شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
ما هو دورنا كرجال لإيقاف التحرّش الجنسي بالنساء؟

ما هو دورنا كرجال لإيقاف التحرّش الجنسي بالنساء؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 3 يوليو 201904:05 م

بين وقتٍ وآخر، تطفو على السطح حادثة عنفٍ، تحرّشٍ، أو اعتداء جنسي، لتصبح حديث الناس على مواقع التواصل الاجتماعي، نتفاعل معها ونتناقش وأحياناً نتبادل الشتائم والسباب، نقف مع طرفٍ دون الآخر، نلوم أحدهم ونلعن الآخر وهكذا... قد يكون هذا سبباً في تحريك بعض المعتقدات البالية لدي شريحةٍ واسعةٍ من المصريين، ولكن الأمر ليس بسهولة ورفاهية إجراء النقاشات والجدل، حين يتعلّق الأمر بإحدى الصديقات أو القريبات، أو حتى ممن نعرفهن معرفة ليست بالوطيدة، ولكننا نعرف من هنّ بشكلٍ شخصي.

من منا لم يتعرّض لمثل هذا الموقف؟ ولم يعرف ماذا يفعل أو ما هو ردّ الفعل المطلوب في مثل هذه المواقف التي تتعرّض فيها إحدى الصديقات إلى حادثة تحرّش؟ أؤمن تماماً بأن الإنسان لديه قدرات هائلة على التعاطف والمواساة المتبادلة، ولكن في الواقع حينما يتعلّق ذلك بك بشكلٍ مباشر فالأمر يكون مختلفاً ومربكاً بشكلٍ كبير.

كيف يتناول الرجال حكايات التحرّش؟

أعتقد أن الامر هنا يتوقّف على عددٍ من المتغيرات، منها وبشكل كبير، الطبقة التي ننتمي إليها، التعليم والخلفيّة الثقافيّة، مدى تقبّلنا للآخر، وأخيراً ربما تكون التربية التي تلقيناها عاملاً في تحديد ذلك. ولكن قبل ذلك يجب أن نتوقّف قليلاً عند قدرات النساء ومدى الشجاعة التي يملكنها للبوح بمثل هذه المواقف، ولعلّ ذلك أيضاً يرجع للمتغيّرات السابق ذكرها، فليس جميع النساء قادرات على البوح، بعضهن مجبرات على الصمت، وبعضهن يعرفن ردود أفعال المقرّبين عندما يبحن بذلك، فيردعهن ذلك.

بعض الرجال يقدّم الدعم من خلال عبارات المواساة والمشاركة الوجدانيّة، البعض الآخر يلوذ بالصمت، وكثيرون يلومون الفتيات باعتبار أن العلّة تكمن فيهن لا في المتحرّش.

بعض الرجال يقدّم الدعم من خلال عبارات المواساة والمشاركة الوجدانيّة، البعض الآخر يلوذ بالصمت، وكثيرون يلومون الفتيات باعتبار أن العلّة تكمن فيهن لا في المتحرّش. بين ردود الأفعال تلك تبقى حقيقة واحدة، وهي أنه من الصعوبة بمكان أن يشعر الرجل بما تشعر به النساء ممن تعرّضن للتحرّش بأنواعه، سواء كان لفظيّاً أو جسديّاً أو حتى النظرات المتفحّصة لأجسادهن، تلك المضايقات التي يتعرّضن لها بشكلٍ يومي في الشارع أو في الفضاءات العامّة المتنوّعة ومحلات العمل وغيرها، حيث لا يتعرّض له تقريباً سوى النساء، ذلك أن الواقع وتوازنات القوى السائدة في المجتمع، تجعل من النساء هن الضحايا فقط، وتجعل من التحرّش جريمة دوماً تمرّ بلا محاسبة فاعلها، الذكر، وبالتالي لا يمكن إدراك ماهيّة إحساس النساء به عموماً، والمتحرَّش بهنّ على وجه الخصوص، إلى حين تتعرّض له فعليّاً.

سؤال السلطة

في الآونة الأخيرة أصبحتُ أميل تماماً إلى دعم وتصديق حكايات الفتيات عن تعرّضهن للتحرّش إلى أن يثبت العكس، وذلك يعود لسببين، أوّلهما كما ذكرت أن معظم الرجال يجدون أنفسهم في مواقع السلطة، سواء كانت ماديّة أو معنويّة أو حتى سلطة جسديّة، والسبب الآخر هو أن حوادث التحرّش تحمل ذلك التاريخ الطويل من انعدام المساءلة والمحاسبة، بدايةً من غياب الاعتراف القانوني بالجريمة، وصولاً إلى التعقيدات المرتبطة بكيفيّة المحاسبة وإثبات الحادث ومن ثمّ العقاب. الأمر هنا لا يتعلّق بالمتغيّرات التي سبق ذكرها والتي تتعلق بالانحيازات الاجتماعيّة والثقافيّة والطبقيّة للرجال فقط، ولكنها تتعلّق بشكلٍ عميقٍ بالسلطة أيضاً من جهة، والمحاسبة من جهة أخرى، وذلك لا يخصّ فقط بلاد العالم الثالث أو العرب والمسلمين، ولكنه ربما يسود بلاد العالم كلّه تقريباً.

 يتحمّل الرجال مسؤولية ما يفعله المتحرّشون بمجرّد أن يقرّر أحدهم أن يأخذ صفَّ الجاني ضدّ المرأة المجني عليها هنا.

من الممكن القول بأن تصوّر ميشيل فوكو للسلطة هو الأنسب هنا، حيث أنها ليست مركزيّة، وليست شيئاً يملكه الفرد أو المؤسّسات الاعتباريّة، ولكن السلطة شيء يتمّ إنتاجه بشكلٍ يومي، فهي شبكة معقّدة من علاقات القوّة، تمارَس على مستويات مختلفة من العلاقات الاجتماعيّة والاقتصاديّة، في المنزل ومحلّ العمل والمؤسّسات المدنيّة. في الحديث الخاص عن بلد مثل مصر، يتمّ إنتاج تفاعلات السلطة بشكلٍ يضع الرجل في مقدّمة القصيدة، فهو الأب والأخ الأكبر، وهو الإله والنبي والولي الصالح، وهو أيضاً الملك والجندي الذي يحمي الشعب، وهو الشهيد الذي يبذل دمه لكي نعيش.

الأمر هنا لا يتعلّق فقط بتراتبيّة السلطة، ولكن بذلك الذي يتمّ إعادة إنتاجه يوميّاً من بنيةٍ ورموز تفضي إلى توازن معيّن للقوى في المجتمع، يكون في يد الذكور بشكلٍ أكثر عمقاً وتأثيراً وسيطرة.

يقابل الرجل حكايات النساء عن التحرّش والمضايقات ربما بإحساسٍ داخلي من التشكيك برجولته! يعود الإحساس هنا أيضاً إلى فكرة السلطة وكيف يرى الرجال أنفسهم، فهو يرى أن التحرّش بالنساء شيء يمسُّ رجولته وذكوريته التي يفهمها، والتي تقتضي أن تحمي المرأة من الأذى وتدافع عنها، ليس لأنها تعرّضت لشيء ما ولكن لأنها امرأة، ومن ثمّ مفروض عليه أن يحميها لأنها في النهاية ممن يمارس هو السلطة عليهم، وبالتالي فأحدهم انتهك هذه السلطة واهتزّت رجولته التي هي أحد تجليّات تلك السلطة.

هنالك حقيقة واحدة، وهي أنه من المستحيل أن يشعر الرجل بما تشعر به النساء ممن تعرّضن للتحرّش بأنواعه،  والمضايقات التي يتعرّضن لها بشكلٍ يومي في الشارع أو في الفضاءات العامّة المتنوّعة.

يقابل الرجل حكايات النساء عن التحرّش والمضايقات ربما بإحساسٍ داخلي من التشكيك برجولته! يعود الإحساس هنا أيضاً إلى فكرة السلطة وكيف يرى الرجال أنفسهم، فهو يرى أن التحرّش بالنساء شيء يمسُّ رجولته وذكوريته التي يفهمها.

يصبح الرجل مسؤولاً عن التحرّش من اللحظة التي يزرع فيها في عقل أبنائه بأن المرأة مخلوق أدنى، وأنها موجودة من أجل خدمته، فالرجل يتزوّج من أجل متعته، ولكي تقوم المرأة بخدمته.

ماذا نفعل؟

يصبح الرجل مسؤولاً عن التحرّش في اللحظة التي يزرع فيها في عقل أبنائه بأن المرأة مخلوق أدنى، وأنها موجودة من أجل خدمة الرجل، فالرجل يتزوّج من أجل متعته الخاصّة، ولكي تقوم المرأة بخدمته، والأخ يدرك أن من واجبات الأخت أن تساعد والدتها في أمور المنزل من أجل خدمته، فليس من المعقول أن يقوم هو بالمشاركة في تلك المساعدة. تبدأ المشكلة من المنزل، فالتربية القائمة على فكرة الأعلى والأدنى تفضي بالضرورة لمثل ذلك.

الأمر الآخر هو المتعلّق بالتضامن مع المتحرّش، حيث يتحمّل الرجال مسؤولية ما يفعله المتحرّشون بمجرّد أن يقرّر أحدهم أن يأخذ صفَّ الجاني ضدّ المرأة المجني عليها هنا، ويتطوّر الأمر إلى الدفاع، بل ولوم الفتاة، ومن ثمّ فإن ذلك يُشعر الجاني بنوعٍ من التضامن المعنوي، مما يجعله لا يدرك فداحة جريمته، بل ويستمرّ في تكرارها لأنه لا يجد من يردعه ولو بكلمة، ولا تقلّ مسؤوليّة هؤلاء عمّن يقرّرون الصمت في تلك المواقف، ما يعني القبول الضمني بما اقترفه المتحرّش. ولسنا هنا في موضع الحديث عن الحلول القانونيّة، فالإشكاليّة هنا أكثر تعقيداً من مجرّد قوانين رادعة للمتحرّشين، فالسؤال المفترض هو كيف يمكن تغيير الثقافة العامة والخطابات التي تبرّر التحرّش؟

الأمر الآخر حينما نتحدّث عن المسؤوليّة، يكمن في كيفيّة تعامل السلطة السياسيّة المُمَثّلة في أجهزة الشرطة والقضاء المنوط بها إقامة العدل وتنفيذه. ربما تجد الكثير من الفتيات أنه من غير المجدي، بل ومن الخطر التوجّه إلى الشرطة من أجل الإبلاغ عن واقعة تحرّش، حيث أنها لا تعرف كيف سيتعامل معها "الرجل – الضابط – أمين الشرطة"، استناداً إلى الخوف من استخدام السلطة السياسيّة ظاهرة التحرّش بالنساء كردع سياسي، وهنا الجريمة مركّبة، حيث تساهم السلطة في ترسيخ مفاهيم العنف والتعدّي على النساء لدى المجتمع لتبريره سياسيّاً.

بشكلٍ عام، يمكن القول بأن الأمر يتعلّق بشكلٍ أكثر عمقاً بالبنية الرمزيّة وعلاقات القوى داخل المجتمع والخطاب الذي ينتج تلك السلطة المُشار إليها، والتي تخلق مفهوم الأعلى والأدنى بين الرجل والمرأة، هذا بالإضافة إلى المفاهيم التي يتمّ تربية الرجل عليها في بلدٍ مثل مصر، والتي تشجّع النظرة الدونيّة للنساء، أو على أقلِّ تقدير قوامة الرجل على المرأة وواجبه في حمايتها لضعفها، ومن ثم يجب تفكيك تلك المفاهيم بشكلٍ جذري وإرساء خطاب يدعم المساواة بين البشر في الحقوق والواجبات، ليساهم في تفكيك تلك التراتبيّة المقيتة المناهضة لحقوق الإنسان.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard