شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
هل يوافق الإنسان على أن تستعبده كائنات أكثر ذكاءً كما يفعل مع الحيوانات؟

هل يوافق الإنسان على أن تستعبده كائنات أكثر ذكاءً كما يفعل مع الحيوانات؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 29 نوفمبر 201901:02 م

ما الأجمل من ذلك الشعور اليقيني الذي يخالج البشر أجمعين بأنهم أسياد الأرض؟ ما الأجمل من معرفة أننا نتحكم في أقدار كل الكائنات الحية على الكوكب: نستخدم بعضها للحراسة، وبعضها نقتله من أجل الغذاء، ونضع بعضها الآخر في أقفاص للمتعة؟

سأخبرك بالأجمل. الأجمل، يا صديقي، ألا يظن الإنسان نفسه سيد الأرض، ولا حتى سيداً على الشجرة التي تجاور بيته.

لماذا يؤمن البشر بذلك إذاً؟ وكيف يؤثر ذلك في الإنسان نفسه؟

تفرّد النوع... نحن الأصل والباقي أدنى منّا

قُدّم مبدأ "تفرُّد النوع" (Speciesism) للمرة الأولى في سبعينيات القرن الماضي من قِبَل الفيلسوف الإنكليزي ريتشارد رايدر. تعني الترجمة الحرفية لهذا المصطلح تفرُّد نوع معيّن من الكائنات على البقية، أما معناه الفلسفي فيشير إلى إيمان الإنسان باستحقاق تفرُّده على بقية الكائنات بسبب خصائص يمتلكها وحده.

من أفضل المصطلحات التي تُستخدم لشرح هذا المبدأ مصطلح "الحيوانات اللا إنسانية" (Non-human Animals)، والذي يبدو كافياً لشرح الفكرة برمتها، وهي جمع كل ما هو غير إنسان في مجموعة واحدة تعامَل بنفس الدونية. ويمكننا ببساطة استخدام هذا المبدأ لشرح كل ما يرتكبه الإنسان بحق الكائنات الأخرى.

قد نتفق على رفض ظواهر بعينها مثل العنصرية، لكن مبدأ تفرُّد النوع يحظى بجدل كبير، برغم أنه يمكننا، بقليل من التأمل وحسب، ملاحظة أنه مبني على العنصرية أيضاً.

يستخدم مناصرو تفرد النوع دائماً إجابة واحدة: الإنسان أذكى الكائنات على الأرض، وبالتالي فمن البديهي أن يستغل ما حوله لخدمته. بينما على الجانب الآخر، يسأل المعارضون سؤالاً بسيطاً: لو وصلت إلى الأرض كائنات أكثر ذكاءً، هل يوافق الإنسان على استعباده كما يفعل مع الحيوانات؟

قد يبدو السؤال بسيطاً، لكن أحداً لن يلقي بالاً له. نحن مغرورون بما فيه الكفاية لدرجة أننا لا نستطيع تخيُّل سيناريو كهذا من الأساس.

مركزية الإنسان... أنا الملك

في السنوات الأخيرة، بدأ يزاحم علم الإنسان (Anthropology) فرعٌ آخر يُعرف بمركزية الإنسان (Anthropocentrism)، ويعني المصطلح ببساطة أن الإنسان يعتبر نفسه مصدر التشريع الوحيد على هذه الأرض.

ربما يبدو الموضوع بسيطاً، لكن أحد العوامل التي أدت لظهور هذا المصطلح هو الخوف من تداعيات أن يعتبر الإنسان نفسه مصدر التشريع الوحيد. هذا ببساطة يعني أن الإنسان ينظر لما حوله من منظور فائدته له فقط، فينظر إلى الحيوانات على أنها آلات لإنتاج ما يعنيه، ويصنف النباتات بحسب أهميتها له، ويتأمل الطبيعة فقط ليرى كيف يستغلها.

يمكنك أن تدرك معي الآن تداعيات ذلك المنظور. نظرتنا إلى البيئة المحيطة بنا بهذه الطريقة تجعلنا نُسقط جوانب أخرى كثيرة، ومنها خطر تلك البيئة نفسها علينا. وفي هذا، سأحب جداً أن أضرب مثلاً برواية "مثل إيكاروس" للكاتب الراحل أحمد خالد توفيق.

في الرواية، يتخيل توفيق فناء البشرية بشكل مختلف عن أي فيلم خيال علمي ربما تكون قد شاهدته: سنفنى بسبب الصراصير.

يقول الكاتب في الرواية إنه أثناء انشغال الإنسان باستغلال كل ما يقابله في الطبيعة وتطويره، وأثناء انشغاله بدراسة كائنات أخرى أكثر أهمية له، تستغل الصراصير الوقت لتطور نفسها تطويراً كبيراً يساعدها على البقاء. في النهاية، يصبح حجم الصراصير أكبر من حجم البشر، وتكتسب بجانب ذلك قدرة على أكل لحوم البشر، ثم تحدث النتيجة المتوقعة: تطارد الصراصير الإنسان في كل مكان لتقضي عليه.

يضع هذا المثال الإنسان في مكانه الحقيقي. فنحن في تخيلنا لنهاية العالم وفناء البشرية، نوجِد كائنات أكثر ذكاءً أو فيروسات تتطور في ثوانٍ أو أشباح لا نراها. نحاول أن نقنع أنفسنا أننا مُلمين بكل ما حولنا، وأن فناءنا لن يكون سوى بأشياء لا نعرفها ولم نقابلها قط. لكن في تخيُّل أحمد خالد توفيق للنهاية، لم يجعل الصراصير حتى ذكية، بل رسم لها حركات آلية بحتة، فقط كائنات تسير هنا وهناك تبحث عن الطعام. ربما علينا أن ننتبه للصراصير أكثر.

يقول مناصرو مبدأ "تفرد النوع" إن الإنسان أذكى الكائنات على الأرض، ومن البديهي أن يستغل ما حوله لخدمته. بينما يسأل معارضوه: لو وصلت إلى الأرض كائنات أكثر ذكاءً، هل يوافق الإنسان على استعباده كما يفعل مع الحيوانات؟
لقد أهلكنا عالمنا بما فيه الكفاية، وربما حان الوقت لكي نترفع عن غرورنا وننتبه إلى حقيقة أن هناك كائنات وعناصر أخرى تسكن هذه الأرض معنا

لأن عيناً واحدة لا تكفي

هناك مصطلح في الفيزياء يُسمى "الإطار المرجعي" (Frame of Reference)، ويعني ببساطة أنك إذا أردت ملاحظة مشهد ما، فعليك انتقاء مصدر واحد للملاحظة، لأن نفس المشهد قد يتغيّر تماماً بتغيُّر مصدر مشاهدته.

أشهر مثال يُستخدم لشرح مبدأ الإطار المرجعي هو تخيُّل شخص ما يقذف كرة للسماء من نافذة قطار يستقله، ويشاهده شخص آخر يقف على رصيف محطة القطار. هنا، ستتغير حركة الكرة تماماً بحسب المصدر الذي يشاهدها. فبالنسبة إلى رامي الكرة، سيراها تتحرك في اتجاه عمودي لتسقط في يده مرة أخرى، أما بالنسبة لمن ينتظر في المحطة، ستتحرك الكرة في شكل منحنى.

في مسائل الفيزياء من هذا النوع، عليك دائما أن تختار إطاراً مرجعياً واحداً تفسر المشهد من خلاله.

مشهد واحد يحدث، ويشاهده عدة أشخاص في الوقت ذاته تماماً، لكن كل واحد منهم يراه بطريقة مختلفة كلياً، فقط بسبب تغير مصدر ملاحظته. في السنوات الأخيرة، امتد هذا المبدأ خارج الفيزياء ليدخل مجالات أخرى مثل التسويق وعلم النفس، كلٌّ يتناوله لخدمة مبادئه. وهنا، يمكننا أن نعكس حديثنا على نفس المبدأ أيضاً.

مشكلة التعريفات التي بالأعلى هي أننا كبشر اخترنا إطاراً مرجعياً واحداً لا يتغير على طول الخط: نحن.

أعتقد أنك، عزيزي القارئ، تدرك خطورة ذلك الآن. فكما قلنا، يتغيّر المشهد بتغيُّر مصدر الملاحظة، وهذا يعني أن كثيراً مما يحدث حولنا في الطبيعة يفوتنا كلياً لأننا نختزل كل المشاهد في مصدر ملاحظة واحد.

لِمَ لا نتخيل أن الطبيعة تحاول طوال الوقت، وبطريقة مستميتة، لفت نظرنا إلى خلل ما لا نلاحظه بسبب اختزال رؤيتنا لما حولنا؟ لقد أهلكنا عالمنا بما فيه الكفاية، وربما حان الوقت لكي نترفع عن غرورنا وننتبه إلى حقيقة أن هناك كائنات وعناصر أخرى تسكن هذه الأرض معنا. ليس من أجلنا، وإنما معنا. وربما علينا الانتباه أيضاً، ولو تدريجياً، لحقيقة أننا لحسن الحظ لسنا مركز الكون كما نظن.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard