شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"أنا أروى يا مريم"... حكاية حب مثلية في أثناء ثورة مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 20 أغسطس 201904:09 م

"كانت أياماً عادية..." بهذه العبارة تفتتح "أريج جمال" روايتها الأولى "أنا أروى يا مريم"، وبها تنهيها، وما بين العبارتين ستنفتح أمامنا أيامٌ طويلة تسرد فيها كلٌّ من بطلتي الرواية، نتفاً متفرّقة من حياتها التي لم تكن عادية.

تجري أحداث الرواية أثناء ثورة يناير في مصر، وبينما المتظاهرون ينادون بإسقاط النظام تلتقي "أروى" بـ"مريم"، في محطة المترو، ومباشرة تشتعل شرارة الحب والرغبة.

"كنتِ على رصيف المحطة. رابطة شعرك ذيل حصان معووج تتأملين في الأفق وتبتسمين لنفسك. لا تعرفين أنك تبتسمين لنفسك ولا حد قاعد قربك يوصف لك ملامحك (...) لما وصلت لي عيناكِ، بقيت عندي للحظة من غير خوف. لاعبتني بشقاوة قمت أنا خفت وتوَلّد من خوفي ابتسامة لم تستأذن قبل ما تطلع على وجهي. كان فيك شيء يلمع ولا يعرف ملمس نفسه. خلّى جهلكِ به لمعانه مضاعفاً، وأنا اشتعلت من الجهل ومن الشقاوة".

وعلى الرغم من أن كل الأحداث تجري أثناء الثورة، إلا أن الكاتبة تفسح المجال أمام بطلتيها لتقصّ كل منهما حكايات ماضيها وعائلتها أمام الأخرى أو لها. هكذا تروي "مريم" حياتها التي بدأت – كما تقول هي – قبل أن تولد، منذ أول لحظةٍ في رحم أمها، وفيه حملت أول آثامها: أنها بنت، والأب يريد ابناً ذكراً، ومن تلك اللحظة ستحمل أعباء كونها أنثى في مجتمعٍ يرى في الذكر المراد والمشتهى.

وستروي مريم لنا ولأروى عن طفولتها، التي عاشتها في السعودية بسبب عمل والديها هناك، وعن تعلّقها بحكايات أمها، تلك الحكايات التي لم تكن دوماً خيالية، بل كانت أحياناً عن حياة الأم قبل زواجها، وستروي عن التسجيلات التي كانت ترسلها الجدة للأب، وفيها تلحّ على ضرورة أن يحظى بذرية من الذكور، حتى لو اضطرَّ للزواج ثانية وثالثة ورابعة.

عرفت الطفلة إذن، منذ وقت مبكر، ما الذي يعنيه أن تكون بنتاً، ورأت الحزن والانكسار الذين رافقا إجهاض والدتها في حملها الثاني، الذي كان من المفترض أن يكون صبياً يحمل اسم "علي" ويحافظ على استمرار العائلة. كما وعت للعلاقة بين أمها و"عبد الله" لكنها، وهي الطفلة، لم تستطع فهم كل أبعاد هذه العلاقة، لكنها استطاعت الصراخ: "أنا بكرهه عبد الله ده معادش يعلمني تاني وإلا والله أموّت نفسي زي ما عمل علي".

في أثناء ثورة مصر، وبينما المتظاهرون ينادون بإسقاط النظام تلتقي "أروى" بـ"مريم"، في محطة المترو، ومباشرة تشتعل بينهما شرارة الحب والرغبة

 تتبع رواية "أنا أروى يا مريم" حكايات خمس نساء كل منهن تعيش مأساتها الخاصة، وفي أثناء سردها لهذه الحكايات تنشأ علاقة حبّ بين فتاتين، ومن خيبات وأحلام تعيشان أياماً غير عادية

بعد وفاة والديها في حادث تعود إلى مصر لتعيش مع جدتها "أم كلثوم"، وهكذا تنفتح أمامنا حكاية أخرى هي حكاية الجدة، التي لها قصة ومأساة أيضاً.

"خرجنا ورأيت السماء، فقلت هنا يجب أن أموت وأدفن، هذا هو العالم الجديد يا أروى، لم يكن فيه ما يذكّرني بالقديم. الآن أقول ساعدني على النسيان، سوى الكوابيس وأشباحها أيام، سوى المرض وساعات منازعة الروح أيام، نسيتها فعلاً، هذا كل ما أتذكره منهما يا أروى، كل ما أتذكره عن نفسي، فهل تعرفين يا روحي، من أنا الآن؟".

تمزج "أريج جمال" في روايتها بين لغتين، الفصحى الشعرية التي تحكي بها "مريم" والعامية القريبة من الفصحى التي تحكي بها "أروى" لحبيبتها أحداث حياتها، وحياة أمها "سارة" التي أحبت "ميشيل"، ولكن اختلاف الدين ورغبة ضابط بالزواج منها، خرّبا هذا الحب.

تروي لها عن سفرها إلى ميونيخ وعن "نويمي" الفتاة الفرنسية التي أغرمت بها، وعن آلة الأوبوا التي عشقت العزف عليها، وعن ردّها حين طلب والدها رؤيتها وهو يحتضر: "طلبت منهم أن يبلغوه باختصار: أروى أصبحت عازفة أوبوا في الميادين وصار لها خليلات"، وكأنها بجملتها هذه تعلن الثورة على كل شيء، ثورة تشبه تلك التي عادت إلى مصر لتعيشها في الشارع.

في هذه الرواية "أنا أروى يا مريم" تتبّع "أريج جمال" حكايات خمس نساء كل منهن تعيش مأساتها الخاصة، وفي أثناء سردها لهذه الحكايات تنشأ علاقة حب جميلة بين فتاتين من خيبات وأحلام، تعيشان أياماً غير عادية.

"الآن أعلم أنني انجذبت إليك انجذاب الشبيه إلى الشبيه. لم يكن لي أن أوقف بكاءً لم أبدأه، لكنني بكيت معك ببساطة لأن البكاء كان كل ما بإمكاننا فعله وسوف يبقى على الدوام. ألف صورة تحفظها عيني لك في دورانها الواحد حول نفسها، رأيت لحظتنا غدنا مستقبلنا حين سنفترق، رأيت كيف سأموت من اللوعة وقد سرت بخفّةٍ على الشرارة كي أعتذر".

أريج جمال كاتبة مصرية، درست الصحافة والإعلام في جامعة القاهرة، والنقد الفني والأدبي في أكاديمية الفنون. صدر لها في القصة القصيرة: "مائدة واحدة للمحبة"، "كنائس لا تسقط في الحرب". وهذه هي روايتها الأولى التي صدرت ضمن "برنامج آفاق لكتابة الرواية" بإشراف الروائي اللبناني جبور الدويهي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard