شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"بيان الـ343 عاهرة": الأمومة مُنتج ذكوري أيضاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 21 مارس 202006:05 م

في 5 إبريل/نيسان من عام 1971، نشرت صحيفة لو نوفيل ابسرفاتوار، بياناً بعنوان "لقد قمت بالإجهاض"، ذيله توقيع عدد من النسويات الشهيرات، وبعض المجهولات حتى الآن، منهن سيمون دو بوفوار، رومي شنايدر وسينتا برغر، يقول البيان الذي كتبته بوفوار:

"مليون امرأة تجهض في فرنسا كل عام.

إنهن يفعلن ذلك في ظروف خطرة بسبب السرية التي يحكم بها عليهن، في حين أن هذه العملية، بسيطة للغاية، حين تتم تحت إشراف طبي.

نحن نسكت عن هؤلاء الملايين من النساء.

أعلن أنني واحدة منهن، أعلن أنني أجهضت.

كما نطالب بالوصول المجاني إلى موانع الحمل، نطالب بالإجهاض المجاني".

ويذيل البيان توقيع 343 امرأة من الناشطات النسويات والمؤمنات بحق الإجهاض.

حينها كان الإجهاض ممنوعاً في فرنسا، لكن الأمر لم يمرّ هكذا، فقد خرجت أسبوعية شارلي ايبدو الساخرة في الأسبوع التالي بعنوان: بيان 343 عاهرة، مرفقاً بصور كاريكاتورية.

من المفيد في هذا الشهر، الذي يجمع يوم المرأة العالمي مع عيد الأم في البلدان العربية، التذكير بمفهوم الأمومة المقدّس الذي يتفق الجميع على سجن المرأة في داخله، حيث تمّ حبس النساء داخل هذا الوعاء الضيّق من الأحاديث الدينية الأناشيد الحماسية والمفاهيم التي تسخّر اللغة لتعبئتهن لخدمة "الوطن والوطنية والبناء الوطني"، قرأوا للمواليد الجدد القصص التي تتغنى بدور الأمهات في "التنشئة" وقاموا بتأليف المقطوعات الموسيقية والنصوص المحفزة للنساء على البقاء في البيت "لتربية" الجيل الجديد الذي سوف… وسوف.. ولم ينسوا أن يضعوا الجنة تحت أقدام الأمهات، بينما هن في الحقيقة، مجرّد عبدات مرهونات تحت خصيتي الرجل.

من المفيد في هذا الشهر، الذي يجمع يوم المرأة العالمي مع عيد الأم في البلدان العربية، التذكير بمفهوم الأمومة المقدّس الذي يتفق الجميع على سجن المرأة في داخله، حيث تمّ حبس النساء داخل هذا الوعاء الضيّق من الأحاديث الدينية الأناشيد الحماسية والمفاهيم التي تسخّر اللغة لتعبئتهن لخدمة "الوطن والوطنية والبناء الوطني"

لقد تمّ ربط المرأة والأم بالضرورة، من قبل الأديان كمنتجات ذكورية بحتة، ومن قبل الرأسمالية أيضاً كدين ذكوري جديد، أولاً بالبيت كعنصر بدئي يتضمن تصنيع العمّال الجيدين والمحاربين الأشداء، وبالطبيعة الأنثوية المزعومة، ومفردات مثل: الأرض الطيبة، الدفء، التنمية والتربية، أما هي في الحقيقة فليست أكثر من تجميل القيود لإقناع المرأة بالاكتفاء بالوظيفة التي اختارها لها عالم الرجال: رقيق جنسي، عامل رخيص الأجر ورحم للتفريخ فقط.

في كتابها "دعنا نذهب" تتحدث الكاتبة النسوية، فيونا شميت، عن مفهوم الأمومة كمفهوم ذكوري مستغِل، غايته وضع المرأة، كأي جهاز كهربائي، كالغسالة أو المكنسة الكهربائية، مع كاتالوج يبين كيفية الاستخدام، محصور فقط بالإنجاب والتنشئة، كأن محاولة الانجاب أو الحمل، هو الفعل الوحيد المجدي للمرأة، ويطلق لقب "النساء العاريات" على اللواتي لا يستطعن الإنجاب، كأنهن شجرات عارية فحسب، لا يورقن ولا يثمرن.

تقول فيونا إن مصطلح "الساعة البيولوجية " هو تعبير صاغه رجل عندما ضغطت الرأسمالية لإدخال النساء سوق العمل وخوفاً على المصالح السيادية للذكور، كما أن "الرغبة بإنجاب طفل" أو "غريزة الأمومة" لا تصلح لأن تكون تعريفاً حصرياً للنساء، أو دليلاً مخصصاً لهن، فنحن نخلط بين عملية التكاثر الطبيعية والرغبة في الإنجاب، فالتكاثر هو نتيجة طبيعية لسلسة من عمليات الجماع بدون وقاية، كما أننا نعتبر الرغبة في الانجاب أمراً طبيعياً بينما هو بناء اجتماعي فحسب، نحتاجه لأسباب واضحة ومحددة، فالحيوانات تتكاثر لا لأنها "تريد" الإنجاب، وهي لا تربط بين العملية الجنسية والولادة.

وتقول إن غريزة الأمومة أصلاً غير موجودة، وهي ترتبط بالتنشئة الاجتماعية فحسب، والمقدرة على ذلك، فالتحيّز الجنسي والاستغلال الرأسمالي لهما نفس الجذور، واستغلال البشر واستغلال المرأة يأتيان من مصدر واحد فحسب، والنساء هن في الخط الأمامي دوماً، من المهام القاسية للعناية بالبيوت، كالتسوق والطبخ والتنظيف، إلى مستحضرات التجميل نفسها التي تلزم المرأة بأن تكون جميلة ومثيرة، وبنفس الوقت متهمة في المساهمة بتلويث الكوكب.

إن موضوع الأمومة مقدس لدرجة أنه من المحظور التشكيك في جدواه، وتتهم النسوة المدافعات عن حق الإجهاض دوماً بمعاداة المجتمع، أما في الحقيقة فهن فقط معاديات للمجتمع كما يراه الذكر، وكما تفرضه معايير الشركات التي يتحكم بها رجال قساة

إن موضوع الأمومة مقدس لدرجة أنه من المحظور التشكيك في جدواه، وتتهم النسوة المدافعات عن حق الإجهاض دوماً بمعاداة المجتمع، أما في الحقيقة فهن فقط معاديات للمجتمع كما يراه الذكر، وكما تفرضه معايير الشركات التي يتحكم بها رجال قساة.

وكما تختم بوفوار بيانها:

"سيختار الأجنة بدلاً من البشر متى يكون ذلك الجنين أنثى.

سيكون حق الإجهاض عادلاً للإناث الفقيرات غير القادرات على دفع تكاليف الإجهاض الباهظة، أو العيش مع عائلة بدون معيل.

سيكون الإجهاض أخلاقياً جداً، لأن الله يعلم ما تقوم به النساء مجاناً في البيوت.

سوف يحافظ الإجهاض على البشرية، فأن تقتليه وهو جنين أفضل من أن تربيه حتى عمر 18، ثم يقتله أولئك المولعون بالحروب العسكرية والتجنيد".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard