شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
في إدانة ريهام سعيد... السيسي مُدان أيضاً

في إدانة ريهام سعيد... السيسي مُدان أيضاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأحد 25 أغسطس 201905:46 م

في برنامجها "صبايا"، أطلّت المذيعة المصرية ريهام سعيد بعباراتٍ مثيرةٍ للجدل والأعصاب كعادتها: في إطار حملتها لمكافحة السمنة، والتي تطلقها بالتوازي مع حملة الرئيس عبد الفتاح السيسي للاهتمام بصحة المواطنين، قالت ريهام إن السمنة تشوّه المنظر العام، وأصحابها لا يعملون. وقبل أن يتخذ المجلس الأعلى للإعلام والمجلس القومي للمرأة، خطواتهما في إيقاف المذيعة، أعلنت الأخيرة في فيديو نشرته بنفسها، اعتزالها الإعلام والتمثيل، اعتزال مشكوك في استمراره بالتأكيد.

هوس العمل، الإنتاج، ووزن المواطنين

لم يختلف كلام المذيعة كثيراً عما قاله الرئيس السيسي في عددٍ من المؤتمرات الرسمية، ينتقد فيها زيادة الوزن ويربطها بالعمل والإنتاج.

يرّوج السيسي لوزنٍ مثالي، هو نفسه غير ملتزم به، كدلالة على الصحة والقدرة الإنتاجية، ويُشجّع أصحاب القرار في التشديد على أهمية الاهتمام بالوزن. جاء كلام ريهام سعيد كامتدادٍ لمنظور السيسي في علاقة العمل والقدرة الإنتاجية للأفراد بعدد الكيلوغرامات التي تُشكّل أجسامهم/ن.

هذا الهوس بالقدرة الإنتاجية يأتي في صدد مشاريع تنفّذها دولة السيسي، والتي لا تُعطي وعوداً للمواطن العادي الذي طحنته زيادة الأسعار، بفضل زيادة الدين الخارجي والاقتراض المشروط من البنك الدولي، بل تستخدم المواطن كقوّةٍ عاملة، إن لم يكُن في البناء فبالعمل داخل هذه المدن، بأجورٍ على الأرجح أنها لن تبتعد عن الأجور الحالية، وهو أمر تعتمد عليه الدولة المصرية لجذب الاستثمارات الأجنبية، فإلى جانب التسهيلات الضريبية، هناك أيضاً قوة عاملة "رخيصة"، مُتاحة، وقابلة للاستبدال.

يعيش المواطن المصري في دوامة سدِّ احتياجاته اليومية من مأكل ومشرب وتعليم، والاهتمام بالصحّة يأتي مُتأخراً في القائمة، ويؤجل إذا لم يكن عاجلاً

أما الربط بين القدرة الإنتاجية والوزن فهو ليس خطاباً جديداً، ففي الحقبة الرأسمالية المتأخرة التي نعيشها منذ السبعينيات، تزداد خطابات وضع عبء الإنتاج على المواطنين بدلاً من الدولة، خطابات تجعل من النظام الاقتصادي عنصراً خارجياً، معزولاً عن فشله.

فمثلاً، الاتهام بالكسل والتخاذل في تطوير قدرات العمل لدى الأفراد بمعزل عن الدولة، من أشهر الخطابات التي تستخدمها النظم الاقتصادية في سد فجوة متطلبات سوق العمل والمؤهلات الفعلية للفرد، عشرات الآلاف من المصريين/ات، يعملون في وظائف غير مرتبطة بمؤهلاتهم/ن العلمية والمهنية التي لا يحصلون عليها بسبب خصخصة التعليم، الأسهل هو رمي عبء هذه الفجوة على أكتاف المواطنين/ات، والتشدّق بخطاب أنهم كُسالى. يُعطي الوزن هنا مبرراً مرئياً للاتهام بالكسل والخمول، مُبرّرٌ سهلٌ لأنه "مرئي"، ولا يُتعب من يستخدمه في إيجاد مبرّر لاتهامه أشخاصاً غيره بالكسل والتشكيك في قدرتهم الإنتاجية.

 الربط بين القدرة الإنتاجية والوزن فهو ليس خطاباً جديداً، ففي الحقبة الرأسمالية المتأخرة التي نعيشها منذ السبعينيات، تزداد خطابات وضع عبء الإنتاج على المواطنين بدلاً من الدولة، خطابات تجعل من النظام الاقتصادي عنصراً خارجياً، معزولاً عن فشله

الحديث عن الوزن والصحة في هذه الأجواء، جرأة يُحسد عليها النظام الذي يُذكّرنا بعد كل هذه المطحنة، أننا لا نزال نمتلك هذه الكيلوغرامات من أجسامنا، جرأة تشبه الاهتمام بإكسسوارات الديكور، بينما تغرق الشقة في مياه صرف صحي

الاهتمام بالوزن رفاهية بالنسبة للمصريين

بالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية الحالية لملايين المصريين/ات، فإن الاهتمام بالوزن لا يشغل بال الكثيرين/ات. فبسبب زيادة الأسعار الجنونية، ورفع الدعم، وتعويم الجنيه، وثبات الأجور، فإن أي حديثٍ عن الاهتمام بالوزن لن يلقى رواجاً، فالمواطن المصري في دوامةٍ أخرى، دوامة سدِّ احتياجاته اليومية من مأكل ومشرب وتعليم، والاهتمام بالصحّة يأتي مُتأخراً في القائمة، ويؤجل إذا لم يكن عاجلاً.

أما الطعام، فإن لم يكُن متشبّعاً بالهرمونات والأسمدة الكيماوية، فهو يفتقر إلى عناصر غذائية هامة. يكفي أن نقول إن ثلثي الطبق الرئيسي لأغلب العائلات المصرية أو نصفه على الأقل يتكوّن من النشويات، ثم الدهون، ثم الخضراوات، ثم البروتين. حتى الدعم الغذائي الذي تقدّمه الدولة –للأسر فقط- والمعروف بالتموين، لا يحتوي أي بروتينات، فأغلبه سمن، زيت، سكر، شاي، بالإضافة طبعاً لأكياس الأرز والمعكرونة والفول والعدس، أما الدجاج واللحوم والأسماك، فهي مسؤولية المواطنين، ناهيك عن الفاكهة والخضار التي يزداد سعرها في كل مرة يزداد فيها سعر البنزين.

إن كانت هذه القائمة هي ما يحصل عليه المواطن العادي من الدولة، فكيف يمكن لنفس الدولة الكلام عن الصحة والوزن؟ إن كنت مواطنة بالكاد أجد قوت يومي في طبق أرز وعدس، أو في سندوتش فول، فما الذي يمكنني فعله ليكون وزني "على مزاج الدولة"؟

حتى ممارسة الرياضة غير متاحة، الشوارع لا تصلح للمشي بالأخص لو كنت امرأة، ولا يوجد متسع من الوقت للتفكير في حرق سعرات حرارية، في حين أني أفكّر في قسط جمعية، حذاء سليم، دروس خصوصية، إيجار، مواصلات، ومدخرات معدومة القيمة للطوارئ. الحديث عن الوزن والصحة في هذه الأجواء، جرأة يُحسد عليها النظام الذي يُذكّرنا بعد كل هذه المطحنة، أننا لا نزال نمتلك هذه الكيلوغرامات من أجسامنا، جرأة تشبه الاهتمام بإكسسوارات الديكور، بينما تغرق الشقة في مياه صرف صحي.

أما عن المتطوعين لدعم الدولة في خطابها الفج عن الوزن والإنتاجية، فالدولة قدّمت لهم درساً لا تهاون فيه: لدينا اليوم ريهام سعيد، لعلها تكون عبرة في أن النظام يرغب بمن يدعمه، شرط ألا يكون غبياً.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard