شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
لا أصدقاء للأكراد الإيرانيين حتى في الجبال... قرابين الموت من أجل الخبز

لا أصدقاء للأكراد الإيرانيين حتى في الجبال... قرابين الموت من أجل الخبز

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 24 ديسمبر 201905:03 م

خلع فرهاد خسروي (14 عاماً) سترته الصغيرة وغطّى فيها جسم أخيه آزاد خسروي (17 عاماً) ليقيه من البرد المهلك، وهام وحيداً أثناء عاصفة ثلجية، باحثاً عن مساعدة تنقذه وأخيه الكبير، لكنه قبل أن ينهي طريقه مات من الصقيع على جبال هورامان.

في 20 كانون الأول/ ديسمبر، شيّع أهالي مدينة مريوان الكردية في محافظة كردستان غرب إيران الطفل فرهاد، ابن قرية "ني" التابعة للمدينة، بعد ثلاثة إيام من بحث الأهالي والهلال الأحمر الإيراني المتواصل عنه، على أمل إنقاذه من العاصفة التي هاجمته وأخيه ورفاقهما.

قبل ذلك بثلاثة أيام، أي في 17 كانون الأول/ ديسمبر، كانت شبكة كردستان لحقوق الإنسان قد نعت الشاب آزاد. أما الرفاق الآخرين، فقد تعرّض بعضهم لإصابات.

مأساة لا تنتهي

رفع السائرون في تشييع الطفل فرهاد أرغفة الخبز مع جثمانه، تعبيراً عن غضبهم من هذه المأساة الإنسانية المتكررة والتي لا تعرف نهاية. هو وأخوه ضحيتان جديدتان لظاهرة التهريب المنتشرة في المناطق الحدودية بين إيران والعراق. كثيرون يعبرون الجبال غير آبهين بالظروف المناخية، فهذه الوظيفة هي مصدر رزق أساسي لأغلب سكان تلك المناطق الإيرانية.

آلاف المواطنين الأكراد في إيران يعملون في مهنة العتالة. يهرّبون بضائع من وإلى إيران على ظهورهم مقابل 200-300 تومان للنقلة الواحدة، أي ما يعادل 18-26 دولاراً في أفضل الحالات.

يلجأ إلى هذه المهنة المحفوفة بالمخاطر رجال ونساء من عمر 12 حتى 80 سنة. ينقلون بضائع ثقيلة الوزن عبر جبال يعرفون مفارقها وانحناءاتها، بعيداً عن عيون عناصر الجمارك الإيرانيين الذين لا يتوانون عن إطلاق الرصاص الحي عليهم إذا ما شاهدوهم. فبالنسبة إلى الحكومة الإيرانية، هؤلاء المهربون مخلّون بالأمن الاقتصادي ويسببون الفساد في البلاد.

تتعامى طهران عن المناطق الحدودية وتهملها خدماتياً وعلمياً وطبياً واجتماعياً، ما حوّلها إلى بؤرة مليئة بالفقر والمشاكل. محافظة كردستان الجميلة هي إحدى المراعي التي لا ترغب السلطة المركزية في تطويرها. تهمل تعبيد طرقاتها بالإسفلت، على الرغم من أنها مقصد للسائحين، ولا تهتم بخلق فرص عمل لسكانها.

لطهران سياساتها المتعمدة تجاه الأقلية الكردية جعلت من السكان الأكراد غرباء في بلادهم.

ويتوزّع الأكراد في إيران على ثلاثة محافظات غربية هي كرمانشاه، كردستان وإيلام، ويقدّر عددهم بخمسة ملايين نسمة تقريباً، ي ما يقارب 7% من إجمالي السكان. يمثلهم عشرة نواب تقريباً في مجلس الشورى، لكنهم يفتقرون إلى تمثيل حقيقي يحمل مطالبهم.

الحمالون بين الرصاص والثلوج

مهنة العتالة بطبيعتها ظالمة وفي الجبال تصير شاقة جداً، وممارستها على الحدود الإيرانية العراقية يعني أن تحاول تجنّب الرصاص.

خلع فرهاد خسروي (14 عاماً) سترته وغطّى فيها جسم أخيه آزاد (17 عاماً) ليقيه من البرد المهلك، وهام وحيداً أثناء عاصفة ثلجية، باحثاً عن مساعدة تنقذهما، لكن قبل أن ينهي طريقه مات من الصقيع على جبال هورامان... عن مآسي الأكراد الإيرانيين العاملين في مهنة التهريب
مهنة العتالة بطبيعتها ظالمة وفي الجبال تصير شاقة جداً، وممارستها على الحدود الإيرانية العراقية يعني أن تحاول تجنّب الرصاص... عن مآسي الأكراد الإيرانيين العاملين في مهنة التهريب

في مذكرة أرسلها إلى وزير الدخلية رحماني فضلي عام 2017، دعا النائب الكردي في مجلس الشورى الإيراني جلال محمود زاده نوه إلى ضرورة توخي الحذر في مكافحة التهريب، منوهاً إلى أن رمي الحمالين بالرصاص لا يوقف التهريب.

لكن لا آذان تصغي للصوت الكردي. حسب منظمة هنغاو لحقوق الانسان، لقي سبعة حمالين تحت الـ18 عاماً حتفهم في الجبال منذ بداية عام 2019، من بينهم ستة قُتلوا بالرصاص الحي، فيما سجلت الحدود الإيرانية العراقية حسب المنظمة موت 14 حمالاً آخر بسبب الصقيع خلال هذا العام.

وزير الداخلية الإيراني عبد الرضا رحماني فضلي، وبعد شكاوي عديدة من النواب الأكراد، اقترح مشروعاً لتنظيم عمل الحمالين لوقف موتهم، وذلك عبر تسجيلهم في مكاتب تابعة للوزارة والتعريف عن أنفسهم. ولكن هذا الأمر لم يُطبَّق بعد ولن يطبق لعدم ثقة الأهالي بالحكومة التي تستهدف جمع معلومات عنهم وليس مساعدتهم، فلو أرادت ذلك لأمّنت لهم فرص عمل تحفظ كرامتهم.

تشير التقديرات إلى أن 80 ألف كردي يعملون عتالين في التهريب، والأمر لا يقتصر على فئة دون أخرى، فالجميع معرضون لممارسة هذه المهنة نتيجة البطالة والفقر، رجال ونساء وحملة شهادات جامعية وإيضاً حملة ميداليات رياضية كبطل آسيا العدّاء طه غفاري الذي لم يشفع له حمله للعلم الإيراني عالياً في ساحات الرياضة الدولية من العمل في هذه المهنة.

طه غفاري

موت الأخين فرهاد وآزاد ذكّر بمآسي الفقراء في إيران وبحرمان فئات واسعة من حقوقها، بالتزامن مع تخبط طهران سياسياً في ظل فرض عقوبات دولية عليها تطال آثارها كل المقيمين فيها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard