شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
شلل إداري فرضه كورونا... ما مصير طالبي اللجوء؟

شلل إداري فرضه كورونا... ما مصير طالبي اللجوء؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 26 مارس 202003:01 م

صباح 19 آذار/ مارس، اصطف العشرات من طالبي اللجوء، وهم من جنسيات عدة، أمام مبنى المحافظة في شمال باريس برغم فرض الحكومة على قاطني فرنسا البقاء في منازلهم تحت طائلة غرامة 135 يورو بغية الحدّ من الانتشار المستمر لفيروس كورونا.

نشر الرئيس السابق لمنظّمة "فرنسا أرض اللجوء"، بيار هنري، صورة لهم على تويتر، وكتب أنّ شرطياً تذمّر على مسمعه قائلاً: "هذه معاملة تفضيلية. ينبغي أن يكونوا تحت الحجر". أجابه هنري: "سيدي، حتّى يحجروا على أنفسهم، يحتاجون مكاناً يُحجرون فيه".

انهمر مطرٌ من التغريدات العنصرية على الصورة. هناك من وصف طالبي اللجوء الظاهرين فيها بـ"جرذان المجاري"، وأحدهم قال إنّهم "طفيليات"، وثانٍ قال "علقات"، ونادى آخر "بالحجر على كلّ هؤلاء المنتفعين في طائرة" بغية إعادتهم إلى بلدانهم.

"على الفرنسيين أن يمكثوا في منازلهم، وأن يختبئوا فيها، في حين يُسمح لطالبي اللجوء بالبقاء لدينا بكل حرية"، تعجّب عضو مجلس الشيوخ الفرنسي ستيفان رافيير. وأضاف: "للفرنسيين نقول: ابقوا عندكم، وللأجانب نقول: ابقوا عندنا"، مشيراً إلى توصيات بعدم الخروج من المنزل لخفض مستوى انتشار فيروس كورونا.

رافيير، الممثل عن حزب "التجمّع الوطني" اليمينيّ المتطرّف، عبّر عن استيائه من قرار إدارة الشرطة في فرنسا تمديد التأشيرات الطويلة الأمد وطلبات اللجوء مدّة ثلاثة أشهر وغيرها من الوثائق في 16 آذار / مارس، قبل ساعات عدة من إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون حالة العزل الكامل في فرنسا.

في الأسبوع نفسه، أغلقت مراكز المحافظة أبوابها، وبات على طالبي اللجوء الانتظار إلى أجلٍّ غير مسمّى. برغم تمديد صلاحية هذه الطلبات ثلاثة أشهر، تُقلق هؤلاء الناس اعتباراتٌ أخرى.

طلب اللجوء في فرنسا

وصل عبدالله (ليس اسمه الحقيقي) إلى فرنسا قبل ثلاثة أشهر، قادماً من إرتيريا بعد توقفه في عدة محطات خلال رحلته. لم تكن عملية طلب اللجوء سهلة بالنسبة إليه. فهو لا يتكلّم الإنكليزية ولا الفرنسية، ولا يمتلك مالاً يكفي حتى للتنقّل بين الدوائر الحكومية بالحافلة أو القطار.

"أدبّر نفسي من خلال التسلل إلى متن القطار من دون أن يراني أحد،" قال عبدالله، متحدثاً بالعربية. "هم يعرفون أحوال طالبي اللجوء، لماذا طلبوا مني الذهاب إلى هيئة استقبال على بعد ستين كيلومتراً شرق العاصمة، علماً أن تكلفة تذكرة الذهاب إليها والإياب منها 16 يورو؟".

على الفرنسيين أن يمكثوا في منازلهم، وأن يختبئوا فيها، في حين يُسمح لطالبي اللجوء بالبقاء لدينا بكل حرية"، تعجّب عضو يميني في مجلس الشيوخ الفرنسي… لكن أين یذهب طالبو اللجوء؟

تطلب فرنسا ممّن يرغب في تقديم طلب لجوء لديها "الركض في ماراثون إداري"– كما وصفه صحافيّ فرنسيّ– يشتمل على عدّة محطّات، أبرزها: المكتب الفرنسي للهجرة والاندماج Ofii، هيئة استقبال مُعتَمَدة SPADA، النافذة الواحدة في إدارة المحافظة GUDA، المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية OFPRA.

تستغرق العملية نحو تسعة أشهر، بحسب منظمات حقوقية. ينبغي لطالبي اللجوء خلال تلك المدّة أن يضمنوا حصولهم على الدعم المادي الزهيد الذي تقدمه الحكومة، والسكن المجاني الذي تختار مكانه الحكومة، وبطاقة التأمين الصحي، وبطاقة المواصلات المدعومتين. خلال الأشهر الستّة الأولى، لا تسمح فرنسا لطالبيّ اللجوء بالعمل. وبعد مضي تلك المدة، يمكن التقدّم بطلب للحصول على إذن عمل صالح حتى صدور قرار OFPRA.

يعي طالبو اللجوء في فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية اليوم أن المعاملة التي تستغرق في الظروف العادية زمناً طويلاً مكلفاً بالنسبة إليهم، سوف تغدو أطول. وهذا ما قد يؤخر إمكان حصولهم على سكن، وفرصة عمل، وإقامة، وغير ذلك من الأمور الأساسية. ضرر كبير قد يلحق بطالبي اللجوء الذين لم يحصلوا على تلك الأمور قبل أن يتم تعليق كلّ شيء إلى أجلٍ غير مسمى بسبب جائحة فيروس كورونا، التي ضربت فرنسا (نحو 22 ألف إصابة ووفاة 1100 شخص حتى كتابة هذه السطور).

تأخير باهظ الثمن

يقول عبدالله، الذي يقطن الآن مع عشرة أشخاص بشكل غير شرعي في شقة خربة بحي "لا شابيل" شمال العاصمة الفرنسية، إنّ عليه الذهاب عدة مرات إلى هيئة الاستقبال البعيدة. ويضيف: "طلبوا مني الحضور إلى هناك مرة في الشهر، أو يشطبون اسمي … هل يعقل أنهم يلزمونني بالذهاب إلى هنالك لتسلم البريد ويمنعونني من استخدام عنواني أو عنوان أحد أصدقائي؟".

إذا أخبر طالب اللجوء السلطات أنه بحاجة إلى سكن يؤخذ طلبه في الاعتبار، لكن عليه الانتظار بضعة أسابيع حتى يتم تأمين السكن، الذي تختار موقعه وطبيعته الحكومة. إذا كان طالب اللجوء يتمتّع بالقدرة المالية ليستأجر غرفة على نفقته، فعلى الأغلب لن يستطيع فعل ذلك من الناحية الإدارية. فالقانون الفرنسي الذي يحمي المستأجرين يجعل أصحاب البيوت انتقائيين جداً، لا يؤجّرون إلّا من يمتلك عقد عمل وإقامة ويدفع الضرائب والفواتير المستحقة عليه بانتظام ولديه كفيل فرنسي.

في ظلّ حالة العزل الكامل التي تعيشها فرنسا، أغلقت معظم المحافظات وهيئات الاستقبال أبوابها، وبات من الممنوع على الناس التجوّل في الشوارع إذا لم يكن ذلك بقصد شراء الحاجات الضرورية أو للعمل أو لأغراض صحية.

عبدالله، الذي تأخر في تقديم طلب اللجوء الخاص به في النافذة الواحدة بمبنى محافظة فيرساي لأنه لم يمتلك مالاً كافياً ليضعه في آلة الصور الشخصية، وبسبب عائق اللغة، لم يحصل على شيء مما يحتاجه بعد، ويقلقه الآن أن يطول انتظاره أشهراً إضافية قبل أن يتمكن من الحصول حتى على دروس اللغة المجانية التي تتيحها فرنسا لطالبي اللجوء.

"ليس لديّ تأمين اليوم، وأعيش في مساحة ضيقة مع عشرة أشخاص. أخشى على صحتي ولكن لا أعلم ماذا أعمل"... طالبو اللجوء فريسة سهلة لفيروس كورونا

"قالوا لي إن بطاقة المساعدة المالية ستتفعل وسيعطونني من خلالها ما يقارب سبعة يورو في اليوم، ولكنها متوقّفة منذ تسلمتها الشهر الماضي"، قال عبدالله. وتابع: "لم يتواصلوا معي بقصد السكن، ولا أعلم هل وصل ملفي إلى مكتب حماية اللاجئين أم لا".

لم يدرِ عبدالله أنّ صلاحية إفادة طلب اللجوء التي يحملها مُددت ثلاثة أشهر بموجب قرار الشرطة الفرنسية إلا حين أخبره بذلك أحد أصدقائه بعد صدور القرار بأسبوع. قال: "الحمدلله، هذا جيد، كنت قلقاً جداً لأنني اعتقدت أنّ إفادتي انتهت صلاحيتها".

تخوّف من الوضع الصحّي

يخشى طالبو اللجوء فترة الانتظار، مدركين أنّ كلّ يومٍ يحمل تكاليف مادية منهكة. لكنهم أيضاً يخشون انتشار عدوى فيروس كورونا بينهم لسببين: الأول، يقطن العديد من اللاجئين وطالبي اللجوء في أماكن سكنٍ مشتركة، تحوي في بعض الأحيان عشرات الناس، ولا تتمتع بالتجهيزات أو البنى التحتية اللازمة لضمان نظافة المكان وتعقيمه أو لغسل الملابس.

والسبب الثاني هو أنّ تقديم التأمين الصحي لطالبي اللجوء يستغرق عدّة أشهر. في حالة عبدالله، أعطته هيئة الاستقبال خلال الشهر الماضي موعداً في شهر حزيران/يونيو لبدء معاملة التأمين الصحي، ولا يعلم الآن هل أُلغي هذا الموعد أم لا نتيجة أزمة كورونا.

"ليس لديّ تأمين اليوم، وأعيش في مساحة ضيقة مع عشرة أشخاص، أخشى على صحتي ولكن لا أعلم ماذا أعمل … إذا فتحت المحافظة أبوابها مرة أخرى، فسأضطر للذهاب إلى هنالك مع العشرات"، يقول عبدالله، ليس عن قلة دراية بخطر التجمّع في ظلّ انتشار الفيروس، بل لأن كل يوم يخسره في هذه العملية يكبّده الكثير.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard