شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"خدني #بطريقك".. ماذا لو واجهنا أزمة التنقلات في سوريا بالمشاركة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 6 يونيو 201908:07 م

التفت حولك جيدا، إن كنتَ طالباً أو موظفاً عالقاً في أحد شوارع المدن السوريّة ساعة الذروة، وتريد أن تعود لمنزلك، فقد تجد سيّاراتٍ خاصّة وضعت على زجاجها الأمامي ورقة صغير، كُتبت عليها كلمة "#بطريقك"، حينها يمكنك الاقتراب، وسؤال السائق عن وجهته، ومن ثمّ مشاركته الطريق، في حال كنت متجهاً نحو المنطقة نفسها.

هذه السيّارات هي جزءٌ من انتشارٍ خجولٍ لحملةٍ لا تزال في بداياتها، وتهدف لنشر ثقافة تشارك الطرق بين السوريين.

"وصّلني بطريقك" هو شعار الحملة، وبكلماتٍ بسيطة عبّر أصحابها عن فكرتهم عبر مجموعة أنشأوها على موقع فيسبوك منتصف الشهر الماضي، حملت اسم "#بطريقك": "يمكن كلّنا عم نموت من جوّا وقت نشوف الناس ناطرة. نطلب من أصحاب السيّارات الخاصّة يكتبوا ضمن المجموعة طريقهم، وتوقيت تنقلاتهم، لحتى نكون سند لبعض".

وجاء إنشاء المجموعة كردِّ فعلٍ على أزمة وقود السيارات الأخيرة التي عصفت بالبلاد، وشلّت الحركة فيها لأيام متتالية، مع نقصٍ حادٍّ في إمدادات الوقود، وإغلاق عددٍ كبيرٍ من المحطات، وكان الهدف، وفق زهراء روماني 29 عاماً ومن مؤسّسي المجموعة على فيسبوك: "التضامن في مواجهة الأزمة بأفعالٍ حقيقيّة، وليس مجرّد إبداء الاستياء أو استخدام السخرية والضحك".


رغم الخوف وظروف الحرب.. الفكرة تنتشر

بدأت الفكرة، كما تقول روماني في حديثٍ مع رصيف22، من حديثٍ بسيطٍ كان يدور بين مجموعةٍ من الأصدقاء حول ضرورة التفكير بحلٍّ لأزمة الوقود، التي أدّت لرفع أسعار المواصلات عدّة أضعاف، وصعوبة التنقّل سواءً داخل المدن أو بين المحافظات السوريّة، والاضطرار في بعض الأحيان للانتظار ساعاتٍ طويلةً للوصول من مكانٍ لآخر.

وبعد أيام، تحوّلت الفكرة من مجرّد حديثٍ إلى تطبيق على أرض الواقع.

"التفاعل الذي شهدناه من محيطنا شجّعنا لإنشاء مجموعة فيسبوك، وتحويلها إلى منصّة للعمل، مع وضع آليةٍ وقواعد يلتزم الجميع باتباعها"، تضيف روماني.

"عن طريقنا تعرّف كثيرون على بعضهم البعض، ومنهم جيران في نفس الشارع أو المنطقة، كما ساعدنا سائقين فرغت سياراتهم بشكل مفاجئ من الوقود"

اعتمدت المجموعة فكرة مشاركة أصحاب السيّارات الخاصّة مساراتهم اليوميّة عبر منشوراتٍ، يكتبون فيها نقاط ومواعيد انطلاقهم ووصولهم، كي يتمكّن أولئك الذين لا يملكون أيّ وسيلة نقلٍ متاحة، التشارك معهم في حال تطابق أو تقارب المسارات. وهنا كان على مؤسّسي المجموعة ضمان أمن وسلامة الأعضاء والمشاركين.

توضح روماني: "نحن لا زلنا خارجين من حربٍ تركت آثارها ومخلّفاتها على كلِّ نواحي حياتنا، فكان الحلّ في تسجيل بيانات أصحاب السيارات، وأولئك الذين سيشاركونهم الطريق، وعلى رأسها الاسم الثلاثي ورقم لوحة ومحرّك السيارة".

وخلال الأسابيع التالية، بدأ المئات بالانضمام للمجموعة والتفاعل مع فكرتها، ليصل عدد أعضائها اليوم إلى أكثر من سبعة عشر ألف شخص، موزّعين على عدّة مدنٍ ومحافظاتٍ سوريّة، كدمشق وحلب وحمص وطرطوس واللاذقية.

من هؤلاء الأعضاء حازم منصوري، طالب في كلية العمارة، حيث انضمّ لمجموعة "بطريقك" مدفوعاً أوّلاً بتأثّره ككلِّ السوريين بأزمة الوقود التي طالت الجميع، وأيضاً برغبته لأن يكون جزءاً من حملةٍ تهدف لكسر حاجز الخوف بين السوريين، كما يقول في حديثٍ مع رصيف22.

ومع حماس الشاب العشريني للفكرة وإيمانه بها، تحوّل إلى مشرفٍ على الحملة، يساهم مع ستة من الشبان والشابات في ضمان استمرار عملها بالشكل الأمثل، "عمل بهذا الحجم عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعلى أرض الواقع أيضاً يحتاج الكثير من الجهد والتنظيم".

انضمّ لهذا الحماس كثيرون أيضاً، فأحد المشاركين الدائمين على مجموعة الحملة واسمه محمد درويش، ينشر وبشكلٍ يومي مواعيد وأماكن تنقّلاته بسيّارته الخاصّة، ويبدو سعيداً بالفكرة التي يعتبرها "خدمةً للمجتمع وللسوريين" كما يقول.

خوف من الاختطاف والسرقة 

لا يعني ذلك قبول الجميع للفكرة، فالبعض، وخاصّة الفتيات، يتخوّف من حالات الخطف أو السرقة، والتي انتشرت في المجتمع السوري خلال سنوات الحرب. كما لاقت الحملة ردود أفعالٍ سلبيّة أخرى، حيث اعتبر البعض بأنها غير مجدية في ظلِّ الفوضى المروريّة المنتشرة في سوريا، وأيضاً الفوضى القانونيّة والتي قد تعيق تجنّب أي حوادث يمكن أن تشهدها مبادرات مجتمعيّة كهذه.

"مع ذلك، نرى بأن ردود الأفعال الإيجابيّة كانت هي الطاغية، ونعتقد بأننا سنواجه أيضاً تحدياتٍ أخرى تتعلّق بإمكانية الوصول لشرائح أكبر من السوريين، خلال الفترة المقبلة"، تقول روماني وهي طالبة مسجّلة في كليتي الإعلام والعلوم السياسيّة.

ويشرح حازم منصوري مراحل العمل على الفكرة: الفترة الأولى من عمل الحملة هي الأصعب، وتتطلب وقتاً لكسب ثقة الأعضاء وتقبّل المزيد من السوريين لها.

ويرى منصوري أن هدف الحملة أبعد من ذلك: "نحن نريد أن يساهم عملنا في إعادة بعض الأمان لسوريا بعد ما عشناه في الحرب".

خدمات غير مألوفة، وقصص حبّ

خلال شهر من بداية حملة "بطريقك"، وثّق المسؤولون عنها أكثر من 700 عملية توصيلٍ مجّانيّة داخل عددٍ من المدن السوريّة، وأيضاً بين بعض المحافظات، معظمها بواسطة سيارات خاصّة، وبعضها بالاتفاق مع أصحاب حافلات نقلٍ كبيرة.

وتشير روماني إلى أن إنجازات الحملة تتجاوز ذلك: "عن طريقنا تعرّف كثيرون على بعضهم البعض، ومنهم جيران في نفس الشارع أو المنطقة، كما ساعدنا سائقين فرغت سياراتهم بشكل مفاجئ من الوقود. لدينا عدد من الأعضاء الناشطين بمجال الخدمات الاضطراريّة، وآخرون يقضون عدّة ساعات كلّ يوم وهم يتجوّلون في الطرق بحثاً عمن قد يكون بحاجة للمساعدة".

"نريد أن يساهم عملنا في إعادة بعض الأمان لسوريا بعد ما عشناه في الحرب".

ومن القصص التي يحب مسؤولو حملة "بطريقك" روايتها للأعضاء وللناس خارج المجموعة، تعرّف شاب وفتاة على بعضهما من خلال الحملة، "المفاجأة أنو صار عنا حالة خطوبة عن طريق #بطريقك، ووعدونا لما يصير العرس أنو يعزموا الكلّ".

الحاجة لحلولٍ دائمة

يسعى القائمون على حملة بطريقك إلى أن تتحوّل المشاركة لثقافةٍ مجتمعيّة تكسر حالة الخوف لدى السوريين، ولتنشر أهمية مساعدة الناس لبعضهم البعض، "فنحن نعتقد بأننا سنواجه خلال الفترة المقبلة المزيد من الأزمات التي ستكون أصعب مما عشناه من قبل"، تقول روماني.

كما تأمل الفتاة وزملاؤها بالحصول على دعمٍ يمكّنهم من توسيع نطاق حملتهم وتحويلها إلى تطبيقٍ مجّاني على الهواتف المحمولة، وأيضاً التعاون مع جهات وشركات يمكن أن تقدّم بعض وسائل النقل بشكلٍ مجّاني، خاصّة خلال أوقات الأزمات.

تقول روماني:"نعتقد بأن عملنا سيستمرّ ولن يندثر، فالفكرة تلاقي رواجاً تدريجيّاً، وسنسعى لنشرها بشكلٍ أكبر".

"هدف حملة #بطريقك هو التضامن في مواجهة الأزمة بأفعالٍ حقيقيّة، وليس مجرّد إبداء الاستياء أو استخدام السخرية والضحك".

فاعلية الحملة يمكن أن تزداد أيضاً مع محاولة نشرها خارج إطار المدن الكبيرة، وأيضاً بعدم اعتمادها فقط على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي لا تلقى رواجاً سوى لدى فئة الشباب ومستخدمي الانترنت.

"ثقافة المشاركة موجودة في مجتمعنا منذ سنوات طويلة، لكننا نحتاج اليوم ربما لنشرها بطريقةٍ جديدةٍ، خاصّة بعد سنوات الحرب وما حصل فيها من فقدان للثقة بين السوريين"، يقول سامي، شاب ثلاثيني وهو موظف بشركة خاصة من المشاركين بالحملة لرصيف22، ويضيف: "وفي نهاية المطاف لا نملك سوى مساعدة بعضنا البعض. لو خِلْيِت، كانت خِربْت".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard