شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
“ما بناكلش أي حاجة“... كيف أثّرت دمياط على المطبخ المصري؟

“ما بناكلش أي حاجة“... كيف أثّرت دمياط على المطبخ المصري؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 6 فبراير 202004:34 م

"الدمايطة ما يكلوش أي حاجة، في بلد الناس فيها بتاكل أي حاجة"، هكذا يعرف أبناء محافظة دمياط الساحلية المصرية أنفسهم، خاصة عندما يتحدثون عن شغفهم بالمأكولات.

الموقع الجغرافي، طبيعة المناخ البارد، القرب من البحر، وامتهان أغلب أبناء المحافظة الساحلية لمهنة الصيد؛ كلها أسباب منحت أكلات محافظة دمياط علامة مسجلة، استطاعت أن تفرض تأثيرها على الذوق المصري، بطريقة يصعب مقارنتها بمنطقة أخرى.

مذبحة البط الكبرى

سواء كنت دمياطياً أو لا، فلابد أنك سمعت عن "مذبحة البط" الشهيرة التي تشهدها المدينة الصغيرة، في اليوم الأول من رمضان من كل عام.

الإفطار على أكلة "البط بالمارتة" طقس رسمي لم تمحه السنوات، توارثه الدمايطة جيلاً بعد آخر منذ قرون.

مهما كان قدرة الأسرة المادية، فالبط لا بد أن يكون حاضراً على السفرة الرمضانية في أول أيام الشهر الكريم، وبحسب ما نشرته صحف محلية في رمضان العام الماضي، فإن الدمايطة أنفقوا 54 مليون جنيه على البط، خلال الأسبوع الأول من رمضان.

ولأهمية البط في حياة أهل دمياط، أحتل مساحة كبيرة من مقالات الكاتب الكبير دمياطي الأصل، عباس الطرابيلي، الذي كتب أكثر من مقالة عنه في صحف مختلفة، حيث كتب في إحدى مقالاته، موضحا أذواق الدمايطة في أكل البط: "والبط أنواع، أصغره هو البط البلدي، ومن كان يعشق أكل الرقاق الغارق في طبقة الدهن بالشوربة فعليه بالبط المرجان".

"الدمايطة ما يكلوش أي حاجة، في بلد الناس فيها بتاكل أي حاجة"، هكذا يعرف أبناء محافظة دمياط الساحلية المصرية أنفسهم، خاصة عندما يتحدثون عن شغفهم بالمأكولات

"والدمايطة يطلقون على هذا الرقاق "أممة"، أما عشاق الفص المعتبر ويخشون من الدهون فيفضلون البط السوداني، وبالطبع هذا غير البط المهاجر من شمال أوروبا إلى سواحلنا مثل البلبول والخضيري والحمراي والزرقاي والشرشير والغر".

ولكن تبقى طريقة الطبخ واحدة لكل هذه الأنواع، بحسب الطرابيلي، "إذ يتم حشو البطة بالمارتة، وهي خليط من البصل والكمون والفلفل والحبهان "الهيل" وجوزة الطيب، ومنهم من يفضل إضافة بعض الزبيب إلى هذا الحشو، وعندما يقترب نضج البط تأخذ ست البيت كمية من هذه الشوربة تستخدمها في إنضاج الأرز بديلاً للمياه".


"الصيادية أهم أكلة" 

لا ينافس عشق البط عند الدمياطي الأصيل سوى عشقه للصيادية، التي تعد ابتكاراً دمياطياً أصلياً مثله مثل البط بالمارتة، وهي الأطباق التي انتشر عشقها في كل محافظات مصر، وخصوصاً الساحلية منها.

منى كامل (34 عاماً) ربة منزل، من عزبة البرج، أشهر مدن المحافظة التي يمتهن أغلب سكانها الصيد، تعتبر الصيادية أهم أكلة في المطبخ الدمياطي، تشرح طريقة إعداده لرصيف22: "عبارة عن حساء يعدّ بقلي البصل لدرجة الاحمرار، مع دقّه، ووضع بهارات ثم يسلق السمك فيه، ويأخذ منه بعضه لطهي الأرز فيكتسب لون الصيادية، وأحلى صيادية يتم طهيها من سمك البوري، واللوت، والقاروص".

ولا ينافس الصيادية على السفرة الدمياطية إلا الشبار الأخضر، وهو السمك البلطي الصغير جداً، والذي يغزو أسواق السمك في دمياط في موسم محدد، قصير جداً، هو شهري أبريل ومايو من كل عام.

وتعد المرأة الدمياطية طاهية ماهرة، علّمها القرب من البحر إجادة طهي كل أنواع السمك. فدمياط لا تشتهر بالصيادية فقط، كما تقول منى، لكنها أيضاً تتميَّز بكفتة الجمبري التي تعد مزيجاً من الجمبري والأرز المطحون والخضار، والتي يتم تحميرها ثم طهيها في الصلصة، وهو طبق مميز جداً.

"أكلة تحلو من يد جدتي"

بالنسبة لمحمد بربر، إعلامي من دمياط، فإنه لا شيء يعلوا على "الكسبة والكبيسة"، يقول لرصيف22: "الكسبة والكبيس هما أكلتان تحتلان مكانة خاصة لدي. فالكسبة هي السمسم المطحون بزيته، وكانت تصنع في البيوت الدمياطية، وحالياً تباع في المحلات والهايبر ماركت، يعشقها الدمايطة لأنها مشبعة ولذيذة".

"أما الكبيس فهو أكلة شتوية بامتياز يتناولها الدمياطة في الشتاء بشكل شبه يومي، لما تمنحه للجسم من طاقة تساعده على مقاومة البرد القارس الذي تتميز به المحافظة".

ويشير بربر إلى أن الكبيس إعدادها ليس فقط يتطلب المجهود، ولكن الحب،  يقول: "هي أكلة لا تحلو إلا من يد الجدة، ومن بعدها الأم، فهي تحتاج إلى مجهود، وصنعة، وصبر، اتقنته الجدات وتوارثته الأمهات".

"إعداد الكبيس يتطلب المجهود، والحب، فهي أكلة لا تحلو إلا من يد الجدة، ومن بعدها الأم، فهي تحتاج إلى مجهود، وصنعة، وصبر، أتقنته الجدات وتوارثته الأمهات"

وبقليل من البحث، وجدت أنَّ الكبيس هو مربى البلح الأسمر، المصنوع بمزيج من البلح، العسل الأسود، جوز الهند، الفول السوداني والسمسم.

الجبن الدمياطي

لم يرتبط اسم دمياط عبر التاريخ بالأسماك فقط، ولكن للجبن الدمياطي مكانة معروفة في مصر والعالم.

الجبن الدمياطي المصنوع من خليط اللبن البقري، واللبن الجاموسي المميز، تخطت سمعته وشهرته حدود مصر بأكملها، ونافس عالمياً لسنوات طويلة قبل أن تتدهور أوضاع الصناعة، بعد إغلاق أكبر مصنع للجبن الدمياطي في المدينة وتسريح عماله، لكن لا تزال نساء دمياط، وتحديداً الأكبر سناً منهن، متمسكات بصناعة الجبن المنزلي.

نادية عبيد (50 عاماً) موظفة في الشهر العقاري بمدينة شطا التابعة لمحافظة دمياط، تقول لرصيف22 أنها لا زالت تصنع الجبن الدمياطي في المنزل، وتهديه لأصدقائها ومعارفها لتميزه.

توضح نادية طريقة إعداد الجبنة الدمياطي: "أصنع الجبن من الحليب الطازج غير المغلي، وأضيف عليه المنفحة، وهي مادة أشتريها من معامل الجبنة بالمدينة، إلى جانب ملح الطعام. نضع لكل لتر لبن ملعقة أكل منفحة وملعقتي ملح".

"أما عن الطريقة، فنضع اللبن على نار هادئة ونقلب حتى تصبح درجة حرارته تحتمل مثل دمع العين، بالتقريب 35درجة مئوية، ونضيف الملح، ونقلب جيداً ثم نضع المنفحة، ثم نطفئ النار".

وتتابع نادية: "يجب تغطيتها، وتدفئتها ساعة قبل تصفيتها بحصيرة الخوص الخاصة بالجبن، بشاش أو قماش خفيف، وتركها لساعتين حتى تصفي كل مائها وهو ما نسميه في دمياط الشرشة. ثم أخذ الجبن وتشكيله كما نريد. أما إذا أردت تخزينه فأقوم بغلي الشرشة وتركها حتى تبرد تماماً. ثم أضيف لها مزيداً من ملح الطعام، وأضعها في علب، وأضع فيها قطع الجبن مع قطع الفلفل الأخضر، وأغلقها جيداً".

الكشري الأصفر

يرجع الإعلامي محمد الدسوقي رشدي، من محافظة دمياط، خصوصية مطبخ محافظته إلى التركيبة الجغرافية والتاريخية للمدينة، يقول لرصيف22: "جمعت بين كل المتناقضات؛ البحر والنيل، الصحراء والزراعة. حتى التركيبة الاجتماعية ما بين الحياة العملية وبين محبة الأكل. وهذا يظهر في فكرة مهمة جداً لها علاقة بالإفطار الخاص بالعمال، والذي كان يعتمد على سندوتشات الجبنة في الفرن، وملفوف الفول والطعمية، ويكفي أن دمياط ربما تكون آخر منطقة في مصر غزتها مطاعم الوجبات السريعة. وهذا بالنسبة لي له دلالة على التذوق، والذي كنت أتمنى أن تظل محتفظة به وتقاوم غزوها لكنه للأسف لم يحدث".

"الشعب الدمياطي شعب عامل من الدرجة الأولى، لذلك ارتبط عنده الأكل بالوقت".

ويضيف رشدي عن ملامح المطبخ الدمياطي، يقول: "لأن الشعب الدمياطي شعب عامل من الدرجة الأولى، ارتبط عنده الأكل بالوقت. فتناول السمك يوم الجمعة طقس مدهش. كذلك البط بالمارتة أول يوم رمضان طقس لم يهزمه الزمن".

بالنسبة لرشدي، لا شيء يتفوق على الكشري الدمياطي، يقول: "الكشري في دمياط خليط عجيب لا يتكرر في أي بلد آخر. فيتم طهي الأرز مع العدس الأصفر، ويقدم معه البيض المسلوق والمحمر في السمن أو كما نسميه المدحرج، مع البطاطس المسلوقة والمحمرة في الزيت والباذنجان والفلفل. وجانب كل هذا طبق عجوة أو بلح رطب، لتجدينها وجبه متكاملة، مغذية، ومشبعة، وشهية".

وينهي رشدي حديثه بجملة، كثيرا ما يرددها سكان محافظة دمياط: "الدمايطة مابياكلوش أي حاجة، في بلد الناس فيها بتاكل أي حاجة وأي طعم".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard