شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
الموت لأجل الملاعب…

الموت لأجل الملاعب… "فتاة الأزرق" فضلت النار على السجون الإيرانية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 10 سبتمبر 201901:46 م

عشقت الشابة الإيرانية "فتاة الأزرق" الكرة المستديرة، شجعت نادي "استقلال" الإيراني ذا اللون الأزرق فحملت اسمه، وماتت من أجله بعد اعتقالها أمام باب الملعب، فأحرقت نفسها قهراً من السجن والظلم في بلد يمنع نساءه من دخول الملاعب. توفيت سحر خدارياي “فتاة الأزرق" في 9 إيلول/ سبتمبر إثر حروق بالغة لن تمحى عن وجه الرياضة في إيران. 

تذهبين إلى شباك التذاكر، تشترين بطاقات دخول لك ولصديقاتك لتشاهدي مباراة فريقك المفضل، ربما يبدو هذا الأمر أشبه بخيار جيد لفتاة حتى تمضي وقتاً ممتعاً في أي مكان من العالم لكنه في إيران حلم ينتهي بإضرام نار في جسد متعب يخشى السجن وجلدات السوط. 

أضرمت الشابة سحر (29 سنة) النار في جسدها أمام إحدى محاكم طهران يوم 1 أيلول/سبتمبر اعتراضاً على حكم بالسجن سُربّ لها ولم يصدر رسمياً بعد، بتهمة محاولة الدخول إلى الملاعب. النيابة العامة في طهران أوضحت رسمياً أن المتهمة التي أحرقت نفسها، اعتقلت في 12 آذار/مارس 2018 خلال مباراة فريقي العين الإماراتي واستقلال الإيراني في ملعب آزادي، والتهمة "ارتداء ملابس غير مناسبة والاشتباك مع رجال الشرطة وتوجيه الإهانات لهم"، وخلال متابعتها ملفها القضائي أقدمت على حرق نفسها أمام المحكمة الأسبوع الماضي. 

النيران التي أضرمتها سحر في جسدها اشتعلت في المجتمع الإيراني وملاعب كرة القدم ومشجعي هذه اللعبة العالمية، مثيرةً السخط على قوانين تمنع السيدات في إيران من الحضور بين صفوف الجماهير لتلافي الاختلاط و "وقوع الخطيئة".

من الملاعب إلى السجون 

حكاية سحر تشبه حكايات الكثيرات في إيران لم يخضعن لقانون عنصري يمنع النساء من الدخول إلى الملاعب، فتحدين المحظورات وطرقن باب الملاعب فألقي القبض عليهن ليواجهن السجن وعقوبات أخرى، لكن الشابة سحر تختلف عن الأخريات بسبب معاناتها من اضطراب ثنائي القطب ازداد سوءاً بعد وضعها في السجن آذار/مارس الماضي. 

فضلت عائلة سحر اختيار اسم "سارا" المستعار لابنتهم قبل موتها خلال حديثهم للإعلام عن حبها لكرة القدم وتشجيعها نادي استقلال المعروف بلونه الأزرق، وعن رغبتها بمشاهدة فريقها المفضل عن قرب، وكيف استعدت لهذا اللقاء الأول وارتدت باروكة شعر زرقاء وملابس رجالية تخفي فيها أنوثتها واتجهت إلى ملعب آزادي للمرة الأولى لتشجيع الفريق. 

أزياء سحر التنكرية لم تمنعها من الوقوع في فخ شرطة تفتيش الملاعب، وبسبب اشتباكها مع عناصر الأمن اقتيدت إلى السجن، فسارعت العائلة لإخراجها منه بكفالة مالية بعد أسبوع. ولكن حالتها كانت قد ساءت وأصبحت أكثر كآبةً وعزلة من السابق. 

تقول أخت سحر إن القاضي لم يراعِ حالتها النفسية على الرغم من تقديم تقارير طبية تؤكد خضوعها للعلاج قبل سنتين لدى طبيب مختص، وحوّل ملفها القضائي في نهاية الأمر إلى محكمة الثورة، وهذا ما يعني مضاعفة العقوبات. 

حسب أفراد العائلة، فإن سحر قصدت المحكمة دون إخبارهم وبسبب غياب القاضي لم تُشكل جلسة النطق بالحكم لكنها علمت من أزقة المحكمة بأنها ستحكم بالسجن 6 أشهر، فساءت حالتها وخرجت مضطربة لتضرم النار بنفسها مفضلةً الاحتراق على الذهاب إلى السجن.

تذهبين إلى شباك التذاكر، تشترين بطاقات دخول لك ولصديقاتك لتشاهدي مباراة فريقك المفضل، ربما يبدو هذا الأمر أشبه بخيار جيد لفتاة حتى تمضي وقتاً ممتعاً في أي مكان من العالم لكنه في إيران حلم ينتهي بإضرام نار في جسد متعب يخشى السجن وجلدات السوط 

نار الغضب تصل للرياضيين 

لم يتوقع لاعبو كرة القدم في إيران خبر موت إحدى مشجعاتهم حرقاً، فانتشر الخبر بينهم سريعاً. أغلبهم يرغبون في دخول زوجاتهم وعائلاتهم إلى الملاعب لتشجيعهم، لكن الخوف من عقوبات اتحاد كرة القدم يمنع الكثيرين من التعبير بحرية عن هذا الموضوع. وما أقدمت عليه سحر أثار استياء الوسط الرياضي بشدة. 

كابتن المنتخب الإيراني السابق ولاعب فريق استقلال مسعود شجاعي قارن منع دخول النساء إلى الملاعب بمنعهن في الماضي من الذهاب إلى المدارس. الكابتن الحالي للمنتخب نفسه فوريا غفوري شبه القانون الساري بالقوانين القديمة المتحجرة التي ينتقدها المجتمع الإيراني اليوم، في حين طالب آخرون بتحرك وزير الرياضة لمساعدة سحر والمطالبة بتغيير القوانين. 

طاف تويتر الإيراني خلال الأيام الماضية بوسم #دختر_آبى الذي يعني فتاة الأزرق، تضامن فيه البعض مع الفتاة التي ضاقت ذرعاً بالقوانين وعاشت ضغوطاً مختلفة بسبب حالتها النفسية، ومع خبر موتها انطلقت المراثي ملأى باليأس والعجز عن تقديم حلول. المغرد الإيراني أمين أنوري قال: "مع موت فتاة الأزرق ماتت كرة القدم الإيرانية". ودعا مغرد آخر باسم كرمانشاه بيست إلى مقاطعة المباريات المقبلة لأن الفتيات في بلادهن لا يتمتعن بأبسط حقوقهن. ونعى نادي استقلال الأزرق مشجعته من دون إدانة القوانين. 

فيما ينتظر الصحافي الإيراني محمد مساعد مع بقية الإيرانيين اليوم الذي يمكن فيه إطلاق اسم "فتاة الأزرق" على أحد ملاعب طهران، ربما بعد أجيال، لكن هذا اليوم سيأتي حسب رأيه، دعا آخرون إلى إنقاذ مجموعة "فتيات الحرية" اللواتي ألقي القبض عليهن  قبل بضعة أسابيع بعد حصول إحداهن، وهي المصورة فروغ علائي على جائزة مؤسسة الصحافة العالمية على ألبومها الخاص"بكاء لأجل الحرية" الذي ترصد فيه محاولات دخول السيدات متنكرات إلى الملاعب من مرحلة التنكر وصولاً إلى أبواب الملعب ثم إلى مقاعد الرجال. 

لم تختر سحر "فتاة الأزرق" أن تضرم النار بجسدها للهروب من السجن بل فضلت أن تضحي بنفسها لكي يصل صوتها وأصوات الإيرانيات اللواتي يرغبن في دخول الملاعب وتحدي القيود العنصرية التي تكبل النساء في كل تفاصيل الحياة  

الإعلام الإيراني الرسمي لم يتفاعل مع موت سحر حرقاً إذ ابتعدت الصحف الرياضية عن الخبر الذي أحيا قضية السماح للنساء بالدخول إلى الملاعب، وهو مطلب جماهيري ودولي بعدما طالبت الفيفا مراراً من طهران السماح للنساء بالدخول إلى ملاعب كرة القدم

تجاهل الإعلام الرسمي

الإعلام الإيراني الرسمي لم يتفاعل مع موت سحر إذ ابتعدت الصحف الرياضية عن الخبر الذي أحيا مجدداً قضية السماح للنساء بالدخول إلى الملاعب، وهو مطلب جماهيري ودولي بعدما طالب اتحاد كرة القدم العالمي الفيفا مراراً من الحكومة الإيرانية السماح للنساء بالدخول إلى ملاعب كرة القدم. لكن  إيران لم تحدد حتى الآن موقفها القاطع من طلب الفيفا بل راحت تماطل إذ وافقت على دخولهن إلى الملاعب في المباريات الدولية فحسب والجلوس في المقاعد المخصصة لهن والتي تفصلهن جدران عالية عن الرجال. 

المعنيون بالرياضة الإيرانية حاولوا مراراً إقناع البرلمان بالسماح للنساء بدخول الملاعب وفق الشروط المتبعة في بقية المرافق العامة في إيران، لكن البرلمان لم يناقش القضية حتى الآن بل ترك لرجال الدين في قم تحديد مصير النساء. 

لم تختر سحر "فتاة الأزرق" أن تضرم النار بجسدها للهروب من السجن بل فضلت أن تضحي بنفسها لكي يصل صوتها وأصوات الإيرانيات اللواتي يرغبن في تحقيق أحلامهن في بلادهن بعيداً عن قيود حاصرتهن في كل تفاصيل الحياة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard