شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
عن مناهضة “فرض” الإعلام لهوية عروبية إسلامية مغايرة جنسياً على الفنان

عن مناهضة “فرض” الإعلام لهوية عروبية إسلامية مغايرة جنسياً على الفنان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 23 ديسمبر 201904:04 م

تستحثني كيفية تعاطي الإعلام مع الهويات المختلطة على قراءة خطابها التعنيفي الموجّه لبعض الفنانين، كما في حالة الفنان تومي عمران، الذي توفي في هذا العام عن عمر السادسة والثلاثين.

يتردد في الميديا خطاب يميل نحو تجاهل الهويات المختلطة بقومياتها وجنسانيتها المتنوعة، للفنانين الذين يفضل التعامل معهم على كونهم عرباً بهوية جنسانية مغايرة Heterosexual. فكما يسعى الإعلام بشكل مستميت ليثبت عروبة بعض الفنانين الأجانب بشتى الطرق، يقوم في المقابل بالتغافل المقصود عن الإشارة لغنى وتنوع هويات الفنانين الذين تفترض عروبتهم كمكون صافي لا تشوبه شائبة!

لا تخفى علينا عقد النقص في هذا الخطاب الذي يتلهف لإثبات إبداع جينات النسل العربي بطريقة سطحية، فالحملات الدعائية التي سعت لإثبات سوريّة أو لبنانيّة بعض الفنانين الأجانب، لا تقل استفزازاً عن ذاك الخطاب الذي يتغافل عن التنويه للأصول المتنوعة التي تُغني هوية الفنان.

السؤال هو، لماذا هذا الإصرار على البحث في جنسية فرد ما إن لم تكن هذه الجنسية جزءاً من طرحه الفني؟

لقلة البحث في هذا المجال ولهدف التعمق في هذه الظاهرة، نجدنا مضطرين لاستعادة لقاء طوني خليفة مع تومي عمران في برنامج "للنشر"، بما فيه من خطاب كراهية وتحريض على العنف.

لم يتوانَ المقدم طوني عن الهجوم على تومي عمران وإظهار تأييده لبعض الشائعات التي تطالب بتجريده من جنسيته السعودية: "لعدم تناسب فنه ومظهره مع هذه الهوية"، بالمقابل يرد الفنان بهدوء ولباقة قائلاً: "في حقوق إنسان وفي منظمات تحمينا". استطاع تومي بهدوئه ووداعته أن يتحدى عنف خطاب يتحدث عن حرمان الأفراد من جنسيتهم دون تردد. يؤنب طوني الفنان تومي ويعنفه كممثل عن السعوديين، ويشجب ظهوره الذي سبب الحرج لبلده السعودية.

ولد تومي عمران وعاش في الولايات المتحدة من أب سعودي وأم تركية، وعاش في فرنسا وتركيا. يقدم الفنان أغاني البوب بكليبات ذات مواضيع جريئة، وقد ضجّت منصات التواصل الاجتماعي بعد ظهور الفنان شبه عار على غلاف إحدى المجلات الغربية، وتناولت هذه المنصات ظهوره بتعريفه كـ"شاب سعودي يعرض جسده على أغلفة المجلات".

يسلط هذا المقال الضوء على تنوع هوية تومي وغناها، فهو نموذج عصري لشاب يستطيع الغناء بسبع لغات، ينتمي لجيل يتحرك حول العالم كأنه ضيعة صغيرة، جيل الألفية "Millennials" الذي يجمع مزيجاً من التناقضات بسلاسة ومرونة، هذا الجيل الذي يعيش العولمة كهوية ينتمي لها. كيف يتعاطى الإعلام مع هذا الجيل الديناميكي الغني بحيويته وبالثقافات المتنوعة التي يعيشها بتناغم عالٍ؟

يتجاهل الإعلام مكونات هوية تومي المختلطة ونشأته في بلاد غربية، ويفرض عليه دور الممثل للشباب السعودي، برغم تأكيده المستمر بأنه لا يقوم بتمثيل أي جنسية. يرد تومي: "لماذا يتم تعريفي من خلال جنسيتي؟ إن كنت قد قمت بفعل ما فهذا يمثلني كإنسان وليس كممثل لبلد ما أو شعب ما".

عاش تومي في تركيا وغنّى هناك في بلد تلامسه، فهي بلده من جهة والدته، وهو ما لا تعترف به البلاد العربية التي تحرم المرأة من منح الجنسية، وبالتالي تسقط هويته التركية من حسابات الإعلام الذي يتجاهل هذا المكون ويصرّ تومي على الإضاءة عليه في لقاءاته.

يتم عادة دفع الفرد للشعور بالإثم إن رغب بتعريف ذاته من خلال هويته الغربية، أو جنسانيته المثلية، أو أي هوية أخرى يختارها.

بالتالي يتحول اللقاء إلى جلسة ترهيب لا يتوانى فيها المقدم طوني عن أن يقول: "ليش أنت ما بتتخلى عن جنسيتك السعودية؟"، وكأن هذا الموضوع قابل للنقاش أو الجدال!

يضعنا الخطاب الإعلامي أمام مسألة قهرية، فإما الالتزام بعرف رجعي رافض للفنون وإما سحب الجنسيات كقصاص للمخالفين. هذه السردية تصيبنا بالهلع لمجرد طرحها من قبل إعلامي يفترض أن يكون ذو عقلية منفتحة لا كجلاد يفرض العقوبات.

يستمر المقدم بجلسة التحقيق والتأنيب التي تستنفذ أعصابنا ليسأل تومي: "لماذا لا تقدم فناً يشبهنا؟"، فيجيب تومي الذي يجمع المتناقضات في عبوة واحدة مع شعور كلي بالانسجام: "قدمت غنية دينية ورجعوا انتقدوني".

جنسانية الفنان وميوله تصبح موضوع نقاش عام. يعتبر المقدّم المثليةَ تهمة يجب المحاسبة عليها ويرى أن له الحق في الحصول على معلومات حول جنسانية الفنان. يسعى تومي مضطراً لأن يثبت عدم مثليته بمحاولة التأكيد على زواجه من فرنسية، ويصبح كليب أغنيته الذي يطرح قصة حب شاب مثلي لآخر مغرم بسيدة، موضوع جدل يتم استخدامه ضد تومي في معركة "إثبات البراءة"!

يعكس هذا الحوار المستفز رفض الإعلام لتنوع هويات الفنانين الذي يرغب بتسطيح أبعاد هويتهم واختصارها في بعد قومي عربي مغاير الجنس. هذه السردية نلمسها بشكل مستمر في إعلام يرفض التنوع، ويرفض تسليط الضوء على غنى هويات الفنانين القومية والجنسانية.

إن أبدع مغترب ذو أصول عربية، يسعى الإعلام إلى إثبات هذه الأصول وكأنها عامل من عوامل نجاح الفرد، كما ويرفض الإعلام فكرة أحقية الفنان باختيار إبراز عناصر معينة من هويته كحامل لصورته الفنية، فإن رأى الفرد أن عروبته هي المكون الأساسي والشاغل له ولعمله فيحق للإعلام تسليط الضوء على هذه النقطة.

يتم عادة دفع الفرد للشعور بالإثم إن رغب بتعريف ذاته من خلال هويته الغربية، أو جنسانيته المثلية، أو أي هوية أخرى يختارها. قسرية الانتماء لهوية عروبية إسلامية مغايرة أصبحت حتمية لا تتناسب مع هذا الغنى الذي يقدمه عالمنا المعولم، بسلبياته وإيجابياته، فالهوية ليست مكوناً ثابتاً، وإنما هي في حالة كينونة متحركة دائمة. يحق للفرد أن يختار هويته ويحق له أن يرغب بتمثيل فئة ما أو أن يرفض هذا الدور، فأن ينتمي الفرد لجنسية ما لا يعني بالضرورة أن يكون ممثلاً عن هذه الجنسية، فما يعرّف الفرد هو ما ينتجه من عمل وما يعبر عنه عمله.

تومي عمران هو نموذج عصري لشاب ينتمي لجيل يتحرك حول العالم كأنه ضيعة صغيرة، جيل الألفية الذي يجمع مزيجاً من التناقضات بسلاسة ومرونة... كيف يتعاطى الإعلام مع هذا الجيل الديناميكي الغني بحيويته وبالثقافات المتنوعة التي يعيشها بتناغم عالٍ؟

قسرية الانتماء لهوية عروبية إسلامية مغايرة جنسياً أصبحت حتمية لا تتناسب مع هذا الغنى الذي يقدمه عالمنا المعولم، بسلبياته وإيجابياته، فالهوية ليست مكوناً ثابتاً، وإنما هي في حالة كينونة متحركة دائمة

فالسؤال هو، لماذا هذا الإصرار على البحث في جنسية فرد ما إن لم تكن هذه الجنسية جزءاً من طرحه الفني؟

ليس موضوع البحث ما قدمه الفنان تومي عمران من أعمال أو مدى جودة هذه الأعمال الفنية، بل مدى أحقية الإنسان بالتعبير عن هويته وتنوعها، واختياره تمثيل فئة ما أو عدمه.

ففي ظل ديناميكية هذا العصر الذي يسمح للأفراد باختيار هويات متنوعة ويضعهم في حالة من التنقل والحركة المستمرة، يصبح تصلب إعلامنا الذي يصر على تقديم الهوية العروبية كهوية أصيلة مجردة من هذا التنوع والامتزاج، طريقة رجعية تتغافل عن تجدد عصرنا وحيويته.

فالبدء بالاعتراف بمدى التنوع الذي يضفيه امتزاج الجنسيات والثقافات ومدى حاجة ثقافتنا لهذا المزيج، يساهم بإغناء الهوية العربية، ففكرة نقاء الهوية هي أسطورة لا تسهم سوى بالضرر لهذه الهوية.

الحاجة للاحتفاء بقدرة هويتنا وثقافتنا العربية على الامتزاج بغيرها من الثقافات، هو حاجة ملحة تسهم في إغنائها وزيادة مرونتها، لذا نأمل من إعلامنا إدراك أهمية الاحتفال بجيل الألفية كنموذج لهذا التجدد، والسماح له باختيار العناصر التي يرغب بإبرازها كحامل لهويته الفنية وعمله.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard