شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"يلبسوننا بناطيل ضيقة ونعمل كالعبيد"... نادلات المقاهي في المغرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 17 نوفمبر 201905:08 م

"إن اشتغلت نادلة في مقاهي الدار البيضاء، تخلَّصي من أحلامك وطموحاتك، فمن المستحيل تحقيقها، ولا تنتظري قدوم الغد، لأنه لن يصبح أفضل من الحاضر، فراتبك الهزيل لن يُغيّر شيئاً".

بهذه العبارات تشرح لنا أمينة، ظروف عملها كنادلة في أحد المقاهي في مدينة الدار البيضاء.

تُشدِّد الشابَّة العشرينية جميلة الملامح، على أنَّها ليست يائسة أو مُحبَطة، تقول إنَّ موقفها هذا هو خُلاصة واقع تعيشه منذ أربع سنوات من عملها كنادلة.

يبدأ يوم أمينة، خرّيجة مدرسة الفندقة بالدار البيضاء، الساعة 7 صباحاً. تنهض مسرعة، تتناول وجبة فطورها، ترتدي ثيابها، وبعد أن تصفف شعرها على استعجال، تهرول مسرعة نحو محطة التاكسيات، لتخضع لصف طويل عريض بهدف انتظار تاكسي يقلها نحو مقر عملها. تصل أمينة إلى المقهى في التاسعة وبضع دقائق، تلقي التحية على زميلاتها بابتسامتها المعهودة، ثم تتوجه إلى غرفة الملابس لارتداء الزي الموحد الذي يفرضه صاحب القهوة.

تحكي أمينة لـرصيف22 بنبرة هادئة، مرتدية لباس العمل، وهو عبارة عن سروال وقميص بلون أسود، يبرز تضاريس جسدها الممشوق: "أمضي النهار وأنا أتنقل من طاولة لأخرى أتلقى طلبات الزبائن".

تضيف وهي ترتب المكان لاستقبال المرتادين: "بمجرد حصولي على شهادة دراسية في الفندقة، رغبت بشدة الحصول على عمل في مطعم راق وبراتب محترم، إلَّا أنَّ الواقع ليس وردياً، وجدتُ نفسي أعمل في مقهى وسط حي راقٍ نسبياً بالدار البيضاء، هنا الزبائن ينتمون إلى طبقة اجتماعية متوسطة"، تستطرد رافعة يدها للسماء: " الحمد لله، وضعي أفضل من الكثيرات، فالبعض يعملن في مقاهٍ شعبية حيث الوضع هناك سيء".

"النساء والأمهات الأكثر كرماً"

تبدأ رحلة أمينة في العمل في التاسعة والنصف صباحاً، وتغادره في التاسعة مساءً، مهمتها انتظار الزبون حتى يجلس على الطاولة، ثم تهرول لاستقباله وتلقي طلباته بابتسامة، وبعد ذلك تنتظره حتى يهم بالمغادرة، لعله يمنحها بقشيش يساعدها على مصاريفها اليومية.

"إن كنت محظوظة سأحصل على بقشيش يتراوح ما بين دولار إلى دولارين".

تعلّق على هذا الأمر: "إن كنت محظوظة سأحصل على بقشيش يتراوح ما بين دولار إلى دولارين، ولكي أكون صريحة معك نادراً ما يحدث ذلك، لأن الزبائن الذين يتوافدون على هذا المقهى معظمهم لا يملك إلا ثمن القهوة.."، وتستطرد بنبرة ساخرة: "أتعرفين من يكون كريماً أكثر؟ النساء والأمهات بالخصوص، يتركن بقشيش يساعدني أحياناً في تدبير مصاريفي اليومية، مثل توفير ثمن تاكسي، أو تسديد ثمن تصفيف الشعر في أحد الصالونات".

ذات مرة، تناهى إلى سماع أمينة محادثة بين سيدة متقدمة في السن وابنتها الشابة، تحكي أمينة أن الشابة كانت تستفسر والدتها عن سبب ترك بقشيش لها، كان يقدر بدولارين وهذا مبلغ كبير بحسب تعبيرها. ردت عليها والدتها باستحياء، لكيلا تسمعها أمينة، أنها معتادة على ترك بقشيش لفائدة النادلات، حيث تعتبرها صدقة لوجه الله، مبررة تصرفها بأنهن يعملن بكد ويستأهلن بقشيش، خاصة وأن راتبهن زهيد..، تعلق أمينة: "شفتي الصدقة جايزة فينا".

تضيف أمينة بنبرة حادة: "لا أخفيكم أنني أنتظر اللحظة المناسبة لكي أترك هذه المهنة، ولن يتأتى ذلك إلا بحصولي على زوج يتكفل بمصاريفي".

"إن فقدت ابتسامتي فقدت عملي بدون أي حقوق، فنحن نعمل من دون عقود، ومن دون تغطية صحية، ولا أي ورقة تحمينا من غدر صاحب المقهى، الذي ينهي ويأمر وكأنه سلطان زمانه".
"أغلب أرباب المقاهي يفضلون امرأة للاشتغال نادلة عوضاً عن الرجل، لقدرتها على جلب الزبائن، فضلاً عن أنهم يفرضون على النادلة لباساً معيناً، وأما إن كانت النادلة صاحبة مؤخرة، فإنها ستجد عملاً بسرعة الضوء"

تصمت لبرهة، وتضيف في شرود: "أن تكوني نادلة يجب عليك أن تعملي لثماني ساعات إلى عشر ساعات بشكل مضن، وفي النهاية تحصلين على راتب شهري لا يتعدى ألف درهم (100 دولار) أو (180 دولار)".

"أن تكوني نادلة يجب عليك أن تعملي لثماني ساعات إلى عشر ساعات بشكل مضن، وفي النهاية تحصلين على راتب شهري لا يتعدى ألف درهم (100 دولار )".

بالإضافة إلى الراتب الهزيل الذي تتقاضاه، تتعرض أمينة لمضايقات عديدة من الزبائن، تقول: "يحدث كثيراً أن أكون ضحية تحرش جنسي من طرف زبون ما، وأعجز غالباً عن الدفاع عن نفسي".

وعلى الرغم من المشاكل اليومية التي تمر بها أمينة فهي لا تستطيع ترك عملها لأنها تعلم جيداً أن الحصول على عمل صعب للغاية.

تحكي هذه الشابة عن السلوكيات العامة للزبائن معها كامرأة: "بعض الزبائن يعاملوننا بفظاظة واحتقار، بعض الرجال يتحينون الفرصة المناسبة للتحرش بك، ولكي أكون صادقة، تختلف ردة الفعل اتجاه التحرش الجنسي باختلاف شخصية النادلة".

تسترسل أمينة في حديثها: "عن نفسي لا أتقبل التحرش الجنسي، وفي نفس الوقت لا أفعل شيئا تجاهه؛ فمنذ بداية عملي أخبرني رب العمل، بضرورة الابتسام في وجه الزبون، وإن فقدت ابتسامتي فقدت عملي بدون أي حقوق، فنحن نعمل من دون عقود، ومن دون تغطية صحية، ولا أي ورقة تحمينا من غدر صاحب المقهى، الذي ينهي ويأمر وكأنه سلطان زمانه".

ملابس ضيقة وابتسامة

تواجه النادلات المقاهي في المغرب أحكاماً مسبقة عنهن، البعض يكاد يجزم أن طلبات النهار للزبائن، تقابلها خدمات جنسية ليلاً. تعلق أمينة على هذه النظرة الظالمة في حق النادلات بالقول: "لا شك أن هناك في هذا المجال من اخترن الدعارة ليلاً، يصطدن الزبائن من المقاهي بهدف مضاعفة مدخولهن الشهري"، لتستطرد: " لكني لن أفعلها، ثمة بنات ناس راضيات وقنوعات إلى أن يجدن عريساً أو عملاً آخر".

تقاطعها إحدى زميلاتها، بعد معرفتها أنها تحكي مع الصحافة: "أغلب أرباب المقاهي يفضلون امرأة للاشتغال نادلة عوضاً عن الرجل، لقدرتها على جلب الزبائن، فضلاً عن أنهم يفرضون على النادلة لباساً معيناً، وأما إن كانت النادلة صاحبة مؤخرة، فإنها ستجد عملاً بسرعة الضوء"، لتطلق رفقة أمينة ضحكة ساخرة.

عمل النادلة...انتقادات وتشوه

ما يؤرق بال أمينة وزميلاتها أنَّ عملها كنادلة، يبخس صورة المرأة ويهضم حقوقها، تقول أمينة: "نعمل مثل العبيد، من دون أي تقدير، سواء مادي أو معنوي".

وفي مقهى آخر، بالضبط في أحد الأحياء الشعبية بالدار البيضاء، تعمل فاطمة الثلاثينية لوحدها، داخل مقهى شعبي أغلب زبائنه عاطلون عن العمل، بالكاد يملكون ثمن قهوة.

النظرات "غير البريئة" للجالسين في المقهى من الرجال، لا تخطئ فاطمة، التي تتحرك بدلع بين أرجاء المكان، وهي تلبي طلبات الزبائن. تقول فاطمة: "أول ما اشترط عليها صاحب المقهى هو ارتداء ملابس ضيقة، تبرز جزءاً من صدرها ومؤخرتها، خاصة مع جسدها الممتلئ، إضافة إلى وضع مواد التجميل على وجهها الشاحب".

إضافة إلى ذلك، اشترط عليها صاحب المقهى العمل طيلة النهار، وأحياناً إلى منتصف الليل، خاصة في فصل الصيف، مع تنظيف المكان لوحدها، مقابل راتب لا يتعدى 150 دولار، وطبعاً من دون عقد ولا تصريح بالأجر، تقول بيأس: "لا خيار لي، حلمي الهجرة خارج هذا البلد، على هذه الأرض لا حقوق ولا كرامة".

"النادلات بلا حماية قانونية"

العمل كنادلة في المقهى، هو عمل حديث بالنسبة إلى المجتمع المغربي، ويواجه انتقادات وتشوبه اختلالات عديدة.

ويرى على الشعباني، باحث في علم الاجتماع، في تصريح لرصيف22: أن "المجتمع المغربي ليس معتاداً على رؤية شابات كنادلات في المقاهي، فمنذ عقود كان المقهى في الثقافة المغربية يعد فضاء ذكورياً، والكثير من النساء يتحفظن عن الجلوس في المقهى".

لكن أمام الوضع الاقتصادي الهش والرغبة الملحة في العمل، دخلت النساء سوق العمل، وعملن في قطاعات مختلفة، وأصبحن نادلات في المقاهي، وعلى الرغم من أن هذا العمل شريف، لكن النادلات دائماً ما يواجهن نظرة الآخر لهن، فضلاً عن الاختلالات التي تشوب العمل وتلقي بظلالها على المرأة النادلة، إذ تفتقد أولئك النسوة إلى حماية قانونية، لأنهن يعملن من دون عقود.

إلى ذلك، كشف بحث صادر عن المندوبية السامية للتخطيط قبل أشهر، حول مميزات سوق العمل بالمغرب عن العديد من مكامن الهشاشة التي تتجلى في ضعف تشغيل النساء، حيث بلغ معدل الشغل في العام الماضي 41,7% على المستوى الوطني، 35,9% بالوسط الحضري و52% بالوسط القروي. كما بلغ هذا المعدل 65% في صفوف الرجال مقابل 19% في صفوف النساء.

ويظل الشغل المأجور الأكثر انتشاراً بين النساء النشيطات المشتغلات بالوسط الحضري، إذ تقدر نسبة اشتغالهن الى 80,8% مقابل 61,3% للرجال.

ويلاحظ أن ما يقارب ستة مستأجرين من بين عشرة، لا يتحصلون على عقود عمل تنظم علاقاتهم مع مشغلهم، %7,1 من المستأجرين فقط يتوفرون على عقود شفوية، %8 على عقود ذات مدة محدودة و %24 على عقود ذات مدة غير محدودة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard