ألغت مكتبة نيويورك العامة يوم 19 أيلول/سبتمبر فعالية كان مقرراً أن تستضيفها يوم 23 أيلول/سبتمبر بتنظيم مشترك من الأمم المتحدة ومؤسسة "مسك الخيرية" التي أسسها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

وأعلنت المكتبة إلغاء الفعالية (منتدى Misk-OSGEY) بعد ضغوط تولاها نشطاء ومنظمات حقوقية على رأسها هيومن رايتس ووتش التي قال مديرها التنفيذي كينيث روث: "لن أساعد ولي العهد في تبييض سجلّه الحقوقي السيئ".

وقالت المكتبة في بيانٍ إنها اتخذت القرار من أجل "سلامة رعاياها"، مشيرةً إلى أنها على العلم بالقلق الحاصل حول الفعالية وأحد منظميها وأنها لا تؤيد الفعاليات التي تستضيفها.

وتتضمن الفعالية التي تنوي السعودية إقامتها في مكان آخر، ورشة عمل تمتد إلى أربع ساعات، من المشاركين فيها مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة للشباب جياثما ويكراماناياكي، وعضو وفد المملكة الدائم في الأمم المتحدة بنيويورك الأميرة ريم بنت منصور آل سعود، والرئيس التنفيذي لشركة "يونيليفر" بول بولمان.

وتهدف الفعالية إلى تقديم سلسلة من الجلسات العملية لمساعدة القادة الشباب على "خلق عالم أفضل للجميع" من خلال مواجهة "تحدي التغيير"، علماً أن أهداف المنتدى تتناقض كلياً مع ما تفعله القيادة السعودية مع أبنائها إذ سجنت وعذّبت البعض منهم، فيما قتلت على الأقل واحداً (جمال خاشقجي) لمطالبته بـ"التغيير" من أجل "عالم (أو واقع) أفضل".

تلميع صورة بن سلمان

في سياق متصل، دعا مدير منظمة "فريدوم فورورد" سانجيف بيري يوم 17 أيلول/سبتمبر إلى إلغاء الفعالية، مشيراً إلى أنها "تُساهم في تلميع سمعة بن سلمان بعد مقتل خاشقجي".

وأضاف: "لا ينبغي لأحد، وخاصةً الأمم المتحدة، مشاركة بن سلمان أو مؤسسته في تنظيم الفعالية"، محملاً بن سلمان مسؤولية موت آلاف الأطفال في اليمن. وتابع: "عصابته سجنت نساء بارزات في مجال حقوق المرأة، وقتلت جمال خاشقجي".

"في ذكرى اغتيال خاشقجي، توقعت أن تحث الأمم المتحدة على المزيد من الإجراءات العقابية ضد السعودية"... فكيف تشارك الأمم المتحدة بن سلمان الآن؟
الأمم المتحدة وبن سلمان ينظمان فعالية مشتركة قبل أيام قليلة من الذكرى الأولى لمقتل جمال خاشقجي، ومتابعون يسألون: "كيف اقتنع المشاركون في الفعالية بأنها فكرة جيدة؟ هل دُفع لهم للمشاركة؟ كم بالتحديد؟"

واستهجن بيري قيام مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة للشباب جياثما ويكراماناياكي بمشاركة بن سلمان، قائلاً إن موظفي الأمم المتحدة "يمنحون بن سلمان منبراً للعلاقات العامة، يمسحون له دماء أطفال اليمن الذين قتلهم".

ووقع أكثر من 700 شخص على عريضة من أجل إلغاء فعالية "الديكتاتور"، ذُكر فيها: "كيف اقتنع المشاركون في الفعالية بأنها فكرة جيدة؟ هل دُفع لهم للمشاركة؟ كم بالتحديد؟".

"مسك" ترتب مكاناً بديلاً

وكان من المفترض استضافة الفعالية في مكتبة نيويورك العامة قبل 10 أيام من إحياء الذكرى الأولى (3 تشرين الأول/أكتوبر) لمقتل خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، وهو ما دفع منسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باللجنة الدولية لحماية الصحافيين شريف منصور إلى القول "في ذكرى اغتيال خاشقجي، توقعت أن تحث الأمم المتحدة على المزيد من الإجراءات العقابية ضد السعودية وكل من شارك في الجريمة".

وأضاف: "يبدو أن لا علم لموظفي الأمم المتحدة بغضب العديد من الناس من مقتل خاشقجي. عقد هذا المنتدى أمر مهين خاصةً أنه يحصل في الوقت الذي يتذكر فيه الناس القتل الوحشي لخاشقجي".

وأعربت مؤسسة مسك عن أسفها للقرار قائلةً: "تظل مؤسسة مسك ملتزمة هذا الحدث وترتب مكاناً بديلاً".

في هذا السياق، تساءل روث ما إذا كان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش سيحث مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة للشباب على الانسحاب من الفعالية قبل أن تجد مؤسسة مسك مكاناً آخر لعقد المنتدى كما كان مقرراً.

ماذا يجري؟

اللافت أن المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالإعدامات العشوائية والقتل خارج نطاق القانون أنييس كالامار كانت قد أصدرت تقريراً في حزيران/يونيو الماضي أكدت فيه وجود "أدلة كافية تربط بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان واغتيال خاشقجي"، مطالبةً بالتحقيق مع بن سلمان في هذه القضية، كما كشف التقرير عن لحظات ما قبل مقتل خاشقجي.

وقالت كالامار استناداً إلى تسجيلات من داخل القنصلية إن أحد الجناة أخبر خاشقجي: "نحن قادمون لإحضارك"، وحين رفض التعاون، شب شجار يمكن سماعه في التسجيلات، كما سُمع لهاث خاشقجي واضحاً. وأضافت أن "تقييم تسجيلات ضباط المخابرات في تركيا ودول أخرى يشير إلى حقن خاشقجي بمهدئ قبل خنقه باستخدام كيس بلاستيكي".

وخلص التقرير إلى أن مقتل خاشقجي كان "متعمداً ومدبراً"، وقالت كالامار إنه "ليس ممكناً أن يتم كل هذا من دون علم ولي العهد"، في حين تشير السعودية إلى وجود "تناقضات واضحة في التقرير وادعاءات لا أساس لها تطعن في صدقيته".

وتعددت روايات السعودية حول مقتل خاشقجي، ومع تصاعد الضغوط الدولية، استقرّت على أنه قُتل بسبب شجار مع أشخاص داخل قنصليتها. ولم يتم العثور على رفاته حتى اللحظة.

وتحاكم الرياض حالياً 11 شخصاً متهمين بالتورط في قتل خاشقجي، في حين ينفي بن سلمان أي دور له في عملية الاغتيال. وفي هذا السياق، طالبت كالامار بتعليق المحاكمة لأنها "تفتقد الصدقية".

فكيف للأمم المتحدة أن تشارك بن سلمان الآن؟