شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
هل يحتاج الرجل لدورة شهرية ليقتنع بمتلازمة ما قبل الحيض؟

هل يحتاج الرجل لدورة شهرية ليقتنع بمتلازمة ما قبل الحيض؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 10 أكتوبر 201905:51 م

منذ زمن أفلاطون وأبقراط، تعتبر الدورة الشهرية مسؤولة عن التقلّبات المزاجية والتغييرات السلوكية التي تصيب النساء، فقد كان الشعب الإغريقي يعتقد بأن النساء لديهن رحم "متنقل" يتحرك داخل أجسادهن، الأمر الذي يسبب لهن جميع أنواع الأمراض.

وبالرغم من أن الجمعية الأميركية للطب النفسي أسقطت مؤخراً الهستيريا كاضطراب عقلي، إلا أنه قبل العام 1980، كان يُنظر إلى "الهستيريا" على أنها مرض مرتبط بالوضع الجنسي للنساء وبأرحامهن، وكانت نظرية أبقراط تقوم على فكرة أن "الهستيريا" التي تصيب النساء تعود لوجود رحم غير رطب و"غير سعيد" نتيجة الحرمان من الجنس لفترة طويلة، وعليه تم وصف العلاقات الجنسية والحمل كعلاج لهذه السيدات.

في يومنا هذا، يذكر الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM)، الصادر عن الجمعية الأميركية للطب النفسي، مصطلح "متلازمة ما قبل الحيض" (PMS)، والذي يُستخدم لوصف الأعراض الجسدية والنفسية التي تعاني منها بعض النساء قبل الدورة الشهرية.

غير أن "متلازمة ما قبل الحيض" تثير الكثير من الجدل، لكون البعض يعتبر  أنها ليست سوى وسيلة "دلع" وذريعة تستخدمها المرأة طمعاً بالراحة ولو كان ذلك لفترة قصيرة، في حين أن البعض الآخر يؤكد أن الهرمونات قادرة فعلاً على "شلّ" وإعاقة حركة المرأة.

هل فعلاً تُصاب النساء بمتلازمة ما قبل الحيض أم أنها مجرد خرافة نسجتها ثقافتنا التي تخشى الحيض؟

أعراض جسدية ونفسية

يعتبر العديد من الباحثين أن "متلازمة ما قبل الحيض" هي واحدة من أكثر الاضطرابات النفسية الجسدية انتشاراً والتي قد تعرقل حياة النساء بشكل ملحوظ، بخاصة وأنها تُحدث تقلبات في المزاج وفي الحالة العاطفية.

ونتيجة الآلام الجسدية والنفسية وعدم الشعور بالراحة قبل الحيض، تمتنع الكثير من السيدات عن الذهاب إلى العمل أو المشاركة في الأنشطة الحياتية البسيطة.

"جهنّم على الأرض"، بهذه العبارة تصف فاديا (اسم مستعار) ما يحدث معها قبل الدورة الشهرية.

فمنذ أن فاجأتها الدورة الشهرية لأول مرة، بدأت هذه الشابة، البالغة من العمر 30 عاماً، تلاحظ وقع "متلازمة ما قبل الحيض" وتأثيرها على حالتها الجسدية والنفسية، فتقول لرصيف22: "قبل أسبوع تقريباً من الـperiod  (الدورة الشهرية) أشعر بتقلبات حادّة في المزاج، بحيث أنني لا أكون على طبيعتي ومن دون أي سبب قد يتغير مزاجي وأصبح متوترة ومنفعلة"، أما بالنسبة للآلام الجسدية التي تختبرها، فتوضّح أنها تشعر بانتفاخ عند منطقة البطن: "بحس حالي متل المرأة الحامل... ما بدي شي إلا ولد"، وتضيف: "بموت من وجع ظهري وبحس بcrampes (تشنجات) بإجريي وإرهاق مش طبيعي".

وعمّا إذا كانت هذه الأعراض تؤثر على روتينها اليومية، تقول فاديا: "بهالفترة من الشهر بابقى بالبيت، ما عندي قوة روح عالشغل"، وتضيف ممازحة: "وكمان بتجنب الاختلاط مع الناس لأنو ما حدا بكون إلو جلادة يسمع نقي".

يكشف موقع healthline أن متلازمة ما قبل الحيض قد تجعل بعض النساء يختبرن الآلام والشعور بالانتفاخ، في حين أن البعض منهن قد يشهد تقلباً حاداً في المزاج أكثر من المعتاد، بحيث قد تستيقظ المرأة من نومها وهي في مزاج رائع ولكنها سرعان ما تشعر بالغضب والحزن دون أي سبب مباشر، هذا ويمكن أن تشمل الأعراض العاطفية المصاحبة بمتلازمة ما قبل الحيض: الحزن، التهيج المفرط، القلق والغضب.

في حديثها مع رصيف22، أشارت الأخصائية في الأمراض النسائية الدكتورة مارلي أبو جودة، أن الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى التقلبات العاطفية لدى المرأة لا تزال مجهولة، إلا أنها نوّهت إلى احتمال ربط ذلك بالتقلبات الهرمونية التي تحدث خلال النصف الثاني من الدورة الشهرية، بحيث تتم عملية الإباضة في منتصف الدورة تقريباً، وخلال هذا الوقت يطلق الجسم البويضة، ما يؤدي إلى انخفاض مستويات الأستروجين والبروجسترون.

واعتبرت أبو جودة أن هذا التغير في الهرمونات يمكن أن يساهم في أعراض جسدية وعاطفية، بخاصة وأن التقلب الهرموني يؤثر أيضاً على مستويات السيروتونين، وهو الناقل العصبي الذي يساعد في تنظيم الحالة المزاجية ودورة النوم والشهية لدى المرأة، بحيث يرتبط تدني مستوى السيروتونين بمشاعر الحزن، بالإضافة إلى صعوبة في النوم ورغبة شديدة في تناول الطعام بشكل مفرط.

متلازمة ما قبل الحيض قد تجعل بعض النساء يختبرن الآلام والشعور بالانتفاخ، في حين أن البعض منهن قد يشهد تقلباً حاداً في المزاج أكثر من المعتاد، بحيث قد تستيقظ المرأة من نومها وهي في مزاج رائع ولكنها سرعان ما تشعر بالغضب والحزن دون أي سبب مباشر

ومن جهتها أعلنت هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة (NHS) أن المرأة قد تصاب بتقلب المزاج، انتفاخ، آلام في الصدر وانخفاض في الرغبة الجنسية، وكشفت الهيئة بأنه من بين 20 امرأة، تعاني إمرأة واحدة من أعراض شديدة قد تمنعها من القيام بمهامها اليومية، وهو أمرٌ عارضته بشدة بعض الآراء والتي اعتبرت أن "متلازمة ما قبل الحيض" هي مجرد خرافة موجودة في مخيّلة النساء.

مجرد خرافة؟

في حين أن بعض النساء يتمسكن بفكرة أن "متلازمة ما قبل الحيض" هي حقيقة علمية ويتساءلن: هل يحتاج الرجل لدورة شهرية ليقتنع بمتلازمة ما قبل الحيض؟ فإن الأخصائية في علم النفس روبين شتاين ديلوكا، تصرّ على اعتبار متلازمة ما قبل الحيض خرافة و"دلع"، مشيرةً إلى أن الدورة الشهرية هي ببساطة مجرد ذريعة تستخدمها النساء الحديثات اللواتي يكافحن من أجل إدارة حياتهن: "لقد رسخنا الفكرة القائلة بأن أجسادنا يجب أن تكون معيبة... المسألة كلها عبارة عن شعور المرأة بالإرهاق".

واعتبرت روبين أن الكتب والمجلات والمجتمع الطبي كلها عوامل ساهمت في تغذية أكاذيب النساء في كل ما يتعلق بالدورة الشهرية وأعراضها، وبأنه عوضاً عن الاعتراف بالهزيمة أو التخلي عن مسؤولياتهن، فإن النساء يستخدمن الـPMS ككبش فداء، مشيرةً إلى أن العديد من الأعراض التي تربطها النساء بالدورة الشهرية، بما في ذلك التشنجات والانتفاخ والاكتئاب، قد تكون علامات على الجهد الكبير الذي تبذله المرأة في حياتها اليومية: "يُتوقع من النساء القيام بالكثير من الأعمال في هذه الأيام، نحن نعمل، نعتني بعائلاتنا، نتأكد من أن الجميع يتمتع بصحة جيدة، والكثير من النساء يستخدمن الـPMS كصمام الإطلاق أو في حال لم يكن بوسعهن تقديم المزيد".

في كتابها The Hormone Myth: How Junk Science, Gender Politics And Lies About PMS Keep Women Down تحدثت روبين عن الأساطير القديمة التي تحيط بتأثير الهرمونات الأنثوية، والتي، وفق رأيها، يمكن أن تسبب أعراضاً غير سارة إلا أنها ليست حصرية بالنساء: "الجميع قد يشعر بهذه الأشياء في بعض الأحيان"، على حدّ قولها.

وخلال حديثها على منصة TED في العام 2014، اعترفت ديلوكا باحتمال تعرض النساء لبعض آثار متلازمة ما قبل الحيض، غير أنها أشارت إلى عدم وجود تعريف دقيق لهذه المتلازمة، بالإضافة إلى اعتقادها بأن الـPMS لا تعيق الحياة اليومية لأكثرية الناس، وهو ما كانت قد أكدت عليه أيضاً في حديثها لموقع Newsweek: "أعتقد أن الهرمونات التناسلية تسبب بعض الأعراض الجسدية والنفسية لدى النساء( تشنجات، حزن) ولكن بالنسبة للغالبية العظمى من السيدات، فإن هذه الأعراض لا تهدد قدرتهن على العمل اجتماعياً ومهنياً، ولا يجب أن توصف هذه الظاهرة بأنها مرض"، وأضافت:" الشعور أحياناً بالغضب أو الحزن هو جزء من الحالة الإنسانية الطبيعية".

هذا واعتبرت ديلوكا أن التذرع بالـPMS قد يشوه سمعة النساء، شارحةً ذلك بالقول: "على مرّ الزمان، استخدم الرجال متلازمة ما قبل الحيض وتمسكوا بفرضية أن النساء لديهن هرمونات مجنونة ومزاج متقلب، لإبقائهن خارج السلطة... ففي نهاية المطاف كيف يمكننا أن ندع النساء يتخذن قرارات كبيرة أو الاعتماد عليهن، عندما تتمكن هرموناتهن المجنونة من التلاعب بهن في أي وقت؟

واللافت أنه في العام 2012، انتشرت نظرية مماثلة مفادها أن "متلازمة ما قبل الحيض" قد لا تكون موجودة... إلا في أذهان الناس.

وفي التفاصيل، فقد أجرى الباحثون في جامعة تورنتو تحليلاً على 41 دراسة كانت قد فحصت الحالة المزاجية للمرأة بحسب دورتها الشهرية، ووجدوا أن دراسة واحدة فقط من أصل 6 دراسات تثبت وجود صلة بين تقلب المزاج وفترة ما قبل الحيض.

وعن هذه النقطة، قال الدكتور جيليان أينشتاين: "هناك الكثير من النظريات الثقافية البالية حول دورات الحيض، بالإضافة إلى وجود صناعات بأكملها مبنية على فكرة أن المرأة مزاجية وغير عقلانية، في المرحلة التي تسبق الحيض"، وأضاف جيليان: "حتى قبل أن تختبر النساء دورتهن لأول مرة، يسمعن عن متلازمة ما قبل الحيض. هذه النظرية متأصلة في ثقافتنا".

كيف يمكننا أن ندع النساء يتخذن قرارات كبيرة أو الاعتماد عليهن، عندما تتمكن هرموناتهن المجنونة من التلاعب بهنّ في أي وقت؟

وتعليقاً على هذه الدراسة، شددت هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا على ضرورة النظر بحذر إلى النتائج التي توصل إليها الباحثون، وذلك لأن العديد من الدراسات التي بحثوا فيها كانت تستند على عينة صغيرة جداً، مما يظهر غياب "الدقة" في عملية الإحصاء، وخلصت الهيئة إلى القول إن هذه الدراسة هي "مجرد مقال رأي أكثر من مثال مهم للبحوث الطبية".

تثقيف النساء

بالرغم من الجدل الكبير الحاصل وعدم تمكن العلماء من تحديد الأسباب التي تقف وراءها، إلا أن متلازمة ما قبل الحيض قد تكون وليدة تداخل عوامل بيولوجية ونفسية واجتماعية، كما ذكرته إحدى الدراسات التي نشرت في موقع ncbi والتي فحصت تأثير ودور الهرمونات الجنسية وتغيراتها في فترة ما قبل الحيض، كما حللت الفرضيات ودور المشاكل النفسية في تطور الـPMS هذا، بالإضافة إلى تحليل دور المرأة ومكانتها الاجتماعية والدينية والثقافية وعلاقتها بمتلازمة ما قبل الحيض.

وعليه اعتبرت الدراسة أنه من الأفضل النظر إلى مسألة الـPMS من وجهات نظر مختلفة للحدّ من التجارب السلبية المصاحبة لها، هذا بالإضافة إلى أهمية تثقيف النساء في مجال الصحة الجنسية، بما في ذلك الدورة الشهرية التي تعتبر أداة مهمة لتقييم صحة المرأة.

وفي حين أن الدول الأجنبية تكافح في سبيل نشر الوعي حول أهمية الصحية الجنسية، فإن أوطاننا العربية ما زالت تخجل من الحديث عن الحيض، على اعتبار أن الدورة الشهرية "عار" و"تابو" يجب التستر عليها.

تجدر الإشارة إلى أنه في بعض الثقافات تكتسب الدورة الشهرية مفهوماً أكثر إيجابية ولا تصنف على أنها حالة مرضية تحتاج إلى علاج طبي، ففي بابوا غينيا الجديدة مثلاً، يعتبر الحيض مصدر قوة وطهارة، لدرجة أنه يتوقع من الرجال أيضاً أن يختبروا هذه التجربة، وذلك عن طريق قيام الرجل بالتجول عارياً في المحيط وإحداث انتصاب ودفع القلفة إلى الوراء، ومن ثم قطع حشفة القضيب في كلا الجانبين بواسطة مخلب السلطعون، وعندما يتوقف النزيف وتصبح مياه المحيط نقية، يعود الرجل إلى الشاطىء ويلف قضيبه بأوراق طبية وهكذا يعتبر أنه أصبح شخصاً "طاهراً".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard