شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"ننظف أرواحنا مثل ما يُسمى بالديتوكس"... عائلات مسيحية والصَّوْم الأربعيني في الأردن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 10 مارس 202005:06 م

متى كبر الصغار؟ ربما هذا ما تتساءل عنه رنا حداد، وهي تنظر في عيني بناتها اليوم وهن يعلمنها "الصح من الخطأ"، و"يعلمنها "أن الطريق إلى الوصول إلى روح الله فيه غذاء للنفس البشرية"، فاليوم بنات رنا هن من يشجعنها على صوم الأربعين، وهن من يدحضن المثل الذي يقول: "أكبر منك بيوم أفهم منك بسنة".

رنا وبناتها ينتمين إلى واحدة من العائلات الأردنية المسيحية، والذين قارب صيامهم الأربعيني أن يدخل الأسبوع، تصوم هذه العائلة بناء على قرار بنات رنا، فهي كما قالته لي: "صرت أستحي من ورا بناتي إني ما أصوم"، رغم أن لا "عقوبات" دينية ولا كنسية على من لا يصوم من المسيحيين، وفق ما توضحه رنا.

بدأ مسيحيو الأردن مؤخراً، كغيرهم من مسيحي العالم باختلاف طوائفهم، فترة الصيام الأربعيني، أو ما يسمى الصوم الكبير، والذي يستمر 40 يوماً، يمرّ في آخره أسبوع الآلام، وتتخلله، علاوة على الحرمان عن تناول المنتجات الحيوانية، مثل الألبان، الحليب، الزبدة وبالطبع اللحوم، صلوات خاصة مثل أربعاء الرماد وصلاة المدايح.

بدأ مسيحيو الأردن مؤخراً، كغيرهم من مسيحي العالم باختلاف طوائفهم، فترة الصيام الأربعيني، أو ما يسمى الصوم الكبير، والذي يستمر 40 يوماً، يمرّ في آخره أسبوع الآلام، ويتخلله الحرمان عن تناول المنتجات الحيوانية، مثل الألبان، الحليب، الزبدة وبالطبع اللحوم

أقرب إلى الحياة البسيطة

"أن تصوم الصيام الأربعيني فأنت أقرب إلى الأرض وإلى الحياة البسيطة"، وفق ما استنتجته بنات رنا حداد، وشجعنها على أن تصوم جميع أيام الصيام الأربعيني لهذا العام، فخلال هذه الفترة، وفق ما توضحه رنا، يعود الصائم إلى تناول أنواع أطعمة تغيب عنه طوال السنة تقريباً، مثل الهندبة، الخبيزة والفول الأخضر، حتى الطبيعة تتحالف مع صيام المسيحيين، وفق رنا، نظراً لنمو تلك الأنواع من الأعشاب في مثل هذا الوقت من السنة.

وتضيف: "صيامنا أنه ليس إجبارياً، بل اختيارياً، ولا عقوبات دينية وكنسية لمن لا يصوم، بالعكس فإن تركيز رجال الدين في هذه الفترة يتجه نحو حثنا على تهذيب النفس أكثر من أن نحرم أنفسنا من أطعمة نحبها".

حتى فكرة العودة إلى الأطعمة البسيطة كما تضيف رنا، أيضاً تجعل الصائم ينتبه بأنه قريب من الفقراء ومن الأرض أيضاً، وتتابع: "وكأننا في نمط أطعمتنا وأسلوب حياتنا البسيط خلال فترة الصوم ننظف أرواحنا مثل ما يسمى بالديتوكس، وتستند إلى مقولة السيد المسيح، أعطنا خبزنا كفاف يومنا".

وهنا يكمن جوهر الصوم كما تقول رنا، بفكرة الشعور بالآخر، وتلفت إلى حالة مميزة تحدث خلال الصوم الأربعيني (لم أكن أعرفها قبل إعدادي التقرير)، حيث يستطيع المسيحيون أن يستبدلوا حرمان أنفسهم من المشتقات الحيوانية خلال فترة الصوم، بأن يحرموا أنفسهم من أشياء تقريباً لا يستطيعون الاستغناء عنها، مثل الهاتف النقّال، وهو ما يسمى بـ"الإماتة"، بحيث تشتهي شيئاً وتحرم نفسك منه حتى لو كانت قطعة شوكولا، "هذا بالنسبة للمسيحية كأنك قمت بتأدية طقس الصوم"، بحسب رنا.

وعن العبادات خلال فترة الصوم، تبين رنا أن الأمر يختلف بين كنيسة وأخرى، وتقول: "الكنيسة الكاثوليكية مثلاً في فترة الصوم الأربعيني تقوم بتأدية صلوات بشكل يومي تقريباً، كما أن رجال الدين يقومون بشيء لطيف، مثل القيام بزيارات للبيوت وعمل حلقات نقاشية دينية، الأمر الذي يزيد من الحس الإيماني لدينا".

وفي إجابة على سؤال إذا كانت المطاعم الأردنية صديقة للصوم الأربعيني؟ تقول رنا: "مؤخراً بتنا نشعر كمسيحيين، وتحديداً خلال فترة صيامنا، إن خيارات الطعام في المطاعم في الأردن أصبحت أكثر التقاء مع ما نحتاجه من أكل للصيام، والأجمل لاحظت أن هناك عدة محال للحلويات يضعن لافتات: توجد لدينا حلويات صيامية".

وعندما سألتها: "شو طابخة اليوم؟" ضحكت رنا حداد وأجابت: "مقلوبة زهرة وبطاطا من مبارح، بس رح أضحك على بناتي بصحن سلطة جنبه".

حرية شخصية

نادين النمري، صحافية ومن عائلة أردنية مسيحية، تتحدث عن تجربتها وعائلتها في قضاء أيام الصوم الأربعيني، لرصيف22، وتبين أنها مثلاً لا تلتزم بالصوم طوال فترة الصوم الأربعيني، على عكس زوجها الذي يلتزم بجميع الأيام، وتضيف: "لكن هذا الشيء لا يؤثر اجتماعياً، فزوجي مثلاً لا يفرض عليّ أن أصوم كل الأيام، هي مسألة تعود لحرية كل شخص، سواء بيني وبين زوجي وكافة المسيحيين".

حتى عن أبنائها تقول نادين إنها لا تفرض عليهم أن يصوموا، وتتابع وهي تضحك: "حتى بحزن عليهم بديش يصوموا"، وتضيف: "لكنهم، وبرغبتهم الذاتية، يطلبون أن يخوضوا تجربة الصيام تحديداً في أيام نهاية الأسبوع".

وتطرقت نادين أيضاً، لما تطرقت إليه رنا حدّاد، بأن فكرة الصوم الأربعيني هي ليست فرضاً بقدر ما هو تهذيب للنفس، وهو ما تعلمه لأبنائها، بحيث الأهم من الحرمان من أنواع من الطعام، هو تهذيب ما يخرج على لسان الشخص، وتستند إلى ما جاء في إنجيل متى: "ليس ما يدخل الفم ينجس بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الإنسان".

ومن جانب آخر، ورداً على فكرة أن مسلمي الأردن لا يشعرون بالمسيحيين خلال صيامهم، تلفت نادين إلى أن نمط حياتهم اختلف، مثل ما يحدث بالعكس خلال شهر رمضان، وتستند إلى ما جاء على لسان السيد المسيح عندما دعا إلى عدم إظهار المسيحي لصومه: "وَمَتَى صُمْتُمْ فَلاَ تَكُونُوا عَابِسِينَ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ وُجُوهَهُمْ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ".

وعن أبرز ما تتناوله العائلات المسيحية الأردنية خلال فترة الصيام الأربعيني، تقول نادين: "مجدرة، فاصوليا بزيت، باميا بزيت، مقلوبة باذنجان، سبانخ، هندبة، خبيزة، حتى حبة الرمان، فضلاً عن أكلة البصارة اللذيذة"، وتتابع: "لكن الجميل هو فكرة الإبداع الذي يظهر خلال فترة الصوم، مثل ابتكار حلويات صيامية، أو تحضير كعكة منزلية دون حليب وزبدة".

"مؤخراً بتنا نشعر كمسيحيين، وتحديداً خلال فترة صيامنا، إن خيارات الطعام في المطاعم أصبحت أكثر التقاء مع ما نحتاجه من أكل للصيام، والأجمل لاحظنا أن هناك عدة محال للحلويات يضعن لافتات: توجد لدينا حلويات صيامية"... عائلات مسيحية تتحدث عن الصَّوْم الكبير في الأردن 

صديق النباتيين

وهناك عادة رائجة تحدث في شهر رمضان في الأردن، وهي مشاركة مسيحيين لأصدقائهم المسلمين الصوم خلال رمضان، حتى لو كانت لبضعة أيام معدودة، حتى تجري عادة عزائم لولائم رمضانية من عائلات مسيحية لأصدقائهم المسلمين، وهو ما يحدث أيضاً خلال الصوم الأربعيني، خصوصاً من أشخاص نباتيين، مثل مروة البرغوثي.

فمروة، وبحسب حديثها معي، تقول: "بستنى الصوم الأربعيني كل سنة أكثر من المسيحيين نفسهم، بحس إنه الأردن بتضحكلي في هالأربعين يوم"، خصوصاً وأنها كنباتية تعاني ليس فقط من انتقائيتها لأنواع الأطعمة في المطاعم والتي تستغرق منها جهداً، بل أيضاً تعاني من انزعاج محيطها، سواء في العائلة أو العمل من تلك الانتقائية.

"بس مع المسيحيين في صيامهم ما حدا بسترجي يعلّق علي"، تمزح مروة، وتشيد بفكرة وجود مطاعم أردنية مؤخراً صديقة لصيام المسيحيين، وبالتالي ستكون صديقة للنباتيين، وتعود لنفس الفكرة التي أوردتها مسبقاً، أنه كما أن التجانس الاجتماعي الجميل الذي يظهر في شهر رمضان بين المسلمين والمسيحيين، بدأ يظهر أيضاً في الصوم الأربعيني: "أساساً هاي من الأشياء الي بتميّز فيها الأردن فكرة ما في تمييز بين مسيحي ومسلم عنا"، كما تقول.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard