شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
أن تكون صحفياً ولا تموت جوعاً

أن تكون صحفياً ولا تموت جوعاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 13 يونيو 201903:46 م

نكتشف شعار "ما من صّحافة حرّة" حين دراسة الإعلام، ذات الشعار تحوّل مع نهضة وسائل التواصل الاجتماعيّ إلى عرفٍ يُدركه الجميع، ويتلمّس الصحفيون تقنيات تطبيقه حين يبدؤون بممارسة المهنة، التي نتعلّم التلوّي بين محرّريها ومؤسّساتها لنضمن استمرارنا بالعمل، في ذات الوقت نتهم المؤمنين بحريّة الصحافة بالسذاجة، كونهم بسبب إيمانهم هذا يهدّدون استمرار مؤسّساتهم المتواضعة، أو يقتصر الاستقرار الماديّ على عددٍ قليلٍ من العاملين، مع ذلك نحن جديّون بالتعامل مع ما نُنتجه، بعكس الكثير من القرّاء والمشاهدين المستخفّين بما نفعل، والسبب أنهم يدركون أن ما أمامهم خاضعٌ للتحرير والتدقيق والاختيار، ليكون ملائماً للوسيلة التي تقوم بالبثِّ أو النشر.

طبيعة العمل الصحفي في المنطقة العربيّة محفوفةٌ بالمخاطر، سواء الجسديّة التي يعرفها الجميع أو المهنيّة، الرقيقة، العنيفة سرّاً.

طبيعة العمل الصحفي في المنطقة العربيّة محفوفةٌ بالمخاطر، سواء الجسديّة التي يعرفها الجميع أو المهنيّة، الرقيقة، العنيفة سرّاً، فاحتمالات فقدان الصحفي لعمله موجودةٌ في أيّ لحظة، ليس فقط بسبب طبيعة المواضيع التي يراها البعض محرّمات، بل أحياناً بسبب موضوعات لا تقترب من الجنس والدين، بل تلك السياسيّة، المُحاطة بالصمت لا السريّة، التي هناك اتفاق على عدم الخوض بها، لفهم الموضوع أكثر، نقصد هنا بالصحفيين، العاملين أو المستكتبين أو المنتجين الفاعلين ضمن وسائل الأعلام الدوليّة، المملوكة من قِبَل بضعة بلدان، هذه المحطات والصحف، قسمت الناس والعالم إلى أعداء وحلفاء، وعلى كلِّ العاملين ضمنها الانصياع لهذه "التوجّهات"، ومحاولة الفرار من هذه التقسيمات تزداد صعوبةً، كون هذه البلدان توسّع إمبراطوريّاتها الإعلاميّة والثقافيّة، مراكز أبحاث وشراكات مع صحفٍ أجنبيّة وشركات إنتاج تتغيّر سياساتها حسب رأس المال.

لفهم المشكلة والتقسيمات السابقة لابدّ من النظر في اللامكتوب، في المشطوب الذي لا نراه عادةً، لكن يمكن تلمّس أثره على تدفّق الأخبار "الجديّة" والأشكال الأخرى "اللاجديّة"، فالصحفيّون العرب محكومون بصراعات الخليج العربي، والمواقف المختلفة بينهم، عداوة كانت أم صداقة، ولن نتحدّث عن "المشاهير" من هؤلاء الصحفيين، بل المستكتبين والمحرّرين الصامتين، والمقاتلين لنشر أو بثِّ عدّة تقارير في الشهر، والموزّعة "ولاءاتهم" بين قطر والسعوديّة والإمارات، التي تمتلك كلُّ واحدةٍ منها كتّابها ومحرّريها ومذيعيها ومنتجيها وصحفيّيها، الخطوة الأولى هي أن "تلعب" ضمن فريقٍ واحد، والأهمّ أن تورّطك في الصراع بين هذه الدول، لن يضمن عملك أيضاً، فالفُرَقُ المتصارعة قد تتصالح، وتكون أنت كبش الفداء.

هناك الكثير يمكن الكتابة عنه، لكن هناك دوماً حدّاً لا يمكن تجاوزه، حدّاً يفضح البنيّة بأكملها ودورها المهين في خلق الصراعات وإخفاء الحقائق.

تغيير "الفريق" لتوجّهاته قد تكلّفك عملك، إن كنت من بلد الذين كانوا أعداءً ثمّ "تصالحوا"، مثلاً، إن كنت معارضاً للنظام السوري، وتكتب في صحفٍ إماراتيّة، فالوضع الآن غير مناسب، كون الإمارات الآن لا مشكلة لديها مع النظام السوري، بل ويمكن ملاحظة ذلك من طبيعة ما يُبَثُّ من داخل سوريا وما يحدث بها، هي الآن جنّة ثقافيّة مليئة بالأنشطة والإنتاج الدرامي والتلفزيوني، حرفيّاً بين يومٍ وليلة، تحوّلت منتجات النظام السوري من بروباغاندا إلى فنٍّ راقٍ ومحاولةٍ لكشف حقيقة ما يحصل في البلاد، وهنا تقع في مشكلة، هل تتجنّب الحديث عن سوريا بالكامل للحفاظ على عملك، وتكتم الشعور بالعار كونك متأكد أن ما يُكتب هو أكاذيب وتلفيق، الأهمّ، لو تجنّبت ذلك، هل ستبقى مصداقيّتك على حالها، هل سيستمرّ من يتابعك ويقرؤك بتصديق ما تقول أو تكتب؟، "كذب" الآخرين سيطغى على "صدقك" ويدفعك نفسك لإعادة النظر في موقفك، والقارئ لا يرحم، إن كانت المنصّة تختلف معه، فكلُّ ما فيها مرفوض أو عرضة للتكذيب.

إن كنت تلعب مع الفريق السعودي، من غير المنطقي والمعيب مهنيّاً وأخلاقيّاً أن تستمرّ في العمل بعد اغتيال الخاشقجي، لكن إن أصدرت السعوديّة نسخةً عربيّةً من صحيفةٍ بريطانيّة، ما العمل؟ هل تتبع غواية الاسم؟ أم تتجنّب المشاركة والإنتاج مع من قتلوا صحفياً مثلك، أم تنتقل لفريقٍ آخر داعمٍ لبشار الأسد، أو فريقٍ معارضٍ لبشار الأسد لكنه محاطٌ بتهم الفساد والتحرّش، والأهمّ مؤيّد وداعمٌ لنظام السيسي، أيّ دائرة من دوائر الصمت أنت مستعدٌّ للانخراط ضمنها؟ هل هناك بديل قادر على تأمين عيشك، متطلبات حياتك، دون تأنيب ضمير، أو ببساطة تتبنى موقفاً يوتوبياً وتكتب مجّاناً في أماكن مغمورة أو مدوّنتك الخاصّة؟

هناك تعميمٌ وليد عقليةٍ ساذجةٍ وصورٍ نمطيّةٍ قديمة، وهو أن العربي لا يقرأ، هذا وهمٌ، القارئ ذكي، و قادر على تمييز التافه من العميق، والدعائي من النقدي.

هناك رعشة صغيرة تصيبك حين التعامل مع أيِّ موضوع، تعلم أن اسمك مرتبطٌ بسياسات الوسيلة التي تعمل بها، بالتالي، هناك مواضيع لا يمكنك الاقتراب منها، تافهة كانت أم هامّة، مثلاً هل انتقادك لسياسات توسيع الحرم المكيّ ستكون مقبولة؟ هل السخرية من متحف اللوفر في أبو ظبي مسموحة؟ هل سخافة استضافة قطر للمونديال وتهكّمك على ذلك، ستؤثّر على ترشيحك للبوكر أو كاتارا، في حال انتقدت سياسات واحدٍ من هذين البلدين؟

هذه التساؤلات ذات أثرٍ واقعي، الفنان اللبناني وليد رعد ممنوعٌ من دخول الإمارات لانتقاده عمليات بناء اللوفر، قطر تهدّد الصحفيين وتشتري صمتهم، تلفزيون سوريا يرفع دعواتٍ قضائيّةً في أوروبا ضدَّ منتقديه كما فعل مديره السابق أنس أزرق مع أحد الشبّان السوريين، الذي دافع عنه المحامي أنور البنّي، في ذات الوقت ظهر لاحقاً على تلفزيون سوريا، أبسط من ذلك، هل انتقادك لزاوية الأبراج في مكان ما سيكون منطقيّاً ومُقنعاً للقارئ، إن كنت تعمل في مكانٍ يرى أن السيسي قادرٌ على تغيير مصر والعالم؟

عليك أن تكون كلاعب خفّةٍ، تجيد التنقّل والتوازن على الحبل في التعامل مع المؤسّسة ومع موضوعك وكيفيّة تناوله، خصوصاً أن بعض الحكومات العربيّة تضع نفسها بمواجهة صحفٍ ومنابر تلفزيونيّة، مصر والسعودية تحجبان رصيف22 مثلاً، دولٌ أخرى تتصيّد الصحفيين والمراسلين، أو كحالة سوريا، الوكالات الكبرى تعتمد كمراسلين رجالَ بروباغندا فُضح كذبهم عدة مرّات، والسؤال هنا مرّة أخرى، كيف سيصدّق أو يقتنع، القارئ أو المشاهد، ما تتناوله، إن كان قبل صفحةٍ أو دقيقةٍ، يقرأ عن إعادة الإعمار في سوريا، أو صحّة الانتخابات الرئاسيّة في مصر، ما هي جدوى تقريرك ودقائق الهواء المعدودة إن كانت بين خبرين كاذبين أو ملفقين، أو بين مقالين ترويجيين، أنت بمواجهة خطر الصراع الخليجيّ، وخطر الديكتاتوريات التي تعتقل وتقمع الصحفيين، وخطر فقدان عملك، والأهمّ، خطر أن تصبح واحداً من أولئك الذين تنتقدهم، بل وربما أنت منهم بسبب مجاورتك لهم دون أن تعلم.

احتمالات فقدان الصحفي لعمله موجودةٌ، ليس فقط بسبب طبيعة المواضيع التي يراها البعض محرّمات، بل أحياناً بسبب موضوعات تقترب من السياسيّة، المُحاطة بالصمت لا السريّة، التي هناك اتفاق على عدم الخوض بها.

هناك رعشة صغيرة تصيبك حين التعامل مع أيِّ موضوع، تعلم أن اسمك مرتبطٌ بسياسات الوسيلة التي تعمل بها، بالتالي، هناك مواضيع لا يمكنك الاقتراب منها، تافهة كانت أم هامّة.

عليك أن تكون كلاعب خفّةٍ، تجيد التنقّل والتوازن على الحبل في التعامل مع المؤسّسة ومع موضوعك وكيفيّة تناوله، خصوصاً أن بعض الحكومات العربيّة تضع نفسها بمواجهة صحفٍ ومنابر تلفزيونيّة، مصر والسعودية تحجبان رصيف22 مثلاً.

القارئ ذكي طبعاً

هناك تعميمٌ -بالرغم من ثورات الربيع العربي- تراه العديد من الصحف الكبرى صحيحاً، تعميمٌ وليد عقليةٍ ساذجةٍ وصورٍ نمطيّةٍ قديمة، وهو أن العربي لا يقرأ، هذا وهمٌ، القارئ ذكي، و قادر على تمييز التافه من العميق، والدعائي من النقدي، وأتاحت له وسائل التواصل الاجتماعي أن يشتم و ينتقد ما لا يعجبه، لم يعد خفياً، صامتاً، بل نراه بجرأة مشجّع كرة القدم، يشتم اللعب السيء، و قد يقوم بشغبٍ إن لم يعجبه ما يراه، استفزازه يعني أنه يقرأ، حتى لو لم "يفهم" قيمة المكتوب في بعض الأحيان، لكنه بالنهاية يقرأ، و بعد مئات الشتائم، لا بدّ نهاية أن يقتنع أن هناك نظاماً ديكتاتوريّاً وعمّالاً يتمّ استغلالهم في مكانٍ ما، كصحفيين، نحن نشير إلى ما هو خاطئ، وكلما أشرنا أكثر، كلما اتضح العطب أكثر، الأهم أن هذا القارئ أو المشاهد أو الحاضر ضمن الأعمال الصحفيّة، أصبح جريئاً، يعلم أن تسلسل الأفكار في الحجّة ولو كان شديد المنطقيّة خاضعٌ لسياساتٍ ما، أيّ أنه سيسخر منك حين تتحدّث عن الهيمنة الدينيّة في إيران والعنف الممارس هناك، وأنت تبثُّ من منبر سعوديّ، تعلم بدقّة أن صاحبه لا مشكلة لديه في العنف الممارس داخل المملكة، والذي يتطابق مع ذاك الحاضر في إيران.

هناك عطبٌ عميقٌ في الصناعة الثقافيّة العربيّة، وإيديولوجيا شديدة الهيمنة تبدو ناصعةً ونظيفةً للوهلة الأولى، لكن ما إن نتعرّف على ديناميّتها حتى نرى المأساة التي نعيشها، بكون أرزاقنا دائماً مهدّدة، هناك الكثير يمكن الكتابة عنه، لكن هناك دوماً حدّاً لا يمكن تجاوزه، حدّاً يفضح البنيّة بأكملها ودورها المهين في خلق الصراعات وإخفاء الحقائق.

*يُنشر المقال باسمٍ مستعار.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard