شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
صاحب

صاحب "لا أحد ينام في الإسكندرية" و"ليلة العشق والدم" يخبرنا عن كتبه وشخصياته المفضلة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 16 أغسطس 201906:43 م

تندرج المادة ضمن "كتبي وكتّابي وكاتباتي" زاوية نلتقي فيها كلّ أسبوع مع روائي/ة أو مترجم/ة ليجيب عن أسئلةٍ ثابتة نتعرّف من خلالها أكثر على رواياته المفضّلة والكتّاب الذين أثّروا فيه، وعن علاقته هو مع نتاجه الأدبي.

في هذا الأسبوع نلتقي مع الروائي المصري "إبراهيم عبد المجيد" صاحب "لا أحد ينام في الإسكندرية" و"ليلة العشق والدم"

1. إذا قُيض لك أن تقضي أمسية برفقة روائي من الزمن الحالي أو من الزمن الماضي، من تختار؟ ولماذا؟

أختار من الزمن الماضي الكاتب الروسي دوستويفسكي، لأني أمضيت معه ليالي شتاء فريدة وأنا أقرأ رواياته في سن الشباب المبكر. ما بين رعب وخوف وتوجس وجنون وامتلاك العالم، ونفوس تنحاز إليها وأنت ترى العالم قد صار خالياً إلا منك ومنها. أما من الزمن الحاضر فهو نجيب محفوظ، لتملأ ضحكته الفضاء حولي ويذكّرني أن الكاتب أكبر مما هو حوله، فلا يجب أن يقف عند صغائر الأمور.

2. إذا افترضنا أنه يحق لك توجيه سؤال وحيد لروائي تحبه، من هو الكاتب؟ وما هو السؤال؟

سيكون السؤال للكاتب الإيطالي "دينو بوتزاتي". وسيكون السؤال أني في سن السادسة عشر قرأت مقالاً لكاتبٍ عظيم هو الدكتور حسين فوزي عن روايتك "صحراء التتار" التي قرأها هو بالإيطالية، وفي سن الحادية والعشرين وجدت روايتك أمامي في محطة الرمل بالإسكندرية مترجمةً إلى العربية، وكنا خارجين من هزيمة 1967 التي أسموها نكسة، ومن يومها صرت مثل بطل روايتك، إذ أنفقت عمري في انتظار عدوٍ كبير أخافونا منه ولا يأت،ي بينما يتكاثر الأعداء الصغار ويتجددون حولنا كل يوم. لكن أين هو دينو بوتزاتي؟ لقد مات منذ خمسين سنة ولم يأتِ التتار.

3. ما هي الروايات التي تعتبر أنك لولا قراءتها لما كانت صنعتك الروائية ما هي عليه اليوم؟

روايات كثيرة على رأسها "خان الخليلي" و"زقاق المدق" وثلاثية نجيب محفوظ، ورواية "السقامات" ليوسف السباعي من مصر، ومن الخارج رواية "القضية" لكافكا، ورواية "الغريب" لألبير كامي، و"صحراء التتار" لدينو بوتزاتي، وكل روايات دوستويفسكي وقصصه، والملاحم اليونانية مثل "الإلياذة" و"الأوديسا"، وأضف إليها الأفلام السينمائية المأخوذة عن روايات شهيرة، إذ تعلمت منها الإيجاز بالصورة، وكل ذلك كان من حصيلة القراءات في سن مبكر.

4. إذا سُمح لك أن تختار شخصية روائية واحدة لتقضي برفقتها يوماً كاملاً في مدينتك، من تكون هذه الشخصية؟ ولماذا اخترتها؟ وإلى أين ستصطحبها؟

لم أنتظر سؤالك. فما أكثر ما كتبت عن اشتياقي لأبطال رواياتي وبحثي عنهم في الطرقات بينما هم شخصيات من وهم، وكتبت عام 2011 قصتين قصيرتين عن ذلك. أخيراً استحضرت منهم "سعيد صابر" رفيق "صابر سعيد" في رواية "هنا القاهرة"، ورفيقي في الحياة قبل الرواية فقد أحببته جداً واصطحبته إلى زماننا في القاهرة والإسكندرية والعالم العربي المليء بالحروب. استحضره الروائي الذي حمل اسماً غير اسمي كالعادة، وتركه ليكتب هو رواية عوضاً عنه.

هو الذي صار يائساً مما حوله فكتب سعيد صابر رواية "السايكلوب" وهي مزيج من شخصيات أحضرها له المؤلف الأصلي من روايات سابقة، دون أن يكشف له عن عناوينها، وشخصيات قابلها سعيد صابر في الحياة المعاصرة. ويكتشف سعيد صابر في النهاية أنه لا يمسك كل الخيوط، فالكاتب الأصلي واسمه هنا "سامح عبد الخالق" هو الذي يمسك بكل الخيوط، فيترك سعيد صابر هذا الزمن بعد أن تساوى الوهم والحقيقة في العبث، فيعود إلى صفحات الرواية القديمة وزمانها راثياً حال صديقه ومؤلفه الأصلي -الذي هو حالي طبعاً- مشفقاً عليه من عالم لا يطاق ينتظره سايكلوب متوحش في مكان ما، أو في كل مكان.

5. من الروائيين العرب، من هو الروائي الذي يعجبك وتظن أنه لم يقرأ بالشكل الكافي من قبل القراء العرب؟ وبأي رواية له تنصحهم؟

لا أستطيع أن أجيب لأن الروائي نفسه قد يشعر بالضيق إذا قلت إنه لم يُقرأ بشكل كافي. وعموماً فمن الطبيعي ألا يقرأ القرّاء كل الكتّاب وكل أعمالهم، فالقرّاء أنواع. نوع يحب التسلية ونوع يحب الأعمال الجادة، وعادةً، مهما تم تجاوز كاتب سيأتي الزمن الذي يتم فيه اكتشافه والإقبال عليه ما دام موهوباً.

6. قسم كبير من الروائيين يقولون إنهم في طفولتهم أو يفاعتهم حين اكتشفوا رغبتهم في الكتابة، حاولوا تقليد رواية ما. هل حصل الأمر نفسه معك؟ وما هي الرواية التي حاولت تقليدها؟

طبعاً حدث معي وفي سن الخامسة عشر صرت مجنوناً بتقليد روايات قرأتها، ومنها رواية "شمس الخريف" لمحمد عبد الحليم عبد الله، ورواية "أنا الشعب" لمحمد فريد أبو حديد، ومن المدهش أني وأنا أكتب رواية مثلها جعلت فيها فلاح يثور على الظلم فيسجن بعد أن قبض عليه فيتحوّل في السجن إلى صرصار ولا يجدونه، ولم أكن قرات شيئاً لكافكا الذي يتحوّل البطل في إحدى قصصه إلى صرصار، لكنه الخيال انفجر مبكراً.

كذلك قمت بتقليد رواية "سلوى في مهب الريح" لمحمود تيمور، بعد أن شاهدت الفيلم التي قامت بتمثيله زبيدة ثروت. من الذي لا يحب زبيدة ثروت؟ وقمت بتقليد مجموعة قصص "بين أبي الريش وجنينة ناميش" ليوسف السباعي، وكل ذلك ضاع مني مع الزمن وتوقفت عنه بعد أن عرفت أن للأدب تاريخاً من الكتابة والمذاهب الأدبية، فصرت أقرؤها وأخّرت التأليف أكثر من عامين، ثم عدت إليه مستقلاً عن غيري، أو هكذا كان إحساسي.

الروائي إبراهيم عبد المجيد للكاتب الإيطالي "دينو بوتزاتي": حين قرأت روايتك "صحراء التتار" بعد عام 1967، أنفقت عمري في انتظار عدو كبير أخافونا منه ولم يأت، بينما تكاثر حولنا الأعداء الصغار. لقد مضى على موتك خمسين عاماً ولم يأت التتار"

الروائي إبراهيم عبد المجيد لرصيف 22: "تعاطيت الترامادول لأنسى شخصية "مختار كحيل" من روايتي "في كل أسبوع يوم جمعة"

7. حين تنهي روايتك فإنك بشكل ما تضع حداً لعلاقتك مع شخصيات الرواية، لتستطيع التفكير بشخصيات رواية أخرى. هل حصل معك أن طيف شخصية لاحقك بعد انتهاء الرواية، ولم تستطع التخلص منه بسهولة. من هي هذه الشخصية ومن أي رواية؟

حدث معي كثيراً وقلت لك إني كتبت قصتين قصيرتين منذ سنوات لأتخلص من ذلك، ثم رواية "السايكلوب" الأخيرة، لكن أكثر شخصية جعلتني أتعاطى الترامادول لأنساها كانت شخصية "مختار كحيل" في رواية "في كل أسبوع يوم جمعة" التي نشرت عام 2009. أسكنته في الرواية بجوار مقهى التكعيبة، وصرت كلّما مررت من هناك أكاد أصعد العمارة وأطرق بابه ثم أكتشف أنه غير موجود، وتقف أمامي عبارته أن هذا الواقع الذي نعيشه وهم، والعالم الحقيقي هو ما رسمه الفنانون جويا وبيكاسو وسلفادور دالي وموديلياني وغيرهم.

تعبت جداً حتى تخلصت منه برواية جديدة، وأذكر أن آخر حبة ترامادول أعطيتها لسائق تاكسي فرح بها جداً لأنها مستوردة! ورغم ما كتبت، لا زالت حتى الآن تطاردني شخصية صفاء الثانية ورغم ظهورها في رواية "السايكلوب" لم تختفِ من أمامي، ورغم مرور أكثر من أربعين عاماً على زمانها في الرواية الأولى لم تختفِ صورتها شابة. لا زلت أراها تضحك فتضع يدها على فمها خجلاً، ولا زلت أرى شعرها الأسود الناعم منسدلاً على ظهرها، ولا زلت أرى لفتتها وهي تعبر الكوبري القديم في باب اللوق متجهةً إلى محطة المترو زمان ذاهبة إلى بيتها في المعادي، تلقي النظرة الأخيرة على حبيبها الواقف أمام مقهى الحميدية بعد أن ودعها. ولا أستطيع أن أكتب عنها رواية جديدة لأتخلص منها، فصناعة رواية عن شخصيات أحببتها لا تكون إلا مرة واحدة، لو تكررت قد تكون مملة.

8. من رواياتك، ما هي الرواية التي تعتقد أنها الأكثر طموحاً على صعيد البناء؟ لماذا؟

لا أستطيع أن أحدّد. أنا أحاول في كل رواية أن أقدّم بناءً مغايراً للسائد. ولقد شرحت ذلك باستفاضة في كتابي "ما وراء الكتابة - تجربتي في الإبداع". سأعطيك أمثلة سريعة: في رواية "بيت الياسمين" كل فصل يبدأ بمشهد تراجيدي لا يزيد عن عشرة أسطر بينما الرواية كلها ساخرة، وتركت النقاد يبحثون عن العلاقة. في "ليلة العشق والدم" وهي نوفيلا لا تزيد عن سبعين صفحة، كلها عبارة عن جملةٍ واحدة، يتنقل فيها ثلاث شخصيات هم أبطال الرواية دون فواصل واللغة كلها سينمائية.

في "طيور العنبر" بذلت مجهوداً كبيراً في البناء لتعدد الشخصيات، حتى لا تفلت منك شخصية وأنت تقرأ. الأمر نفسه في رواية "في كل أسبوع يوم جمعة" التي كانت شخصياتها الرئيسة أكثر. في رواية "آداجيو" حملت اللغة طعم المقطوعات الموسيقية، فالبطلة عازفة بيانو عالمية. في النهاية وصلت إلى درجة من اللعب الفني. يظهر ذلك بوضوح في روايتي الأخيرة "السايكلوب". صرت صانع أشكال روائية بعد أن درست وقرأت وفهمت واستوعبت تاريخ الأدب وكيف يمكن أن أتجاوزه، أو هكذا أشعر من زمان وأتطور في شعوري. صار الواقع والخيال نسيجاً واحداً لا تكلّف فيه ولا تأثر بأحد.

9. لجملة البداية في الرواية أثر ساحر. ما هي البداية التي تبادرت إلى ذهنك مباشرة الآن، ومن أي رواية ولمن؟

"اليوم ماتت أمي. ربما أمس. لا أعرف" مفتتح رواية الغريب لألبير كامي. لقد هزمتني الوجودية مبكراً حتى حين كنت في شبابي ماركسياً.

10- ما هي آخر رواية قرأتها وأعجبتك وتحب أن تقترحها لقراء رصيف22؟

روية "وادي الدوم" لعلاء فرغلي من مصر، وهي رواية طموحة بمكانها وزمانها الممتد ولغتها بنت المكان والأساطير.

إبراهيم عبد المجيد روائي مصري من مواليد الإسكندرية 1946. درس الفلسفة، وتولى الكثير من المناصب الثقافية في مصر. ترجمت رواياته إلى عددٍ من اللغات، منها الإنكليزية والفرنسية والألمانية وغيرها. حاز على جائزة "نجيب محفوظ" عام 1996 عن روايته "البلدة الأخرى"، وجائزة معرض القاهرة لأفضل رواية في العام نفسه عن روايته "لا أحد ينام في الإسكندرية"، كما حاز على جائزة الدولة للتفوق في الآداب عام 2004، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2007.

وصلت روايتاه "عتبات البهجة" و"الإسكندرية في غيمة" إلى القوائم الطويلة لجائزة البوكر العربية، وفازت روايته "أداجيو" بجائزة كتارا للرواية المنشورة في دورتها الأولى 2015.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard