شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
نعم، لو عاد بي الزمن إلى الوراء لشاركت مجدداً في 30 يونيو

نعم، لو عاد بي الزمن إلى الوراء لشاركت مجدداً في 30 يونيو

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأحد 30 يونيو 201904:49 م

ما الذي يضيره لو قالها؟ هي كلمة. هُزمت ثورته وقُتل حلمه، والنجاة في الاعتراف بأنها "هوجة". وقف أمام الضابط الإنكليزي ليسأله سؤالاً ليس له سوى إجابة واحدة. قالها محمود عبد الظاهر ومشى. ظن أنه استراح قبل أن تصيبه اللعنة ويعيش طوال عمره ممسوخاً. في النهاية، كيف يستطيع مَن آمن بفكرة أن يتخلى عنها لمجرد أنه لم ينتصر.

مأساة محمود عبد الظاهر، بطل رواية "واحة الغروب" للروائي بهاء طاهر لم تفارقني منذ أن قرأتها. أتعرض أنا وجيلي لنفس الأزمة. يحاولون تحويلنا إلى مُسوخ. في البدء كانت ثورة 25 يناير. هل هي ثورة أم مؤامرة؟ قبضنا على الجمر وتمسكنا بموقفنا وقلنا: ثورة رغم أنف الجميع. وضعناها في الدستور في انتصار صغير جداً. ثم تجددت الإشكالية مع 30 يونيو. فهل كان حراكاً شعبياً أم انقلاباً؟

التاريخ لا يكتبه المنتصر فقط، بل الجميع، كلّ بحسب وجهته وموقفه من اللعبة بأكملها، والتركيز على عيوب الخصوم وصناعة المظلومية يتقنها الكثيرون. لم أكن سوى طالب في آخر سنواته الجامعية حين اندلعت شرارة ثورة يناير. أردت تغيير الوجوه التي ما رأيت غيرها منذ ولادتي. خفت في البداية ثم شاركت على استحياء قبل أن انغمس في الأمر بكليته وأرى أمامي حسني مبارك يرحل مذعوراً. كنت ساذجاً أيضاً واعتقدت أن الأمور انتهت عند هذا الحد، لكن بمجرد ظهور إرث المخلوع انتقدني كثيرون، اتهموني بأنني سبب خراب البلاد، ورددوا "ولا يوم من أيامك يا مبارك".

تركتهم وتجاهلت كل ذلك، وحين بدأ حكم محمد مرسي وظهر فشله ثرت ضده أيضاً، لكن وقتها لم أكن خائفاً، بل متأكداً من النصر، وأيضاً لم أكن أنتمي لأي حزب أو جماعة. "أنا مش معاهم كلهم أنا جاي وحدي". ورغم ذلك نفس السهام تم تصويبها نحوي: "مش كان مرسي أحسن؟". مَن يقولون ذلك لم يفعلوا سوى المشاهدة والقول، لكن هل لو عاد الزمن سأتخذ نفس القرار؟

حسابي الشخصي على فيسبوك يذكرني بأني كتبت يوم إعلان فوز محمد مرسي بالرئاسة: "انتصار صغير للثورة". هذا يعني أنني أيدت الرجل في بدايته بعد أن وُضعنا جبراً أمام ثنائية مرسي وأحمد شفيق. وبعد نحو عام واحد، يذكرني أيضاً فيسبوك بأني كتبت: "غار في داهية".

ما بين المنشورين حدث الكثير، ودفاتري تذكرني بأنني كررت كلمة الخذلان كثيراً في تدويناتي عن تلك الأيام.

نعم الخذلان. خذلني محمد مرسي حين رأيت نظامه يواجه المتظاهرين بالرصاص الحي وجابر جيكا مثال، وحين استخدم نفس مبررات نظام مبارك في نفي التهمة عنه: "دي مؤامرة للوقيعة بين الشعب ورئيسه"، وحين ناصب القوى المدنية التي ناصرته العداء، وحين ترك شيوخ الفضائيات يكفّرون كل مَن يعارضه، وحين حُوصرت مدينة الإنتاج الإعلامي وقُتل الصحافي الحسيني أبو ضيف. حتى ما يزعمون أنها كانت حرية إعلامية في عهده لم تكن حرية بل فوضى، هو لم يملك لكي يقرر، وحين رأيته غير قادر على الحكم عارضته، وأي حديث عن أنه لم يكن يعلم أو أن أجهزة الدولة تعاديه وترفض الامتثال لأوامره كلام فارغ واتّباع لنظرية رجال مبارك ومَن سبقوه: "هو كويس واللي حواليه هما الوحشين".

حين وقّعت على ورقة تمرد وانضممت إلى مسيرة 27 يونيو من شارع الهرم وحتى ميدان التحرير هاتفاً "يا مرسي قول لبديع مصر بلدنا مش هتضيع"، لم أكن سوى مدافع عن الحرية، عن حق المتظاهرين في التظاهر، حق الحرية في الكلمة، وضد القوانين التي تمنح السلطة حصانة من المساءلة الشعبية، ضد مَن يعتبروننا كفاراً، وساعٍ من أجل مصر تليق بـ25 يناير، ومن أجل العيش والكرامة الإنسانية. أعتقد أن تلك المطالب لا أستحق أن أُلام بسببها أو أوبَّخ أو أتراجع عنها.

"حين هتفت ‘يا مرسي قول لبديع مصر بلدنا مش هتضيع’، لم أكن سوى مدافع عن الحرية، عن حق المتظاهرين في التظاهر، حق الحرية في الكلمة، وضد مَن يعتبروننا كفاراً، وساعٍ من أجل مصر تليق بـ25 يناير"
"أقرّ بأن الأسباب التي أدت بالثورة ضد مرسي ومن قبله مبارك موجودة الآن وبصورة أكثر فجاجة وأشد قسوة، لكن حتى لا نقع في فخ المؤيدين لكل طرف، إن وجود ظلم أشد لا يجعلنا نعتذر عن أننا وقفنا ضد ظلم أقل"

وإنْ كان هذا ما حدث، فلماذا لم نقبل بالنظام الحالي؟ أقرّ بأن الأسباب التي أدت بالثورة ضد مرسي ومن قبله مبارك موجودة الآن وبصورة أكثر فجاجة وأشد قسوة، لكن حتى لا نقع في فخ المؤيدين لكل طرف، إن وجود ظلم أشد لا يجعلنا نعتذر عن أننا وقفنا ضد ظلم أقل، ومعارضة طاغية لا تعني القبول بديكتاتور، والخلاصة أن أنظمة ما بعد ثورة يناير كلها تستحق الثورة عليها.

أعترف بأننا لم نقبل بالنظام الحالي، لكننا عاجزون عن مواجهته بعد أن زاد البطش والقمع ووهنت قوانا وانفض الناس من حولنا وباتت الثورة تهلكة رمى معارضو النظام، مثل الإخوان، أنفسهم فيها ولم يحققوا نفعاً. ولكن رغم ذلك لم يكن هناك قبول تام. الأرقام الرسمية تقول إن ثلاثة ملايين وقفوا ضد الاستفتاء الدستوري الأخير، وكثيرون رفضوا المشاركة فيه، هذا بجانب مَن يعارضون بالكلمة والقلب وهذا أضعف الإيمان.

لا يمكن لومي ولوم مَن اتخذوا نفس موقفي. أن تعاتب شخصاً لأنه ثار مرة واثنتين ثم لم يستطع أن يُكمل المشوار، طالما لم يفعل ذلك قاصداً أو راضياً ولم ينافق أو يهادن، مع احترام ضعف النفس البشرية.

وتبقى نقطة أخيرة في الرد على مَن يتهموننا بأننا اشتركنا مع الدولة ورأينا أجهزتها تساعدنا في 30 يونيو ووافقنا على هذا، إما من قبيل التواطؤ أو الجهل. لم نكن ساذجين، لكن إيماننا بأننا نستطيع الوقوف في وجه مَن يريد قتل الثورة كان قوياً وثبت في ما بعد أنه واهٍ.

لا يتحمل كل مَن شارك في مسيرة 30 يونيو تبعات ما حدث بعد ذلك. ولا أجد أفضل مما كتبه الدكتور علي الوردي في كتابه "وعاظ السلاطين" لأختم به. كتب: "لقد فشل علي (بن أبي طالب) في ميدان السياسة حقاً. وهو خاسر إذن في نظر أولئك الذين يحترفون السياسة ولا يرون في التاريخ سواها. أما في نظر أولئك الذين يعتبرون التاريخ معركة مبادئ، فعلي بطل جبار لا يشق له غبار. يعد المؤرخون علياً كأنه خليفة من طراز معاوية (بن أبي سفيان) وبهذا يقيسونه بمقياسه والواقع أن علياً لم يكن خليفة بل كان ثائراً وظل ثائراً حتى مات. فهم يفرضون عليه مقياساً من عندهم ويحكمون عليه تبعاً له. والواجب على الباحث أن يحكم على الأشخاص حسب قيمهم التي كانوا يؤمنون بها".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard