شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
مسلسل

مسلسل "جن" يحتاج إلى نقّاد وليس إلى أرباب "شرف حسّاس"!

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 17 يونيو 201905:05 م

ثمّة أسباب كثيرة تجعلنا نتحدّث في حريّات الأفراد ومساحاتهم مراراً وتكراراً، على الرغم من أننا نعرف إلى أين وصل العالم في القرن الحادي والعشرين، أسباب تتعلّق بخوف مجتمعاتنا، نحن العالم الثالث، من التقدّم ومن العلم، ومما يمكن أن يصيره الفرد إذا عرف أكثر مما يجب عليه أن يعرف!، وأسباب أخرى في مجملها لا تعني سوى أن الفرد عليه أن يعيش ويموت ضمن نفس العقلية والعرف والعادات، كأن المجتمع يطلب من أفراده أن يظلّوا تحت إبطه، لأن أيَّ تغييرٍ بسيطٍ يمكنه أن يزعزع بنيته القديمة المتهالكة.

هذه مقدّمة كنت أتمنى أن أتبعها بأنني كتبت هذا المقال دفاعاً عن الحريّات العربيّة والإبداع العربي والمسيرة العربيّة نحو الأفق الواسع، إلّا أن المعادلة هنا هي أن دولةً كاملةً، بمؤسّساتها وأفرادها وجهاتها العامّة والخاصّة، تستنكر وتعترض، على الحلقة الأولى من مسلسل "جن" المُنتج من قبل شركة "نتفلكس" الأمريكيّة، والذي تمَّ تصويره في البتراء ومثّل فيه أردنيّون، حيث تناول العمل قصّة مجموعة طلاب في المدرسة، قاموا بزيارة البتراء ووجدوا الجنّ، وبدأ يؤثّر في تصرّفاتهم وفي مسار الحلقة، أي أن القصّة كلّها خياليّة! هذا أوّلاً، والإنتاج أمريكي، ما يعني أنك ستدفع مقابل أن تشاهد هذا العمل، أي إنه ليس موجّهاً لي طالما أنني لم أدفع اشتراك لنتفلكس، ولن أتمكّن من مشاهدة ما تعرضه من دون اشتراك. إن ما نناقشه هنا لم يُعرض في التلفزيون الأردني الرسمي، ولم يعرض في قناة "رؤيا" ولا حتى على يوتيوب.

حتى اللحظة لا أعرف ما هي ثوابت المجتمع الأردني، وما هي قيمه وكيف يُخدش حياؤه الحسّاس بمثل هذه السهولة؟

ما زالت حملات الاعتراضات في أوجها، إن كلَّ من يعترض على العمل يستهلّ حديثه بأن مسلسل "جن" يضرب قيم المجتمع الأردني وثوابته وعاداته، ثم يعترض على أن الحلقة احتوت بعض المسبّات الخادشة للحياء، مع تحفّظي الكامل على هذه الكلمة التي تعني بالأصل، أن الحياء الذي يُخدش هو حياء المرأة لأنها هي من تُشتم دائماً، ثم يعترض على أن طالباً وطالبةً قاما بتقبيل بعضهما، واستخدما بعض الإيحاءات الجنسيّة في المشهد، والبعض الآخر قال إن السيناريو تافهٌ وركيكٌ ولا يمثّل المجتمع الأردني.

إن عملاً كهذا ليس موجّهاً للمجتمع الأردني، من الممكن أن يعوّل على هذا العمل في تكثيف السياحة العالميّة إلى البتراء ليس أكثر. هذا العمل موجّه لمشتركي "نتفلكس" ومن يتابعها، ونسبتهم في الأردن والعالم العربي تقدر بـ1-2 بالمئة، كما أن الشتائم التي أثارت الجموع واستفزّت آدابهم وأخلاقهم الحميدة، تقال وتسمع يوميّاً، عشرات ومئات المرّات، في البيت والعمل والشارع وأثناء القيادة، وحتى في مجلس النواب الأردني، وهناك فيديوهات منتشرة توثّق هذا الكلام وقد شاهدها العالم بأكمله، ولم يخدش الحياء الأردني ولا من يحزنون، بل إنهم يستخدمون الشتائم البذيئة فعلاً في نقد العمل على جميع منّصات التواصل الاجتماعي.

أما بالنسبة لمشهد القبلة بين طالبين في سن المراهقة، أعتقد أنه مبرّرٌ نوعاً ما، بما أن الطلاب والطالبات يقومون باكتشاف أنفسهم وميولهم الجنسيّة في هذا السنّ، وبما أن هنالك قصّة حبٍّ بينهما، فالسياق الطبيعي بأن تحدث قبلة حينما يلتقيان، فما المدهش بالأمر وما هو غير الطبيعي؟! لا أفهم! المذهل أن اعتراضاً كهذا جاء من مجتمعٍ يخوض معركة اعتراضاتٍ يطالب فيها منذ سنتين بكرامة العيش وبمحاسبة الفاسدين وبالحرية التي يعرف تماماً أنه محروم منها... إلخ، ثم يأتي عند قصّةٍ قوامها اللهجة الأردنيّة والممثل الأردني، ليعترض ويطالب بمحاسبة كلِّ من يهدم ثوابت وقيم الشاب الأردني والشابة الأردنيّة الخلوقة.

إن مسلسل "جن" ليس موجّهاً للمجتمع الأردني، من الممكن أن يعوّل على هذا العمل في تكثيف السياحة العالميّة إلى البتراء ليس أكثر. هذا العمل موجّه لمشتركي "نتفلكس" ومن يتابعها، ونسبتهم في الأردن والعالم العربي تقدر بـ1-2 بالمئة.

 الشتائم التي أثارت الجموع واستفزّت آدابهم وأخلاقهم الحميدة، تقال وتسمع يوميّاً، عشرات ومئات المرّات، في البيت والعمل والشارع وأثناء القيادة، وحتى في مجلس النواب الأردني.

الحياء لن يجلب لنا سوى الهزائم الأخلاقيّة والنفسيّة، إن دولةً تستنكر لقبلةٍ وشتيمةٍ وينقلب كيانها رأساً على عقب لا يعوّل عليها، إننا نحارب الحبّ والنجاح، وإذا قرّرنا أن نخوض خصومةً فإننا نختصم مع الواقع، ونقوم بتجزئة الحرية كما يحلو لنا.

حتى اللحظة لا أعرف ما هي ثوابت المجتمع الأردني، وما هي قيمه وكيف يُخدش حياؤه الحسّاس بمثل هذه السهولة؟ منذ فترةٍ بسيطةٍ خرجنا من رمضان الذي خُدش فيه حياء البعض من وجود أشخاصٍ يجاهرون بإفطارهم، وقبلها خُدش حياؤه من مهرجان ألوان وموسيقى يرتدي الناس به بيجامات، وقبلها خدش حياؤه من استقبال عائلةٍ أردنيّةٍ بشكلٍ خاص لأخصّائي بشرة لبناني مثليّ الجنس، إن متاهةً كهذه من الصعب جدّاً على واحدنا أن يفهمها، كلُّ فكرة يمكنها أن تزلزل مجتمعاً بأكمله، وكلُّ محاولة للتعبير عن الحرية من شأنها أن تجعل الجميع ينتفض، وقصّةٌ بسيطةٌ لنجاحٍ لا يتوافق مع ما يفهمه المجتمع عن النجاح ستوسم بالفشل والدناءة.

من حلقةٍ واحدةٍ ثار بركان شعبي لا يمكن التعامل معه الآن، وأحد لم يقل أن المسلسل لم ينته بعد.

من حلقةٍ واحدةٍ ثار بركان شعبي لا يمكن التعامل معه الآن، وأحد لم يقل أن المسلسل لم ينته بعد، وأن السيناريو لا يُحكم عليه قبل أن ينتهي العمل، وأن العمل أصلاً يحتاج لنقّاد وليس لأرباب شرفٍ حسّاس. كان بإمكاني أن استمع للنقد من شخصٍ يتابع إنتاج "نتفلكس" بأكمله ووجد بعض المشاكل الفنيّة والبنيويّة في الحلقة الأولى، لكنني أجزم أن شخصاً كهذا سيعطي العمل الوقت الكافي حتى ينتهي ويحكم عليه، إن من يحكم الآن لا يُقدّم من التمثيل سوى سكيتشات الكوميديا التي تعرض على الشاشات الرسميّة، وتقدّم في كلِّ حلقةٍ سلسلةً من الشتائم المصنّفة تحت بند خدش الحياء، ولم تهتز للشعب شعرةٌ واحدة.

أفضل ما في الأمر أن "نتفلكس"، الشركة العالميّة الناجحة، قد أثارت البلبلة في دولةٍ عربيّة إثر حلقةٍ واحدةٍ من مسلسلٍ عُرض بلهجةٍ أردنيّة، بينما يتضخّم يومياً نجاحها وتقدّمها عالمياً، والأهم أنها مُرضية للمجتمع الأمريكي وهو الأوّل عالمياً بالنسبة لها، الحياء لن يجلب لنا سوى الهزائم الأخلاقيّة والخلقيّة والنفسيّة، إن دولةً تستنكر لقبلةٍ وشتيمةٍ وينقلب كيانها رأساً على عقب لا يعوّل عليها، إننا نحارب الحبّ والنجاح، وإذا قرّرنا أن نخوض خصومةً فإننا نختصم مع الواقع، ونقوم بتجزئة الحرية كما يحلو لنا.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard