شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"كي لا تحاسبنا الأجيال القادمة"... الجولان المحتل في مواجهة جديدة لمصادرة إسرائيل لأراضيه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 31 يناير 202003:30 م

صادقت حكومة الاحتلال الإسرائيلية، يوم الخميس المنصرم، 30 كانون الثاني/ يناير  2020، على مشروع إقامة توربينات إنتاج طاقة "مراوح هوائية" على مساحة تعادل 3400 دونم تقريباً، من أراضي الجولان المحتل الخاصة.

وفق المخطط، تحتوي حظيرة التوربينات هذه على 25 مروحة إنتاج طاقة، تعتبر من الأضخم في العالم، إذ يبلغ ارتفاع المروحة الواحدة 200 متر تقريباً، أي أكبر من صواريخ شركة spaceX التي تحمل المركبات الفضائية.

شهد الجولان العام المنصرم احتجاجات واسعة ضد المشروع، إذ تم توقيع عريضة شعبية من قبل أكثر من 5000 مواطن سوري في الجولان المحتل، بالتزامن مع إضراب طلاب المدارس في قرى الجولان في شهر أيار/ مايو 2019.

مؤخراً، بدأت أيضاً موجة احتجاج شعبي أخرى ضد المشروع، في أعقاب إعلان حكومة الاحتلال نيتها المصادقة على المشروع. الاحتجاج الأخير بدأ يوم 18 كانون الثاني/ يناير 2020، عندما نشر الآلاف من بنات وأبناء الجولان، على وسائل التواصل الاجتماعي، منشورات حملت الشعار "كي لا تحاسبنا الأجيال القادمة"، في بادرة تلخّص مناهضة أهالي الجولان لهذا المشروع.

حازت هذه الحملة الإلكترونية على الكثير من الاهتمام، وانتشرت بشكل كبير في الجولان، فلسطين وسوريا، إذ أطلق سوريون في أوروبا عريضة إضافية باللغات الأوروبية، لتقديم الدعم لأهالي الجولان، كما نشر العديد منهم نفس الشعارات والمناشير التي استعملها الجولانيّون.

من هذا الاحتجاج الإلكتروني، انطلقت مظاهرة يوم الجمعة 24 كانون الثاني/ يناير 2020، من ساحة سلطان باشا الأطرش في مجدل شمس، واحتشد المئات من بنات وأبناء الجولان السوري المحتل في الساحة، في مظاهرة هي الأكبر خلال السنوات الأخيرة في الجولان، ضد مشروع توربينات إنتاج الطاقة. أعاد مشهد المظاهرة للكثيرين ذكريات الإضراب الكبير عام 1982، عندما احتشد أبناء الجولان بالآلاف، منددين بقرار ضم الجولان للاحتلال الإسرائيلي، كما حملت هذه المظاهرة العديد من الرسائل، بالأخص في ظل الانقسامات التي ظهرت في الجولان بعد الثورة السورية عام 2011، وأشارت، ولو بشكل رمزي، إلى أن أهالي الجولان يمكنهم التغاضي عن اختلافاتهم وانقساماتهم من أجل أرض الجولان.

يشكّل المشروع علينا، نحن أبناء وبنات الجولان، خطراً وجودياً ومصيرياً، يتعلق بشكل مباشر بوجودنا في قرانا ومستقبلنا فيها، لهذا تواجد خلال مظاهرة يوم "الجمعة الأحمر" في الجولان، مئات الشابات والشبان، مجسّدين لأنفسهم وللجميع، بأنهم مدركون لهذا الخطر ويملكون من الوعي قدراً كافياً يتيح مناهضة المشروع

يشكّل هذا المشروع علينا، نحن أبناء وبنات الجولان، خطراً وجودياً ومصيرياً، يتعلق بشكل مباشر بوجودنا في قرانا ومستقبلنا فيها، لهذا تواجد خلال يوم "الجمعة الأحمر" في الجولان، مئات الشابات والشبان، مجسّدين لأنفسهم وللجميع، بأنهم مدركون لهذا الخطر ويملكون من الوعي قدراً كافياً يتيح مناهضة المشروع. إنه مشهد رائع فعلاً، أن نرى بنات وأبناء مجتمعٍ صغير مختزل ومنسيّ، يتعاضدون معاً، ويقفون كتفاً بكتف لمناهضة مشروع آخر، جاء هذه المرة على شكل "غسيل أخضر"، ليسلبنا أرضنا وتراثنا الزراعي.

لماذا الاعتراض على مشروع "طاقة خضراء"؟

في البداية، تم تعريف المشروع كـ "مشروع قومي إسرائيلي"، ما أتاح لوزير مالية الاحتلال مصادرة الأراضي المطلوبة لإنشاء المشروع. هذا، مع حقيقة أن مخطط المشروع يقع على أراضي سكان الجولان الخاصة، يجعلان المخاوف من فقدان الأرض والمسكن واقعاً يقلقنا جميعاً في الجولان.

إن ارتباط أهالي الجولان بأرضهم ليس وليد اللحظة، وليس وليد صدفة، إذ إننا في بادئ الأمر، ندرك من تجارب أخوتنا في فلسطين، أهمية الحفاظ على الأرض من أجل بناء مستقبل ما لأجيالنا القادمة، بالأخص أن المشروع المخطط له سوف يُقام في مناطق تحدّ من التوسع العمراني لقريتي مجدل شمس ومسعدة، وتقوم بزيادة الكثافة السكانية في القرى الأخرى وخنقها.

كما تسلب مصادرة الأراضي مصدر العيش الرئيسي لأهالي الجولان، وتلحق الضرر بقطاع الزراعة، محوّلة المنطقة برمتها لمنطقة صناعية، حيث تعتاش مئات العائلات على قطاع الزراعة في الجولان، إذ إن هنالك منشآت عديدة، بالإضافة للتجارة بالمحصول الزراعي التي تدعم هذا القطاع وتقوم بتنميته.

مثلاً، يعمل المئات من سكان الجولان في 5 ثلاجات لحفظ التفاح على مدار السنة، وليس فقط في موسم قطف التفاح، المحصول الرئيسي في الجولان، كما يعمل العشرات في تصنيف الكرز في مجدل شمس، تضاف لهذه الأعمال كل المهن المتعلقة بأعمال الصيانة، تمديد شبكات المياه، التسويق والتجارة وقطف المحصول الزراعي، ما يجعل فقدان هذه المساحة الضخمة من الأراضي الخاصة في الجولان لصالح مشروع المراوح، يهدد قطاع الزراعة في الجولان برمته، ويهدد بزيادة نسب البطالة في قرانا.

الصورة من مظاهرة بلدة مجدل شمس ضد مشروع التوربينات الإسرائيلي - عدسة جنان شقير

بالإضافة لذلك، هنالك العديد من التقارير التي تشير إلى أن توربينات إنتاج الطاقة ذاتها، قد تلحق الضرر بالطيور والخفافيش والحشرات، وبالتالي فإنها قد تلحق ضرراً بالحياة البرية في الجولان، التي تقام هذه المشاريع بحجة حمايتها!

مثلاً، في تقرير لصيحفة "هآرتس" حول مزارع "الجلبوع" و"رامات سيرين" توربينات الهواء في فلسطين، تم الإشارة إلى أن المروحة الواحدة قد تقوم بقتل عشرات الطيور المختلفة على مدار السنة.

بدأ أهالي الجولان السوري المحتل بالإدراك أن الاحتلال، وهو في موضع قوّة بعد صفقة القرن وتدليل ترامب وبوتين له، من الصعب أن يرضخ لمطالبنا بإلغاء المشروع، لهذا، تمت الدعوة لاجتماع شعبي عام، لفحص إمكانياتنا الحالية الآخذة بالتقلص مع مرور الوقت

الجولان اليوم

في أعقاب قرار حكومة الاحتلال المصادقة على إقامة مشروع المراوح على أراضينا الخاصة يوم الخميس، 30 كانون الثاني/ يناير  2020، أعلن أهالي الجولان عن اجتماع عاجل في مقام سيدنا اليعفوري، لبحث طرق الاعتراض على هذا المشروع.

هنا تجدر الإشارة إلى أن جميع محاولات أهالي الجولان للمطالبة بإلغاء المشروع في داخل مؤسسات الاحتلال باءت بالفشل، إذ تابعت لجنة من المحامين المتطوعين من الجولان، مع جمعيات حقوق إنسان في فلسطين وإسرائيل، العمل القانوني أمام لجان التخطيط والبناء الإسرائيلية والحكومة الاسرائيلية بلا جدوى، إذ ضربت الأخيرة بعرض الحائط كل حقوقنا على أرضنا، ومضت قدماً للمصادقة على المشروع.

بدأت كل فئات وشرائح الجولان السوري المحتل الاجتماعية، بالإدراك أن الاحتلال، وهو في موضع قوّة بعد صفقة القرن وتدليل ترامب وبوتين له، من الصعب أن يرضخ لمطالبنا بإلغاء المشروع، لهذا، تمت الدعوة لاجتماع شعبي عام لجميع قرى الجولان، لفحص إمكانياتنا الحالية الآخذة بالتقلص مع مرور الوقت. لكن، ومن وحي هذه الأزمة، وعند أخذ العبر من الاعتصام الأخير في ساحة سلطان باشا الأطرش في مجدل شمس، قد نرى بصيص الأمل في وعي الشابات والشباب، وفي إدراكهم/ن الحاجة الملحة للاعتراض على المشروع.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard