شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
أسباب كثيرة تفسّر الفشل السعودي... النفوذ يحتاج إلى أكثر من إنتاج أفلام الأنيميشن

أسباب كثيرة تفسّر الفشل السعودي... النفوذ يحتاج إلى أكثر من إنتاج أفلام الأنيميشن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 22 فبراير 202001:05 م

"يبدو أنهم فعلوها ولكننا لا نريد الحرب". هذا ما قاله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عندما اتهم إيران بالمسؤولية عن الهجوم الذي استهدف منشأتين نفطيتين تابعتين لشركة أرامكو، ورفَضَ في الآن عينه اتخاذ أي إجراء ضد طهران.

لاحقاً، وبعد بضعة أشهر، اتخذ ترامب إجراءً رداعاً، بعد قيام متظاهرين عراقيين موالين لإيران باقتحام السفارة الأمريكية في بغداد والدخول إلى باحتها الخارجية، وإحراق نقطة أمنية تقع عند مدخلها.

فشل استراتيجيات بن سلمان

كانت هجمات أيلول/ سبتمبر الماضي على منشأتي النفط السعوديتين، في بقيق وهجرة خُرَيص، بمثابة إعلان فشل استراتيجيات الأمير السعودي محمد بن سلمان التوسعية.

استطاعت إيران ووكلاؤها الحوثيون إطلاق النيران على كعب أخيل وإجبار المملكة على إيقاف ضخ 5.7 مليون برميل نفط في اليوم، أو ما يعادل 5% من الإنتاج العالمي من النفط. والأهم أن الهجوم أجبر السعودية على الاعتراف بأن طموحاتها الإقليمية أكبر من إمكانياتها العسكرية والسياسية واللوجستية.

فقد قبل النظام السعودي بالمعادلة الجديدة التي فرضتها إيران ووافق على المفاوضات مع الحوثيين وتقليص ضرباته في اليمن بنسبة تزيد عن 80%، مقابل توقّف الحوثيين عن استهداف بلاده، وكان ذلك بمثابة تسليم ضمني بالهزيمة، ففي الأساس لم يكن هدف الحملة السعودية-الإماراتية منع الحوثيين من استهداف السعودية، بل منعهم من التوسع في اليمن ذاته، وإعادتهم إلى محافظة صعدة.

ولكن حتى هذا الهدف السعودي لم يتحقق. فقد صعّد الحوثيون من وتيرة هجماتهم بعد قبول السعودية بالتهدئة، في وقت تم تحييد الجزء الأكبر من الفاعلية السعودية.

ما يجري في اليمن هو مجرّد جولة من جولات التراجع الاستراتيجي للسعودية، بعد أن فشلت في العراق وسوريا ولبنان، وها هي الآن على وشك تكرار فشلها في ما كانت تظن أنه "حديقتها الخلفية".

هناك عدة أسباب يمكن أن تلخص الفشل السعودي في اليمن، ويمكن إجمالها في ما يلي:

1ـ تصدع جبهة الحلفاء المحليين؛

2ـ تردد الحليف الأمريكي في تقديم دعم كامل للسعودية في طموحاتها التوسعية؛

3ـ عدم القدرة على توسيع تحالفها إقليميا؛

4ـ الضعف العسكري في التدريب والفاعلية.

لا أصدقاء على الأرض

يمهد القصف الجوي لإحداث تفوّق عسكري، لكن المهاجم لن يحرز النصر النهائي إلا بوجود قوات أو أصدقاء له على الأرض. فهل نجحت السعودية في تأمين اصدقاء الأرض؟

على خلاف إيران أو حتى الإمارات، لم تستطع السعودية تشكيل شبكة حلفاء محليين بكفاءة عالية في اليمن، فهي مرتبكة تجاه تحديد الحلفاء وتحديد الخصوم.

وتظهر السياسات السعودية كمَن يطلق النار على قدميه، إذ تبتعد عن حلفائها التقليديين أو حتى تهاجمهم في وقت تحتاج إلى دعمهم.

وعلى المستوى الإيديولوجي، لم تنجح في إنتاج خطاب متماسك يمكّنها من تشكيل حلفاء إيديولوجيين كما حال إيران مع الحوثيين، كما أنها فشلت في تكوين رؤية براغماتية تساعدها في تكوين تحالف متماسك مع إسلاميين "معتدلين"، فقد أسهم عداؤها المعلن مع معظم الإسلاميين الحركيين، وعلى رأسهم الإخوان المسلمين، في إضعاف تحالفاتها المحتملة في اليمن مع أطراف يُفترض أن يكونوا حلفاءها الطبيعيين، بحكم الانتماء إلى المعسكر السنّي المعادي للحوثيين، مثل التجمع اليمني للإصلاح، الإخواني.

فبينما تدعم السعودية حكومة عبد ربه منصور هادي، المدعوم بدوره من التجمع اليمني للإصلاح، نرى أن موقف التحالف السعودي-الإماراتي مرتبك حيال هذا التجمع. فالموقف المعلن هو تحالف هش معه والموقف غير المعلن هو توجس منه واستهداف له، وكثيراً ما شنت وسائل إعلامية سعودية هجوماً إعلامياً عليه واتهمته بالخيانة، كما أن الإمارات استهدفته بجانب استهدافها الجهاديين والحوثيين.

السعودية التي دخلت حرب اليمن ولديها طموحات بأن تؤكد زعامتها وهيمنتها الإقليمية ربما تخرج منها قابلةً بأن الزعامة والنفوذ يحتاجان قدرات أكثر جدية من مجرد إنتاج أفلام الأنيميشن وحروب الألعاب الإلكترونية

وفي حين نجحت الإمارات في تكوين حلفاء ووكلاء محليين لها في جنوب وغرب اليمن، عبر دعمها المجلس الانتقالي الجنوبي في جنوب اليمن، وقوات المقاومة الوطنية أو حزب المؤتمر الحاكم سابقاً-جناح طارق صالح، ابن شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح، في الغرب، فشلت السعودية في تدعيم علاقاتها مع حلفاء محليين بطريقة دائمة ومنتظمة وتبعث على الثقة.

كذلك، تراكمت علاقات عدم الثقة بين المملكة والقبائل التي تقطن المنطقة الحدودية بين اليمن والسعودية، سواء في الشرق في منطقة المهرة، أو في نجران وجيزان وعسير مع قبائل لطالما تعاونت معها في ضبط الحدود.

تردد الحليف الأمريكي

على خلاف إيران، لا تعتمد السعودية بالكامل على قدرات عسكرية ذاتية للدفاع عن أراضيها، بل تعتمد على تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، ذلك التحالف الذي بدأ يفقد بريق البدايات الأولى، فترامب لا يرغب في الحروب التي قد تكبده خسائر ولا يرغب في البقاء منخرطاً في أزمات الشرق الأوسط التي لا تنتهي، ولكنه يرغب في ابتزاز المملكة ومقايضتها على أمنها مقابل المال.

بعد الهجمات على مصافي أرامكو، لم تتعامل الإدارة الأمريكية مع السعودية كحليف يتعرض لهجوم، بل كمشترٍ دائم لصناعات السلاح الأمريكية يجب أن يدفع ليحصل على المزيد من النظم الدفاعية وعدد قليل من القوات، في ظل عدم حماس واضح لاتخاذ أية إجراءات ضد مصدر التهديد، سواء أكان إيران نفسها أو وكلاءها في اليمن.

أدى عدم الحماس الأمريكي في اتخاذ إجراء ضد إيران وفشل منظومة الدفاع الصاروخي الأمريكية في منع الهجمات التي تمت بطائرات مسيرة منخفضة التكلفة في جعل العمق السعودي رهينة لرغبات طهران في الانتقام قليل التكلفة من الولايات المتحدة. ودفع ذلك المملكة للتفكير في شراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسية S-400 والتنازل طوعاً عن القناعات التاريخية للرياض بأن أمنها وديعة لدى واشنطن.

تحالف بلا حلفاء

تُعَدّ القدرة على تشكيل تحالفات إقليمية أحد محددات الهيمنة الإقليمية، فالقوى الإقليمية الكبرى تستمد جزءاً من قوتها من قدرتها على إقناع أطراف إقليمية بالاصطفاف معها في صراعاتها، وهو ما فشلت فيه السعودية تماماً.

ربما تملك السعودية أدوات جيدة لتحقيق تحالفات إقليمية متماسكة غير أن الحرب في اليمن أكدت أن وجود هذه الإمكانيات يفتقر إلى رؤية استراتيجية متماسكة تمكنها من تقديم نفسها كحليف مفضل سواء في حالة السلم أو في حالة الحرب

بخلاف عدم القدرة على تكوين شبكة تحالفات محلية في اليمن، فشلت السعودية في توسيع تحالفها دولياً. فبعد فشلها في إقناع النظام المصري في توسيع مشاركته أو إغراء الحليف الباكستاني بالمشاركة بأي شكل، ثم تراجع سودان ما بعد حقبة عمر البشير عن المشاركة في عمليات قتالية، في معركة لا تبدو فيها بوادر نصر، أتى دور الحليف الإماراتي لتقليص تواجده العسكري، بعد نجاحه في خلق حلفاء محليين في الجنوب والغرب يؤمّنون له مكاسب في الموانئ اليمنية دون الحاجة إلى تواجد كثيف ومكلف على الأرض.

ربما تملك السعودية أدوات جيدة لتحقيق تحالفات إقليمية متماسكة غير أن الحرب في اليمن أكدت أن وجود هذه الإمكانيات يفتقر إلى رؤية استراتيجية متماسكة تمكنها من تقديم نفسها كحليف مفضل سواء في حالة السلم أو في حالة الحرب.

أزمة الفاعلية والتدريب القتالي

"لا أحد في رئاسة الأركان العسكرية الإيرانية يخشى السعوديين على الأرض"، يقول مايكل نايتس، من معهد واشنطن.

رغم إنفاقها العسكري الضخم الذي يأتي في المرتبة الثالثة عالمياً بعد الولايات المتحدة والصين، بـ51 مليار دولار في عام 2019، يظهر أداء قواتها على الأرض مخيباً لآمالها.

تعاني القوات المسلحة السعودية من أزمات هيكلية وتدريبية تؤثر على كفاءتها القتالية. فوفقاً لتقرير نشرته "نيويورك تايمز"، فإن الترقية في صفوف هذه القوات تتم وفقاً للانتماءات القبلية والقرابة، لا الكفاءة المهنية، كما أن إجازة الطيارين الحربيين تتم بعدد ساعات تدريب أقل بكثير من نظرائهم الأمريكيين على سبيل المثال، وربما يفسر ذلك الارتفاع المبالغ فيه للضحايا المدنيين للغارات الجوية السعودية على اليمن، إذ تسببت غارات التحالف العربي غير الدقيقة في سقوط 67% من الضحايا المدنيين في اليمن.

كما تعاني القوات البرية السعودية من نقص واضح في التدريب على القتال الطويل أمام ميليشيات غير نظامية. فالأسلحة الثقيلة والمعقدة ربما تصلح لقتال تقليدي إلا أنها لم تثبت كفاءة في قتال الميليشيات سريعة الحركة.

وتسبب نقص التدريب والفاعلية بأزمات في الأداء القتالي للقوات البرية على الأرض، وانكشاف البنية التحتية والمنشآت الحيوية أمام هجمات الحوثيين من السماء باستخدام الطائرات المسيرة.

وكان الفشل العسكري والسياسي السعودي أكبر من أن يتم تجاهله في الرياض، ودفع القيادة السعودية إلى قبول الدخول في محادثات مع الحوثيين برعاية عُمانية سبقها خطوات لبناء الثقة عبر تبادل إطلاق سجناء حرب بين الطرفين. كانت المحادثات وموافقة السعودية على تخفيض الهجمات وخفض حجم قواتها في اليمن بمثابة اعتراف ضمني بأنها تبحث عن خروج آمن من اليمن واستسلام لحكمة الواقع بأنه ليس بالأمنيات وحدها يمكنك أن تنتصر.

تحدد الحروب موازين القوى على الأرض، ودخول الحروب ليس كالخروج منها، وربما يشكل الفشل السعودي في اليمن بداية جديدة لرسم موازين القوى في المنطقة. فالمملكة التي دخلت الحرب ولديها طموحات بأن تؤكد زعامتها وهيمنتها الإقليمية ربما تخرج منها قابلةً بأن الزعامة والنفوذ يحتاجان قدرات أكثر جدية من مجرد إنتاج أفلام الأنيميشن وحروب الألعاب الإلكترونية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard