شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
تنكروا بأزياء وأسماء إسلامية... قصص رحالة أوروبيين أدوا مناسك الحج لأهداف استخبارية

تنكروا بأزياء وأسماء إسلامية... قصص رحالة أوروبيين أدوا مناسك الحج لأهداف استخبارية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 4 أغسطس 201909:05 ص
Read in English:

Stories of Espionage: Europeans Performing Hajj Disguised as Muslims

تحت مسمى الحاج يونس المصري أو يونس المملوك المصري، قدّم الرحالة الإيطالي لودوفيكو دي فارتيما نفسه إلى سكان الحجاز، بعد أن وصلها عبر قافلة حج دمشقية استطاع مرافقتها والعمل كحارس مملوكي ضمن حراسها، بالرشوة.

وتُعَدّ رحلة فارتيما (1503–1509) واحدة من رحلات عدة قام بها مستشرقون ورحالة غربيون للأراضي المقدسة الإسلامية لأهداف استخبارية وتجسسية، فقدموا وصفاً لها من جميع النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

فارتيما... رحلة بتمويل من ملك البرتغال

أتت رحلة فارتيما في إطار جهود البرتغاليين لاكتشاف الطرق المؤدية إلى ثروات الشرق، ولمحاصرة العالم الإسلامي، استمراراً لما كانوا يسمونه بـ"حرب الاسترداد"، وهي الحرب التي امتدت بين سنتي 718 و1492 وشهدت سقوط مملكة غرناطة الإسلامية، حسبما ذكر عبد الرحمن عبد الله الشيخ في مقدمة ترجمته للنسخة الإنكليزية من كتاب "رحلات فارتيما (الحاج يونس المصري)" والتي أنجزها جون وينتر جونز وصدرت في نيويورك عام 1863.

تزامنت هذه الرحلة التي موّلها ملك البرتغال مانويل الأول تقريباً مع رحلات فاسكو دي غاما، الأولى التي وصل فيها إلى كلكوتا في الهند بعد الدوران حول إفريقيا سنة 1498، والثانية التي قام بها عام 1502.

وبينما كان فارتيما يبحر من البندقية قاصداً مصر فالشام فالحجاز فاليمن فالخليج ففارس، كانت الأساطيل البرتغالية تقيم محطات تجارية على السواحل الهندية وتقصف مدنها.

ويشير الشيخ إلى أنه "إذا كانت مهمة دي غاما قد انتهت باكتشاف الطريق البحري إلى الهند، فإن مهمة فارتيما كانت أكثر تعقيداً، إذ كان مكلفاً بوصف عادات الشعوب التي يمر بها في طريقه إلى الهند، وفي الهند نفسها (فقد وصل فارتيما إلى الهند في ترحاله وكتب عنها) وكتابة تقارير عن جيوشها خاصة في ما يتعلق بالمدافع، وحصر منتجاتها الزراعية والصناعية، خاصة ذات القيمة التجارية العالمية، وباختصار كانت مهمته التجسس الشامل على كل الشعوب والجماعات التي مر بها خاصة الإسلامية منها".

على كل حال، وصل فارتيما إلى مكة في مايو 1503 ووصف مبانيها وأجواءها وطقوس المسلمين، وشبّه المسجد الحرام بالكوليسيوم (مدرج روماني عملاق) في روما، وتطرق إلى ماء زمزم وقال إن المسلمين يتطهرون به من ذنوبهم.

ليبليش... "عميل" نابليون

على نفس النهج سار الرحالة الإسباني دومينغو باديا ليبليش، والذي قام برحلته إلى الشرق وبلاد الحجاز مع ازدياد المطامع الفرنسية في الشرق في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر.

وبحسب سمير عطا الله في كتابه "قافلة الحبر/ الرحالة الغربيون إلى الجزيرة العربية والخليج (1762–1950)"، كان ليبيش عميلاً سرياً أوفده نابليون بونابرت في مهمة طويلة ومعقدة بدأت عام 1803 في طنجة التي وصلها مدعياً أنه الأمير علي بك العباسي، وأنه في الطريق إلى الإسكندرية ومنها إلى مكة.

سافر "علي باي" إلى المغرب، وأظهر مظاهر الثراء والوجاهة، وأمضى هناك عامين، ثم غادره في موكب بالغ الفخامة لأداء مناسك الحج.

وفي القاهرة، التقى بمحمد علي باشا الذي يبدو أنه أدرك أنه لا علاقة له إطلاقاً بالعباسيين، لكنه سمح له بالمضي في طريقه، لأن من شأن ذلك أن يساعد في إذكاء تنافس الدول الكبرى والعدوات بينها، وهو أمر يصب في مصلحة تحقيقه أهدافه في بناء دولته الحديثة، روى عطا الله.

وفي 15 ديسمبر 1806، غادر "العباسي" إلى مكة، وقبل وصوله إليها كان محمد علي قد أوفد رسولاً ليبلغ شريفها يحيى بن سرور بأمر هذا الرجل الغامض، فاستدعاه الشريف عندما وصل وسأله من أين أتى، فقال: من حلب، واستجوبه حول حروب أوروبا ونوايا فرنسا في الجزيرة العربية، وأخيراً امتدح لغته العربية وقرر أن يقدم له مرافقاً خاصاً.

وبعد أربعة أيام، غادر "علي بك" إلى جدة ومنها إلى ينبع حيث طرده المسؤولون في المدينة بعد اكتشاف أمره، فعاد إلى القاهرة، ومنها إلى أوروبا حيث بقي في خدمة نابليون حتى وفاته.

وعام 1818، حاول العودة من جديد، لكنه لم يصل إلى أبعد من أبواب دمشق بقليل، ومات بمرض الإسهال كما يقول البريطانيون، وبالتسمم كما يقول الفرنسيون، وكان موته آخر لغز في حياة هذا الرجل شديد الغموض، بحسب عطا الله.

سيتزن... التجسس لحساب قيصر روسيا

في الوقت الذي غادر علي بك العباسي القاهرة إلى الحجاز، في ديسمبر 1806، كان عميل دولة أخرى يحاول الانطلاق من العاصمة المصرية إلى الحجاز لهدف مشابه، لكن هذه المرة لصالح الروس رغم أنه ألماني.

كان هذا الرجل هو أولريك ياسبر سيتزن، وكان في التاسعة والثلاثين من عمره، وكان قد درس الطب وعلم النبات والهندسة المدنية وهندسة المناجم، بالإضافة إلى اللغة العربية.

وبحسب عطا الله، "أطلق سيتزن على نفسه لقب مستشرق، لكن مهمته الحقيقية كانت إرسال التقارير إلى القيصر ألكسندر الأول عن الوضع العسكري في آسيا الوسطى التي وقفت في وجه التوسع الروسي نحو الهند".

عام 1806، التقى شريف مكة "الأمير علي بك العباسي" وامتدح لغته العربية... علي بك هذا لم يكن سوى الرحالة الإسباني دومينغو باديا ليبليش، الذي كان عميلاً سرياً أوفده نابليون بونابرت في مهمة ومعقدة
تحت اسم الحاج يونس المصري، قدّم الرحالة الإيطالي لودوفيكو دي فارتيما نفسه إلى سكان الحجاز، بعد أن وصلها عبر قافلة حج دمشقية... هذه واحدة من رحلات قام بها رحالة غربيون لأهداف استخبارية وتجسسية

ومن أجل أن يعطي سيتزن رحلته المصداقية المطلوبة سافر إلى مكة لأداء فريضة الحج، فجاء إلى القاهرة قادماً من دمشق وحلب متنكراً بزي متسول، واختفى بين الناس كمتسول حقيقي لمدة ثلاث سنوات، ثم عاد وظهر تحت اسم "موسى" الطبيب.

ومن القاهرة سافر في قافلة إلى السويس ومنها استقل سفينة إلى ينبع، لكنه مُنع من الدخول فأبحر إلى جدة واستطاع التسلل إلى مكة، ثم إلى المدينة المنورة (1809)، وهناك اعتُقل ومثل أمام المسؤولين فادّعى أنه اعتنق الإسلام قبل فترة قصيرة، ومع ذلك طُرد، فعاد إلى مكة وأخذ يضع الخرائط لشوارعها ويجمع المعلومات عن التيارات الفكرية في المجامع الإسلامية، روى عطا الله.

وفي مارس 1810، غادر سيتزن إلى اليمن ومكث فيها حتى سبتمبر 1811، عندما عُثر على جثته قرب مدينة تعز، ومن المحتمل أن يكون قد سُمم بعد أن كشفت حقيقة شخصيته، بحسب عطا الله.

بوركهارت... استكشاف المناطق المجهولة للإنكليز

في تلك الفترة أيضاً، قام الرحالة السويسري يوهان لودفيغ بوركهارت برحلة لصالح الجمعية الإفريقية التي تأسست في لندن عام 1788 لاستكشاف المناطق النائية والمجهولة والمرشحة للهيمنة الاستعمارية البريطانية.

يروي تيسير خلف، في كتابه "استكشاف الجولان 1805–1880/ مغامرون وجواسيس وقساوسة"، أن الخطة كانت تقوم على أن يسافر بوكهارت أولاً إلى سوريا لدراسة اللغة العربية فيها، ثم يتوجه إلى الجزيرة العربية ومصر، ثم ينطلق نحو تيمبوكتو في مالي، والتي حالت وفاته دون الوصول إليها.

استعد الرحالة السويسري للمهمة جيداً، فتعلم العربية في كامبردج ثم اتبع دورة مكثفة اطلع فيها على مبادئ علم المعادن والكيمياء والفلك والطب والجراحة، كما أخذ يتدرب على تحمل المشاق التي سيقابلها في رحلاته.

وفي مارس 1809، غادر إنكلترا متجهاً إلى جزيرة مالطة، حيث مكث زهاء سبعة أسابيع ليتعلم ما تيسر له من العربية، وليجيد التنكر كتاجر مسلم هندي يريد زيارة سوريا.

وبحسب خلف، "وصل بوركهارت إلى حلب واتخذ لنفسه اسم الشيخ إبراهيم بن عبد الله، التاجر المسلم، والرحالة الهندي الذي يحمل رسائل توصية من شركة الهند الشرقية للقنصل البريطاني في حلب، وعكف على دراسة اللغة العربية حتى أتقنها، ودرس القرآن حتى صار يشرح للبعض ما عسر عليهم من آيات الذكر الحكيم".

وفي يونيو، توجه إلى مصر ووصلها في سبتمبر 1812، وطلب من محمد علي باشا أن يسمح له بالحج، وكان الباشا يعرف صلته بالإنكليز ويعرف اسمه، فأحضر عالمين امتحناه وأقرا بصحة إسلامه.

وفي 18 سبتمبر 1814 توجه إلى مكة، ومكث فيها حتى يناير 1815، وأدى مناسك الحج والوقفة في عرفات كأي حاج مسلم ثم اتجه إلى المدينة وخرج بمشاهدات بلغت 350 صفحة كان يرسلها إلى الجمعية، ونشرت في كتابي "رحلات في بلاد العرب"، و"ملاحظات حول البدو والوهابيين".

بورتون... استكشاف المنطقة الغامضة

لأهداف استخبارية أيضاً، قام ريشتارد فرانسيس بورتون بزيارة منطقة الحجاز وأداء مناسك الحج. بحسب عطا الله، كان بروتون ضابطاً برتبة ملازم ثانٍ في شركة شرق الهند، ما مكنه من الإقامة لفترة كبيرة في مومباي، وهناك أظهر قدرة فائقة على تعلم اللغات واللهجات الإقليمية.

وعام 1852، عرض بورتون خدماته على الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية لاستكشاف تلك المنطقة الغامضة في الأجزاء الشرقية والوسطى من شبه الجزيرة العربية، إضافة إلى محاولة حل المشكلة الأزلية التي كان يعاني منها الجيش البريطاني في الهند وهي الحصول على المزيد من الخيول العربية.

ارتدى بورتون زي نبيل فارسي وغادر ميناء ساوثهامبتون في أبريل 1853، وقرر أن يتقمص شخصية الرجل المسلم بكل حذافيرها، فراح يتدرب خلال الرحلة على ذلك.

وعندما وصل إلى القاهرة، التحق بجامعة الأزهر ليلمّ بشؤون الإسلام وفرائضه، ثم انطلق إلى المدينة ووصلها في يوليو 1853 وقضى فيها أكثر من شهر ووضع في وصفها ما يزيد على مجلد كامل، ثم ذهب إلى مكة وأدى مراسم الحج.

لم ينتهِ بورتون من وضع كتابه "الحج إلى مكة والمدينة" إلا بعد عامين، أي عام 1855، لكن الكتاب لم يكن مجرد وصف للمدينتين بل شمل دراسة دقيقة لحياة البدو الذين انبهر بهم، ذكر عطا الله.

وسط ذلك، لم ينسَ بورتون أن يحلم بأن يمتد الحكم البريطاني إلى الجزيرة العربية، فقدم اقتراحات كثيرة في كتبه حول "اكتساب البدو" وتجنيدهم في خدمة الإمبراطورية معتبراً أنهم يمكن أن يشكلوا "فرقة ممتازة من المشاة".

ليون روش... الموافقة على فتوى دينية

رغم أن الفرنسي ليون روش تنكر هو الآخر أثناء رحلته للأراضي المقدسة، لكن هدفه كان مختلفاً إلى حد ما، فلم يكن استخبارياً وإنما أداء مهمة محددة ارتبطت بـ"فتوى دينية".

يذكر محمد خير محمود البقاعي في مقدمة ترجمته لكتاب "اثنتان وثلاثون سنة في رحاب الإسلام/ مذكرات ليون روش عن رحلته إلى الحجاز"، أن والد ليون روش شارك في الحملة الفرنسية على الجزائر عام 1830، ولما استوطن هناك دعا ولده للالتحاق به، فحل الولد فيها في يونيو 1832، وهناك تعلم اللغة العربية وخالط أهل الجزائر في المقاهي وجلسات المحاكم الشرعية وتولى الترجمة في الإدارة الفرنسية في الجزائر.

وأثناء الهدنة بين الأمير عبد القادر وفرنسا طبقاً لمعاهدة التافنة عام 1837، التحق روش بخدمة الأمير ولازمه في حروبه الداخلية وتنقلاته واجتماعاته، وأصبح أحد كتابه الخاصين، فأرسله الأمير إلى مَن علّمه الدين الإسلامي بعد أن أعلن إسلامه، وتزوج مسلمة.

غير أن العلاقات توترت بين الأمير وفرنسا من جديد عام 1839، فهرب روش ورجع إلى قومه بعد أن عرف أسرار الأمير، وأعلن أنه لم يكن مسلماً، وعُرف أنه كان يتجسس على الأمير وأحوال المسلمين.

وعندما أصبح المارشال توماس بوجو حاكماً عاماً للجزائر سنة 1841، اتفقت السلطات الفرنسية مع بعض مقدمي الطرق الصوفية على صياغة فتوى شرعية تبيح لمسلمي الجزائر العيش تحت الحكم الفرنسي وتدعوهم إلى ترك الجهاد باعتباره "إلقاء للنفس في التهلكة"، روى البقاعي.

ولكي تفعل تلك الفتوى أثرها في نفوس الجزائريين، رأى الذين صاغوها ضرورة موافقة المراكز الدينية المسموعة الكلمة عند المسلمين الجزائريين على الفتوى مثل القيروان والأزهر والحرمين، فرشحوا روش للقيام بهذه المهمة، وعيّنوا له بعض مَن ينتمون إلى الطرق الصوفية لتوفير تغطية له، ووضعت تحت تصرفه كمية من النقود الذهبية ليوزعها عند الحاجة، وصدرت تعليمات إلى قناصل فرنسا في القاهرة وجدة لتسهيل مهمته.

وبحسب البقاعي، حفّت رحلة روش الذي تسمى بـ"عمر بن عبد الله" بالمخاطر لا سيما في مكة أثناء أدائه مناسك الحج، عندما تعرف عليه جزائريون وأعلنوا على الملأ حقيقة أمره، فقُبض عليه، وكُمم ثم حُمل على ظهر جمل، ومُضي به بسرعة كبيرة، وظن نفسه أنه هالك لا محالة.

ولكن الحقيقة هي أن الشريف الأكبر لمكة محمد بن عون كان قد أمر بمراقبة روش عن قرب دون أن يشعر، لكي يدفع عنه أي أذى.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard