شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
عوالم نجيب محفوظ (5)

عوالم نجيب محفوظ (5) "قصر الشوق"… أسئلة عن الخالق والزمن والموت

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 10 أكتوبر 201906:19 م

في العام 1957 نُشرت رواية قصر الشوق لأول مرة، وعبر صفحاتها وثّق الأديب نجيب محفوظ (1911 – 2006) ما بدأه في رواية بين القصرين التي كانت ترصد فترة عشرينيات القرن الماضي في مصر تحت الاحتلال الإنكليزي. اليوم، وبعد مرور أكثر من نصف قرن من صدور الرواية، ضرب الإهمال الحارة التي خلدها محفوظ ووصفها ووصف سكانها بدقة شديدة. لقد صارت القمامة بين جنباتها، أما مقاهيها ومحالّها التاريخية فقد اختفت تقريباً.

قصر الشوق هي الجزء الثاني من ثلاثية القاهرة التي خطتها أنامل نجيب محفوظ وكانت أحد الأسباب الرئيسية لحصوله على جائزة نوبل في الآداب، وتبدأ هذه الثلاثية برواية بين القصرين وتنتهي برواية السكرية، وجميعها مناطق في القاهرة القديمة، وهي القاهرة التي عشقها محفوظ وقال عنها في أحد حواراته: "حبي وارتباطي بالقاهرة القديمة لا مثيل لهما. عندما أمرُّ في المنطقة تنسال عليَّ الخيالات، وأغلب رواياتي كانت تدور في عقلي كخواطر حيّة أثناء جلوسي في هذه المنطقة. يخيّل لي أنه لا بد من الارتباط بمكان معين، أو شيء معين يكون نقطة انطلاق للمشاعر والأحاسيس. والجمّالية (حي شعبي في القاهرة) بالنسبة إليّ هي تلك المنطقة".

يعتبر الأديب عزت القمحاوي أن الفيلم السينمائي الذي حمل الاسم نفسه نجح شعبياً لكنه خصم من الرصيد الفكري المهم للرواية الأصلية، إذ اختفت منه الأسئلة الوجودية، وصار أقرب لحدوتة شعبية منه إلى رواية عميقة.

في رواية قصر الشوق، وهي الجزء الثاني من الثلاثية، تناول محفوظ طبيعة حياة المجتمع المصري بعد ثورة 1919، من خلال أسرة بطل الرواية السيد أحمد عبد الجواد (سي السيد)، وهو تاجر كبير في منطقة خان الخليلي يعيش في منطقة بين القصرين مع أبنائه وزوجته السيدة الطيبة الخانعة له دائماً أمينة.

انتهت أحداث رواية بين القصرين باستشهاد فهمي ابن السيد أحمد عبد الجواد خلال تظاهرة مطالبة بجلاء الاحتلال الإنكليزي عن الأراضي المصرية، وهو الحادث الذي غيّر شخصية السيد أحمد بدرجة كبيرة، إذ ظهر في بداية أحداث قصر الشوق شخصاً أقرب للزاهد في متع الدنيا على عكس شخصيته في بين القصرين، حين كان مقبلاً بدرجة كبيرة على متع الحياة.

تتناول قصر الشوق سيرة حياة السيد أحمد عبد الجواد وعائلته بعد مرور 5 سنوات على وفاة ابنه فهمي، لنرى كيف تغيرت حياة العائلة كلها، على سبيل المثال انتقلت بنات السيد أحمد للعيش في حارة قصر الشوق بمنطقة الجمالية العريقة بعد زواجهن، ومن هنا جاء اسم الرواية، التي يعتبر المكان أحد أبطالها، إن لم يكن أهمهم على الإطلاق.

تسببت وفاة فهمي باعتكاف السيد أحمد عبد الجواد لسنوات، وتوقفه عن الذهاب إلى بيت زبيدة العالمة الذي كان وجهته الدائمة في أحداث رواية بين القصرين، لكن بعد مرور خمس سنوات من وفاة فهمي عاد "سي السيد" إلى سيرته الأولى. رجع للبيت وقابل فيه شخصية جديدة هي زنوبة قريبة زبيدة، وسرعان ما وقع في حبها من دون أن يعلم أنها على علاقة غرامية بابنه ياسين الذي يعمل مدرساً.

على عكس رواية قصر الشوق التي كانت تتميز بهدوء أحداثها، نجد قصر الشوق ملأى بالمفاجآت والتطورات، أبرزها زواج ياسين بزنوبة التي دخلت إلى عائلة السيد أحمد زوجة لابنه. أما الابن الآخر كمال فقد كبر وأصبح شاباً في الجامعة، وسرعان ما يختلط بالمجتمعات الراقية في هذه الفترة من تاريخ مصر، حيث يقابل فتاة تدعى عايدة ويقع في حبها، ويظن أنه يعيش معها قصة حب كبيرة، قبل أن تصارحه أنها لن تستطيع الزواج منه بسبب الفرق الاجتماعي بينهما.

عن صدمات الحياة

يحكي الأديب المصري عزت القمحاوي لرصيف22 أنه تعرف على عوالم نجيب محفوظ قبل مرحلة الشباب، حيث قرأ رواياته في نسخ قديمة، وبعضها كانت روايات مهترئة ومن دون أغلفة، ويضيف أنه بعد سنوات طويلة، أعاد قراءة الروايات نفسها مرة أخرى ليكتشف تفاصيل أكثر لم يدركها في المرات الأولى من القراءة حين كان مراهقاً، وأبرز تلك التفاصيل يتعلق بسخرية محفوظ المختبئة بين سطور رواياته، وحيرته وأسئلته الفلسفية عن الخالق والوجود والحياة والموت.

يقول الأديب المصري عزت القمحاوي لرصيف22 إنه بعد أن تخطى الخمسين من عمره، أعاد قراءة روايات نجيب محفوظ مرة أخرى، فاكتشف أنها أعمق بكثير مما كان يظن في طفولته وشبابه، إذ أصبح هناك نوع من إعادة التقدير لهذه الروايات ومنها "قصر الشوق"
قصر الشوق رواية فيها صدمات الحياة المختلفة بطريقة أكبر من " بين القصرين"، إذ نجد السيد أحمد عبد الجواد يواجه لأول مرة مشقات العيش وصدمات الأيام 

بعد أن تخطى القمحاوي الخمسين من عمره، أعاد قراءة روايات محفوظ مرة جديدة، فاكتشف أنها أعمق بكثير مما كان يظن في شبابه، فأصبح هناك نوع من إعادة التقدير لهذه الروايات، بحسب قوله.

في ما يتعلق بقصر الشوق يرى القمحاوي أنها أهم أجزاء الثلاثية، معتبراً أنها تختلف كثيراً عن الجزء الأول الذي حمل عنوان بين القصرين، حيث كانت رواية تمهد للحكاية، وأحداثها هادئة وخالية من الصدمات، مثلها مثل بداية الخلق، أما قصر الشوق ففيها صدمات الحياة المختلفة بطريقة أكبر، إذ نجد السيد أحمد عبد الجواد يواجه لأول مرة مشقات العيش وصدمات الأيام، مثل صدمة وفاة ابنه فهمي، ثم صدمة خروج ابنتيه من تحت جناحيه بعد زواجهما وانتقالهما إلى قصر الشوق، إضافة إلى صدمة زواج ابنه ياسين بزنوبة.

يرى القمحاوي أن قصر الشوق عبرت أكثر عن علاقة نجيب محفوظ بالوجود وأعطتنا فكرة كافية عن نظرته للزمن والحياة والموت، وفيها يطرح سؤاله الأساسي عن الخالق.

يقول القمحاوي إنه توجه إلى حارة قصر الشوق الحقيقية أكثر من مرة أثناء تجوله في القاهرة القديمة بهدف اكتشاف القاهرة وليس البحث عن الفروق بين المكان كما ظهر في الرواية والمكان اليوم.

ويعتبر القمحاوي أن الفيلم السينمائي الذي حمل الاسم نفسه نجح شعبياً لكنه خصم من الرصيد الفكري المهم للرواية الأصلية، إذ اختفت منه الأسئلة الوجودية، وصار أقرب لحدوتة شعبية منه إلى رواية عميقة.

وفي العام 1964 حولت السينما قصر الشوق إلى فيلم من بطولة يحيى شاهين وآمال زايد وصلاح قابيل وعبد المنعم إبراهيم، وأخرجه حسن الإمام وكتب السيناريو له يوسف جوهر.

يقول القمحاوي إنه توجه إلى حارة قصر الشوق الحقيقية أكثر من مرة أثناء تجوله في القاهرة القديمة بهدف اكتشاف القاهرة وليس البحث عن الفروق بين المكان كما ظهر في الرواية والمكان اليوم، قائلاً إنه يؤمن أن المكان في الرواية هو الحقيقة الأدبية الوحيدة التي يجب أن نصدقها ونؤمن بها.

حارة قصر الشوق الحقيقية

بعد عشرات السنين من صدور رواية نجيب محفوظ، تبدلت حارة قصر الشوق تماماً، إذ صارت الحارة الواقعة بحي الجمالية الذي ولد وعاش فيه محفوظ حتى الثامنة من عمره، نموذجاً للإهمال في مصر الحديثة، بعدما انتشرت القمامة في جنباتها، وضرب الفقر سكانها.

لم يبق من معالم قصر الملكة شوق، الذى سميت الحارة باسمه، إلا بوابة أثرية مهملة، فيما هدمت أغلب منازل الحارة وحلت محلها منازل قبيحة مبينة بالطوب الأحمر. كذلك اختفت منها المشربيات التي كانت تميّز المنازل.

وحتى سنوات قليلة كانت في المنطقة مدرسة تاريخية تدعى مدرسة عبد الرحمن كدخودة، كان أطفال الحارة والحارات الأخرى يتعلمون فيها، لكن قامت السلطات المصرية بهدمها قبل عدة سنوات، وتم بناء مدرسة حديثة في منطقة قريبة من الحارة، فيما تحول مقر مدرسة كدخودة إلى مكب للقمامة.

"منذ مولدي وهذا المكان يسكن في وجداني، عندما أسير فيه أشعر بنشوة غريبة جداً، أشبه بنشوة العشاق"، قال محفوظ ذات يوم وهو يصف ما يخالجه حين يتجول في حي الجمالية حيث ولد، لكن الحي تغير كثيراً مثل تفاصيل مصرية كثيرة تغيرت في المحروسة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard