شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"يا مخلّفة البنات، يا شايلة الهمّ للممات"... المولود الذكر يهز كيان الأسر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 22 يوليو 201911:33 م

" يا مخلّفة البنات.. يا شايلة الهمّ للممات"، قد يخدعنا عقلنا ويجعلنا نتخيّل أن مثل تلك الأمثلة الشعبية التي تدلّ على الحسرة على إنجاب الإناث، أصبحت بضاعة تالفة، ولكن الواقع أنه رغم اندثار تلك الظاهرة في مصر لبعض السنين، ولكنها ظهرت مرة أخرى على السطح.

لا يوجد أي بيانات أو تقارير إحصائية ترصد تلك الظاهرة ومدى تراجعها أو تقدمها مؤخراً، وقد نظمت هيئة الاستعلامات العامة التابعة لرئاسة الجمهورية ندوة في يناير 2018، لمناقشة "تفضيل إنجاب الذكور وآثاره السلبية على الأسرة"، كما كان موضحاً من عنوان الندوة.

وبالانتقال للسوشيال ميديا، تتعثّر في تصفّحك لصفحات المشاكل الأسرية والاجتماعية، أو المجموعات المغلقة الخاصة بالنساء، بمشاكل عدة وخلافات وأزمات بسبب إنجاب إحداهن لطفلة أنثى، أو رغبة زوج الأخرى بالتعدّد لإنجاب الذكر، وغيرها من المشكلات المرتبطة بتلك الظاهرة.

هشاشة عظام وضعف نظر

تروي نائلة عبد الحافظ، موظفة في مستشفى عام (39 عاماً)، مطلّقة منذ 6 سنوات: "تزوجتُ لمدة 5 سنوات، ثم انفصلتُ عن زوجي بعد إصرار والدته على تزويجه بأخرى لتُنجب له الذكر، بعدما أنجبتُ لمرّتين متتاليتين فتاة، وقتها حاولت إفهامها أن الأنثى مثلها مثل الذكر، بل أحياناً كثيرة تكون الفتاة أكثر تفوّقاً ونجاحاً من الولد، وحاولتُ الاستشهاد بقصصٍ محيطة بنا كانت فيها الفتاة أفضل بكثير من أخيها الفتى، منها من كانت ترعى والدتها حتى وفاتها بينما كان الشاب قاسياً على والديه، ولكنها لم تقتنع أبداً".

تتابع نائلة في تصريحات لرصيف22: "تفاقمت المشاكل بيننا بعد إنجاب الفتاة الثانية، وبدأ الإصرار على تزويج زوجي من امرأة أخرى لإنجاب الذكر، لم أستطع تحمل فكرة التعدد، خاصة بعد الشعور بتقبل زوجي للمقترح، فخيّرته وانفصلنا".

أما هند الخولي، اسم مستعار ( 32 عاماً) من محافظة البحيرة، ربة منزل متزوجة منذ 10 أعوام، فتروي لرصيف22: "بسبب إنجاب الذكر، أجبرني زوجي على الحمل لعدّة مرّات متتالية، ولم يوافق على استخدام أي وسيلة لمنع الإنجاب إلا بعد قدوم طفلنا، ولكن كان قد فات الأوان، فقد أصبت بأحد أمراض العمود الفقري بسبب الحمل أربع مرّات متتالية بفاصل زمني قصير جداً، وكذلك بهشاشة العظام وضعف النظر".

يقول جمال فرويز استشاري الطب النفسي: "الأفكار الوهابية والرجعية القادمة في ثوب ديني.. تتبنى في باطنها تحقير النساء وحصر دورهن في الجنس أو المهام المنزلية فقط، تلعب دور البطولة في إنتاج ظاهرة تفضيل المولود الذكر"

تتنهد الخولي، وتكمل: "أشعر أنني دفعت صحتي مقابل أفكار ليست منطقية ولا تنفع في زماننا هذا، ورغم أنني أحب أطفالي جميعاً، ولكنني كنت سأكون أسعد لو أننا اكتفينا بأول طفلتين فقط، ولم ننجب 4 أطفال، في ظروف اقتصادية صعبة كتلك التي تمرّ بها البلاد، خاصة وأن دَخْلنا المادي متوسط وليس عالياً بما يكفي لتربية 4 أطفال".

ولكن ليس كل الأزواج في مصر كذلك، سعيد سليمان، مهندس ديكور (28 عاماً) من حلوان، متزوج منذ 3 سنوات، قصته معكوسة، يحكي لرصيف22: "تعرّضنا، أنا وزوجتي، لضغط غير طبيعي بعد إنجاب طفلتنا الأولى، ورغم أننا خططنا لحياتنا جيداً، بأننا لن نقدم على الإنجاب الثاني سوى بعد بلوغ طفلتنا 5 سنوات، لأسباب عديدة من بينها الحفاظ على صحة زوجتي وترتيب مواردنا المالية لتتناسب مع متطلبات تربية طفلين بشكل جيد، إلا أن والدتها ووالدتي بدأتا بالضغط علينا بعد مرور 6 أشهر فقط على إنجاب طفلتنا".

يكمل سليمان: "فبدأوا بالتلميح بالجمل المعروفة: "مفيش حاجة جاية في السكة"، أو "لازم تجيبوا أخ لمرام (ابنتي)، يحميها لما تكبر"، صمتنا في البداية وتخيلنا أنها مجرد رغبة برؤية الأحفاد، ولكننا وجدنا أن الأمور تتحول لضغط، و"زنّ" مستمر، فكان لي موقف حاسم، وطلبت منهما ألا تفتحا هذا النقاش مرة أخرى، وأننا راضون بكل ما يرزقنا به الله، سواء كان الطفل الثاني فتاة أو فتى، وأننا لن ننجب سوى بعد 4 سنوات وليس الآن مطلقاً، وهذا الحسم هو الذي أنقذنا من دوامات الضغط النفسي علينا بحجّة إنجاب طفل ذكر".

على العكس من سليمان، زوج مروة العشري، من قرية تابعة لمحافظة كفر الشيخ (23 عاماً)، تغيرت معاملته لها فور علمه بأنها تحمل أنثى، تحكي مروة لرصيف22: "تزوجت منذ عام واحد، وعلمت بأنني حامل بعد شهور قليلة، وكان زوجي يعاملني كملكة أو أميرة، ولكن بعدما عرفنا جنس الجنين وأنه أنثى انقلب 180 درجة، فأصبح قاسياً، يتعمّد ضربي لأتفه الأسباب، وفي أحد المشاجرات وجدته يضربني في بطني بركلات متتالية رغبة منه بإجهاضي، فانفصلت عنه وذهبت لمنزل والدي وطلبت الطلاق، فرفض، فرفعت قضية طلاق، طيلة فترة ما قبل تركي لمنزل الزوجية كنت أشعر في قرارتي أن السبب في هذا التغير المفاجئ هو علمه بأن الجنين أنثى، حتى تأكدت منه عندما انزلق لسانه وقالها بشكل مباشر، ثم أكّد لوالدي أنه لم يعد يريدني بعد أن حرمته من أن تكون أول فرحته ولد، ولا أعلم بالضبط ما الذي كان بيدي من الأساس لأفعله".

اكتئاب ووسواس قهري

مروة فريد (25 عاماً)، خريجة صيدلة من مدينة الزقازيق، تروي لـرصيف22 أنها تعاني من الميول الانتحارية، وحاولت الانتحار أكثر من مرة بسبب التفرقة في المعاملة بينها وأخواتها الفتيات وبين أخيهم، والسماح له بسبّهن وضربهن، بحجّة أنهم يربونه على الرجولة والسيطرة.

وتتابع: في إحدى المرّات وأثناء الدراسة الجامعية، كانت صديقاتي في بيتي بغرض المذاكرة سوياً، وقام بصفعي على وجهي أمامهن، ولم يتحرّك أبي أو أمي لردعه، فقمت بسكب "الجاز" على جسدي، وكنت على وشك إشعال النار فيه، لمدى شعوري بالمذلّة والإهانة.

"كانت صديقاتي في بيتي بغرض المذاكرة سوياً، وقام أخي (الذكر الوحيد وسط بنات) بصفعي على وجهي أمامهن" مروة فريد

توضّح مروة، أن السبب الرئيسي وراء تلك المأساة التي تعيش فيها، أن أسرتها أنجبت ثلاث فتيات ثم ذكراً واحداً، الأمر الذي جعلهم يدللونه أكثر من اللازم، ويسمحون له بفرض سيطرته وتحكّمه على أخواته الأكبر منه.

يعلق د. جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، في تصريحات لرصيف22 أن ظاهرة تفضيل إنجاب الذكور على الإناث لم تنته في مصر، وإن كانت قد اندثرت فترة من الزمن، لكنها عادت لتظهر على السطح وبقوة خلال السنوات الأخيرة.

"الأفكار الوهابية هي السبب"

ذكر فرويز أنه يستقبل في عيادته مئات الحالات للنساء التي تعاني من أعراض الاكتئاب والوسواس القهري بسبب عدم إنجابهن ذكوراً، بعض الحالات من فتيات يعانين من الاكتئاب بسبب رفض آبائهن لهن نفسياً لأنهن لسن ذكوراً، أو لأن الله لم يوفقهن في إنجاب ذكر، وهكذا.

ويضيف فرويز لـرصيف22 أن هناك عدة تفسيرات بين الاجتماعية والنفسية لتلك الظاهرة الشديدة الرجعية، أولها انعدام تطوّر الوعي الجمعي في مصر، وتدني مستوى الثقافة بشكل واضح، فقديماً كنا نقف "محلّك سر"، بينما الآن نسير للوراء ونتراجع بخطوات واسعة عن المسار الطبيعي لتقدّم المجتمعات، حسب وصفه،

هند الخولي من محافظة البحيرة المصرية: أجبرني زوجي أن أحمل عدة مرات لأنجب الذكر، أصبت بأحد أمراض العمود الفقري، وكذلك بهشاشة العظام، وضعف النظر

ويتابع فرويز: على مستوى آخر، فإن الأفكار الوهابية والرجعية القادمة في ثوب ديني والتي تروج للتدين الظاهري وليس الجوهري، وفي باطنها تتبنّى تحقير النساء وحصر دورهن في الجنس أو المهام المنزلية فقط، تلعب دور البطولة في إنتاج ظاهرة كتلك التي نتحدث عنها.

ويوضح استشاري الطب النفسي التأثير النفسي لتلك العوامل: "هكذا يربّي المجتمعُ النساءَ على احتقار ذواتهن، والنظر لجنسهن بأنه أدنى مرتبة من الذكور، لذلك نجد أمّاً أو حماة أو قريبة أو جارة تتبنى تلك الأفكار وتمارس ضغطاً على الزوجة التي لم تنجب ذكراً بعد، على جانب آخر".

ويربط فرويز قضية المساواة في الميراث باحتقار النساء، ويقول أن الأسرة تقع تحت ضغط ضياع الثروة والميراث، ومشاركة أهل الزوج أو الزوجة في الإرث، وهو ما ينعكس على النفوس بربط الإحساس بالخطر بوجود الإناث، وأن وجود طفل ذكر هو الذي يحميهم من هذا الخطر.

ويؤكّد فرويز، أنه لو حدث يوماً طفرة تقدمية في مصر وتمت المساواة في الميراث بين الذكر والأنثى سيؤثّر ذلك بقوة على تلك الظاهرة، خاصة وأننا في عصرٍ النساء يتحمّلن فيه نفس المسؤوليات، ويقمن بنفس الواجبات، بل وهن من يقمن بإعالة الأسرة في حالات كثيرة، ويعملن في المهن الصعبة، ويتفوّقن في المجالات التي يشغلنها، ولم يعد هناك فروق ملحوظة بين الجنسين، بل يمكن القول أن النساء يتحمّلن مسؤولية أكبر، نظراً للواجب الاجتماعي تجاه الأسرة وتربية الأطفال إلى جانب العمل.

على صعيد آخر، يرى فرويز أنه من الأسباب التي تغذّي تلك الظاهرة بقوّة، انحياز الاعلام وبعض الأعمال الفنية للخطاب الذكوري، أو الترويج لخطابات غير أخلاقية فيما يخصّ تناول قضايا كالتحرّش، مثل السخرية من شكل وهيئة الضحية، أو البحث عن مبرّر للمتحرّش، وما شابه هذا من سلوك بعض الإعلاميين، كل تلك الأسباب تنعكس بوضوح على الثقافة الشعبية التي تترجمها لتعاملٍ منحطٍّ مع النساء، أو انتهاج بعض الأفكار الإقصائية لهن، ومن بينها الظاهرة التي نحن بصدد مناقشتها: تفضيل المولود الذكر، ومعاملة الأخت أو البنت بقدر من التدني.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard