شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
أطفال بلا بلالين وجنس بدون

أطفال بلا بلالين وجنس بدون "كوندوم"… سلع حظرتها إسرائيل في غزة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 30 سبتمبر 201912:24 م

شهدت غزة في الآونة الاخيرة، ارتفاعاً في أسعار العديد من الاحتياجات الأساسية لأي مواطن أو تاجر أو عامل ضمن القطاعات الحكومية أو الخاصة، وكانت إطارات المركبات "الكاوتشوك" وكذلك بالونات الأطفال وبعض الاحتياجات الزوجية والعلاجية وغيرها، من أهم السلع المستهدفة من قبل السلطات الإسرائيلية، بحجّة استعمالها في مسيرات العودة الفلسطينية على طول الحدود الشرقية لغزة، ما ضاعف من ثمنها، والمعاناة الاقتصادية لسكان القطاع.

"الكاوتشوك"... حرق وحظر

طيلة مسيرات العودة، أينما أُشعلت قطعة "الكاوتشوك" يذهب دخانها الأسود صوب جنود الاحتلال، ما شكّل حاجزاً أمام قناصة الاحتلال الذين يستهدفون المتظاهرين السلميين بمختلف أنواع الأسلحة الفتاكة والمحرّمة دولياً، كالرصاصة المتفجرة والانشطارية، والغازات السامة والجديدة على ساحة الجرائم الإسرائيلية.

ووصل عدد شهداء مسيرات العودة إلى 320 وأكثر من 15 ألف جريح، بينهم 140 شخصاً تعرضوا لحالة بتر في الأطراف، فيما يوجد 1700 آخرون معرّضون للبتر، بحسب ما صرّح به الناطق باسم وزارة الصحة في قطاع غزة الدكتور أشرف القدرة لرصيف22.

وإثر ذلك، منعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إدخال الإطارات والبناشر بأنواعها لقطاع غزة، بحسب ما أوضح رئيس لجنة تنسيق إدخال البضائع إلى غزة رائد فتوح في تصريح مسبق، ما أحدث ضربة اقتصادية في مجال تجارة قطع غيار المركبات، بما فيها السيارات الحديثة والتي انخفضت أسعارها إلى النصف، في الوقت الذي يعجز فيه المواطن بغزة عن إصلاح إطار سيارته بعد ارتفاع أسعارها عدة أضعاف.

وكانت القطعة الواحدة من "الكاوتشوك" للدراجات النارية تكلف 150 شيقل اسرائيلي (35 دولار) قبل انقطاعه، فيما تكلف الآن 600 شيقل (170 دولار)، فيما كانت تصل تكلفتها للسيارات المرسيدس مثلاً 350 شيقل (100 دولار)، أما الآن فتكلفتها 1100 شيقل (360 دولار)، وهذه مبالغ ضخمة في غزة التي تعاني من شحٍّ اقتصادي ومالي.

"بالونات أعياد الميلاد الخاصة بالأطفال والعادية بدأت تفرغ من السوق، فما هو متواجد الآن يُباع بالوزن"
"الواقي الذكري له الأثر الأكبر عسكريا ضد إسرائيل مقارنة بالبالونات العادية، فإذا كان البالون العادي يصل مداه لكيلومتر أو اثنين، فإن الواقي الذكري يصل مداه من 30 إلى 60 كيلومتراً"

ويقول عمر دياب، أحد أكبر تجار "الكاوتشوك" في قطاع غزة لرصيف22: "إن هذه الأسعار المرتفعة في الكاوتشوك مرتبطة بمصادرة واحتجاز بضائعنا من قبل الاحتلال الإسرائيلي، لدينا 32 حاوية كاوتشوك منتشرة على غلاف غزة، تكلفتها 6 مليون دولار تقريباً، ونحن ندفع شهرياً ثمن احتجازها 300 دولار لكل حاوية، وحتى الآن كلفتنا كل حاوية ثمن احتجازها خلال سنة ونصف قرابة 15 ألف دولار، ليصبح المبلغ الإجمالي لكافة حاوياتنا المحتجزة 60 ألف دولار، عدا عن خسائر بقية تجار الكاوتشوك في قطاع غزة"، مشيراً إلى أن هذه التكاليف ستزيد من أسعار الكاوتشوك لعشرة أضعاف على حساب المواطن والزبون حال دخولها، وذلك تعويضاً عن الخسائر المترتبة على احتجازها، بالإضافة للسرقات التي تعرّضت لها البضائع.

"هذه الأسعار المرتفعة في الكاوتشوك مرتبطة بمصادرة واحتجاز  الاحتلال الإسرائيلي لبضائعنا"

مصاريف أخرى يدفعها تجار "الكاوتشوك" بلا مقابل، فعمر دياب الذي يمتلك أكبر معارضها الثلاثة في قطاع غزة، يدفع شهرياً مصاريف تشغيلية بقيمة 5000 دولار، موزعة على العمال ورسوم حكومية وغيرها، ولكن دون حركة تجارية نشطة.

وفي خضم هذه الأزمة، حاولت مصر التخفيف من الأعباء الاقتصادية بإدخال البضائع عبر منافذها الحدودية مع فلسطين، بعد السماح للشركات المصرية المعنية بهذه السلع والبضائع بالتعاون مع التجار الفلسطينيين، مثل شركة "أبناء سيناء"، لكن هذه التجارة ما زالت تتعرّض لعراقيل، أغلبها بسبب رسوم الشحن، والنقل من قبل وسطاء التوصيل بين الشركات المصرية والفلسطينية، وبسبب الضرائب الحكومية التي تفرضها حكومة غزة على الحدود، ما يرفع قيمة الشحنة بعدما تصبح في متناول تجار غزة إلى 115 ألف دولار أمريكي، في حين أن قيمة الشحنة التي تُسْتورد من الصين وصولاً لميناء أسدود في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ثم إلى قطاع غزة، 45 ألف دولار، كما يوضح دياب.

ويضطر المواطن الفلسطيني في غزة، في أشد الظروف سوءاً، إلى الحجز مسبقاً بطلب قطعة "كاوتشوك" لمركبته، ليتم توفيرها له إن وُجِدت، وغالبا ما تكون مستعملة، وذلك في حال استطاع التاجر شراءها من صاحب مركبة أخرى، أو تجديد قطعة قديمة منها، وقد يطول الانتظار لأسبوع ويستمر لشهر كامل، ينقطع خلالها عن جميع رحلاته العملية والخاصة بمركبته، ويعوضها بسيارات الأجرة.

حظر البلالين

وفيما يخصّ مستلزمات التسلية للأطفال أو أغراض التزيين الخاصة بالأفراح والمناسبات، فقد منعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في يوليو 2018 إدخال البالونات بأنواعها المختلفة، بعد استخدامها في مسيرات العودة أيضاً، حالها كحال "الكاوتشوك"، ما أدى لندرة هذه المستلزمات تدريجياً في أسواق غزة، حتى انقطعت بشكل كامل، وقد كان فلسطينيو غزة قد استعملوها في إحراق الأحراش المحتلّة على حدود غزة والتي تختبئ في داخلها آلات القتل الإسرائيلية.

وقد أحدثت هذه البالونات التي سُميت بالـ"حارقة" عدة حرائق على طول الحدود، حتى اضطر عدد كبير من المستوطنين لإخلاء منازلهم أكثر من مرة، بناءً على طلب سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بعد إعلان حالات الطوارئ عدة مرات في الجنوب المحتل، كان آخرها نهاية شهر مايو عام 2019، فبحسب ادعاءات الاحتلال حينها أنه تم إخلاء السكان مع إصدار حالة الطوارئ في التجمعات المحيطة بقطاع غزة، إثر اندلاع حريق كبير بفعل البالونات التي أطلقها نشطاء من غزة، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء في مستوطنات "كارميا" و"زيكيم"، وكان الاحتلال قد طلب حينها المساعدة العاجلة من عدة دول، وعلى رأسها اليونان وكرواتيا وصربيا ومصر وتركيا.

فادي المجايدة، أحد أكبر تجار هدايا الأفراح والمناسبات والبالونات في قطاع غزة، قال لرصيف22: "إن القرارات التي يصدرها الاحتلال بمنع إدخال بعض المستلزمات لغزة تأتي بشكل مفاجئ، ولو كان لدينا علم مسبق عبر إعلامهم على الأقل، أو إخطار الجهات المختصة عبر الحواجز، لما خاطرنا بمبالغ باهظة لشراء بعض الاحتياجات الخاصة بالأفراح من الصين، وشحنها لميناء أسدود في الأراضي الفلسطينية المحتلة".

وأوضح المجايدة بأنه اشترى عدة بالونات على شكل أحرف باللغة الإنجليزية من الصين، ليتم شحنها إلى ميناء أسدود قبل أن تصل إلى قطاع غزة، وكانت شحنته عبارة عن 12 ألف بالون، وكل ثلاث بالونات منها تكلفتها 1 دولار، حيث كانت خسارته من كافة هذه الشحنة 4000 دولار، مشيراً إلى أنه لم يعلم بهذا القرار إلا بعد مصادرة شحنته من قبل الاحتلال، فيما حاول إدخال محاميين وحقوقيين لحل مشكلته باسترجاع بضاعته بلا جدوى.

من جانب آخر، أوضح المجايدة بأن بالونات أعياد الميلاد الخاصة بالأطفال والعادية بدأت تفرغ من السوق، فما هو متواجد الآن يُباع بالوزن، فبعد أن كان سعر الكيلو 40 شيقل (10 دولار) أصبح سعر الكيلو الآن 175 شيقل بواقع (55 دولار) وما هو متواجد الآن بكافة أسواق قطاع غزة لا يتجاوز الثلاثة أطنان.

الكوندوم سلاح "مقاومة"

أما على صعيد المتظاهرين والنشطاء الميدانيين، فقد لجأوا إلى ابتكار أفكار أخرى عوضاً عن البالونات، فكان اختيارهم للواقي الذكري (الكوندوم)، ما دفع سلطات الاحتلال الإسرائيلي لاستهداف مطلقي هذه الأنواع من البالونات بصواريخ طائراتها الحربية، بقرار رسمي من المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر "الكابينيت"، فاضطر أبطالها للعمل في الخفاء، وكان أحد ضحايا هذا القرار الشاب العشريني عبد الكريم رضوان، الذي استشهد بعد استهداف مركبته "توكتوك"، حين كشفت الطائرات الإسرائيلية عن وجود عدد من البالونات الحارقة فيها.

وقد أدى زيادة استخدام (الكوندوم) المتزايد ضد إسرائيل إلى إدخال استخدامها ضمن تفاهمات التهدئة بين فلسطينيي غزة وجيش الاحتلال، كان آخرها معركة الفاتح من مايو 2018، وكان سببها المباشر اغتيال فلسطينيين اثنين برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد إطلاق المتظاهرين لأجسام طائرة باتجاه الأراضي المحتلة، واستمرت المعركة قرابة 48 ساعة، استشهد فيها 30 مواطناً من غزة، قبل أن تنجح مصر في رعاية وقف إطلاق النار.

"أدى زيادة استخدام (الكوندوم) المتزايد ضد الجيش الإسرائيلي إلى إدخال استخدامها ضمن تفاهمات التهدئة"

وقال (ع.م) أحد مستخدمي البالونات الحارقة ضد قوات الاحتلال لرصيف22: "إن الواقي الذكري له الأثر الأكبر  عسكريا ضد إسرائيل مقارنة بالبالونات العادية، فإذا كان البالون العادي يصل مداه لكيلومتر أو اثنين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بحيث لا تتجاوز مستوطنات غلاف غزة، فإن الواقي الذكري يصل مداه من 30 إلى 60 كيلومتراً، حتى أنها وصلت إلى مستوطنات الشق الآخر من الوطن والمحيطة بأراضي الضفة الغربية، وما يجعلها تطير هذه المسافات، هو أن الواقي الذكري يتحمل الضغط، إضافة إلى أن وحداتنا تقوم بتعبئتها بـ(الهيليوم)، كونه أخف وزناً، ما يضمن وصولها لمناطق أبعد من المتوقع".

وكانت سلطات الاحتلال الإسرائيلي قد منعت إدخال الواقي الذكري لغزة بالتزامن مع منع إدخالها للبالونات، ولكنها قد تراجعت عنه فيما بعد، بدعوى أنه لا فائدة من حظره، بسبب إدخال 80 طناً من الواقي الذكري عبر مساعدات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، ضمن المساعدات الطبية المقدمة للشعب الفلسطيني، فيما منعت مسبقاً من إدخال "الهيليوم" ما أدى لانقطاعه تماماً من قطاع غزة، وفق تقارير إسرائيلية.

"الزئبق" وزيادة أسعار الحشوة

وبين الحين والآخر، يقوم الاحتلال بمنع إدخال العديد من المستلزمات الطبية، مثل حشوة الأسنان، حيث تم إصدار هذا القرار وتطبيقه في بداية 2018، بحجة احتوائها على مادة "الزئبق" التي تُستعمل في الصناعات العسكرية الفلسطينية في غزة بحيث ادعاءاته.

وبحسب ما بَيَّن محمد سليمان، الذي زار طبيب الأسنان ثلاث مرات خلال عام 2019، بأن الحشوة أصبحت تكلف 130 شيكل (40 دولار) بعدما كانت تكلفتها 60 شيكل (18) دولار، وحين يواجه الطبيب بالسؤال عن سبب ارتفاع سعرها، فإن الإجابة بأنها أصبحت تُكَلفهم أكثر بسبب رسوم التهريب.

وقال المختص في الشؤون الاقتصادية في فلسطين، الدكتور سمير أبو مدللة، في تصريخ خاص لرصيف22 أنَّ أهالي غزة ليس بمقدورهم مواجهة هذه الأسعار في ظل الاقتصاد المتردي في البلاد، وخاصة بعد العجز الاقتصادي لدى الحكومة الفلسطينية التي بسببها قُلّصت رواتب موظفيها إلى أقل من النصف.

وذكر أبو مدللة أنَّ معدلات البطالة بين الشباب بلغت مؤخرا إلى ما يقارب 70%، إضافة إلى ارتفاع معدل الأفراد الذين يقعون تحت خط الفقر إلى 62%، أي أكثر من نصف المواطنين في قطاع غزة يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم، وهو ما يجعل غزة من بين المناطق الأكثر فقرا في الشرق الأوسط.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard