شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"الوطن أكبر من الصدر"... متظاهرون صدريون يتمردون على قرار زعيمهم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 30 يناير 202008:01 م

ما إن أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إيقاف دعمه للاحتجاجات الشعبية، حتى ظهرت حالات تمرد من قبل محتجين ينتمون للتيار، رفضوا الانصياع لقرار زعيمهم، ومغادرة ساحات التظاهر في مدن عراقية عدة.

ويرفض بعض الصدريين الانسحاب من الساحات لعدم قناعتهم التامة بقرار تيارهم السياسي، كما يرون أن المطالب المطروحة منذ أشهر تحاكي واقعهم وأوضاعهم الاقتصادية "المزرية".
ومثّل الصدريون الثقل الأكبر في الاحتجاجات العراقية المندلعة منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بينما لعبت كثافتهم العددية، إضافة إلى سلوكهم في المواجهة، دوراً في حماية التظاهرات التي شهدت هجمات متعددة. 

"الوطن أكبر من الصدر"

يعيش محمد خليل (32 عاماً) في مدينة الصدر، شرقي العاصمة بغداد، وهو لا يزال مرابطاً في ساحة التحرير برغم مغادرة صدريين لساحة الاحتجاجات بعد القرار المركزي الذي أصدره التيار.

يقول خليل: "الانتماء لتيار الصدر جاء وفق مبدأ ديني عقائدي، والدين يحث على التضحية من أجل الأعراض والأوطان".
ويضيف في حديثه لرصيف22: "وجودي منذ البدايات في الاحتجاج تأكيد على مبادئي، لكني مستغرب جداً من قرار السيد مقتدى الصدر الأخير بحق أخوتي المحتجين وعتابه لهم"، مبيناً أنه لم يسمع أي إساءة طالت الصدر والصدريين في الاحتجاجات بل إن "الكثير يمتدحون مواقفنا المتمردة على السلطة الجائرة".
ورداً على ما يُعتبر تمرداً على قرار زعيمه، يعلق خليل: "ليعذرني السيد مقتدى، هذه المرة، رأيت بكل حواسي وأدركت بكل وعيي كيف يستغل الساسة، ومن خلفهم الإيرانيون، بلدي العراق"، مخاطباً قائده: "أنت من علمتنا حب الوطن، كيف تريدنا أن نتركه في هكذا محنة يا سيدنا؟".
ويوضح خليل، الحاصل على شهادة بكالوريوس في اللغة العربية، قائلاً: "قراري بعدم مغادرة ساحة التحرير، هو قرار شخصي، وسأواصل التظاهر لحين تحقيق المطالب المشروعة، وهنا أختلف لأول مرة مع أحبتي في التيار الصدري، وليعلم سماحة السيد بأن الوطن أكبر منه ومنا ومن الجميع".

وكان الصدر قد أكد، في 24 كانون الأول/يناير الحالي، في تغريدة له أنه "لن يتدخل لا بالسلب ولا بالإيجاب" في التظاهرات القائمة في بلاده، معاتباً المتظاهرين بعدما طالته اتهامات بالعمالة لإيران جراء دعوته أنصاره، يوم الجمعة الماضي، للمشاركة مع الفصائل المقربة منها (إيران) في التظاهراتٍ المنددة بالتواجد الأمريكي في العراق. وعلى أثر ذلك، غادر الصدريون مختلف ساحات التظاهر وأزالوا خيم اعتصاماتهم.

"ليعذرني السيد مقتدى، هذه المرة، رأيت بكل حواسي وأدركت بكل وعيي كيف يستغل الساسة، ومن خلفهم الإيرانيون، بلدي العراق"... شهادات لصدريين تمردوا على قرار زعيمهم بالانسحاب من ساحات الاحتجاج

وبعد يومين على تغريدته الاولى، غرّد الصدر ثانيةً (الأحد 26 كانون الأول/ يناير الحالي)، مهدداً المحتجين باتخاذ "موقف آخر" لدعم القوات الأمنية، إذا لم يعيدوا "الثورة إلى مسارها". تغريدة الصدر الأخيرة، جاءت كرد فعلٍ على حملات النقد اللاذع التي تعرض لها.

ساحات الاحتجاج من دون الصدريين

بعد مغادرة أغلب أنصار التيار الصدري ساحات التظاهر في العراق، لا سيما ساحة التحرير في بغداد، تراجعت أعداد المتظاهرين في الساحة، خصوصاً أولئك المعتصمين فيها، وباتت بالمئات بعدما كانوا قد وصلوا إلى آلاف قبل التغريدة الأولى للصدر.
ويقول أحمد فاضل، وهو ناشط بارز في ساحة التحرير، إن "الصدريين، يمثلون ثقلاً كبيراً داخل الاحتجاجات برمتها، لما لهم من قوة عددية أعطت زخماً عالياً ساهم في ديمومتها، ومقاومتها لكل أشكال الترهيب التي طالتها من قبل الأجهزة الأمنية، وأتباع المليشيات المتربصة بها"، مبيناً أن "المشهد على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، كان مشهداً احتجاجياً وحدوياً لمختلف الأطراف المتباينة فكرياً".
ويضيف الناشط (24 عاماً) في حديثه لرصيف22: "قرار التيار الصدري، بالانسحاب كان قراراً صادماً لنا جميعاً، ولم نكن نتوقع أن يترك الصدريون مواقعهم التي نتشارك بها معهم داخل ساحة التحرير، خصوصاً أن خيم الاعتصامات جمعتنا في أغلب الأوقات، وكنا نتداول الأفكار والطرق الكفيلة والمختلفة في استمرار سلمية الحراك"، لافتاً الى أن "الصدريين أنفسهم استغربوا خطاب زعيمهم، ومعاتبته للمتظاهرين بالنيل من سمعته واتهامه بالعمالة، وهذا لم يحدث مطلقاً، وإن حدث فكان على نطاق ضيق جداً".
وعن الوضع الحالي لساحة الاحتجاج، يوضح فاضل أن "التظاهرات لا تزال قائمة، على الرغم من تناقص أعدادها، لكنها تتصاعد بين الحين والآخر، عندما يشارك الطلاب وأعضاء النقابات في صباح كل يوم، وتقل الأعداد تدريجياً مع حلول المساء"، لافتاً الى أن "التهديد الأمني عاد أيضاً، لأننا أصبحنا بلا الغطاء الصدري الذي كان يقينا تهور الأجهزة الأمنية".

وتعد أولى حالات التمرد على قرار زعيم التيار الصدري من قبل القيادي في التيار الشيخ أسعد الناصري (رجل دين من محافظة ذي قار) الذي أكد مواصلته التظاهر والاعتصام مع أبناء مدينته الناصرية (مركز المحافظة)، ما أفضى إلى صدور بيان بحقه من مكتب الصدر في (25 كانون الأول/ يناير)، مطالباً إياه بترك "ساحة الثوار فوراً وعدم التدخل فيها لا سلباً ولا إيجاباً".

وعمد التيار إلى تجميد عضوية الناصري، وتخييره بين الولاء للصدر أو للمتظاهرين، ما دفع به إلى التخلي عن عمامته الدينية "لصالح العراق وذي قار وساحات الاحتجاج"، بحسب تغريدة له.

"كيف نخذل دماء الشهداء؟"

"لقد ارتوت ساحة الحبوبي بدماء الشهداء من جميع المحتجين، سواء من قبل رفاقي الصدريين، أو أصدقائي المدنيين، وهم يواجهون آلة الموت الحكومية التي اقتنصت أرواحهم من بيننا، كيف يمكنني أن أخذل هذه الدماء، كيف يمكنني أن أتراجع وأنا العابر لآخر الطريق إن شاء الله؟"... بهذه الكلمات عبّر وائل نصار، الناشط الصدري في محافظة ذي قار (360 كيلومتراً جنوبي العراق).
"لماذا الانسحاب بعد كل هذه الدماء التي أريقت؟ أنا أشعر بوخزة في قلبي حالما أتذكرهم وأنا محتج، فكيف بي أن أتذكرهم وأنا جالس في بيتي، وأحملُ صفة متخاذل، لا والله"... شهادات لصدريين تمردوا على قرار زعيمهم بالانسحاب من ساحات الاحتجاج 

ويرتاد نصار، مساء كل يوم، ساحة الحبوبي (وهي ساحة الاحتجاج المركزية في المحافظة)، برفقة أصدقاء، يتشاطرون معاً حراكهم الثوري، والحرص على إدامة زخم الاحتجاجات وسط المدينة.
وكان لمحافظة ذي قار الجنوبية، الصدارة الدائمة في نشرات الأخبار على مدار الشهر الماضي، حيث تتصاعد أعمال العنف بين المحتجين والقوات الأمنية، ما أسفر عن سقوط أعداد كبيرة من الطرف الأول.
وعن تلك الأحداث، يروي نصار (27 عاماً)، لرصيف 22، أنه "في الأسبوع الماضي، شهدت التظاهرات قنصاً أمنياً، وضرباً بالدخانيات، وسقط منا قرابة 7 شهداء و15 مصاباً بجروح متفاوتة"، مبيناً أن "المتظاهرين يسيرون في خطٍ واحد، بغض النظر عن اختلافاتهم السياسية والعقائدية، في سبيل إسقاط هذه الطبقة السياسية الفاسدة المتحكمة برقاب الناس".
ويتساءل الطالب في كلية القانون، والمشارك في الاحتجاج منذ بداياته في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، "لماذا الانسحاب بعد كل هذه الدماء التي أريقت؟ أنا أشعر بوخزة في قلبي حالما أتذكرهم وأنا محتج، فكيف بي أن أتذكرهم وأنا جالس في بيتي، وأحملُ صفة متخاذل، لا والله".

"أنا باقٍ على احتجاجي"

من جهته، يعتبر لؤي الياسري (39 عاماً) أنه يختلف عن الصدريين في طريقة تعاطيه مع الزعيم، فهو يعتبره "زعيماً سياسياً أكثر وطنيةً من غيره، وينفرد بمقاومته للاحتلال الأمريكي عام 2003"، لكنه يرفع عنه "هالة التقديس التي يضفيها أبناء التيار عليه".
ويقول الياسري، وهو من سكان محافظة كربلاء (100 كيلومتر جنوبي بغداد)": "التظاهرات نابعة من همّ يومي نعيشه، ليس لدينا مصدر معيشي ثابت وليس لدينا حقوق، وليس لدينا حتى حياة تليق بنا كبشر، على الرغم من ثروات العراق الهائلة".

ويضيف مستنكراً، في حديثه لرصيف22: "أنا أعمل بأجر يومي في الأسواق الغذائية، والتيار الصدري لديه وزارات داخل الحكومة، لكنه لم يلتفت لي، وعلى الرغم من ذلك، حافظتُ على انتمائي له، حباً بالصدر الثاني (والد مقتدى)، والسيد الصدر نفسه"، معتبراً أن تواجده المتواصل منذ ثلاثة أشهر مع المتظاهرين تعبير عن "واقع مزري" لوضعه الاقتصادي ولأوضاع الآخرين، و"لهذا السبب أنا باق ولم أستجب للانسحاب"، كما يقول.
يُذكر أن زعيم التيار الصدري دعا تياره إلى الانضمام للحراك الاحتجاجي في العراق، يوم 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ما وفر غطاءً أمنياً وشعبياً للساحات، لكن بعد الضربة الأمريكية التي أودت بحياة قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي 
أبو مهدي المهندس، قرب مطار بغداد الدولي، في الثالث من الشهر الحالي، جعلت الصدر يتقارب مع إيران مرة أخرى، وفق مبدأ العداء لأمريكا ونتيجة التوافق على صيغة الحكومة المقبلة في العراق حيث للصدر النصيب الأكبر فيها، حسب متابعين. 

الصدر في عيون "المتمردين" عليه

في المقابل، يرفض الصدريون الثلاثة الذين تحدثوا لرصيف22 وصف زعيمهم بـ"التابع للأجنبي"، متفقين على أن الصدر لا يزال "زعيماً عراقياً وطنياً"، لكنه يتفاعل مع الأمور وفق حسابات مختلفة.
"دعوته الأخيرة لنا بالانسحاب لا أراها صائبة، وإن كانت لا تعني بالضرورة أنه متحالف مع إيران، فالمواقف السياسية الكثيرة أثبتت وطنية آل الصدر".

وعن سبب تقلباته، يجيب خليل أن "السياسة تتطلب من كل زعيم مواقف متقلبة أحياناً، وهذا أمر طبيعي لدى كل سياسيي العالم، لكن تقلبات السيد مقتدى، حتماً تكون وفق أوضاعنا المتقلبة والصعبة، لهذا يجده البعض يسير وفق أهوائه، علماً أنه ليس كذلك"، مبيناً أن "الوضع المتناقض هو من يجبر الصدر على التوازن بين هذا الطرف أو ذاك، لكنه يبقى زعيمنا الوطني وإن اختلفنا معه هذه المرة".
ويتفق نصار مع ما ذهب إليه خليل إزاء تناقضات الراهن السياسي العراقي، ويقول: "اعذروا السيد مقتدى فهو الوحيد الذي يقاتل أمريكا وإيران معاً، يقاتلهم بطرق سلمية سياسية"، عازياً تقاربه مع الأخيرة الى أنها "أهون الشرين، بالمقارنة مع أمريكا"، ومشيراً الى أنه "عمامة شيعية عروبية عراقية".
أما الياسري فقد أعرب عن حبه العميق للصدر، مستدركاً "لكن دعوته الأخيرة لنا بالانسحاب لا أراها صائبة، وإن كانت لا تعني بالضرورة أنه متحالف مع إيران، فالمواقف السياسية الكثيرة أثبتت وطنية آل الصدر، وتضحياتهم من أجل هذه البلاد".
وتوقع الياسري، أن يعدل زعيم التيار الصدري عن قراره الأخير، بالقول: "ربما يعدل عن رأيه، فهو قد أزعجه تخوين البعض لدى مشاركة التيار في التظاهرات مع فصائل تحالف الفتح (بزعامة هادي العامري، المقرب من إيران)".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard