شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"يعايروني بابن المرة"... معاناة من ربتهم أمهاتهم في أحياء شعبية مصرية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 6 مارس 202005:57 م

في اللحظة التي يرحل فيها الأب، تبدأ الأم بممارسة كل المهام لتسد الفراغ في حياة الأبناء، ستحمدها بالتأكيد على أمر كهذا، غير أن بعض أبناء المناطق الشعبية في مصر يرون في الشاب الذي تربى على يد أمه، ما ينتقص من رجولته، فهو بالنسبة لهم "ابن مرة"، وبالتالي، هناك عدد من الصفات الجاهزة والمشينة التي لابد وأن تلصق به، لا لسبب سوى أن والدته التي تولت رعايته.

"هل منحتك أمك مصروفك؟"

يحكي سعد (25 عاماً)، عامل بمصنع نسيج، يسكن في منطاي، في شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية، تجربته لرصيف22: "توفي أبي وأنا في سن صغير، تقريباً كنت وقتها في عمر خمس سنوات، وتكفلت أمي بتربيتي أنا وأختي، وفّرت لنا كل ما نحتاج، كانت تعمل في أكثر من مهنة، وأحياناً تقضى اليوم كله خارج البيت في عملها، ولم نسمع منها يوماً أي شكوى".

وعندما بدأ سعد يدخل مرحلة الشباب، بدأ أصدقاؤه في الحي بمضايقته ومعايرته بأنه "تربية أمه"، أو "تربية مرة"، ودائماً ما يتعمّدون إيذاءه ومناداته بـ"ابن المرة".

يضيف لرصيف 22: "بدأ الشباب في مثل سني في مضايقتي ومعايرتي بأني تربية امرأة أو (مرة)، حتى جاء اليوم وفشلت في المقاومة، فتعديت بالضرب على أحدهم بعدما سبني بالأم، ومن يومها والكل يعمل لي حساب في الشارع وربما في المنطقة أيضاً".

"تعاملوا معي على إني درجة تانية لمجرد أن أمي هي من تتولى تربيتي، في البداية كنت أقول لنفسي: الكلام مش بيلزق عادى يقولوا اللى يقولوه، لكن بعد كده بدأوا يستخفون بي، ويتريقوا علي: روح بدري عشان أمك هتنفخك"

أما رضا (30 عاماً)، محاسب في محل تجاري، مقيم في المرج شمال القاهرة، فقد اضطر لأن يدخن السجائر والحشيش، يسكر ويرفع صوته عالياً عندما يتكلم مع الناس، ويبادلهم العنف أحياناً، في محاولة للتماهي مع صورة الرجل "المثالية" في الأحياء الشعبية، وحتى يغير الصورة النمطية عنه أنه "ابن أمه".

يروي رضا حكايته التي بدأت بعد سفر والده إلى العراق، يقول: "لست من أبناء الحي الأصليين، ولذا عندما حضرنا إلى هنا لم أكن أعرف أي شخص، كنا نعيش في سلام حتى سافر والدي إلى العراق، وبدأت السنين تمر ولم يعد أبي، وقيل إنه مات في الحرب هناك، فبقيت بالنسبة للناس هنا (ابن مرة)".

وعن أثر غياب الأب في معاملة أصدقائه من أبناء الحي، يقول رضا لرصيف22: "تعاملوا معي على إني درجة تانية لمجرد أن أبي مش موجود، وأن أمي هي من تتولى تربيتي، في البداية كنت أقول لنفسي: الكلام مش بيلزق عادى يقولوا اللى يقولوه، لكن بعد كده بدأوا يستخفون بي، ويتريقوا علي: روح بدري عشان أمك هتنفخك".

وأثناء الكلام مع الأصدقاء، يُفاجأ رضا بأسئلة من قبيل: "أمك عارفه بالكلام ده؟"، "ألم تخبرك أمك أن كده ما يحصلش؟"، "هل أنت قادر على أن تتزوج من البنت التي تحبها، أم ستتزوج بمن تختارها أمك؟" أو "هل منحتك أمك مصروفك اليوم؟".

"رفضوا تزويجي لأني ابن أمي"

اختار يوسف (20 عاماً)، حاصل على دبلوم معهد فني، مقيم في عزبة النخل، في ضواحي العاصمة القاهرة، عندما انفصل والديه،  أن يعيش مع والدته، لأنها "الأكثر حناناً"، وكان في الخامسة عشر من عمره.

يقول يوسف لرصيف22: "معاناتي أنا ضعفين مقارنة بمن ربتهم أمهاتهم، خصوصاً وأن أمي مطلقة، والمطلقة هنا بحسب الناس، تعنى أنها (ماشية غلط)، أي خروج لها بالليل ممنوع حتى لا يقال أي كلام يمس سمعتها، أي كلام أو هزار مع رجل غريب ممنوع حتى لا يُفهم أنه عرض منها لاستقطابه، أي ملابس لابد وأن تكون واسعة، لازم ما تعملش حاجات كتير عشان تفضل محافظة على نظرة الناس لها".

"أمي تجاهد لتجاوز أزمة غياب الأب، بينما أنا وأخوتي نصارع من أجل تجاوز الصورة التي رسمها لنا شباب الحي".

يكمل يوسف: "أمي تجاهد لتجاوز تلك الأزمات، غياب الأب، والمسؤولية، والتربية، ونظرة الناس لها، بينما أنا وأخوتي نصارع من أجل تجاوز الصورة التي رسمها لنا شباب الحي، والذين يصرون على التعامل معنا على أساس إننا (ولادة مرة)".

أما رامي عبد العزيز (29 عاماً) خريج كلية التجارة، ابن مدينة بلقاس بمحافظة الدقهلية، فقد رفض والد صديقته تزويجه لابنته، بسبب والدته.

يقول رامي لرصيف22: "عرفت أنه قال لصديقته ده تريبة واحدة ست، يعنى أكيد مش هيقى راجل ولا ليه كلمة، وكل حاجة هيرجع فيها لأمه وتبقى الكلمة كلمتها وأنا مش بحب النوع ده، وبعدها عرفت أنها بدأت تقتنع بكلامه، خصوصاً بعدما ضرب لها أكثر من مثل وأكثر من حالة لزيجات انتهت بسبب تدخل الأم وتحكمها في قرارات ابنها".

"فخور بتربية أمي"

من جهة أخرى، يروي محمود (28 عاماً) عامل بمطبعة، في أبو النمرس في محافظة الجيزة، جانباً آخر،  حيث يقدر البعض ما تقوم به الأم من تضحيات، وتحمل للمسؤولية.

يقول محمود لرصيف22: "أنا سعيد أني تربيت على يد واحدة ست، في وقت كان أبويا مالوش أي دور، أبى تعرض للفصل من المصنع الذي كان يعمل به، وتكفلت أمي بالعمل في مشغل تطريز، واشترت بالتقسيط ماكينة خياطة لتكمل عملها في البيت، في وقت كان أبى فيه جالساً بالبيت بلا أي رد فعل".

يكمل محمود: "الناس قدّرت تعب أمي وتفهمت أن تربية المرأة مش دايماً عيب".

تعلق الاستشارية الأسرية، سما الغمراوي، إن الأم هي التي تتحمل النصيب الأكبر في تربية الأبناء، حتى وإن كان الأب على قيد الحياة، وتوضح الغمراوي رأيها: "تعود الرجل الشرقي أن يلقى بالحمل كله على المرأة، باعتبار أن توفيره للنفقات والاحتياجات المادية فقط يعنى أن دوره انتهى، ليبقى الأبناء معلقين برقبة الأم، وهو تصور خاطئ لأن الطفل كما يحتاج الأم يحتاج أيضاً إلى الأب".

وتقول الغمراوي لرصيف22 حول ما يقال بخصوص "تربية الحريم" أو "ولاد المرة"، كما يعبر الكثير من أبناء المناطق الشعبية في مصر: "مثل هذا الكلام لا يخرج إلا على لسان شخص يشعر بالنقص، ويحاول تعويضه بأن يلقى بأمراضه على الغير، لذا إذا حدث ووجدوا الابن الذي تربى على يد امرأة، يحقق نجاحات ملموسة يتجاهلونها، لأنهم لا يريدون أن يروا إلا ما يتوافق مع تصوراتهم المريضة التي يغذيها المجتمع للأسف بجهله وفقره".

" إذا حدث ووجدوا الابن الذي تربى على يد امرأة، يحقق نجاحات ملموسة يتجاهلونها".

أما أيمن القاضي، الأخصائي الاجتماعي، فيشدد على أن الأرامل في مجتمعاتنا العربية يعانين من مشاكل اجتماعية، "أبرزها نظرة المجتمع لهن، وإصداره مسبقاً حكمه بإعدامهن اجتماعياً، دون مراعاة لحاجاتهن النفسية والجسدية".

ويشرح القاضي فكرته أكثر: "أزمة الأرملة أو الزوجة التي رحل عنها زوجها في المجتمعات العربية معقدة، ومتشابكة، ومتشعبة، تتداخل فيه العادات والتقاليد الراسخة في مجتمعاتنا مع النظرة الدونية للمرأة من قبل البعض، مع فكر التسلط الذكوري الذي يمارس ضد المرأة، على اعتبار أنها مجرد قطعة شطرنج يحركها الرجل كيفما يشاء".

وحول الطريقة التي يمكن بها تغيير تلك النظرة، يقول القاضي لرصيف22: "المشكلة تتلخص في الموروثات الثقافية، ونظرة الرجال إلى حال الأرملة وظروفها الاجتماعية، ولتغيير تلك النظرة لابد من تنظيم حملات وبرامج تثقيفية لتوعية المجتمع بشكل عام، والرجال بشكل خاص، بحق تلك المرأة في التعايش مع مجتمعها بشكل يحفظ لها إنسانيتها وحقوقها، كما يتحتم على صناع الفن ووسائل الإعلام أن يلعبوا دورهم بتوعية الناس وعرض مشكلات النساء من هذا النوع".

ويثمّن القاضي دور الإعلام والفن في التوعية بوضع الأمهات الأرامل، يقول: "تلك الوسائل تسهم بشكل ملحوظ في تشكيل الوعى والسلوك، وتصحيح الصورة التي رسمها البعض لتلك الفئة بأنها عاجزة عن تحقيق ما يمكن للرجال إنجازه، أو حتى منحرفة لمجرد أن زوجها توفي أو غاب عنها".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard