شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"لسنا قطيع غنم أو خراف"... عندما يكون الشعب قائد الانتفاضة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 1 نوفمبر 201906:19 م

ما إن انطلقت شرارة الانتفاضة اللبنانية حتى بدأت بعض الأسئلة تدور في أذهان الكثيرين من الناس: من يحرّك هؤلاء المتظاهرين؟ ما هي الجهات التي طلبت منهم افتراش الطرقات والنزول بشكل يومي إلى الشارع؟ من ينسق تحركاتهم؟ من يموّلهم؟

كالعادة لجأ البعض إلى لغة التخوين، زاعماً أن ما يحصل في الشارع هو "مؤامرة دولية"، فيما اعتبرت بعض الآراء الأخرى أن هناك بعض الأحزاب والجهات الداخلية التي تبسط يدها على المشهد السياسي وتدير، بشكل غير مباشر، دفة الأحداث، عن طريق إعطاء تعليماتها للمتظاهرين.

وفي خضم انتشار نظريات المؤامرة ولهجات التخوين وتراشق الاتهامات، تصرّ العديد من الأصوات الداعمة للانتفاضة على التأكيد أن الثورة التي يشهدها حالياً لبنان منبثقة من رحم الأوجاع والظلم والعوز، وهي بالتالي رد فعل طبيعي على الوضع المعيشي الصعب الذي يعيشه الشعب اللبناني منذ عقود.

ما الذي يميّز الانتفاضة اللبنانية؟

في مقاله الذي حمل عنوان The Character of the Lebanese Uprising، تحدث الكاتب اللبناني-الكندي جاد صعب، عن بعض الخصائص الرئيسية التي تميّز الانتفاضة اللبنانية، من بينها:

العفوية: اعتبر صعب أن هذه الانتفاضة تأتي كردّ فعل طبيعي على سياسة الحكومة لجهة فرض المزيد من الضرائب، وهي، وفق رأيه، نقطة مهمة للتأكيد على أن هذه الثورة لا تتم إدارتها من قبل أي جهة سياسية إنما تجدد نفسها بنفسها.

اللامركزية: بخلاف ما كان يحصل في السابق، ليست الاحتجاجات التي يشهدها اليوم الشارع اللبناني محصورة في بيروت بل تطال العديد من المدن والقرى، ووصلت حتى إلى المناطق التي تأخذ طابعاً سياسياً معيّناً، وفق ما يؤكده صعب.

انتفاضة من دون قيادة: صحيح أنها قد تحمل بعض المخاطر، إلا أن الحراك بلا قيادة يعني أنه ليس هناك جهة معيّنة للتفاوض مع السلطة، ما يقطع الطريق أمام الانتهازيين، وأشار الكاتب إلى أن المتظاهرين أوضحوا هذه النقطة عندما أعلنوا أن أي شخص يحاول التفاوض نيابة عنهم سيعتبر خائناً للثورة.

من يحرّك الثورة؟

بعد مرور سنوات من القهر والجوع والذل، أيقن اللبنانيون بمختلف طوائفهم ومذاهبهم وأعمارهم، أن الطبقة السياسية الحاكمة نهبت أموالهم وأبرمت صفقات مشبوهة زادت من ثراء المسؤولين على حساب المواطن العادي الذي بات يفتقر إلى أدنى مقومات العيش.

وبالرغم من أن الأزمة المعيشية ليست جديدة بل هي وليدة تراكمات يزيد عمرها عن 30 عاماً، إلا أنه وعلى ما يبدو أن "حقنة المورفين" لم تعد تجدي نفعاً، فالشعب قرّر هذه المرة أن يثور على وضعه الصعب وينتفض بوجه السياسيين المتربعين على عرش السلطة.

في هذا الصدد، ذكرت صحيفة التايم أن الانتفاضة اللبنانية لا يمثلها أحد وبالرغم من ذلك فإنّ مطالب اللبنانيين توحدت حول هدف مشترك: إسقاط الحكومة، منوهة بأنه لم يسلم أي سياسي من غضب المتظاهرين، بخاصة وزير الخارجية جبران باسيل الذي نال الحصة الأكبر من الهتافات والشتائم.

ونتيجة ضغط الشارع وقيام المتظاهرين بشلّ حركة البلد لأكثر من أسبوع، استقال الرئيس سعد الحريري استعداداً لتشكيل حكومة جديدة، فتعالت الهتافات والضحكات في مختلف الساحات بعدما شعر المتظاهرون أن أصواتهم وصلت هذه المرة إلى آذان المسؤولين.

وتعليقاً على هذا الموضوع تقول آمال (28 عاماً) لرصيف22: "حققت الثورة انتصارها الأول والمعركة مستمرة لتحقيق المطالب المتبقية".

هذا واعتبرت أن ما يميّز الثورة اللبنانية هذه المرة أنها عفوية بامتياز ولا تخضع لإملاءات الأحزاب كما كان يحصل في السابق: "الشعب انتفض من تلقاء نفسه، ليس هناك من مصالح سياسية وأجندات مخفية كما يحاول البعض تصويره"، واضافت: "حاول العديد من السياسيين تشويه صورة الانتفاضة عن طريق الزعم بأن هناك قادة غير مرئيين يقودون الحراك غير أن هذا الأمر غير صحيح على الإطلاق، لسنا قطيع غنم أو خراف لكي ننقاد وراء الزعماء من دون تفكير... الجوع هو المحرّك الأساسي لما يحصل في الشارع".

من جهتها، تؤكد الناشطة ميرا عبدالله، أنه في العادة يكون هناك منظمين وراء المظاهرات، أما عند الحديث عن الثورات فلا يكون هناك قيادة أو رأس يديرها، شارحة ذلك بالقول: "الثورة هي فورة غضب الشعب وقتا ينزل على الشارع ويقرر يسكر البلد... كل شخص عم ينزل وحامل مطالبو الخاصة، مطالب أهل النبطية مش متل مطالب أهل طرابلس وصيدا وصور وغيرها من المناطق، وانا كامرأة مثلاً عندي مطالب غير مطالب الرجال والعكس صحيح..."، وتضيف لرصيف22: "وقتا نشن ثورة على نظام فاسد بالكامل يعني نحنا عم نطالب بحقوقنا بالشارع وهيدي الحقوق نفسها يلي إلها الطبقة السياسية سنين حارمتنا منها".

وأوضحت عبدالله أن هناك تنسيقاً يحصل بين مختلف المناطق، بالإضافة إلى تناقل ما يحصل من أخبار وفيديوهات عبر تطبيقات الهاتف، مثل فايسبوك وواتساب، هذا واعتبرت أنه في اللحظة التي يصبح فيها قيادة للثورة، عندها يصبح هناك انقسام شعبي: "السلطة عم بتضغط علينا لتشكيل قيادة لحتى تخمد شرارة الثورة"، وأضافت: "نحن بالأصل قرفنا من فكرة الزعيم والقائد وما رح نغلط ونختار أشخاص لقيادة الثورة... منّا أصلاً بحاجة لقيادة لأنو في لجان مؤلفة من اخصائيين عم بيشتغلوا من قلبن على مختلف القضايا والوضع متل ما هو هلق أكتر من رائع".

في السياق نفسه، اعتبرت الناشطة ساندرين افرام أن قيام ثورة من دون قيادة هو "دليل قاطع على أن هذه الثورة هي من قبل الشعب ولأجل مصالح الشعب".

وفي حديثها مع رصيف22، أشارت افرام إلى أن التجربة التي حصلت في العام 2015، جعلت الشعب اللبناني يتعلم أن وجود قيادة تحرك الانتفاضات يضعف عزيمة المتظاهرين، شارحة ذلك بالقول: "عندما نقرر تعيين قيادة سيصبح الشعب هدفاً سهلاً لقمعه، أما عندما لا يكون هناك جهة أو شخص معيّن لاستهدافه، فإن السلطة سترتبك ولن يكون بوسعها تخريب الثورة وكم أفواه المتظاهرين".

وردّاً حول محاولات البعض "تقزيم" أهداف الثورة واتهامها بأنها تعبث بأمن البلاد واستقراره لكونها تفتقر إلى قيادة ورؤية واضحة، أجابت افرام: "في البيئة الاجتماعية يعد ظهور "القائد" و"الأتباع" أمراً طبيعياً، والفرق الوحيد في الثورة اللبنانية التي تحصل حالياً أن القادة هم أناس عاديون مثلي ومثلك"، وأضافت: "يقوم الطلاب بشكل عشوائي بتنظيم حلقات حوار ومناقشات عفوية، فيما يقوم المحامون والخبراء بتثقيف الناس من حولهم حتى لا يقعوا في فخ الأخبار الكاذبة، وهناك مبادرات يومية من قبل المجتمع المدني لتنظيف الشوارع وإعادة تدوير النفايات، كما أن الأطباء جهزوا خيماً للإسعافات الأولية، أما الأمهات فيقمن بإعداد الطعام وإرساله إلى الشوارع... هؤلاء هم "قادة الثورة".

تصرّ العديد من الأصوات الداعمة للانتفاضة على التأكيد أن الثورة التي يشهدها حالياً لبنان منبثقة من رحم الأوجاع والظلم والعوز

هذا وأوضحت افرام أن طبيعة الأنظمة السياسية قد تغيّرت نتيجة الدور الكبير الذي تلعبه وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي في نشر الأخبار: "انكسر حاجز الخوف وأصبحنا نمتلك المزيد من الأدوات"، مشددة على أن الأهم في هذه المرحلة الانتقالية هي "أن نبقي على دورنا كمراقبين وأن نحاسب الحكومة من خلال استمرار الضغط في الشارع".

عصر التمرد من دون قيادات

من هونغ كونغ وصولاً إلى تشيلي، إستخدم الناشطون التكنولوجيا للتقدم خطوة على السلطات، وفق ما ذكرته صحيفة فاينانشال تايمز .

ففي مقالها الذي حمل عنوان: ثورة من دون قيادة: كيف تقود وسائل التواصل الاجتماعي الاحتجاجات العالمية، أشارت الصحيفة إلى أنه في العام 1930، حاول الزعيم والقائد السياسي الصيني ماو تسي تونغ إقناع أتباعه بأن الثورة ممكنة في الصين، فقال لهم في ذلك الوقت: "شرارة واحدة يمكن أن تشعل نار البراري"، وبعد مرور قرن من الزمن يمكن القول أن نظرية تونغ كانت صائبة، بخاصة وأننا نلاحظ أن الشرارات الصغيرة التي تحصل اليوم هي التي تساهم في اندلاع مظاهرات جماهيرية عبر العالم، أما محركها فهو الوضع المعيشي والاقتصادي الصعب.

ففي لبنان مثلاً انطلقت الشرارة بعد الحديث عن احتمال فرض ضريبة على الواتساب، وثورة تشيلي جاءت كنتيجة لارتفاع أسعار المترو، فيما شهدت فرنسا تظاهرات "السترات الصفراء" احتجاجاً على رفع أسعار الوقود.

الشرارات الصغيرة التي تحصل اليوم هي التي تساهم في اندلاع مظاهرات جماهيرية عبر العالم، أما محركها فهو الوضع المعيشي والاقتصادي الصعب

واعتبرت صحيفة فاينانشال تايمز أن الاحتجاجات الجماهيرية التي اندلعت خلال العام الماضي في آسيا وأوروبا وأفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط، تتمتع بخصائص معيّنة: "إنها تمردات بدون قيادة، بحيث كان يتم في العادة وضع مبادئها في كتاب صغير أو سلب أهدافها في اجتماعات الأحزاب، إنما باتت اليوم ثورات تحركها وسائل التواصل الاجتماعي"، وأضافت الصحيفة بالقول: "هذه ثورات تم تنظيمها بواسطة الهاتف الذكي ومستوحاة من الهاشتاغ، بدلاً من أن تكون موجهة من قبل الأحزاب"، مشيرة إلى أن السلطات تحاول البحث دوماً عن زعماء للثورة إنما من دون جدوى.

وشددت الصحيفة على أن حشد وسائل التواصل الاجتماعي يُعد عاملاً حاسماً في الثورات التي تكون من دون قيادة، بحيث يستخدم المتظاهرون مواقع التواصل من أجل تنظيم صفوفهم وأفكارهم وإيصال رسائلهم المختلفة، تماماً كما حصل في لبنان، حيث ساعد هاشتاغ #لبنان_ينتفض في تحريك الرأي العام ونشر الأخبار وتبادل الفيديوهات والآراء وحتى النكات التي تطال أداء السياسيين ووعودهم التي بقيت "حبراً على ورق".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard