شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"يوم الطبيعة" في البيوت... هكذا ينهي الإيرانيون احتفالات السنة الجديدة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 1 أبريل 202005:01 م

بعد الطقوس والاحتفالات التي تتعلّق ببدء العام الإيراني الجديد، والتي تشمل شراء المستلزمات والملابس الجديدة وتنظيف البيوت ويوم "الأربعاء الحمراء" أو "جَهارشنبه سوري"، وعيد النوروز والجلوس حول مائدة "هَفْتْ سِين" (سبعة سینات) لاستقبال العام الجديد، والتي ساد عليها شبح كورونا هذا العام، فتمّت مختلفة عن كلّ عام وشاحبة، ينهي الإيرانيون طقوس واحتفالات العام الجديد باحتفالهم بيوم الـ13من الشّهر الأول في العام الإيراني (فروّردين) "13 بِه دَر" (سيزده بِه دَر) الذي سمّي بعد انتصار الثورة في إيران عام 1979 بـ"يوم الطبيعة".

يعتبر "سيزدَه بِه دَر" الذي يصادف اليومَ، آخرَ أيام احتفالات عيد النوروز أو احتفالات بدء العام الإيراني الجديد، والتي تستمر 13 يوماً، فتنتهي بهذا اليوم، وله مكانة خاصة في الثقافة الإيرانية، ويمكن اعتباره بأنه أكبر حضور شعبيّ تقليدي في إيران.

تعني "سيزده" في اللغة الفارسية "الثالث عشر"، وتعني "دَر"، "الباب"، ومن هنا "سيزدَه به دَر" يعني "إخراج الثالث عشر من الباب" بالعربية. وتقول نصوص في الأدب والتاريخ الفارسي القديم إن كلمة "در" تعني السّهل (دَشْت في اللغة الفارسية)، حيث المقصود من "سيزدَه به در" هو "الثالث عشر باتجاه السّهول والحدائق". كل هذه المعاني تدلّ على طقوس هذا اليوم، حيث يخرج الإيرانيون فيه من البيوت إلى الطبيعة، أي الحدائق والسّهول.

وفق التقاليد تخرج العوائلُ الإيرانية منذ صباح هذا اليوم من البيوت لتجلس في الحدائق والسّهول حتى مغيب الشّمس، وتقضي الوقت في الرقص، والدردشة، واللّعب، وتناول الغداء. وفي نهاية اليوم أو قبل العودة إلى البيت، وبهدف طرد الشرّ وتحقيق الأمنيات، واحتفالاً بالطبيعة وحلول الربيع، تقوم برميِ الـ"سبزه" أو الشتلة التي تمّ زرعها قبل أيام من بدء السنة الجديدة، ووُضعت طيلة الأيام الـ12 من العيد على مائدة "هَفتْ سين"، إضافة إلى إخلاء الأواني الزجاجية من الأسماك الحمراء الصغيرة التي كانت حاضرة على المائدة منذ اليوم الأول من النوروز. وبعد ذلك تعود العوائل إلى البيوت.

وكعادة قديمة تقوم العائلات الإيرانية في هذا اليوم بربط خضار العيد قبل رميِها في الأنهار أملاً في تحقيق أمنياتها. وكتقليد قديم تقوم الفتيات في العائلة بعقد الخضار، اعتقاداً أن هذا يجلب لهنّ حظّ الزواج. ويرمز ربط خضرة العيد إلى ربط الحياة بالطبيعة.

في نهاية اليوم أو قبل العودة إلى البيت، وبهدف طرد الشرّ وتحقيق الأمنيات، تقوم العوائل برميِ الشتلة التي تمّ زرعها قبل أيام من بدء السنة الجديدة، ووُضعت طيلة الأيام الـ12 من العيد على مائدة "هَفتْ سين"، في الأنهار

وفي بعض المناطق يرمون ثلاثة عشر حجراً نحو الخلف لإبعاد الشرّ والنّحس، ومع كلّ حجر يتمنّون تحقيق أمنية لهم.

وثمة اعتقاد لدى الإيرانيين بأن من يبقى في بيته في يوم "سيزده به در" يلازمه النّحسُ والحظ السيّْ طوال السّنة، ولذلك عليه الخروج إلى الطّبيعة لطرد النّحس، وجلب الحظّ من الطبيعة للعام الجديد الذي يبدأ لهم رسمياً غداة يوم "سيزده به در"، حيث تنتهي عطلة بداية السنة الإيرانية الجديدة في هذا اليوم، ويعود الإيرانيون إلى العمل منذ يوم 14 من شهر "فروَردين".

وعن جذور "سيزده به در" التاريخية، يقال بأنه يعود إلى عهد النبيّ زراتشت.، فيما يقول البعض بأنه يعود إلى عهد الملك الإيراني "جَمشيد"، وهناك روايات تقول بأنه تقليد جديد يعود إلى الفترة القاجارية (الممتدة من القرن الثامن عشر حتى بداية القرن العشرين).

وتذكر روايةٌ أن "جَمشيد" الملك الخامس من سلالة البِيشْدادية في إيران، كان يقضي اليوم الثالث عشر من أيام النوروز في السّهل، ويقيم خيمة يلتقي فيها الشّعب. وتكرّرت هذه العادة لعدّة سنوات متتالية، فأصبح تقليداً لدى الإيرانيين حتى اليوم.

ولهذا الطقس معانٍ خاصة، وروايات مختلفة. تقول بعض الروايات إن الإيرانيين كانوا يحتفلون في قديم الزّمن، على مدى اثني عشر يوماً بحلول الربيع وبدء العام الجديد، والـ12 يوماً ترمز إلى 12 شهراً في العام، وفي اليوم الثالث عشر كانوا يعبّرون عن فرحِهم بالخروج إلى الطبيعة.

روايات أخرى تقول إن الإيرانيين يخرجون إلى الطبيعة لطرد النّحس الذي يحمله رقم 13، ذلك أن رقم 13 هو رقم منحوس في الثقافة الإيرانية، وغير جالب للحظّ. كما أن هناك البعضُ في إيران يكتبون رقم البيت بشكل (12+1) إذا كان الرقم 13. بينما يؤكد بعض المؤرخين الإيرانيين أن مفهوم النّحس لم يكن موجوداً في الثقافة الإيرانية القديمة، بل هو أمر جديد في هذه الثقافة وانتقل مؤخراً من الثقافات الأخرى.

يذكر الرحالة الألمانی "إدوارد بولاك" الذي زار ایران في العهد القاجاري أن الإيرانيين يعتقدون أن بيوتهم في هذا اليوم معرّضة للخطر، ولذلك يخرجون منها لإبعاد الشرّ. ولکن هناك روايات تقول بأن الإيرانيين القدماء لم يكونوا ينظرون إلى هذا اليوم بتشاؤم، بل على العكس كانوا يربطونه بالخير والبركة.

وعن فلسفة الاحتفال بيوم الـ13 من الشهر الإيراني الأول تشير رواية إلى أنه في التقويم الإيراني القديم، كان لكل ّيوم من الشّهر اسم خاص، وكلٌّ من هذه الأيام يتعلق بإلهٍ خاصّ، فيتعلّق اليوم الثالث عشر بإلهِ المطر، وكان الإيرانيون القدماء في هذا اليوم يخرجون إلى الطبيعة، ويصلّون لنصرة الإله في معركته ضدّ الجفاف، فيستسقون ويطالبون بهطول الأمطار. وهطول المطر بعد هذه الصّلاة والطقوس كان يعتبر انتصاراً وخيراً كبيراً لهم.

كان يتعلّق اليوم الثالث عشر بإلهِ المطر، وكان الإيرانيون القدماء في هذا اليوم يخرجون إلى الطبيعة، ويصلّون لنصرة الإله في معركته ضدّ الجفاف، فيستسقون ويطالبون بهطول الأمطار

وفي غالبية المناطق الإيرانية تحضر العائلات الإيرانية في هذا اليوم "آشْ رِشتِه"، وهو حساءٌ يحتوي على الحبوب والخضار المفرومة، و"الكَشك"، و"الرّشتة" وهي عبارة عن خيوط بيضاء مصنوعة من النّشا.

انتقادات من إلحاق أضرار بالطبيعة في يومها

دائماً ما هناك انتقادات، لاسيّما من قبل النشطاء في مجال حماية البيئة بالنسبة للأشخاص الذين يخرجون في يوم "سيزده به در" بسبب تلويثهم الطبيعة، وكسرهم غصون الأشجار لإشعال النار، ورميِهم النفايات على الأرض، ودعوات كثيرة من الشعب الإيراني لعدم تلويث الطبيعة وإلحاق الأضرار والخسائر بها في يوم الطبيعة. وعادة ما يقوم الناشطون في مجال البيئة بحركة تنظيف تطوّعية في الحدائق والسّهول في نهاية يوم هذا اليوم.

"سيزده به در" في ظلّ فيروس كورونا

وكما حدث للاحتفالات والطقوس الأخرى المتعلقة ببدء العام الإيراني الجديد بسبب فيروس كورونا، أَغلقت السّلطات الإيرانية جميع الحدائق العامة، ووجّهت أوامر للشعب الإيراني لعدم الخروج إلى السهول والحدائق للاحتفال بيوم "سيزده به در" في ظلّ تفشي فيروس كورونا في البلاد وتصاعدِ وتيرة الإصابات بهذا الفيروس، وفي إطار تنفيذ خطّة "التباعد الاجتماعي".

ودعا الرئيس الإيراني حسن روحاني، المواطنين إلى البقاء في منازلهم، قائلاً: البلد يعيش ظروفاً خاصة، لذلك ندعو المواطنين أن يقدّموا لنا الدّعم بعدم مغادرة المنازل، مؤكداً أن مرض كورونا ليس له علاج إلا الالتزام بالعزل.

شوارع طهران أصبحت وأمستْ فارغة وصامتة اليوم، خلافاً لكلّ سنة

وأعرب علي رضا زالي، رئيس غرفة "عمليات مكافحة فيروس كورونا في طهران" عن قلقه من يوم "سيزده به در"، قائلاً: "من الخطير للغاية أن يخرج المواطنون إلى الشوارع والحدائق العامّة في هذا اليوم، إذ من الممكن أن تفشل جميع الجهود المبذولة لمواجهة فيروس كورونا بخروج المواطنين. ولذلك نطالب المواطنين بالبقاء في منازلهم، وتأجيل هذا الاحتفال لحين التغلّب على كورونا".

وكان مسؤولون إيرانيون قد كشفوا أن ملايين من الإيرانيين خرجوا للاحتفال بعيد النوروز، وسافروا إلى المدن الداخلية، رغم تحذيرات وزارة الصحة بالبقاء في البيت، ما أدّى إلى تسجيل زيادة كبيرة في أعداد الإصابات بفيروس كورونا.

كما نشرت وسائل الإعلام الإيرانية وشخصيات فنية ورياضية وثقافية في إيران دعواتٍ من الشعب للبقاء في البيت، وعدم الخروج بمناسبة "سيزده به در"، وهو أمرٌ يحدث لأوّل مرة في إيران؛ فشوارع طهران أصبحت وأمستْ فارغة وصامتة اليوم، خلافاً لكلّ سنة.

ولم يمنع فيروس كورونا الإيرانيين فقط من الاحتفال بيوم الطبيعة في خارج البيت، بل منع الأجانب المقيمين في إيران الذين يحتفلون بالتقاليد الإيرانية، منهم سفير سويسرا في إيران الذي غرّد: "إلى جانب إيران في الاحتفال بيوم الطبيعة في ظلّ فيروس كورونا، نبقى في المنزل، ونرمي سَمكة "هَفْت سين" في نافورة محلّ إقامة السّفير."

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard