شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
تنظيف اليدين حتى الاهتراء وتعقيم المال... الوسواس القهري في زمن كورونا

تنظيف اليدين حتى الاهتراء وتعقيم المال... الوسواس القهري في زمن كورونا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 17 مارس 202006:20 م

لطالما عانت ناديا (اسم مستعار) من وسواس النظافة، إلا أنها بقيت تعتبر أن اهتمامها بالنظافة هو أمر طبيعي، حتى بدأ يؤثر بشكل سلبي على حياتها اليومية وعلى علاقاتها مع الآخرين، فقصدت معالجة نفسية أخبرتها أنها مصابة بـMysophopia أي الخوف الشديد من القذارة والجراثيم: "ما بعرف ليه بس بشوف إنو كل شي حولي بؤرة جراثيم وأمراض، وهدفي أنو أقضي على هيدي الميكروبات بالتنظيف والتعقيم لحتى أحمي عيلتي وحالي منها"، وتضيف بنبرة ساخرة لرصيف22: "ما بنكر إنو اهتروا إيديي من كتر الديتول والسرسبة ما كانت تطلع من راسي".

ومع انتشار فيروس كورونا الذي يحصد يومياً مئات الأرواح في العالم أجمع، لاحظت هذه الشابة أن اضطرابها النفسي يزداد سوءاً: "بعدما وصل فيروس كورونا إلى لبنان، غرقت في نوبات الهلع والذعر وبدأت الشكوك تحاصرني: هل أغسل يدي بما فيه الكفاية؟ هل صافحت يد شخص مصاب ووضعت يدي على وجهي عن طريق الخطأ؟ ماذا يحدث لو أُصبت بالعدوى، لا سمح الله، ومررت الفيروس دون علم إلى أهلي أو إلى شقيقي الذي يعاني من نقص المناعة؟ لا أستطيع العيش مع (عقدة ذنب) طوال حياتي...الوضع خطير...لن أغادر المنزل بعد اليوم".

واللافت أن قرار الحجر الذاتي اتخذته ناديا، البالغة من العمر 33 عاماً، جاء قبل إعلان حملة "خليك بالبيت" وغيرها من حملات التوعية التي حثت المواطنين على البقاء في منازلهم، بهدف الحدّ من انتشار فيروس كورونا، إلا أن المكوث في المنزل ومتابعة أخبار كورونا على مدار الساعة زاد من وسواسها القهري: "صرت بغسل إيديي كل دقيقة حتى لو ما لمست شي، بتحمم شي 3 مرات بالنهار، عقمت كل أغراض البيت، وطهرت مسكات البواب والدوش والمفاتيح، وحتى المصاري نظفتن.... كورونا رجعني لنقطة الصفر بالسرسبة والوسواس".

تحفيز السلوك القهري

يعتبر غسل اليدين من أفضل الطرق وأكثرها فاعلية لمحاولة الحفاظ على صحتكم خلال تفشي فيروس كورونا، إذ يجب غسل اليدين لمدة 20 ثانية على الأقل، وبطريقة دقيقة من خلال تنظيف المسافات كافة بين أصابعكم وتحت أظافركم، ويجب أن يتم غسل اليدين بعد لمس أي شيء وقبل تناول الطعام وقبل لمس الوجه، ويُنصح بحمل معقم يدين يحتوي على الكحول.

بالنسبة للعديد من المصابين بالقلق والوسواس القهري، فإن عناوين الأخبار والتوجيهات الدقيقة من منظمة الصحة العالمية، قد تؤدي إلى حدوث نوبات من القلق الشديد وتعزيز السلوك القهري

وينصح الخبراء أيضاً بعدم الاقتراب من الأشخاص الذين يُشتبه بإصابتهم بالكورونا، وكذلك يحذرون من لمس الأسطح في الأماكن العامة وضرورة تطهيرها جيداً لعدم انتقال الفيروس.

والحقيقة أن هذه التوصيات المبنية على الأدلة، قد تمضي بالمصابين باضطراب الوسواس القهري والقلق، إلى منطقة مألوفة بدرجة غير مريحة، إذ إن هذه التحذيرات تتلاقى مع الأفكار القلقة التي تراودهم باستمرار، حتى من دون وجود فيروس جديد ينتشر في جميع أنحاء العالم.

وبالنسبة للعديد من المصابين بالقلق والوسواس القهري، فإن عناوين الأخبار والتوجيهات الدقيقة من منظمة الصحة العالمية، قد تؤدي إلى حدوث نوبات من القلق الشديد والسلوك القهري، إذ يمكن أن يُثير ذلك المخاوف الشديدة بشأن الإصابة بفيروس كورونا، ويشعر هؤلاء بالإرهاق، الخوف، الحزن، الغضب والعجز، وقد يجد البعض صعوبة في النوم والتركيز، وقد يعاني بعض الأشخاص من أعراض جسدية، مثل زيادة معدل ضربات القلب أو آلام في المعدة، بالإضافة إلى الدوار، ضيق التنفس، الوخز، آلام الصدر وغيرها.

دليل تعامل المصاب بالوسواس القهري مع فيروس كورونا

لقد أغرق فيروس كورونا العالم في حالة من الشك وعدم اليقين، كما أن نشرات الأخبار والمنصات الإلكترونية تركز يومياً على خطورة هذا الوباء الذي ينتشر بسرعة فائقة، كل هذا يؤثر سلباً على الصحة العقلية للأشخاص، لا سيما أولئك الذين يعيشون بالفعل مع حالات نفسية معيّنة، مثل القلق والوسواس القهري.

لقد بث فيروس كورونا الذعر في نفوس الجميع، فحتى الأشخاص الذين لا يعانون من الوسواس القهري أو القلق بدأوا بإظهار سلوكيات شبه قهرية، مثل شراء كميات كبيرة من معقم اليدين والمنتجات المعلّبة، والإفراط في شراء الأقنعة التي تبيّن أنه ليست لديها فائدة كبيرة إلّا في حال كان الشخص مصاباً بالمرض.

وقد حذرت منظمة الصحة العالمية من تدهور الصحة النفسية على مستوى العالم، جراء ما أثاره فيروس كورونا من خوف، ودعت المنظمة لضرورة تجنب تحوّل القلق بشأن كورونا إلى حالة هلع، وذلك عبر تجنب مشاهدة أو قراءة أو الاستماع إلى الأخبار التي تسبب مشاعر القلق أو الضيق.

ولكن كيف يمكن لشخص مصاب باضطراب الوسواس القهري أن يتعامل مع فيروس كورونا المستجدّ، وأن يواجه فجأة رسائل تأتي من جميع الاتجاهات، وتبدو تقريباً مثل أفكار الوسواس القهري المتطفّلة التي تلاحقه طوال الوقت؟

افهموا سبب حدوث ذلك

"يفرض علينا فيروس كورونا الاهتمام بمفاهيم النظافة والمرض والنصائح بغسل اليدين وتنظيف الأسطح باستمرار، ما يمنح الناس المزيد من الأسباب للتفكير في تلك السلوكيات"، بحسب ما قاله عالم النفس السريري في جامعة كارولينا الشمالية، جون أبراموفيتز، لموقع فايس.

ومن جهتها أوضحت المختصة في علاج الوسواس القهري، شالا نايسلي، أنه في الغالب يحاول الأشخاص المصابون بالوسواس القهري فعل العكس: "يحاولون صرف انتباههم عن النظافة، ويتصرفون كما لو أن المخاوف التي تدور في رؤوسهم حول الجراثيم والتلوث لا علاقة لها بالواقع"، وتضيف: "لكن وسائل الإعلام والسلطات تخرج لتقول إنّ تلك المخاوف واقعية تماماً".

واللافت أن"مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها" تستخدم كلمات معيّنة مثل "كثيراً" أو "بشكل متكرر" لوصف كيفية غسل اليدين، وعليه يرى جون هيرشفيلد، مدير مركز الوسواس القهري والقلق في بالتيمور الكبرى، أن ذلك يمكن أن يسبب الكثير من الضيق للأشخاص الذين يعانون من الوسواس القهري، لأنهم سيصابون بالقلق حيال المعنى المحدد لتلك الكلمات: "كيف أعرف أنني أغسل يدي (بشكل متكرر) بدلاً من غسلها كل ساعة أو بعد لمس أيّ سطح عام؟".

ويمكن أن يعزز كل هذا الاهتمام بالجراثيم أو غسل اليدين أو الأمراض الأفكار القلقة بشأن هذه المواضيع، لذا فمن الطبيعي تماماً أن يعاني المصاب بالوسواس القهري زيادة في هذه الأفكار، والحيلة هنا هي عدم السماح لتلك الأفكار بالتأثير على السلوك لدرجة تثبت صحة تلك الأفكار.

تقيّدوا بالتوجيهات الرسمية ولكن دون إفراط

بالطبع من الضروري غسل اليدين أثناء انتشار الفيروس، إنما كيف نفعل ذلك دون إفراط؟

تقترح شالا نايسلي الاستعانة بتقنية تستخدم في علاج الوسواس القهري، وتسمى "التعرّض ومنع الاستجابة".

بحيث يتعرّض الشخص لشيء يشعر بالقلق حياله، ثم يحاول عدم الاستجابة بالطريقة التي تجعل ذلك القلق يزول، على سبيل المثال، لا تغسلوا يديكم بعد لمس الأرض وقبل أن تأكلوا شيئاً.

"من الضروري أن نفهم أن الوسواس القهري لا سلطة له هنا، إذ إنه لا يمتلك المعرفة الكافية ليُخبركم بكيفية غسل يديكم"

ولكن خلال فترة تفشي المرض، أكدت نايسلي أنّها لا تنصح الناس بالتوقف عن غسل اليدين وتعقيم الأشياء بالكامل، ولكن توصيهم بأن ينظروا إلى التعرض بطريقة مختلفة: يكون "التعرض" من خلال اختيار مصدر واحد للوقاية واتباع تعليماته، وهذا كل شيء. لا تفعلوا أي شيء يتجاوز ما يُنصح به، ولا تستمعوا إلى التوجيهات والقواعد التي يصنعها الوسواس القهري داخل عقلكم.

وقالت شالا: "يعتقد الوسواس القهري أنه شخصية موثوقة في جميع الأمور المتعلقة بالسلامة، لذا يخبركم بما يجب عليكم فعله. لكنني أعتقد أنه من الضروري أن نفهم أن الوسواس القهري لا سلطة له هنا، إذ إنه لا يمتلك المعرفة الكافية ليُخبركم بكيفية غسل يديكم".

وللتأكد من بقائكم في نطاق السلوك التكيفي، قال جون هيرشفيلد إنه من المفيد مراقبة ما تفعلونه وما إذا كان يتغيّر مع مرور الوقت، شارحاً ذلك بالقول: "إذا كنت أغسل يدي يوم الإثنين لمدة 30 ثانية قبل الأكل، ثم بدأت في غسلها لمدة 60 ثانية في يوم الثلاثاء، فهذا أمر يدعو للقلق".

لا تجعلوا الأخبار تسيطر على حياتكم

تنتشر أخبار فيروس كورونا في كل مكان، ومن الضروري بالطبع أن يبقى المرء على اطلاع بكل جديد، إلا أنه يجب عدم جعل التغطية الإعلامية محور حياتكم.

وفي هذا الصدد، كشفت شالا نايسلي أن المصابين بالوسواس القهري يميلون إلى أن يكونوا على اطّلاع أكثر من اللازم، إذ قالت: "نصبح خبراء في أي موضوع يريدنا الوسواس القهري البحث عنه على غوغل".

من هنا يجب التوصل إلى التحقق من الأخبار والحصول على المعلومات اللازمة دون أن نجعلها تصيبنا بالقلق الشديد.

وتعليقاً على هذه النقطة، قال هيرشفيلد: "إن التحقق من الأخبار بشكل مرضي والتفكير ملياً فيما سيحدث في المستقبل، أو المراجعة العقلية لما سمعناه عن الفيروس، كلها أمور تخلق فرصاً للقلق".

تقبلوا فكرة عدم اليقين

يعتمد الوسواس القهري والقلق على فكرة عدم التساهل مع فكرة عدم اليقين، وفي نهاية المطاف، تركز كل العلاجات في حالات التعرض، على تعليم الشخص أن بإمكانه التعايش مع عدم معرفته بما سيحدث حين يفعل شيئاً يخيفه.

وفي هذا الصدد، قال جون أبراموفيتز: "لا يمكنكم رؤية الفيروسات، لذا فمن المستحيل معرفة ما إذا كنتم آمنين بنسبة 100%"، وأضاف: "يميل المصابون باضطراب الوسواس القهري إلى افتراض وجود الخطر، ما لم يكن هناك ضمانة واضحة على السلامة. والاستماع إلى الحديث عن الفيروس في كل مرة يقومون فيها بتشغيل الأخبار يجعل الأمر يبدو كأن الإصابة به سهلة".

ولهذا السبب قد يميل المصاب بالوسواس القهري إلى غسل يديه مرة أخرى، أو قراءة مقالة أخرى عن الفيروس، لأنه يحاول أن يضمن عدم إصابته به أو نقل العدوى إلى شخص آخر.

وبدورها قالت نايسلي: "نشعر وكأننا نعرف شيئاً يمكننا السيطرة عليه، ولكن هذا للأسف وهم"، مضيفة: "إن معرفة الإحصائيات الحالية حول تفشي المرض لا يعطي أي شخص المزيد من السيطرة عليه".

وبالتالي إذا استطعتم تقبل حقيقة وجود كثير من الأشياء المجهولة، وحاولتم التعايش مع مشاعر عدم الارتياح، فسوف تقطعون شوطاً طويلاً في إدارة التوتر أثناء تفشّي الفيروس.

لا تقسوا على أنفسكم

لا شكّ أن هذه الفترة ستكون صعبة للغاية بالنسبة إلى العديد من الأشخاص الذين يعانون من القلق والوسواس القهري، لذا فمن المهم أن يكون المرء لطيفاً مع نفسه.

وتعليقاً على هذه النقطة، قالت شالا: "قولوا لأنفسكم: سنبذل قصارى جهدنا ولكننا قد نخفق أحياناً، سنشعر بالقلق الشديد ولكن لا بأس في ذلك. والمشكلة الأخرى التي سنواجهها نحن المصابين بالوسواس القهري، هي أننا نرغب في فعل الأشياء بشكل مثالي، وربما نفكر في التالي: لم أتبع التوجيهات بحذافيرها، ويجب أن أعاقب نفسي. إنما بدلاً من ذلك، يجب أن تكونوا لطفاء مع أنفسكم وتقولوا: هذا موقف صعب حقاً على جميع الناس".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard