شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
“أصبحت مثل أمي ولم أعد أشتهيك“... تنمر أزواج على زوجاتهم في المغرب

“أصبحت مثل أمي ولم أعد أشتهيك“... تنمر أزواج على زوجاتهم في المغرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 9 مارس 202005:22 م

"لا شيء أصعب من سماع كلمات جارحة من أشخاص مقربين جدا منا"؛ بهذه العبارة، تحكي بشرى عن معاناتها مع سلوكيات زوجها المتسلطة.

تقول بشرى (36 سنة)، في توتر واضح في صوتها، أنها لن تنسى أبدا تلك "اللحظة المشؤومة"، كما وصفتها؛ فمنذ تلك اللحظات، لم تستطع تقبله مجددا في حياتها، ولم تعد قادرة أيضاً على مشاهدة جسدها أمام المرآة.

كانت الساعة، تشير إلى العاشرة مساء، انتهت أسرة بشرى الصغيرة من تناول العشاء، وكعادتها، رتبت المنزل جيدا، لكي تذهب إلى عملها باكرا من دون أن تفكر بنظافة منزلها، ساعدت طفليها للخلود إلى النوم، وتوجهت إلى غرفة نومها.

"أصبحت أماً وعاملة"

تقول بشرى لرصيف22 إنها وجدت زوجها ذلك اليوم في انتظارها داخل غرفة النوم، داعبها في البداية، فهمت أنها بصدد معاشرة زوجها، لكنها صدمت حينما أخبرها، بأنه لم يعد يشتهيها، ولم تعد جذابة في عينيه.

قال لها إنه حاول معاشرتها، لكنه لم يستطيع ذلك، تسمرت بشرى في مكانها، بحسب روايتها، فزوجها الذي تحبه، لم تعد تعجبه، "لا شيء أصعب من ذلك"، وفقا لتعبيرها.

منذ تلك اللحظات، تغيرت حياة بشرى، رأسا على عقب، صد زوجها لها في تلك الليلة، أحدث فيها جرحاً، ممَّا جعلها تفكر مليا في شكل جسدها.

بعد أن أطعمت الأطفال، دخلت  إلى غرفة النوم، وجدت زوجها بانتظارها، قال لها إنه حاول معاشرتها، فلم يستطع، وأنها باتت تشبه أمه، ولم يعد يشتهيها، متجاهلاً أنها لم تعد الصبية الصغيرة، بسبب عملها، والالتزامات

تقول بشرى: "أعترف أنني تغيرت، كما أنني أهملت نفسي كثيرا" تستطرد، وكأنها تحاول الدفاع عن نفسها،"من الطبيعي أن أتغير، لم أعد تلك الشابة العشرينية، هاجسها الوحيد، أناقتها، بل أصبحت أما، وعاملة، أحاول جاهدة التوفيق بين بيتي وعملي كموظفة"، تسترسل في حديثها، " كان على زوجي أن يحس بي، وأن يفهني، وليس أن يصدني، بتلك الطريقة المهينة والحاطة من كرامتي كأنثى أولا وكزوجته ثانيا، ويخبرني، بكل برود، أنه لم يعد قادرا على معاشرتي، بسبب اكتسابي بضع كيلوغرامات".

بشرى ليست الوحيدة في المغرب، التي تعرضت إلى العنف النفسي أو التنمر الزوجي، كما يفضل بعض علماء النفس تسميته، فاطمة (35 سنة) لها حكايتها هي الأخرى.

"تشبيهن والدتي"

تحكي فاطمة، التي اختارت ألا تعمل، وتتفرغ لأعمال المنزل، بسبب عشقها عالم الطبخ، أن زوجها لا يتردد في إيذاءها وإذلالها بكلام تصفه بـ"الجارح جدا".

تقول فاطمة في حديثها لرصيف22: "زوجي يتعمد مشاهدة قنوات فضائية غنائية، من أجل مقارنتي بالمذيعات والفنانات الفاتنات".

"ذات مرة، كنت جالسة برفقته في المنزل، نشاهد التلفاز، طلب مني كوب شاي، كنت في طريقي إلى المطبخ، أخبرني بطريقة فظة، أن أبتعد على التلفاز، لكي يشاهد إحدى المغنيات".

توقفت فاطمة لبرهة، تحاول تنفس الصعداء، وتابعت حديثها:" بعد ذلك، سألني بالحرف، لماذا لا تشبهين النساء؟ أجبته ماذا تقول؟ أعاد سؤاله الفظ، بطريقة أخرى، محاولا أن يبدو مازحا، لماذا لا تشبيهين، النساء، انظري إلى نفسك، أمسيت تشبيهن والدتي، إن بقيت كما أنت، من الممكن جدا أن أفكر في امرأة أخرى".

"يسمعني كلاماً جارحاً، ولا يتردد في إهانتي".

عبرت فاطمة عن معاناتها من "تنمّر" زوجها عليها، مضيفة لرصيف22: "حاولت الاهتمام بنفسي، فقط لكي أبرهن له بأنني سيدة جميلة، وأنا كذلك، جميلة، إلا أنه لا يتردد في إهانتي، عبر سماعي كلاما جارحا، فكرت في الطلاق، إلا أن والدتي رفضت الفكرة، مبررة ذلك، أن زوجي لا يقصد إذلالي بل فقط غير لبق".

حاولت كل من فاطمة وبشرى مصارحة أزواجهما.

تقول بشرى، إنها بعد "الواقعة المشؤومة" كما تصفها دائما، تغيرت معاملتها لزوجها، إذ حاولت أكثر من مرة مضايقته، عبر ارتداء ملابس "غير مناسبة لها"، فقط لكي تثير غيرته، لكن بعد الخصام والمشاجرة، فضلت مصارحته.

تقول بشرى: " كان من الضروري الجلوس والاتفاق على قواعد مناسبة لطريقة إدارة الحياة المشتركة بيننا، كما لابد منه أن يحترمني ، إن أراد الاستمرار كزوجين"، مستطردة "إعتذر كثيرا، لدرجة البكاء، سامحته، لكن بيني وبينك كلامه الجارح لي في تلك الليلة، أحدث جروحا في قلبي، صعب أن تندمل".

أما فاطمة فتقول إن زوجها رفض الاعتذار، وأخبرها أنّ حبه لها دفعه إلى "التنمّر" عليها.

"مثل إهانات أبي لأمي"

نعيمة سيدة في الخمسينات من عمرها، ربة بيت لما يزيد على عشرين سنة، وأم لثلاثة أبناء، تعرضت لـ"التنمر"، طيلة حياتها الزوجية، لكن الغريب أنها لم تسمع يوماً عن مصطلح "التنمر".

تقول نعيمة: "إن مصطلح التنمر جديد علي؛ لم أسمع عنه يوما، أزيد من عشرين سنة وأنا متزوجة به، يتعمد مقاطعة حديثي باستخفاف، يقول لي اصمتي أنت فقط امرأة، أو القول "اش عندك ما تعرفي"، ماذا يمكن أن تعرفي".

"يتعمّد إهانتي أمام أهله وأصدقائه، ويتلذّذ بالتحقير من شأني".

تضيف نعيمة: "يتعمّد إهانتي أمام أهله وأصدقائه، ويتلذّذ بالتحقير من شأني، والتسفيه من مجهوداتي، زوجي يتحدث معي بالكاد، ناهيك عن إهماله لي، كأنني لا أصلح لشيء، تزوجني فقط لاشباع رغباته الجنسية فقط، وإعداد الطعام له، وترتيب المنزل، والنتيجة شعوري بالتهميش، حتى اعتدت ذلك".

المعاملة القاسية لزوج نعيمة، أحدثت فيها اضطراباً نفسياً، تقول لرصيف22: "لا أستطيع الدفاع عن نفسي أمامه، يدري جيدا كيفية السيطرة عليا، لدرجة أحيانا أقول في قرارة نفسي، قد يكون محقا في إذلالي"، تستطرد في يأس "فقدت ثقتي في نفسي تماما".

"سألني بالحرف، لماذا لا تشبهين النساء؟ أجبته ماذا تقول؟ أعاد سؤاله الفظ، بطريقة أخرى، محاولا أن يبدو مازحا، لماذا لا تشبيهين، النساء، انظري إلى نفسك، أمسيت تشبيهن والدتي، إن بقيت كما أنت، من الممكن جدا أن أفكر في امرأة أخرى"

ما حدث مع نعيمة، أثار فيها ذكريات معاملة والدها لوالدتها، تقول:"كان والدي يعامل والدتي، بنفس الطريقة، التي يعاملني بها زوجي، وكانت والدتي تبرر تصرفاته القاسية، بكونه محتاج للرعاية والاهتمام لذا كنا نراه بمجرد أن تقصر والدتي ولو بشيء بسيط في حقه يشتاط غضبا، ويبدأ بتوجيه الكلام الجارح لها، بالإضافة إلى إذلالها".

"طريقة التربية تغذي التنمّر"

"لا يتوفر المغرب على دراسات حول أسباب التنمر الزوجي، كل ما هناك انطباعات فقط، لا يمكننا الجزم، بأن الأزواج الأكثر تنمرا على الزوجات"، بحسب علي شعباني، باحث في علم الإجتماع.

وأكد علي الشعباني، في تصريح لرصيف22: "نسمع أيضا عن زوجات يتنمرن على أزواجهن، لهذا التنمر لا يقتصر فقط على الرجل".

ويعرف علي الشعباني "التنمر الزوجي" بأنه "شكل من أشكال العنف، والإساءة، والإيذاء، الذي يكون موجها من شخص إلى شخص آخر، على الرغم من أن العلاقة الزوجية، يجب أن تكون مبنية بالأساس على مبدأ الاحترام والتقدير".

يتابع علي الشعباني، حديثه قائلا:"إن التنمر الزوجي هو مصطلح أطلقه علماء النفس حديثا، ولا يختلف عن مفهوم التنمر العام، إلا أن الأول يكون في الحياة الزوجية، وهوعبارة عن شكل من أشكال الإساءة والإيذاء الموجه من قبل الزوج أو الزوجة تجاه الطرف الآخر".

ويثمن الشعباني  عامل التربية في تغذية سلوك "المتنمر"، يقول: "إذا بحثنا عن أسباب وراء التنمر، أعتقد بأنها ترجع بالأساس إلى عامل التربية؛ فالمتنمر يمكن أن يكون قد عانى منذ طفولته من هذا السلوك، أو عاش في جو عائلي يسوده التنمر، لذا يحاول تطبيق ذلك، على الطرف الآخر".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard