شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"أنتقم بالاستمتاع الذاتي والعلاقات الحميمية"... أهالي يحرمون بناتهم من غرفهن الخاصة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 19 فبراير 202004:39 م

كنت أعرف من قبل، أن الفتيات في المنطقة العربية تسلب منهن الكثير من حقوقهن، كضريبة لكونهن ولدن إناثاً وليس لأي سبب آخر، ولكن كان أغرب تلك الحقوق المسلوبة هو حقهن بامتلاك غرفهن الخاصة، فكم من مرويات سمعتها على مدار الأسابيع الماضية عن ممنوعات تدرك للوهلة الأولى كم هي غبية، تبدأ بمنع الفتاة من غلق باب غرفتها، وقضاء وقت مع نفسها، البعض منهن ممنوعات من دخول غرفهن الخاصة سوى من أجل النوم، ممنوعات كذلك من التمتع بأي قدر من الخصوصية حتى في خزاناتهن الخاصة.

"سأعيش بعيداً عن أهلي"

تروي ماهيتاب حميدة (23 عاما)، سورية الأصل، تعيش في حي أكتوبر في ضواحي العاصمة القاهرة، طالبة بكلية الحقوق: "خضت نقاشات عديدة مع أهلي، تارة باستخدام الدين وأحكامه، وتارة أخرى باستخدام المنطق وحقي الأصيل كفتاة بالغة في بعض الخصوصية، لم تجدِ أي من تلك النقاشات بإحداث أي صدى في عقولهم، كل ما يشغل بالهم هو أنني لو أغلقت الباب عليّ، فأنني حتماً سأتحدث مع شاب غريب، أو أنني سأفعل شيئاً محظوراً، في النهاية سئمت كل المحاولات، وحالياً لا أركز سوى في ادخار مرتبي بالكامل، من أجل أن أكون قادرة على الاستقلال عن أهلي، فإن كانوا هم يرفضون أي مساحة خاصة لي الآن، فسأجبرهم على احترام هذا عندما أبتعد عنهم، وأعيش وحدي".

"كل ما يشغل بالهم هو أنني لو أغلقت الباب عليّ، فأنني حتماً سأتحدث مع شاب غريب، أو أنني سأفعل شيئاً محظوراً، في النهاية سئمت كل المحاولات، وسأدخر مرتبي لأعيش بعيداً عن أهلي"

أما نانسي كامل، 25 عاماً، من بورسعيد، بائعة في محل، تعرضت لما تعرضت إليه ماهيتاب، ولكنها تغلبت على مشكلتها بطريقتها الخاصة، تقول لرصيف22: "كلما تناقشت أشهروا بوجهي سلاح وجوب البرّ بالوالدين، وطاعة أولى الأمر، ولكن زاد علي منعي من الاحتفاظ بدرج أو صندوق مغلق، وكلما طالبت بذلك كان الرد جاهزاً: "خايفة من إيه وعايزة تداريه"، وكأن استباحتي هو الضامن الوحيد لئلا أقع في الخطأ، استخدمت كل ما أستطيع من طرق للإقناع، حتى أنني طلبت مساعدة خالتي التي تختلف عنهم في طريقة التفكير، وتقدر الخصوصية والمساحة الخاصة للأفراد، ولم تصل معهم لأي نتيجة".

"أستمتع ذاتيا في الحمام"

الرقابة الشديدة، والمتطرفة من الأهل، خلقت بداخل نانسي رغبة في "الانتقام"، تقول: "إن كانوا يمنعوني من هذا الهامش البسيط من الحرية خوفاً من ممارسة عادة إمتاع الذات، كما لمّحت أمي مرة، فأصبحت أمارسها وأنا أستحم، وإن كان هذا المنع خوفاً من أن أقيم علاقة بشاب، أو أن أتحدث إلى الأغراب، كما لمّح لي والدي مرة، فقد اشتريت هاتفاً ذكياً آخر غير الذي يفتشونه، وصنعت حساباً شخصياً على الفيسبوك لا يعلمون عنه شيئاً، ودخلت في علاقات مثل أي إنسان طبيعي، بل أنا من وضعت خطوطي الحمراء لنفسي، وهي ألا أورط نفسي في شيء يؤذيني أبداً، وبفضل طريقتهم الساذجة أصبحت أعيش بشخصيتين، واحدة أمامهم، وأخرى تفعل كل ما منعت عنه بالإجبار".

مستوى آخر من حرمان الخصوصية واجهته ناهد كارم (26 عاماً)، من المنوفية، مساعدة طبيب صيدلي، والتي روت: "أنا ممنوعة من امتلاك غرفة خاصة بي من الأساس، فأهلي فضلوا أن يضعوا الكراكيب وكل ما أصبح غير ضروري في غرفة، ومنحوا أخوتي الذكور غرفة بحمام خاص بها، بينما قرروا أن أنام أنا على كنبة يتم فردها كسرير في صالة المنزل".

"قرروا أن أنام أنا على كنبة يتم فردها كسرير في صالة المنزل".

ملابس كارم، وكتبها، وأدوات تجميلها، وكل متعلقاتها موضوعة في غرفة نوم والديها، وعندما طالبت بغرفة خاصة بها، كان الرد بالموافقة، بشرط أن أدفع إيجارها ونسبة من فواتير الكهرباء والماء والغاز الطبيعي، تقول: "ولأنني أعلم علم اليقين أن أبوي ليسوا بالبخلاء تماماً، فعرفت أنها مجرد قيود وحجج لعدم تخصيص غرفة لي".

تضيف كارم لـرصيف22: "أنا لست محرومة من مساحة خاصة فقط، وإنما محرومة من الحياة الطبيعية ككل، فطبقاً لوضعي الحالي، لست قادرة حتى على استضافة صديقة، لست قادرة على قبول هدية من صديق دون الدخول في تحقيق قد يتطور للعنف الجسدي، لست قادرة حتى على النوم والاستيقاظ وقتما أريد أنا، ليست تلك الحياة التي يمكن أن يعيشها إنسان سوي النفسية".

"الآباء يشعرون بامتلاك بناتهم"

يرى الاستشاري الأسري، دكتور روبرت بطرس، في حديث لرصيف22: "أن مشكلة المساحة الشخصية للأبناء، لم تبدأ عند هذه النقطة فقط، بل أننا كعرب بشكل عام ومصريين بشكل خاص، لدينا مشكلة كبيرة مع مفهوم المساحة الشخصية ومعاييرها، بل يمكن وصف الخصوصية لدينا بأننا نعيش بداخل حياة بعضنا البعض، وبالتالي عندما نربي أبناءنا يصبح لدينا مشكلة كذلك في احترام مساحتهم الشخصية".

ويضيف بطرس: "ما يحدث أننا نستمر في أداء الدور الأبوي والأمومي، حتى يتخطى أبناؤنا سن الثلاثين في بعض الحالات، كنوع من أنواع فرض مظلة الحماية المستمرة والزائدة".

"من ناحية أخرى، يتحمّل الإعلام مسؤوليته تجاه هذا الهوس"، كما يرى دكتور روبرت بطرس، يقول: "بعض البرامج أو كتاب المسلسلات، تتعمد إثارة الرأي العام بالتخويف، أو حصد ملايين المشاهدات من خلال فبركة بعض المشكلات وتسليط الضوء عليها كأنها ظاهرة عامة، الأمر الذي يبعث الكثير من الرسائل السلبية لجمهور هذه البرامج من الآباء والأمهات، فيتخيلون أنهم لو أتاحوا بعض الحرية لأبنائهم، فأنهم بالضرورة سيتجهون لإدمان المخدرات أو الزواج العرفي، ما يخلق حالة وهمية من الهلع تؤثر بالضرورة على الأبناء".

"إن كانوا يمنعوني من هذا الهامش من الحرية خوفاً من ممارسة إمتاع الذات، أصبحت أمارسها وأنا أستحم، وإن كان هذا المنع خوفاً من أن أقيم علاقة، فقد دخلت في علاقات مثل أي إنسان طبيعي"

ويشدد بطرس على حالة نفسية يعيشها أغلب الآباء، وهي "التملك" حيال أبنائهم، يقول: "شعور الملكية الذي يسيطر على الآباء، ينعكس في العشرات من الصور، منها عدم وجود ثقافة الحدود الشخصية، وأن من حق الأبناء أن يكون لهم أسرارهم وأمورهم الشخصية، وألا تكون متاحة أو مستباحة من أحد، هذه الأسباب والممارسات تؤدي لإحدى النتيجتين، إما أن يصبح الابن أو الابنة فاقدي الثقة بأنفسهم، انطوائيين، لا يملكون روح المبادرة ويميلون للانعزالية، أو على النقيض، تجعلهم يأخذون خطوات تصعيدية قد تتسم بالعدوانية، منها مثلاً استخدام برامج لكسر مراقبة الأهل على الهاتف وغيرها، وفي المشكلة التي نناقشها هنا، فأن عدم حماية المساحة الشخصية للفتاة اليوم، سيجعلها مستباحة في الغد، وستفقد هي كذلك القدرة على تمييز حدودها الشخصية وحدود الآخرين، وقد تفقد القدرة كذلك على حماية نفسها من الأغراب".

"من حق الأبناء أن يكون لهم أسرارهم وأمورهم الشخصية".

وفيما يخص مشكلة تقييد حق الفتيات في الاستمتاع بقدر من الخصوصية حتى في غرفهن الخاصة، فيقول دكتور بطرس: "ننصح الفتيات باللجوء إلى النقاش والإصرار على حماية الحدود الشخصية وحماية أنفسهن، والاستمرار في المطالبة بحقهن، وإن فشلن فيفضل اللجوء لمشير أسري ليكون وسيطاً، ويحاول التواصل مع الأهل وإقناعهم بالرؤية العلمية ونظرة علم النفس في الآثار السلبية لمنهجهم التربوي".

ولكن يظل السؤال بلا إجابة: ماذا لو رفض الأهل ذلك، وتعنتوا مع بناتهم مثلما حدث مع كارم وماهيتاب ونانسي؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard