شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"يعاملني كمدبّرة منزل"... عندما "يقتل" الرجل أحلام شريكته

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 30 يناير 202006:39 م

"منذ بضعة أشهر تقريباً، بينما كنت أجد صعوبة في العثور على بعض الوقت للكتابة خلال أيامي المزدحمة، اقترح عليّ أحد الزملاء أن أقرأ كتاباً عن الطقوس اليومية للفنانين العظماء. لكن بدلاً من أن يقدم لي ذلك الإلهام الذي كنت أتطلع إليه، ما أثار دهشتي حول هؤلاء العباقرة المبدعين، ومعظمهم من الرجال، لم يكن بسبب جداولهم وأعمالهم اليومية، بل جداول وأعمال النساء في حياتهم"، هذا ما قالته بريجيت شالت، في مقال لها ورد في صحيفة الغارديان البريطانية، والتي تناولت خلاله موضوع المرأة وتضحياتها في سبيل شريكها وعائلتها.


تضحيات النساء

غالباً ما نسمع عبارة "وراء كل رجل عظيم امرأة"، صحيح أن هذه المقولة عفا عليها الزمن، وباتت مجرد عبارة "بالية" في الكثير من المجتمعات ولا تمت إلى الواقع بصلة، إذ أكدت المرأة أنها قادرة على إثبات نفسها ومكانتها الاجتماعية، ولكن لا يمكننا أن ننكر أن بعض النساء فضّلن البقاء في الظل وخلف الأضواء وذلك بهدف توفير "مكوّنات" النجاح لشريكهن، ولو كان ذلك على حساب طموحاتهن الشخصية.

في هذا الصدد، تحدثت بريجيت شالت عن الدور الكبير الذي لعبته النساء في حياة العباقرة المبدعين: "وفرت لهم الزوجات الحماية من المقاطعة. أحضرت لهم مدبرات المنازل الإفطار والقهوة في ساعات غريبة، أبقت المربيات أطفالهم بعيداً عنهم. لم تكن مارثا فرويد تحضر ملابس سيغموند كل صباح فقط، بل كانت تضع له معجون الأسنان على فرشاة أسنانه. لم تكن سيليست، مدبرة منزل مارسيل بروست، تقدم له القهوة اليومية، الكرواسان، الصحف والبريد على صينية فضية فحسب، بل كانت دائماً على استعداد للدردشة معه، حتى ولو كان ذلك لساعات".

بعض النساء فضّلن البقاء في الظل وخلف الأضواء وذلك بهدف توفير "مكوّنات" النجاح لشريكهن، ولو كان ذلك على حساب طموحاتهن الشخصية

واللافت أن بعض الزوجات ذهبن بالتضحية إلى أبعد حدود وذلك على حساب أحلامهن وتطلعاتهن الخاصة، فقد تزوج الملحن غوستاف ماهلير من ملحنة واعدة تدعى الما، إلا أنه منعها من التلحين، زاعماً أنه لا يمكن أن يكون هناك أكثر من مؤلف موسيقي واحد في العائلة.

وكان غوستاف حريصاً على أن تبقي زوجته الجو في المنزل هادئاً، وبعد السباحة كان يطلب منها أن تنضم إليه في مسيرات طويلة صامتة، لكي يتمكن من تأليف الموسيقى في رأسه، وبالتالي كانت تجلس الما على جذع شجرة أو على العشب ولا تجرؤ أبداً على إزعاجه، وتحدثت عن ذلك في مذكراتها، حين قالت: "هناك صراع يدور في داخلي!، وشوق بائس لشخص يفكر بي، يساعدني في العثور على نفسي! لقد غرقت إلى مستوى مدبّرة منزل".

وأشارت بريجيت شالت إلى أنه، وعلى عكس الفنانين الذكور، كانت مسارات حياة الفنانات مقيّدة بتوقعات تقتصر على القيام بالأعمال المنزلية والاهتمام بشؤون العائلة والأطفال: "لقد تمت مقاطعة وقت المرأة وتفتيته على مرّ التاريخ، رُسمت إيقاعات أيامهنّ حول الأعمال المنزلية، رعاية الأطفال وشؤون العائلة والمحافظة على بقاء روابط الأسرة والمجتمع قوية"، وأضافت الكاتبة أنه لم يكن لدى المرأة الرفاهية للاستفادة من وقتها بالطريقة التي تحلو لها، على الأقل ليس من دون اتهامها بالأنانية.

استثمار الوقت

في نظريته Leisure Class (نظرية الطبقة المرفهة)، كتب عالم الاقتصاد ثورستين فيبلين، أنه على مر التاريخ، كان الأشخاص الذين يتمتعون بالقدرة على الاختيار والتحكم في وقتهم هم رجال رفيعو المستوى، وأتى فيبلين على ذكر النساء وكتب أنهن، إلى جانب الخدم، كنّ مسؤولات عن العمل الكادح الذي يمكّن هؤلاء الرجال ذوي المكانة العالية من الخروج بأفكارهم العظيمة.

في هذا الصدد، وجدت بعض الباحثات النسويات أن العديد من النساء لا يشعرن بأنهنّ يستحققن فترات طويلة من الوقت لأنفسهنّ، ويعتبرن بأنه يجب عليهنّ أن يكسبن هذا الوقت، أما السبيل الوحيد للقيام بذلك هو الوصول إلى نهاية قائمة المهام التي لا تنتهي أبداً: "الأعمال اليومية" التي، وفق ما كتبته ميليندا غيتس في كتابها The Moment of Lift: How Empowering Women Changes the World، "تقتل أحلام العمر".

والحقيقة أنه مع وجود عدد كبير من النساء في سوق العمل، فإن النساء حتى يومنا هذا، لا زلن يقضين ضعف الوقت الذي يقضيه الرجال في الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال.

فقد وجدت إحدى الدراسات التي شملت 32 أسرة في لوس أنجلس، أن وقت الفراغ الكامل لمعظم الأمهات لا يتعدى الـ10 دقائق.

وعند تحديد الحياة اليومية للأكاديميين، لاحظت عالمة الاجتماع جويا ميسرا وزملاؤها، أن أيام عمل الأساتذة الإناث كانت أطول بكثير من زملائهن الرجال.

ووجدت ميسرا أن الرجال والنساء قضوا حوالي نفس الوقت في عملهم المدفوع الأجر، إلا أن وقت المرأة في العمل تمت مقاطعته بمزيد من أعمال الخدمة والتوجيه والتدريس، في حين أن الرجال أمضوا فترات طويلة من الوقت في التفكير، البحث، الكتابة، الإبداع والنشر، وذلك بهدف التقدم في حياتهم المهنية وإيصال أفكارهم إلى العالم.

في حديثها مع موقع رصيف22، كشفت الناشطة النسوية ساندرين افرام أن المرأة عموماً تجد صعوبة في تبوّء مناصب قيادية، "ليس ذلك بسبب عدم توافر الفرص، إنما في أغلب الوقت يكون ذلك نتيجة وقتها المزدحم"، على حدّ قولها، مستدركة بالقول إن هذه النظرية لا يمكن تعميمها على جميع النساء.

وبالرغم من نجاحات المرأة المبهرة في وطننا العربي، إلا أن ساندرين اعتبرت أن الرجل الشرقي التقليدي يقف "حجر عثرة" بوجه شريكته، وذلك بسبب تربيته وتنشئته الاجتماعية في كنف الأنظمة البطريركية، إلا أنه في المقابل، أكدت افرام أنه في يومنا هذا، تغيّرت الكثير من الأمور على الصعيد الاجتماعي وباتت المرأة تتساوى مع الرجل في الكثير من الحقوق والواجبات: "أصبحت تعمل بدورها في الخارج، وبالتالي يتعيّن مشاركة الأعمال المنزلية بين الثنائي".

"آن الأوان لكي يأخذ الرجل زمام المبادرة ويعترف بالدور الفاعل الذي تقوم به المرأة، بالإضافة إلى منح الشريكة وقتاً كافياً لنفسها"

وعن كيفية خروج النساء من دوامة "عدم اتساع الوقت"، اعتبرت ساندرين أن هناك مسؤولية تقع على عاتق المرأة لجهة عدم الاكتفاء بالأدوار التقليدية التي تُفرض في العادة عليها، مستندة إلى كتاب Lean In لشيريل ساندبرغ، الذي يتحدث عن أهمية أن تكون المرأة شجاعة بشأن قراراتها المهنية، وألا تختار البقاء في الصورة النمطية التي تجعلها "أسيرة" المنزل، بل أن تكسر جميع الحواجز وتخصص وقتاً ومجهوداً في سبيل إنجاح مسيرتها المهنية.

هذا وشددت ساندرين افرام على الدور الذي يجب أن يلعبه الرجل أيضاً لجهة احترام وقت شريكته: "آن الأوان لكي يأخذ الرجل زمام المبادرة ويعترف بالدور الفاعل الذي تقوم به المرأة، بالإضافة إلى منح الشريكة وقتاً كافياً لنفسها".

ماذا لو كان شكسبير... امرأة؟

تقوم بعض المجتمعات "بتحطيم" المرأة والإحباط من عزيمتها وذلك لمجرد أنها "أنثى"، فقد تخيّلت الكاتبة الإنجليزية فرجينا وولف، ماذا كان سيصبح لو وُلد شكسبير امرأة، أو إذا كان لديه أخت تتمتع بنفس القدر من الموهبة مثله، واعتبرت وولف أن "شكسبير الأنثى" لن يكون لديها الوقت أو القدرة على تطوير موهبتها.

فبحسب رواية وولف، فإن "أخت شكسبير المفترضة"، ورغم موهبتها العظيمة، فإنه سينتهي بها المطاف بالإصابة بالجنون، الموت أو السخرية منها كما لو كانت ساحرة.

ولكن هذه السيناريوهات لم تشكل نهاية القصة لدى فرجينا وولف، والتي تخيّلت أنه في المستقبل سوف تولد امرأة عبقرية، معتبرة أن قدرة هذه الأخيرة على الازدهار، والتوقع بأن يكون صوتها ورؤيتها يستحقان الاهتمام، يعتمد كلياً على العالم الذي نقرر أن نبنيه: "سوف تبرز (المرأة) لو عملنا من أجلها".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard