شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"كلكم كذابون حتى أبي"... أن تحبي وتتزوجي رجالاً لا يحترمون المرأة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 18 مارس 202005:39 م

"مو حزن لكن حزين، مثل ما تنقطع جوة المطر شتلة ياسمين، مثل صندوق العرس ينباع خردة عشق من تمضي السنين"، هل يمكن أن تعبر قصيدة الشاعر العراقي مظفر النواب، بعد كل هذه السنين، عما وصل إليه حال بعض الفتيات المصريات اليوم، ينفرن من الزواج والارتباط العاطفي لأسباب كثيرة، ويقررن أن تكون حياتهن بلا حب ولا زواج، ويعلن أن قلوبهن منطقة خالية من الرجال "Men Free Zone".

"لا ذنب لي أنني لا أريد الزواج ولا الحب بعد الآن، هذا اختياري وأنا حرة به وأتحمل مسؤوليته"، تقول إحدى الفتيات التي لم تتخط عقد العشرينات من عمرها، تنتظرها حياة عاطفية مفترضة، مليئة بالإثارة والحب، لكنها اختارت التخلي عنها، إما بسبب الخذلان في الحب، من أجل العمل أو لأسباب أخرى.

"الزواج جحيم بسبب المجتمع"

"ليس ذنبي، ولا أعرف وسيلة أخرى"، تقول هناء (38 عاماً)، تعيش حياة مستقلة عن أسرتها في القاهرة،  العاصمة التي يهرب إليها أبناء الأقاليم من محافظات مصر، بحثاً عن الحرية والحب، بعيداً عن الرقابة الاجتماعية، وسطوة العادات والتقاليد في قراهم ومدنهم.

هربت هناء من القاهرة إلى جنوب سيناء، بحثاً عما تراه "أعمق من مفهومي الحرية والحب بالطابع القاهري".

"هربت من اختناق، ضوضاء، زحام العاصمة، "وقصص حب حكم عليها بعدم الكمال" تقول هناء.

"كان أبي وأصدقاؤه يتحدثون أن لهم حبيبة واثنتين وأكثر، وزوجاتهم في المنزل لا يعلمن بذلك، يتناقلون خبرتهم في كيفية إخفاء هذا الأمر، ويضحكون من سذاجة عقول زوجاتهم، ويرون أنهن فقط للجنس والاستمتاع"

تحكي هناء لرصيف22 أنها تنشد سلاماً داخلياً وخارجياً، لكن شبح الزواج يطاردها، لم تكمل هناء قصة حب واحدة، فلم تصل إلى المرحلة الرسمية "الزواج"، في أي قصة حب لها، فجميعهم انتهوا بالخذلان والفقد.

تقول هناء: "الجواز بالنسبة لي جحيم، المجتمع بيفرض قيود كتيرة، وهياخد المكتسبات اللي تعبت سنين، ودفعت تمن غالي أوي عشان أحقق حريتي، واستقلاليتي، وجرأتي، وإني أكون نموذج ناجح ألهم بنات جيلي".

كافحت هناء مع وزارة الصحة المصرية التي تعمل بها، ليوافقوا على نقلها إلى مدينة سانت كاترين، السياحية في جنوب سيناء، والعوائق التي صادفتها ليست قانونية، وإنما لأنها فتاة ولن تستطيع العيش بمفردها، وسيكون صعباً... وغيره من الأعذار المطاطية التي لا يمكن للائحة قانونية حكومية كتابتها، وإنما تلمسها مع معوقات بيروقراطية، دفعتها للمثابرة لمدة عام، حتى تحقق مسعاها أخيراً بالسكن والانتقال إلى سيناء.

تثمّن هناء احتياجها للحب ووجود شريك، ولكنها من ناحية أخرى ترى أن المجتمع بشروطه وعاداته لا يحتوي تلك التجارب، تقول: "الحاجة للاهتمام والحب يتعزز بوجود شركاء وأصدقاء، أما الجنس فللأسف لا يمكن أن أحصل عليه بدون زواج نتيجة لتربيتي وتديني، كما أني لا يمكن أن أتزوج لخوفي من الزواج، هذه هي المعضلة التي لا يمكنني حلها".

أما عن السبب في ترددها لدخول مرحلة الزواج، وهو الشكل المقبول اجتماعياً في الطبقة الوسطى المصرية لممارسة الجنس بين شريكين، فتقول: "الزواج في مصر منظومة لا تشجع أحد على الدخول إليها، خاصة أن المجتمع والأهل والأسر لم يربوا لا رجال ولا نساء المجتمع على فهم احتياجات بعضهم، واحترام المساحات، وتصبح المرأة في النهاية هي المسؤولة عن كل شيء دون تقدير، وينتهي الأمر بالطلاق".

حاولت هناء خداع عقلها أنه يمكنها أن تتزوج، وإذا لم ينجح الأمر تتطلَّق لتتخطى ما تعتبره "فوبيا الزواج"، كما فعلت العديد من صديقاتها المستقلات في القاهرة، لكنها لم تنجح في هذه الحيلة أيضاً، تقول إنها سعيدة بحياتها، وقرارها، واستقلاليتها، ولن تضحي بهم، ولكن يمكن أن تتزوج في حالة واحدة: إذا وجدت حباً قوياً يزيل كل هذا الخوف.

"يتعاملون معنا كممتلكاتهم"

"كلهم كدابين، وخاينين، وغشاشين، وساذجين ومش بيحترموا الست، إزاي عاوزني أحب وأتجوز وأنا شايفاهم كلهم كده وأولهم أبي، ماعنديش استعداد أتجوز واحد، ويطلع يتكلم عليا فضهري، ويشتمني، وإنه مستحملني بالعافية، أغلب مجتمع الرجال في مصر بيعامل الست كأنها ممتلكات لهم، معندهمش أخلاق ولا ضمير"، تقول منى (36 عاماً)، اسم مستعار.

لم تدر مجموعة الرجال الأربعينيين، والد وأصدقاؤه، وهم يتسامرون في مقهى في الإسكندرية، وبجوارهم منى وهي طفلة صغيرة لم تكمل عامها العاشر بعد، أنها ستفهم، وتحتفظ داخل ذاكرتها بأسوأ انطباعات نفسية محتملة عن العلاقات العاطفية والزواج.

تقول منى عن تلك الذكرى التي حفرت في عقلها، لرصيف22: "كانوا يتحدثون جميعهم أن لهم حبيبة واثنتين وأكثر، وزوجاتهم في المنزل لا يعلمن بذلك، يتناقلون خبرتهم في كيفية إخفاء هذا الأمر، ويضحكون من سذاجة عقول زوجاتهم حينما يصدقن كذباتهم، ويهينون النساء بكل ما أوتوا، ويرون أنهن فقط للجنس والاستمتاع، ويتحججون بأي شيء لعمل علاقة جنسية وهم متزوجون".

"يتحدثون عن المرأة أنها أداة لإمتاعهم فقط، وهم صفوة المجتمع فما بالك بآخرين".

"كانوا من صفوة المجتمع، طيارين وأطباء ومهندسين ومحاسبين في بنوك وغيرها، هؤلاء هم أصحاب التعليم العالي في المجتمع، يتحدث الجميع عنهم بفخر وأنهم ولاد ناس، فما بالك بغيرهم"، بأسى  تحدثت منى عن اختيارها وتفضيلها ألا تدخل في أي علاقة عاطفية، وألا تدع للحب والزواج طريقاً في حياتها.

بلغة حادة غاضبة تتحدث منى عن علاقات منفصلة اختبرتها لعشرين عاماً، خلصت فيها إلى "أن أسوأ فعل إنساني في مصر هو العلاقات الاجتماعية، خاصة العاطفية".

"تسألينني إذا كنت دخلت في علاقات عاطفية، نعم! منذ المرحلة الثانوية كنت دوماً الحبيبة اللطيفة لكن باتخان وأتساب، وبطرق مهينة، برسائل واتساب أو تليفون، أو بدون نقاش، في أحد المرات قولتله قولي هتسيبني ليه قالي معنديش سبب، وواحد رجع لحبيبته اللي قبلي، وكان عاوز علاقتنا تكمل وهو معاها وواحد عملي بلوك بلا سبب".

أما عن احتياجاتها الجنسية، تقول منى: "أنا استقليت عن أهلي، وتركت إسكندرية، وسافرت القاهرة، وعايشة بقالي سنين، ومستقلة مادياً، وقادرة أصرف على نفسي، وأحقق الحرية اللي كنت عاوزاها رغم إن لها تمن، لكن المكاسب اللي حققتها مش هتراجع عنها وأدفن نفسي تحت رحمة واحد شايف إنه الست مجرد جسم موجود لإشباعه وإمتاعه فقط، أما احتياجاتي الجنسية فعندي أصدقاء يقدروا يلبوها واحنا متفقين على ده، يعني لا جواز ولا حب ولا ارتباط، وممكن نتقابل مرة في الشهر وكل واحد عارف إني كنت مع صاحبنا التاني نايمين مع بعض".

تطحنها القاهرة، هكذا تأسفت منى، فلم يعد لديها الشغف لعمل شيء قائلة: "أنا توهت مني، مبقتش عارفاني، توهت في القاهرة، مبقتش لاقية وقت أطور من نفسي ولا أعرف أنا بحب إيه وأعمله ولا أقرأ، وبقيت بشتغل أي شغل لمجرد إنه يعيشني بحد الكفاف".

"قلبي منطقة بلا رجل"

"من وأنا صغيرة وأنا عنيدة مبحبش حد يمشي كلامه عليا، دخلت علاقات كتيرة بأشكال مختلفة/ ارتباطات عاطفية أطولها كان سنة وFriends with benefits وone night stand وغيرها، ووصلت لقناعة إن الارتباط بيعطل"، باختصار أوجزت سناء (اسم مستعار)، الشابة التي قاربت على ختام عشرينياتها، حكايتها عن قرارها التخلي عن وجود الرجال في حياتها، وأنه كان هدفاً في حياتها صعب الوصول إليه لكنها وصلته.

"من 3 سنين أخدت القرار وماندمتش عليه، وقدرت أعمله، ملقتش حاجة تبهرني في الرجالة، أنا منبهرة بنفسي، وقررت إنه لا حب ولا جنس، لكن الاستمتاع الذاتي موجود وقادر يكفيني"

تضيف سناء: "من 3 سنين أخدت القرار وماندمتش عليه، وقدرت أعمله، ملقتش حاجة تبهرني في الرجالة، أنا منبهرة بنفسي، وقررت إنه لا حب ولا جنس، لكن الاستمتاع الذاتي موجود وقادر يكفيني".

بعد سنوات من تجارب عاطفية أخذت قرارها، وأخيراً اكتشفت ذاتها أنها سعيدة في هذه المنطقة الـ Men Free Zone، تقول لرصيف22: "مكنتش قادرة أكتشف نفسي، لكن بعد سنين من الارتباط لقيت إنه غير مفيد، حياتي متظبطتش غير لما وقفت كل الارتباطات العاطفية حتى مع أشخاص كنت بتمناهم، بقيت مستقرة نفسياً وعاطفياً أكثر، أنجزت في حياتي واتطورت في شغلي، ووصلت لمنصب مدير مؤسسة مجتمعية في سن صغير".

وفقا لتقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في بيان رسمي صدر في يوم المرأة العالمي في 8 مارس الحالي، فإن نسبة النوع وصلت إلى 106,2 ذكر لكل 100 أنثى في مصر، وعن بيانات الزواج والطلاق عام 2019، فقد شهدت تراجع عدد عقود الزواج عام 2019 مقارنة بعام 2018، بعدد 8017 عقداً، ليبلغ عدد عقود الزواج 887,315 عقداً عام 2018، مقابل 879,298 عقداً عام 2019.

كما انخفض عدد شهادات الطلاق بعدد 6167 شهادة مقارنة بعام 2018، حيث بلغ عدد شهادات الطلاق 211,554 شهادة عام 2018، مقابل 205,387 شهادة عام 2019.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard