شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
مع كورونا… كيف سنهرب من مواجهة الموت الذي يتجوّل بحرية أكثر من قبل؟

مع كورونا… كيف سنهرب من مواجهة الموت الذي يتجوّل بحرية أكثر من قبل؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الثلاثاء 31 مارس 202010:45 ص

نعيش جميعاً هذه الفترة حجراً صحياً قسرياً، قد تختلف طرق التعامل معه، ولكننا نشترك في لزوم البقاء في البيت قدر المستطاع، والتخلي عن نسق حياتنا أحياناً بشكل كامل.

ليس من السهل التأقلم مع هذا الوضع الجديد، خاصة بالنسبة لمن تعود الخروج يومياً مهما كانت الدوافع. أن نجد أنفسنا مجبرين/ات على البقاء بين جدران المنزل، حيث نضطر لبلورة إيقاع جديد على مقاس هذه المساحة التي بالكاد تتسع للعائلة، أو لعدد قليل من الأصدقاء في حال كنت بعيداً عن العائلة، فهو أمر في غاية التعقيد.

 ننسى أن الحياة والموت، وإن كانا في ظاهرهما متعارضين، إلا أنهما إلى حد ما متكاملان، ويؤديان معاً لسيرورة واحدة، وثمة ارتباط وثيق بينهما.

قد يسمح عملنا في الصحافة بكسر هذا الحصار أحياناً لنقل خبر ما، لكن حتى هذه الفسحة تصبح مخيفة مرعبة، عندما تساورك فكرة أنها قد تكون طريقك للهلاك، قد تحملك من حيث لا تدري لملاقاة هذا الفيروس اللعين.

هذا الوضع الجديد الذي دفعنا إليه مكرهين لحماية أنفسنا من الهلاك، ربما يجعلنا نتأمل كم أن الحياة والموت ثنائية عجيبة، نأتي إلى هذا العالم بقدر محدود من الزمن لأسباب غير مفهومة، نبعث داخل الحياة، نتماهى معها، نسابق الزمن القصير الذي بين أيدينا كي لا نترك للموت إلا الحطام. وفي خضم كل هذا، ننسى أن الحياة والموت، وإن كانا في ظاهرهما متعارضين، إلا أنهما إلى حد ما متكاملان، ويؤديان معاً لسيرورة واحدة، وثمة ارتباط وثيق بينهما.

منذ أن نبدأ فهم وجودنا ننغمس في الكثير من الأحداث هنا وهناك، لاهثين وراء أحلام ورغبات وطموحات تتجدد باستمرار، والحقيقة أننا نهرب من مواجهة فكرة الموت، من مواجهة أن النهاية آتية لا محالة.

فترانا نبتدع أشياء وأشياء لا حصر لها، بأهمية أو دون ذلك، يكفي أن تجعلنا نشعر بأننا مازلنا على قيد الحياة: أن ننجح، أن نعمل، أن نلهو، أن نسافر، أن نحب، أن نعانق، أن نقبّل، أن نكوّن أُسَراً ومساحات أخرى قد نطرقها، هي طوق نجاتنا ضد هاجس الموت، والشعرة العجيبة التي نتمسك بها لنشعر أننا بين أحضان هذا العالم.

وبمجرد أن نفقد هذه التفاصيل الكثيرة التي تلوّن أيامنا، نشعر فجأة أننا نتجرّد من الحياة، نتعرّى تدريجياً، ومع سقوط كل تفصيل يسقط جزء من الحاجز الذي بنيناه لكي نختبئ من عيون الموت.

فترانا نبتدع أشياء وأشياء لا حصر لها، بأهمية أو دون ذلك، يكفي أن تجعلنا نشعر بأننا مازلنا على قيد الحياة: أن ننجح، أن نعمل، أن نلهو، أن نسافر، أن نحب، أن نعانق، أن نقبّل، أن نكوّن أُسَراً... هي طوق نجاتنا ضد هاجس الموت، والشعرة العجيبة التي نتمسك بها لنشعر أننا بين أحضان هذا العالم

يتسلل البرد ويستبد بنا الخوف، هذا الضيف الثقيل الوجه المتضخم في الظروف الصعبة يربكنا ويفقدنا التوازن، كيف لا ونحن ندرك أن الخوف مقرون دائما بالريبة والخطر والاضطراب، وغيرها من العناوين الدالة، ولو بشكل غير مباشر، على الموت. شيء ما لا يرى لكن بمقدورنا تحسسه يربط بينها، لهذا عندما يستبد بنا الخوف نتذكر أكثر من أي وقت مضى أن هناك شيئاً اسمه النهاية، ونتساءل: هل نحن مستعدون بما يكفي من الشجاعة لتقبّلها؟ لا أحسب أن أحداً منا يملك الجرأة الكافية ليقول بمنتهى الهدوء: وداعاً للحياة.

اليوم، ربما هي المرة الأولى التي تتشارك فيها البشرية جمعاء في نفس الهاجس: كيف نفلت من الموت؟ كيف نعود للحياة سالمين؟ كيف ننجو وقد سُلبنا قسراً تلك التفاصيل الكثيرة التي لطالما أسست حياتنا، كي لا نرى وجه الموت يطل علينا؟ كيف نهزم شبح الموت الذي بتنا نتحسسه، ونعود لتلك المساحة التي بنيناها هرباً من مواجهة كهذه؟

عندما تنتهي هذه الأيام وننجو، هل سننظر للشمس كما كنا ونقول إنها عنوان طاقة ونور، ونسهر مجدداً مع القمر ونحن مؤمنين أنه وجه حبيبنا؟ هل سنركض تحت المطر كما فعلنا سابقاً دون أن يسكننا الخوف من أن موتاً ما يشاركنا هذه الرقصة؟ هل ستعود أرواحنا لسالف عهدها دون تشوهات؟ هل سننسى شبح الموت الذي أصبح فجأة العنوان الأكبر لأخبارنا؟ هل سننغمس كما تعودنا في تفاصيلنا، قبل أن يطرق بابنا هذا الضيف اللعين دون أن نختزن صوراً قاتمة لقادم أيامنا؟

عندما تنتهي هذه الأيام وننجو، هل سننظر للشمس كما كنا ونقول إنها عنوان طاقة ونور، ونسهر مجدداً مع القمر ونحن مؤمنين أنه وجه حبيبنا؟ هل سنركض تحت المطر كما فعلنا سابقاً دون أن يسكننا الخوف من أن موتاً ما يشاركنا هذه الرقصة؟ هل سننسى شبح الموت الذي أصبح فجأة العنوان الأكبر لأخبارنا؟

أقول لصديقتي: "لو يمنحنا الرب فرصة أخرى ونتجاوز هذا الوباء، أعدك أن أزور كل الشوارع التي كنت أزدريها وأعتذر منها، حتى ذلك المقهى اللعين التعيس الضيق الذي يصيبني بالغثيان وضيق التنفس، سأسايركم وأحتسي فيه قهوة دون تذمر"... وعدتها أن أكون سعيدة بذلك، أن أصالح كل الأشياء التي نظرت اليها شزراً فقط لينتهي هذا الكابوس.

عندما تضعنا اليد الإلهية في الحياة، نحتضنها بشدة، نتمسك بها حتى آخر رمق، نظل ننسى أو نتجاهل أن هناك، في آخر هذا المشوار، يداً أخرى تتربص بنا لسحبنا من الحياة، يداً تكتب النهاية، ولهذا عندما يحاصرنا الموت غالباً ما لا نكون مهيئين لاستقباله، فيضطر للمباغتة والمفاجأة. ورغم ذلك نقاوم ونقاوم عسى أن نفلت من يده، وهناك الكثيرون ممن نجحوا في الإفلات تماماً كما يحدث هذه الأيام.

الكل يسابق الزمن بما أوتي من إجراءات وحذر، فقط كي لا تطاله هذه اليد الفتاكة، كي يفلت من المصيدة التي أتت على هيئة وباء خطير. قد يكون الموت حقيقة كما الحياة تماماً، لكن أن نجلس محاصرين داخل بيوتنا، لأننا نعي أنه بات يتجوّل بحرية أكثر من ذي قبل، ويطاردنا بشراسة أكبر، فهذا يبعث على الهلع حتماً، ولهذا أستطيع القول جازمة، إنه غداً، عندما تنجلي هذه السحابة القاتمة، سيعود الجميع وينغمس بقوة أكبر في الحياة، حتى يطرد هذا الشبح ويعيده إلى مساحته القديمة الخفية التي تظهر عرضياً لا غير.. ستنتصر الحياة بكل تفاصيلها الملونة حتماً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard