شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"البسوا الحجاب واقعدوا في بيوتكم إنتم اللي جيبتوا لنا الوباء"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 30 مارس 202004:42 م

"صرخ رجل خمسيني في وجهي قائلاً: اقعدوا في بيوتكم بقى، جبتوا لنا الوباء"، هكذا أخبرت نيرمين السيد رصيف22،  ما حدث معها قبل  أيام،  بعدما بدأت وزارة الصحة المصرية في إعلان يومي لأعداد المصابين بفيروس كورونا وحالات الوفاة.

تروي نيرمين السيد (30 عاماً) التي تعمل طبيبة طوارئ في أحد مستشفيات القاهرة: "بدأت الأمور تأخذ منحى جدياً، وتوترت الأعصاب، وبدأ الإعلام بمطالبة المواطنين بالتزام بيوتهم، وقامت حملات التوعية بالإجراءات الوقائية الضرورية للحد من انتشار فيروس كورونا في مصر، وفي يوم خرجت من منزلي، متجهة للمستشفى التي أعمل بها، وبعد خطوات قليلة، صرخ رجل خمسيني في وجهي معترضاً طريقي، يحملنا كنساء مسؤولية ابتلاء مصر بالوباء، ويطالبنا بالتزام البيوت كما أمر الله، في البداية وقعت كلماته وقع الصدمة، وتخيلت أنه لا يتحدث إليّ أنا، ولكنني أدركت أنه يقصدني بالفعل، أو بمعنى أدق يقصد النساء بشكل عام".

استأنفت السيد مسيرها لعملها، ولم تشتبك مع الرجل الخمسيني، أو تتناقش معه.

في حين كانت ميادة الشعراوي (24 عاماً)، معلمة من الجيزة، هي الأخرى تتحمّل مسؤولية الوباء بشكل آخر،  كما أخبرها والدها.

خطب إمام المسجد المجاور لمنزل إسراء في قنا محرضاً الرجال في صلاة الجمعة: "بعد ظهور الوباء في البلاد، علينا أن ندرك أنها غضبة من الله... كفانا ملابس ضيقة كاشفة لأجساد بنات المسلمين"

تقول الشعراوي لرصيف22: "قال لي والدي بشكل مباشر: أفكارك ولبسك أنت والبنات اللي شبهك هي السبب في غضب ربنا علينا، كان هذا على خلفية نقاش محتدم بيننا، بسبب رغبتي في خلع الحجاب وتغييري لمظهري بشكل عام، بعدما كان حجاباً طويلاً وفساتين واسعة وفضفاضة، غيرته لحجاب قصير وبنطلونات وكنزات تتناسب مع سني وأفكاري، لكنني فوجئت به يحمّلني مسؤولية الوباء العالمي لأنني قررت خلع الحجاب، فقلت له وقتها: وهل سيغضب الله على العالم بأسره، بما فيه الدول الإسلامية والمتزمتة في لبس النساء، بسببي أنا فقط، فرد علي قائلاً: ليس أنت فقط، وإنما كل من يشبهونك، وينكرون فروض الله".

"كفانا ملابس ضيقة للنساء"

أما في قنا، في صعيد مصر، فقد خطب إمام المسجد المجاور لمنزل إسراء سليمان (19 عاماً)، طالبة جامعية، مُحرِّضاً للرجال في صلاة الجمعة التي سبقت قرار المنع، قائلاً: "بعد ظهور الوباء في البلاد، علينا أن ندرك أنها غضبة من الله لعلنا نستفيق، علينا أن نعود للقرب من الله، والبعد عن المعاصي، نحن وأهل بيتنا، كفانا ملابس ضيقة كاشفة لأجساد بنات المسلمين، كفانا مفاسد واختلاط بين شباب وبنات المسلمين".

تضيف إسراء لرصيف22: "وهكذا أخذ إمام المسجد يخطب في الرجال لأكثر من ثلث ساعة، عن وجوب تغطية النساء أكثر وأكثر، ومنعهن من الاختلاط أو الخروج دون حاجة ضرورية، حتى تنزاح الغمة".

وتداول نشطاء مؤخراً مقطع فيديو لأحد ضباط الشرطة يقوم بحالة توعية دينية للمواطنين، يحثّهم فيها على التكبير والدعاء، ويقول هاتفاً في مكبرات الصوت: "ربنا ابتلاك بالوباء دا علشان ترجع لربنا، اللي بيسرق يبطل سرقة، البنت اللي بتمشي لابسة بنطلون تبطَّل".

لم يكن ذلك الضابط أو إمام المسجد أو والد ميادة، هم من اخترعوا تحميل النساء مسؤولية الوباء، فهي ممارسات قديمة تستهدف "المرأة الذكية"، وتحملها مسؤولية الأوبئة.

كتبت نوال السعداوي في الباب الثاني "حقيقة تشويه المرأة" من كتاب "الأنثى هي الأصل"، أن الوثيقة التاريخية الأهم التي تناولت السحر في العصور الوسطى "مالياس مالفيكارم"، والتي كتبها جيكوب سبرنجر وهنريك كارمر، تشير إلى أنواع العقاب والتعذيب الذي تعرضت له أذكى نساء تلك العصور، لمجرد رفضهن التسليم ببعض الخزعبلات السائدة، وفي بعض الأحيان اتهمهن الكهنة بأنهن السبب في حدوث الأوبئة، التي لم يكن الطب قد اكتشف أسبابها الحقيقية بعد، أو بأي تغيير طارئ وشديد في الطقس كهبوب عاصفة.

الإجراءات الوقائية كمادة تحرش

لم يكن تحميل البعض للنساء مسؤولية الوباء، هو العلامة الوحيدة على ما يمكن أن يشكّل بدء موجة جديدة  من العنف ضد النساء في مصر في الحيز العام، فقد تحوّلت الإجراءات الوقائية لمادة جديدة من مواد التحرش اللفظي في الشارع المصري، بحسب نساء تحدثن لرصيف22.

تقول نورهان أيمن (21 سنة) من الإسكندرية، وهي عازفة ومدرسة موسيقى، أن ارتداءها للكمامة والقفازات الطبية عرضها لما تعتبره "نوعاً جديداً من التحرش"، الذي استجد بعد انتشار وباء كورونا.

تروي نورهان لرصيف22: "في أحد الأيام كنت في طريقي لوالدتي وهي كبيرة في السن، وتعاني من مرض الربو، لذلك كنت خائفة عليها من أن أنقل لها العدوى، فارتديت كمامة، ففوجئت برجل يفتعل العطاس بصوت عال جداً، لدرجة أنني شعرت بالهلع، فوجهت له السباب بصوت عالي، وطبعاً لم يتحرك أو يعلق أحد من السائرين أو الواقفين وشاهدوا الموقف، طبعاً إلى جانب الكثير من عبارات التحرش المباشرة، مثل (هو كورونا يقدر يقرب من القمر؟) وغيرها من التعليقات السخيفة".

"لبسي للكمامة والقفازات الطبية عرَّضني لنوع جديد من التحرش".

بينما تحكي سلوى عبد الحميد (32 عاماً)، محاسبة من بني سويف، لرصيف22: "الكمامة والقفازات أو أي شكل من أشكال الوقاية بعد انتشار فيروس كورونا، حولها بعض الذكور المصريين إلى أداة من أدوات المزايدة على بعض، ففي أحد الأيام كنت في طريقي مرتدية الكمامة، فانهالت عليّ التعليقات المستنكرة، وكلام موجه إلى بصوت عال قائلين: إيه دا الناس خايفة على نفسها أوي، أو: إحنا مصريين يا عم مفيش حاجة تقدر علينا، حتى تحول الأمر لساحة لإظهار الفهلوة المصرية، دون الأخذ في الاعتبار أي منطق أو عقل".

"تلك عادة المجتمعات الذكورية... حيث تحمّل الفئة الأضعف مسؤولية الكوارث"، تعلق آية منير، الناشطة النسوية ومؤسسة مبادرة "سوبر وومن".

"قال لي والدي بشكل مباشر: أفكارك ولبسك أنت والبنات اللي شبهك هي السبب في غضب ربنا علينا، كان هذا على خلفية نقاش محتدم بيننا، بسبب رغبتي في خلع الحجاب"

بالنسبة لمنير، تحميل المرأة مسؤولية الكوارث والأوبئة ليس جديداً، تقول لرصيف22: "قد سبق أزمة كورونا مثلاً الشعار الذي انتشر بكثافة في السنوات الماضية: لن ينتهي الغلاء إلا إذا تحجبت النساء، والذي بدأ في الانتشار في الثمانينيات وكتب في كل مكان، كنوع من التأكيد بأن النساء هن السبب في الغلاء والخراب، ولا يمكن تصنيف هذا الخطاب سوى بأنه خطاب كراهية جدي ممزوج بالخطاب الديني الضاربة جذوره في التراث الديني الإسلامي، ولا يمكن تصنيف تلك الأفكار أو الخطابات بحرية الرأي، فالتحريض على العنف أو التدخل وتحجيم الحرية الشخصية، ليست حرية لأحد".

"سبق أزمة كورونا في الثمانينيات شعار لن ينتهي الغلاء إلا إذا تحجبت النساء".

وترفض منير اعتبار العنف ضد المرأة في الحيز العام هذه الأيام أمراً جديداً، تقول: "موجود بالفعل بشكل يومي، ولم يخلق أو يبدأ مع أزمة جائحة فيروس كورونا، وفي اعتقادي الشخصي الوضع نفسه لن يزيد بشكل مفاجئ أو غير متوقع، فالمجتمع نفسه يتبنى العنف تجاه النساء".

ومن ناحية أخرى، ترى منير استمرار حالات التحرش ضد النساء حتى مع مستجدات كوروانا، هو "محاولة لفرض سيطرة جنس على الآخر، واختراق مساحته الشخصية".

وتنهي منير حديثها قائلة: "لكن يظل التساؤل لماذا دوماً التحرش جزء أصيل من أي مشهد مصري، سواء سياسي أو كالكوارث مثل كورونا؟ وأعتقد أن الإجابة هي "التحجيم"، فالنساء هن الطرف الأضعف والذي يسهل تحجيمه والسيطرة عليه وقهره".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard