شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"ناضلتُ من أجل الزواج بحبيبتي"... عن الحب أو العاطفة المقموعة في اليمن

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 9 ديسمبر 201903:12 م

"بسبب حالتي المادية غير الجيدة وأيضاً لأني لم أكمل دراستي الثانوية، رفضت أسرتها تزويجي من الفتاة التي أحببتها منذ طفولتي وعلى الرغم من أنها ابنة خالتي"، يقول طارق علي ( 25 عاماً).

"كانت الفتاة تبادلني نفس الشعور، لكن حبنا كان خفية عن الجميع، فليس لدينا الجرأة للإعلان أو الحديث عنه، لأننا في مجتمع يقدس العيب، ويجرّم الحب"، يضيف طارق.

يروي طارق الذي يقيم في ريف محافظة تعز اليمنية، قصته بحزن شديد، فالذكريات تؤرقه كثيراً، وتكدّر مزاجه، على الرغم من أنه تزوج من فتاة أخرى، وبات أباً لطفلة، إلا أن نسيانه لتلك الفتاة صعب.

"أحببتها كثيراً وهي أحبتني أيضاً، كنا نتبادل الرسائل الورقية ونتواصل بالجوال أحياناً، وتم كشفها من قبل أهلها عدة مرات، وكُسر هاتفها، ومنعت من الخروج من المنزل".

"تزوجتُ من ابنة عمي وبات لدي طفلة، وحياتي سعيدة معها، لكنني حرمت من حب حياتي التي رسمت معها مستقبلي"، يتابع طارق.

"هي الأخرى قد تزوجت من رجل آخر من خارج القرية التي نسكنها، وأنجبت طفلاً منه، وانقطعنا عن التواصل منذ خطبتها، لكنني ما زلت أحبها وسأبقى إلى الأبد".

"يتشاركان السرير ويتقاسمان الطعام"

يعتبر الحب في اليمن شيئاً ممنوعاً، بل يعتبر المجتمع أن أي علاقة قامت على الحب قبل الزواج فاشلة، وسوف تتخللها المشكلات، حسب أمين مهدي (70 عاماً).

يقول أمين لرصيف22: "إن الحب يأتي بعد الزواج عندما يتشارك الرجل والمرأة سرير النوم ويتقاسمان الطعام، ويعيشان معاً جنباً إلى جنب طوال الوقت".

ويضيف أمين الذي يسكن محافظة إب: "ليس هناك قصص حب حقيقية في هذا الزمن، سوى ضياع الوقت وتشويه الذهن عند الشباب، فلا الشاب قادر على الوفاء بما وعد به، ولا الفتاة ستظل تنتظره حتى نهاية العمر".

يقول أمين معبراً عما يتبناه معظم الأهالي في اليمن: "من تقدم لبناتي وأنا أعلم أنه من أسرة محترمة، وسيكون بجانبها ولن يهينها أو يذلها، وقادر على أن يوفر لها احتياجاتها، لن أتردد في قبول تزويجه، سواءً رغبت أم لم ترغب به".

وبحسب أمين، فإذا تمكن الشاب من توفير السكن لزوجته والطعام والشراب، سوف يتوفر الحب معه أيضاً، فالحب بحسب حديثه ما "يأكّل عيش"، وغالباً ما تنتهي قصص الحب بالفشل، فالمهم لدى الأسرة أن تكون مطمئنة على ابنتها في حياتها الزوجية ومعيشتها.

"القبيلة اليمنية بشكل عام، والأسرة بشكل خاص، ترفضان أن يتمرد الشباب على قوانينهما، حتى لا يخرجوا عن دائرة سيطرتهما"
يتبادل الشباب والفتيات رسائل الغرام، ويبين كلاً منهما للآخر مقدار الحب الذي يكنه له، ويقدمون الوعود بالوفاء بالعهد وإتمام حبهم بالزواج، وهم يعلمون أنهم لن يستطيعوا

سلطة الأهل والقبيلة

كسر التطور التكنولوجي قسوة التقاليد الاجتماعية المحرمة للاختلاط، وتمكن شباب وفتيات من التواصل عبر برامج الدردشة، ما مكنهم من التحدث مع بعضهم، وتطوير علاقاتهم عاطفياً مع مرور الوقت.

"ناضلتُ من أجل الزواج بحبيبتي سامية لمدة ست سنوات إلا أن عوائق شتى وقفت أمام تحقيق حلمي ببناء أسرة سعيدة مع الفتاة التي أحببتها"، يقول موسى علي (ـ28 عاماً)، وهو مهندس معماري.

وأضاف موسى في حديث لرصيف22: "أسرتي بسيطة، فقيرة، لا يملك أبي حتى قوت يومنا؛ فمنذ ولادتي تبنتني أسرة ذات مكانة مالية واجتماعية فأحببتُ فتاة من معارفهم وأحبتني، وطلبتُ من أبي الذي تبناني أن يخطبها لي، في حين أن أهلي قد ألحوا على زواجي من ابنة خالتي التي تتساوى وأسرتي في الطبقة المادية، أما من أرغب بها فهي من أسرة أغنى".

"رفض أبوها تزويجها بي، وهددني بالسجن إن لم أنسها؛ فهو من أكابر شيوخ قرية همدان في العاصمة صنعاء، "ولا يتشرف بمصاهرة شاب مُتبنّى"، كما أخبرني أبي بالتبني حين طلبها لي، ولم يكتفِ بذلك فقد سجنها هي الأخرى في البيت بضعة أشهر حتى تم عقد قرانها برجل آخر لا ترغب به".

هذه نهاية قصة موسى، التي لا تختلف عن آلاف القصص في اليمن، تنتصر فيها العادات والتقاليد على الحب، يختم موسى بحزن: "كانت النهاية كما يحب المجتمع لا كما نحب، فبعد زواجها تزوجتُ ابنة خالتي، كما يرغب أهلي لا كما أرغب، فكانت سلطة أبيها أقوى من الحب الذي عاش بيننا سنوات طوال".

"حرية الشباب مرفوضة"

"لا يعطي المجتمع للشاب الحرية باختيار الفتاة التي يحبها، فهناك معايير كثيرة للزواج، فإن لم تكن بسبب الاختلاف الاجتماعي والطبقي، تكون بسبب الفارق الاقتصادي والمكانة السياسية والعلمية، بالإضافة إلى تقييم الأسرة للفتاة في جمالها وأخلاقها وقدرتها على تحمل المتاعب والصعوبات والعيش معهم في منزل واحد"، تقول الباحثة الاجتماعية سامية الأغبري.

"هذا بالنسبة للشباب أما الفتاة فتجبر على الزواج بالشاب المتقدم لخطبتها ما دام قد قبل به الأب أو الأخ المسؤول عنها (ولي أمرها)، سواء أحبته أم لم تحبه، وسواء رغبت بالزواج منه أم لم ترغب، فما يفرضه رب الأسرة لن تستطيع رفضه"، تضيف سامية في حديثها لرصيف22.

وتؤكد سامية أن القبيلة اليمنية بشكل عام، والأسرة بشكل خاص، ترفضان أن يتمرد الشباب على قوانينهما، حتى لا يخرجوا عن دائرة سيطرتهما، وتعزز الدولة من سيطرة القبيلة والأسرة على الشباب في حياتهم الخاصة، حتى لا ينفتحوا على أمور أخرى.

وأضافت: "حرية الشاب في اختيار عروسه وأيضاً الفتاة، يمنحهما مجالاً واسعاً من الحرية الشخصية، سيجعل الشباب يكسرون القيود الأخرى المفروضة عليهم، وهو ما ترفضه الدولة".

ولفتت سامية إلى أن الكثير من حالات الطلاق تحدث بسبب الزواج الإجباري، دون مراعاة لمشاعر الشباب، حيث تحدث مشكلات كثيرة بعد الزواج لعدم توافق الزوجين في حياتهما، وتعلقهما بأشخاص آخرين.

"ترى القبيلة اليمنية في الحب عيبا، ووصمة عار"

وتعتبر القبيلة اليمنية أن وقوع الفتاة في الحب "عيب"، وتظل وصمة عار عليها، لأنها أحبت شخص وبادلها الحب.

ولأن اليمن بلد يحرّم الاختلاط، وتشدد الأسرة على ضرورة ارتداء الفتاة الوشاح الأسود منذ سن مبكر، كانت علاقات الحب قديماً عبر استخدام الرسائل الورقية، بالإضافة إلى طرق أخرى في القرى والأرياف، تختلف من عاشق إلى آخر، والتي تعد أقل تشدداً من المدن، أما الآن فباتت مواقع التواصل الاجتماعي والهاتف النقال الوسيلة الأسهل للتواصل وتبادل المشاعر والأحاسيس، وعلى ذلك تفرض الكثير من الأسر الرقابة على هواتف أبنائها، وتُمنع الفتيات في العديد من مناطق اليمن من اقتناء هاتف محمول.

يتبادل الشباب والفتيات رسائل الغرام، ويبين كلاً منهما للآخر مقدار الحب الذي يكنه له، ويقدمون الوعود بالوفاء بالعهد وإتمام حبهم بالزواج، وهم يعلمون أنهم لن يستطيعوا.

ويتداول الشباب اليمن عبارة: "حب احبك، لكن زواجة ما أركنك" أي لا أعدك، بشكل كبير، فهم من جهة لا يستطيعون حبس مشاعرهم وحبهم وحاجتهم للعطف والحنان، واجتذابهم للجنس الآخر، ومن جهة أخرى لا يستطيعون تغيير واقعهم الذي يحرمهم ممن يحبون، فيعيشون حباً مؤقتاً، ويعلمون أن نهايته الحتمية هي الدفن تحت ركام التقاليد البائسة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard