شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"لا أحد سيحميكِ هنا، نستطيع القيام بأي شيء، ولدينا ضوء أخضر من ترامب"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 26 يونيو 201905:12 م

أنا ابتسام الصائغ، محامية وناشطة بحرينية في مجال حقوق الإنسان، لي تاريخ مع مضايقات أجهزة الدولة وتهديداتها لي، فقد تم احتجازي في 20 مارس 2017 لمدة سبع ساعات في مطار البحرين الدولي لدى عودتي من الدورة الرابعة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وخضعت لتفتيش دقيق وتحقيق دام خمس ساعات ثم صودر مني جواز سفري، وطُلبت مني معلومات عني وعن عائلتي وعُرض عليّ العمل مع أجهزة الأمن وتسريب الأخبار له.

وقبل مغادرتي البحرين، في 22 يناير 2017، استُجوبت حول تصريح كنت قد أدليت به من قبل ضد تطبيق السلطات البحرينية لعقوبة الإعدام. كنت متواجدة مع أهالي ثلاثة من الذين أعدموا بداية ذلك العام في المقبرة بطلب منهم ووثّقت كل ما حدث هناك.

خلال التحقيق، أنذرني المحقق بعدم "تجاوز الخطوط الحمراء"، وسبق أن استجوبتني النيابة العامة في 23 نوفمبر 2016 حول ما أنشره عبر تويتر عن اعتصام الدراز وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات التي تحدث في البحرين، واتهمتني بالتحريض على كراهية النظام البحريني وتهديد السلم والأمن العام، كما مُنعت من السفر خارج البلاد لفترة من الزمن ثم رُفع عنّي المنع بعد استجوابي في 22 يناير 2017.

في 23 مايو 2017، هاجمت قوات الأمن معتصمين أمام منزل الشيخ عيسى أحمد قاسم في منطقة الدراز كان قائما لمدة 11 شهراً، احتجاجاً على سحب جنسيته، ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص، ومدافعين عن حقوق الإنسان أعرفهم. كنت في تلك الفترة نشطة في التواصل مع أهالي الضحايا وزيارتهم ورصد حالات الجرحى والمعتقلين والقتلى وعمليات تسلم الجثامين وغيرها من الأمور التي تأتي ضمن سياق عملي.

وكنت أرى أنه سيكون هناك تحرك لمنعي من القيام بهذا العمل، ولكنّي كنت مصرة عليه حتى يتسلم الأهالي جثامين أبنائهم ويدفنوهم وفق عقيدتهم وأعرافهم وعاداتهم وتقاليدهم.

قررت الخروج عن الصمت

قررت الخروج عن الصمت والتخلي عن الحذر الشديد الذي طبعنا جميعاً في البحرين كناشطين، بسبب الاستهداف الذي يأتي ضمن سياق تخويف الناشطين الحقوقيين وسجنهم وترهيبهم واستدعائهم للتحقيق بشكل متكرر، حتى يشعر الأهالي أن هناك مَن يقف معهم ويوجههم لحقوقهم.

وكلما طلبني جهاز الأمن الوطني للتحقيق يكون الأسلوب واحداً، وهو الاتصال وطلب الحضور والتهديد في حال عدم استجابتي بأنهم سيأتون لاعتقالي من المنزل. وكل مرة كنت أذهب مع محامٍ وأحد أفراد عائلتي، وحدث ذلك مرتين في السابق قبل المرة الأخيرة التي ذهبت فيها مع المحامي وكنت أعتقد أنهم سيلتزمون بالأطر القانونية، وسيسمحون له بالحضور معي، ولكن...

في 25 مايو 2017، كنت في المنزل، في يوم خميس، ليلة جمعة، وهي ليلة الإجازة في البحرين. تلقيت اتصالاً من جهاز الأمن الوطني يطلب مني الحضور إلى المبنى التابع له في مدينة المحرق في اليوم التالي.

كمحامية وناشطة في مجال حقوق الإنسان استجبت لهذا الاستدعاء خوفاً من العواقب، رغم أن هذه الجهة من المفترض أنها جهة رسمية وتعمل بقوانين الدولة أي أنها لا تعمل يوم الجمعة وهو يوم الإجازة الأسبوعية.

قررت الذهاب لأن الفترة كانت فترة امتحانات واقتحامهم للمنزل سيزعج أبنائي خصوصاً أن ابني الصغير مصاب بالهلع من المرات السابقة التي اقتحموا فيها المنزل.

حوالي الساعة الرابعة من مساء الجمعة 26 مايو 2017، توجهت إلى مبنى جهاز الأمن الوطني في المحرق، تلبية للاستدعاء. كنت مع المحامي وكنت صائمة وتعبة بسبب متابعة أحداث الدراز وقصص ضحاياها، وكنت آمل أنني سأذهب وأخرج سريعاً لأني على تواصل مع أهالي ضحايا الدراز وهم يحتاجون إلى أن أكون معهم في تلك اللحظات الصعبة.

منذ اللحظات الأولى طردوا المحامي، وبدأوا بالصراخ علي، وكان الوضع مرعباً جداً، خصوصاً أني كنت أتلقى تهديدات واضحة أو مبطنة وأحسست أنها ستتحقق هذه المرة، وكان الوضع في البلد بشكل عام مريع ومرعب يذكرنا بفترة مارس 2011.

في الغرفة السوداء

كان كل مَن يحيطون بي رجالاً، وعدد منهم من أقوياء البنية، من لاعبي كمال الأجسام. أدخلوني إلى ما يُعرف بالغرفة السوداء، وهي غرفة انتظار كنت قد دخلتها من قبل، فيها كل ما يتعلق بالتعذيب حتى أن الحائط أسود، وفيها طاولة تحيط بها كراسٍ، وفيها كرسي مهشم وأسلاك كهربائية.

ثم نُقلت إلى مكتب آخر. كانت هناك سيدتان باللباس المدني تضعان نظارات شمسية معتمة وكانت الأجواء معتمة في الغرفة، وكان هناك رجل باللباس التقليدي (الثوب والغترة) مع نظارة شمسية على عينيه أيضاً. وجهوا لي أسئلة حول حياتي وشخصي واهتماماتي، ثم أدخلوني غرفة ثالثة حيث عصبوا عيني، وأرجعوني إلى الغرفة السوداء. تعرضت للضرب على جميع أنحاء جسمي لمدة سبع ساعات، وركلوني ولكموني في مناطق حساسة كالرأس والمعدة، كما بقيت واقفة طوال فترة التحقيق.

طلب رجل من السيدتين أن يخلعوا عني عباءتي. ورغم رفضي إلا أنهما قامتا بذلك. كما أخلعوني الحذاء، ثم اختفت السيدتان ولم أسمع صوتهما، وبدأ التحقيق.

كانت الأسئلة تدور حول عمل الناشطين الحقوقيين داخل وخارج البحرين بالأسماء. سألوني عن أسماء زملاء، بعضهم تربطني بهم معرفة سطحية، وسألوني عن عملية الدراز الأمنية، وكانوا يحاولون صياغة تهمة ضدي بناء على مشاركتي في مؤتمر في لبنان ومحاولة ربطه بحزب الله وهي أمور غير صحيحة ورفضتها جملة وتفصيلاً.

سألوني أيضاً عن مشاركتي في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف في مارس 2017، حيث تحدثت عن الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان والتعذيب والحرمان من العلاج في السجون وغيرها من الانتهاكات في البحرين.

طلب مني المباعدة بين رجلي، وعندما قمت بذلك، طلب أن تكون المسافة أكبر، فقلت للمحقق أنني أمرأة وصائمة ومريضة ولا أستطيع المباعدة بينهما أكثر.

تم للاعتداء اللفظي عليّ من قبل المحققين الذين هددوني باغتصابي إذا لم أتوقف عن نشاطي في مجال حقوق الإنسان. واستخدم المحققون معي أسلوب التعذيب النفسي من خلال تهديدي باستهداف زوجي وأطفالي وبناتي، وحتى أعمال والدي التجارية.

كانت اللكمات تأتيني من كل صوب، وكنت عندما أترنح أرتطم بجسم ضخم أعتقد أنه لأحد الرجال الذين رأيتهم عندما دخلت إلى المبنى.

بدأ الرجال من حولي بلمس جسدي وكنت أصرخ وأطالبهم بالتوقف، كما أنني قلت لهم: هل يعلم الملك بما تقومون به في هذه الغرفة؟ وكانوا يزيدون من ضربي، وقال لي أحدهم: لا تأتِ على سيرة الملك لأنك خائنة.

"ضوء أخضر من ترامب"

وعندما قلت لهم إن ما يقومون به لا يتماشى مع الاتفاقيات والمعاهدات التي وقعت عليها البحرين في مجال حقوق الإنسان، كانوا يسخرون مني، ويقولون لي "لا أحد سيحميك هنا، نحن نستطيع القيام بأي شيء، أن نغتصبك، ولا الأمم المتحدة ولا غيرها ستنقذك منا، ولدينا ضوء أخضر من (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب بأن نفعل بك ما نريده".

"كانوا يسخرون مني، ويقولون لي 'لا أحد سيحميك هنا، نستطيع القيام بأي شيء، أن نغتصبك، ولا أحد سينقذك منا، ولدينا ضوء أخضر من ترامب بأن نفعل بك ما نريده’"... قصة تعذيب الناشطة البحرينية ابتسام الصائغ
"صرخ المحقق بأن يُنزل أحدهم بنطالي، فصرخت وصرخت ولكن ما من مجيب. أمسك الشخص القوي بيديّ حتى لا أقاوم، وأنزل بنطالي وملابسي الداخلية وبدأ بلمس جسمي. انهرت وأعتقد أنه أغمي علي"... قصة تعذيب الناشطة البحرينية ابتسام الصائغ

عندما حان وقت الأذان، سُمح لي بأن أفطر وجلبوا لي الطعام ولكني لم أستطع أكل شيء لأني كنت منهارة وتعبة وجسدي يؤلمني من التعذيب وأشعر بصداع ودوار بسبب الضرب على رأسي.

ثم عادوا وعصبوا عيني، وأرجعوني إلى الغرفة نفسها، وكنت بصعوبة أستطيع الحركة والمشي، ولكنهم سحبوني وأوقفوني، وهددني أحدهم بأنه سيقتل أولادي ويستهدفهم، وراح يخبرني عمّا حدث لنشطاء سياسيين وحقوقيين من قبل في هذه الغرفة، وزاد الضرب والركل.

بعد ست ساعات من التحقيق والضرب، صرخ المحقق بأن يُنزل أحدهم بنطالي، فصرخت وصرخت ولكن ما من مجيب. أمسك الشخص القوي بيديّ حتى لا أقاوم، وأنزل بنطالي وملابسي الداخلية وبدأ بلمس جسمي، وكنت في حالة انهيار، ثم لا أتذكر ماذا حصل. وقعت على الأرض، أعتقد أنه أغمي علي، ثم أحسست بمياه باردة تسكب عليّ وطلبوا مني مرة أخرى الوقوف، ولكني أخبرتهم بأني لا أستطيع ذلك وما قاموا به من اعتداء جنسي جريمة كبرى.

كنت كلما أتحدث عن القانون أو الحقوق تزيد الضربات. طوال الوقت كنت أتمنى الموت حتى لا أتعرض للإهانات.

كان من الواضح أن الاعتداء الجنسي عليّ هو بهدف ترهيبي وبأن أخرج من هذا المكتب مكسورة من الداخل، وهددوني بالانتقام منّي وبأن ألقى أكثر مما لقيته هذه المرّة، إذا لم أعلن عبر حسابي على تويتر أني سأتوقف عن العمل في مجال حقوق الإنسان وأستقيل من منظمة "سلام" التي أعمل معها منذ سنوات.

انهرت تحت التعذيب النفسي والجسدي، وعندما سُمح لي بالمغادرة في الساعة الساعة الحادية عشرة مساءً، لم أستطع المشي بسبب الوقوف كل تلك المدة ورجلي مفتوحتان، أعطتني السيدتان المدنيتان عباءتي فارتديتها، وأمسكتا بيدي لمساعدتي على النزول إلى الطابق الأرضي ومن ثم إلى البوابة الرئيسية التي دخلت منها. كان زوجي ينتظرني في الخارج، وما أن أمسك بي حتى سقطت على الأرض في حالة صدمة ونقلني فوراً إلى مستشفى خاص.

عندما كنت في قسم الطوارئ أتلقى المهدئات والعلاج، رأيت عناصر من جهاز الأمن الوطني، ما أثار الرعب في نفسي مجدداً، فرفضت البقاء في المستشفى وعدت إلى المنزل.

هذه الشهادة كتبتها نزيهة سعيد بناءً على مقابلة أجرتها مع ابتسام الصائغ.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard