة الدراما، تزايدت أعداد هذه الأعمال، ما جعلها منبراً إعلامياً رائجاً للجماهير من خلال الشاشة الصغيرة، ودفع مؤسسات الدولة، وخاصة الجهات الأمنية، لتبنّى هذه الأعمال وضمان ترويجها بأفضل طريقة، من خلال المنصات الإعلامية الأعلى مشاهدة.

ويعتبر مسلسل "الاختيار" من بطولة الفنان أمير كراره، والمقرر عرضه رمضان المقبل، من أبرز الأعمال التي تتناول جهود الجيش المصري ضد الإرهاب في سيناء، حيث يلخص المسلسل قصة جندي مصري لقي حتفه على يد داعش في سيناء، كما يجسد الفنان حسن الرداد عملاً بوليسياً آخر هو مسلسل "شاهد عيان".

فيما يرى المنتج جمال العدل أن الفن لا ينفصل عن "ضمير الدولة"، متمثلاً في رئيس الجمهورية، مجلس الوزراء، قطاع الصحة وقطاعات الخدمة المدنية، كما لا ينفصل عن صوت الشارع الذي يئن من تداعيات فيروس كورونا.

ويرى العدل الذي يخوض السباق الرمضاني بمسلسلين بطلتهما يسرا ونيلي كريم، أن الفن مرتبط بمؤسسات الدولة التي تكافح كورونا، ولا ينفصل عن الشارع الذي يئن من تداعياته، مشدداً على ضرورة وجود الفن تماماً مثل الدولة، يقول: "يجب أن نكون كصناع للفن مؤيدين لحكمة الدولة وشعارها في التعامل مع الأزمة وهو "يد تبنى ويد تداوي"، والفن ليس مجال ترفيه يمكن الاستغناء عنه أو التضحية به، لذلك وضعنا خطة للعمل، من خلال تخفيف عدد العمالة في أماكن التصوير، وتنظيم العمل بطريقة "شيفتات" لحماية العاملين".

"يجب أن نكون كصنّاع للفن مؤيدين لحكمة الدولة".

وتابع العدل: "من يطالب بإيقاف الفن لا ينظر لـ5 مليون مصري يكسبون قوت يومهم من الدراما، لذلك لا يجب حرمان المسلسلات التي اقتربت من الانتهاء من الظهور للمشاهد، لكن مع إيقاف الأعمال التي لم تبدأ بعد لأنها لم تتكبد خسائر ويمكن تدارك موقفها".

من جهة أخرى، أعلن تطبيق "Watch it" الخميس الماضي عن رفع قيمة الاشتراك فيه لـ 120 جنيهاً بدلاً من 50 جنيهاً، وحصل التطبيق على حقوق إذاعة أبرز المسلسلات من حيث أسماء النجوم، وميزانية الإنتاج وهي: "البرنس"، "الفتوة"، "عمر ودياب"، "النهاية"، "رجالة البيت"، "لما كنا صغيرين"، "فالنتينو"، "فرصة تانية"، "ليالينا"، "الاختيار"، "ونحب تاني ليه"، "دهب عيرة" و"بـ 100 وش".

ونشرت مواقع محلية تقارير تشير إلى انخفاض في عدد الأعمال على خريطة الإنتاج الدرامي، فهذا العام بات جاهزاً للعرض 21 عملاً فنياً، و3 أعمال أوشكت على الانتهاء، وبعض الأعمال لم تكتمل (غير معلن عددها)، بمعنى أن الموسم الرمضاني هذا العام سيشهد بحد أقصى 24 عملاً فنياً، علماً بأن الأعمال الرمضانية في 2019 كانت 32 عملاً فنياً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard