شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
عن رفع أسعار الوقود في مصر... أو كيف تجعل الحكومة الفقير أكثر فقراً

عن رفع أسعار الوقود في مصر... أو كيف تجعل الحكومة الفقير أكثر فقراً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 13 يوليو 201906:19 م

لم ألتفت إلى الإعلان في البداية، عرفت من أوّل لمحة أنه شيء يتعلق بالترويج لإنجازات الحكومة والنظام الحالي فلم أعره انتباهاً، لكني وجدت أبي يشتم كلّ من اشترك في الإعلان، يسخر من محاولتهم تبرير رفع أسعار الوقود، قائلاً: "يا سلام، يعني هو الغني هو اللي هيتأثر وإحنا لا، هما دول بيفرق معاهم كام جنيه"... انتبهت على وقع الحديث وتابعت الإعلان الذي أُعيد بعد أقلّ من ربع ساعة.

"اللي معاه عربية بياخد الدعم مرّة واللي معاه عربيتين بياخده مرّتين"، هكذا سوّقت الحكومة قرارها حتى يقتنع المواطن أن زيادة رفع الأسعار يصب في مصلحته أوّلاً، يذكرني الأمر بشعار الحزب الوطني "من أجلك أنت" الذي في ظلّه تمّ اتخاذ أبشع القرارات، تابعت الإعلان جيداً، هو يسوّق لفكرة ظنّ أنها ستعجب الكثيرين، نعم لماذا يتساوى المواطن الغني مع المواطن الفقير؟ الدعم يجب أن يصل لمستحقيه.

لكن ما لم يتطرّق إليه إعلان "الحكومة" وفطنه أبي وغيره، أن الفقير يركب المواصلات التي زادت تعريفتها، وبالتالي زادت كلّ المنتجات في البلاد، الخضروات والفواكه والملابس والأثاث، كل شيء يُنقل تمّت زيادة أسعاره، والفقير في النهاية هو من سيتحمّل ذلك، ورغم أني أتفق مع أبي في سخريته لكنني أختلف معه في تحمّل الغني أيضاً للغلاء، في تفرقة الدولة بين الغني والفقير كأنها تُعاقب الأوّل لأنه يستطيع التحمّل، هناك طرق كثيرة حسمت بها الدول هذا الملف لكن نحن لا، وبعيداً عن النظرة الطبقية لدولة تشجّع على الاستقرار، هل فعلاً رفع أسعار الوقود يصبّ في مصلحتنا "سؤال يبدو عبثياً"... وحسب طريقة الحكومة "هل خطة ترشيد الدعم ليصل لمستحقيه يصل أصلًا لمستحقيه؟!".

5 سنوات وأنا استمع لوعود النظام الحالي وأنتظرها، منذ أن قرّر في 2014 خطة رفع الدعم تدريجياً عن الوقود والكهرباء، لم يكن انتظاري ذلك عن حسن نية بل عن عجز إرادة، هم يخبروننا بإجراءات رفع الأسعار سنوياً من باب العلم بالشيء لا من باب أخذ الرأي، بل حوّلونا في هذا العام إلى مدمنين نسأل متى نُعذّب، هذا ما حدث حين تأخر قرار رفع الأسعار فبتنا نسأل متى ونستعجل ونلح ونتوقع، وطالما أن النظام سيفعل ما يشاء ونحن لا نستطيع الوقوف أمامه، فلننتظر وعودهم على الأقل لعل يُنفّذ منها شيء.

وانتظرت، وارتفعت الأسعار بوتيرة متسارعة عاماً بعد عام؛ النظام وعد بتأمين صحي جيد، وسائل مواصلات جيدة بعد رفع تعريفة مترو الأنفاق، تطوير في التعليم، والمستشفيات العامة، والبحث العلمي، وعد بمدن عملاقة تتسع للجميع، ومشروعات إسكان للشباب وفرص عمل، وأخيراً وعد بمصر التي ستصبح "قد الدنيا".

 كل شيء يُنقل تمّت زيادة أسعاره، والفقير في النهاية هو من سيتحمّل ذلك

كلّ ما وعد النظام به كان موجّهاً لي ولأمثالي ممن لا يملكون سيارة، وهو مقياس الثراء لدى الدولة، ولكن ماذا حدث، حين أجريت حساباتي الشهرية الآن وقبل خمس سنوات، والحديث عن فرد وحده غير متزوّج ولا يعول، وجدت أن مصروفاتي زادت بنسبة 400%، وتكلفة الوصول إلى عملي زادت بنسبة 500%، والطعام والشراب بنسبة تقارب الـ300%، أما السجائر، وإن اعتبرها البعض سلعة ترفيهية، فلم تكن أقل من تلك الزيادة، أضف إلى ذلك ارتفاع أسعار "فيزيتا" الأطباء، ومترو الأنفاق، وتذاكر المستشفيات العامة، والقطارات، وكلها بالأرقام تتخطي الـ200%، بالأمثلة كنت أسافر الإسكندرية بـ20 جنيه واليوم 60 جنيه، وتذكرة المترو التي كانت بـ2 جنيه باتت بـ7 جنيه، وفي أوقات أخرى 10 جنيهات.

سنوات وأنا استمع لوعود النظام وأنتظرها، منذ أن قرّر رفع الدعم تدريجياً عن الوقود والكهرباء، لم يكن انتظاري ذلك عن حسن نية بل عن عجز إرادة، هم يخبروننا بإجراءات رفع الأسعار من باب العلم بالشيء لا من باب أخذ الرأي، فحوّلونا إلى مدمنين نسأل متى نُعذّب.
بعد خمس سنوات من وعود النظام، كان شراء سيارة أمراً مستحيلاً... العيش حتى على مستوى ثابت بدون رفاهية بات مستحيلاً، صرت أجلس في البيت قدر المستطاع حتى لا أصرف ما يكفيني لآخر الشهر.

أمام تلك الزيادات ماذا أخذت، فخلال الخمس سنوات التي أُطلق عليها لقب "العجاف"، ولن يعقبها في توقعي خمس "سمان"، دخلت مستشفيات حكومية ولم أجد فيها أي تغيير، لازالت المعاملة سيئة والرشوة هي الطريق لحل كل المشاكل، مترو الأنفاق لم تتحسّن خدمته، لكن ماكينات التذاكر باتت كلها جديدة من أجل ضبط المتلاعبين بسعر التذكرة فقط، بالنسبة للتعليم يبقى الوضع كما هو عليه، أما المضحك هي المدن العملاقة، لأن الشقة فيها تبدأ من مليون جنيه، وهذا مبلغ لا يتوفّر، إذ أن الحد الأدنى للأجور ألفا جنيه، وشقق الإسكان الاجتماعي تبدأ من 230 ألف جنيه، وهو مبلغ صعب تجميعه لشاب في مقتبل حياته وأحياناً لكهل في آخر حياته، حتى معاش تكافل وكرامة الذي استحدثته الدولة كنوع من توجيه الدعم لمستحقيه بمبالغ ثابتة شهرياً، فإن شروطه تنطبق على من لا يستطيعون كسب العيش فقط.

هذه ليس دولة، هذه جباية ندفعها وتزيدنا فقراً على فقر... وغماً على غم

لم آخذ شيئاً ولم ينفذ النظام وعوده، بل والأدهى والأمرّ إنه زادني فقراً، نعم هذا ما حدث، فخلال تلك المدة اتبعت الحكومة رفع أسعار الرواتب بنسبة كل عام تحت مسمى العلاوة الدورية للموظفين، وهي علاوة خاصة بالقطاع العام، ورغم أن تلك العلاوة لا تساوي زيادة الأسعار، بمعنى أن موظفي الحكومة يزدادون فقراً لكن تدريجياً، أما القطاع الخاص الذي أعمل فيه ويعمل فيه 7 مليون عامل، بحسب آخر إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإنه غير مُلزم بأي زيادة ولا يوجد في القانون ما يجبره، بل يتم جبره فقط على الحد الأدنى للأجور، وبعيداً عن كوني صحفياً وراتبي انخفض أصلاً بسبب ظروف كثيرة لا مجال لذكرها، لكن قبل هذا الانخفاض فإن راتبي خلال 5 سنوات وبعد أكثر من ترقية في عملي زاد بمقدار 100 % ومع زيادة قدرها 400%، وباقي العاملين في القطاع الخاص، باستثناءات بسيطة تعرّضوا لذلك، رواتب ثابتة مقابل ارتفاع أسعار جنونية.

بعد خمس سنوات من وعود النظام، كان شراء سيارة أمراً مستحيلاً، شراء شقة مع ارتفاع أسعار مستلزمات البناء بات مستحيلاً أيضاً، العيش حتى على مستوى ثابت بدون رفاهية بات مستحيلاً، صرت أجلس في البيت قدر المستطاع حتى لا أصرف ما يكفيني لآخر الشهر.

أعود مرّة أخرى للإعلان وفلسفة الدولة في دعم مواطنيها واسأل نفسي: لماذا يطالبونا بتطوير التعليم ودعم المستشفيات والطرق وهلم جراً؟ تلك أمور ندفعها من خلال الضرائب المفروضة على كل شيء في حياتنا، وبالتالي فقد دفعنا مسبقاً، وسوء الإدارة لا يحملنا أكثر، والأغرب من ذلك هو طريقة تعامل الدولة أصلاً مع المواطنين، هي ترى أن الغني لا يستحق الدعم، فماذا تفعل؟ ترفع الأسعار على الجميع، ترى أن هناك دعم لا يذهب لمستحقيه فماذا تفعل؟ تُلغيه وتخصص جزءاً لمن لا يستطيعون كسب العيش فقط، وحتى لا يستمر الكذب كثيراً، أقول بكل اختصار تلك ليس دولة، تلك جباية ندفعها وتزيدنا فقراً على فقر... وغماً على غم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard