شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
عودة

عودة "لا كاسا دي بابيل"... لماذا نتعاطف مع "البروفيسور" وعصابته رغم جرائمهم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 3 أبريل 202003:33 م

"نحن لم نسرق أحداً، ولم نفعل أكثر مما فعلته الحكومة التي طبعت أوراقاً مالية أكثر من مرة بدون أي غطاء نقدي، لترضي الأغنياء"، ذلك ما قاله "البروفيسور" لمحققة الشرطة "راكيل" حين اكتشفت أن الرجل الذي وقعت في حبه هو المدبّر الحقيقي لعملية السطو على "بيت المال"، في المسلسل الإسباني الشهير "لاكاسا دي بابيل".

ترديد مليون شخص لمقولة حمقاء لن يغير من كونها مقولة حمقاء، وما قاله "البروفيسور" لا يعني تبرئته، بقدر إنها تساويه مع حكومة من السارقين، لكن، إن كانت سطوة الحب قد تحكّمت في قبول محققة الشرطة منطق حبيبها الذي انضمت إليه بعد ذلك، لماذا قَبِل كثير من متابعي المسلسل الإسباني بهذا المنطق، وتعاطفوا مع "عصابة" خططت لسرقة، احتجزت رهائن، روّعت آمنين، طبعت أموالاً بدون غطاء نقدي، أطلقت رصاصاً على جنود الشرطة ولعبت على عواطف الناس لإضفاء روح البطولة على أنفسهم؟ وهم ليسوا إلا مجموعة من المجرمين، كما تروي أجزاء المسلسل الذي سيصدر اليوم، الثالث من نيسان/ أبريل 2020، جزؤه الرابع.


وقبل الخوض في الأسباب، عليّ القول إن التعاطف مع "البروفيسور" و"عصابته" لم يقتصر على شعب دون آخر، فمتابعو المسلسل العالمي، بمختلف انتماءاتهم وثقافتهم، تعاطفوا مع "سلفا" وأحبوا "طوكيو" وحزنوا على "هلسنكي"، أما أنا فشعرت بالخسارة لموت "برلين"، وهذا التعاطف دفع بعض الأصوات للمطالبة بالتعقّل، فليس من المقبول أن يتلقى "سارقون" كل هذا التضامن العالمي.

"يقولون إن الشرطة ليست غبية، لكنها تبدو كذلك أحياناً"، جملة قالها "برلين" خلال المسلسل، يمكن من خلالها معرفة أول أسباب كل هذا التعاطف، فالنظرية الأمنية في معظم الدول لا تعتمد على ما تملكه من أجهزة تتبع وترصد، قدر اعتمادها على صورتها في نفوس مواطنيها و"هيبتها"، بأنها قادرة على الوصول إليهم في أي لحظة، معرفة ما يدور في عقولهم واكتشاف خطط جرائمهم وسلوكهم بعد ذلك، ولن يكون في وسع مواطن "الضحك عليهم"، وهو شعور يجعل الشعوب باختلافها في حالة تنافر دائم مع تلك الأجهزة، لا لأن المواطنين يريدون ارتكاب جرائم، ولكن لأنه لا أحد يحب أن يشعر بأنه ضعيف إلى هذا الحد وغير قادر على أي فعل.

ولذلك فإن متابعي المسلسل وجدوا في "البروفيسور" بطلهم، ينتصر على الأجهزة الأمنية المتعالية، فهو يعرف كيف يفكر أفراد الأمن وأي الخطوات يتخذون، وبناء عليه يتحرّك كلاعب شطرنج يعرف جيداً قدرات القطع التي أمامه، فيتفوق عليهم بالذكاء والحيلة، لذلك، المواطنون شعروا لأول مرة مع "سلفا" البروفيسور، أنهم ليسوا ضعفاء إلى هذا الحد، وأنهم يمكنهم هزيمة الأجهزة الأمنية التي تعتمد على نظرة "شوفينية" تقلل من قدرات المواطن، ولذلك فرح كثيرون بكلمات "برلين"، وإن كنت أشعر أن الشرطة في أوطاننا العربية "غبية في معظم الأحيان".

وجد متابعو المسلسل في "البروفيسور" بطلهم، ينتصر على الأجهزة الأمنية المتعالية، فهو يعرف كيف يفكر أفراد الأمن وأي الخطوات يتخذون، فيتفوق عليهم بالذكاء والحيلة، لذلك، شعر المواطنون لأول مرة مع "سلفا"، أنهم ليسوا ضعفاء إلى هذا الحد، وأنهم يمكنهم هزيمة الأجهزة الأمنية

التضامن مع الضعيف فطرة إنسانية، وهذا يعد ركيزة أخرى للتعاطف مع "البروفيسور" الذي أدرك ذلك، بل وشرح تلك النقطة بالتحديد لفريقه، وأوضح لهم كيف يستطيعون ترسيخ ذلك، وكَسْب تعاطف أكبر عدد ممكن من الجماهير، ولذلك عليهم التحايل بشتى الطرق للظهور بمظهر المضطهد، والتأكيد أنهم لا يسرقون أحداً بل يأخذون جزءاً من حقوقهم.

التعاطف مع المجرمين

وقديماً في مصر، تعاطف كثيرون مع "مجرمين" لمجرد الشعور بأنهم ضعفاء، ولعل المثال الأشهر في ذلك، أدهم الشرقاوي، الذي لم يكن أكثر من "بلطجي" بحسب الروايات، لكنه تحوّل في المخيلة الشعبية لبطل قاوم الإنجليز، وتم تخليده بأعمال سينمائية وأغان تجسد بطولاته، وهذا ما دفع السينما والدراما للتمسك بـ"ثيمة" الضعيف، القادر على مناطحة "الكبار"، ففي النهاية، سيتعاطف الجمهور معه حتى لو ارتكب جرائم كثيرة، لأن هذا الضعيف يمثلهم.

قصص الحب بين أفراد العصابة هو أيضاً عامل مهم في تلك المعادلة، ورغم تحذير "البروفيسور" في أول لقاء لهم أن العلاقات العاطفية ممنوعة، فجميعهم كسروا هذا الأمر، بما فيهم البروفيسور الذي نشبت علاقة حب بينه وبين من تطارده، وظهرت المشاعر التي كشفت رومانسية البعض وجنون البعض الآخر وحبهم للحياة.

تقديم "المجرمين" كأناس لديهم كل هذا الكم من المشاعر، الخوف على بعضهم البعض، احترامهم للوعود وضيقهم الشديد من إسالة الدماء، لم تخدم الدراما فقط، ولكنها خلقت أيضاً نوعاً من الألفة بين تلك "العصابة" ومن يشاهدهم

تقديم "المجرمين" كأناس لديهم كل هذا الكم من المشاعر، الخوف على بعضهم البعض، احترامهم للوعود وضيقهم الشديد من إسالة الدماء، لم تخدم الدراما فقط، ولكنها خلقت أيضاً نوعاً من الألفة بين تلك "العصابة" ومن يشاهدهم، ففي النهاية لا أحد يكره العشّاق ولا أحد يمنع نفسه من التفاعل مع الأحلام، والأهم من كل ذلك، تقديم المجرم على إنه إنسان وليس مجرد آلة للشرّ فقط.

ولذلك، في عام 1962، عندما قدم نجيب محفوظ للسينما فيلم "اللص والكلاب" لم يكن التضامن مع "اللص" إلا بسبب تلك النقطة بالتحديد، إظهار بشريته بعيداً عن الصورة النمطية للمجرمين بأنهم يأكلون لحماً ويشربون دماء، وليس لهم كلمة ولا عهد، وهي صورة مناقضة للطبيعة الإنسانية ذاتها.

أما آخر الأسباب التي جعلت متابعي مسلسل "لا كاسا دي بابيل" يتعاطفون مع "البروفيسور" ضد مطارديه من أجهزة الدولة، هو اقتناع كثيرين بمنطق "سلفا" نفسه، فإذا كانت الحكومات تطبع أموال لتسرقها فلماذا يجرّم هذا الفعل حين يقدم عليه المواطن نفسه؟ وهو ما جعل كثيرون أيضاً يتمنون أن ينتصر "البروفيسور" في جزئه الجديد، بعد أن ختم الجزء الأخير بمقولته: "إنها حرب... فتصرّف وفق ذلك".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard