شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
من يتذكر رقم هاتف أحبائه...كيف أصابتنا التكنولوجيا بالخرف؟

من يتذكر رقم هاتف أحبائه...كيف أصابتنا التكنولوجيا بالخرف؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 6 يونيو 201905:03 م

تخيّلوا أن تستيقظوا في يومٍ من الأيام من دون أن يكون بوسعكم تذكر بعض التفاصيل المتعلّقة بحياتكم: مكان عملكم، إسم الشارع الذي يقطن فيه صديقكم، وجهة سيركم...والعجز عن تذكر رقم هاتف حبيبكم/تكم من دون الإستعانة بحافظة الهاتف والتي تأخذ على عاتقها مهمة تسجيل الأرقام والأسماء، المسألة ليست مستبعدة اذ أن الجيل الحالي بات يعتمد  أكثر فأكثر على التكنولوجيا لإراحة نفسه من عبء الحفظ في حين أن الأجيال السابقة تحرص على تسجيل وحفظ كل المعلومات في رأسها لتمرين "عضلات" العقل.

فبالرغم من الخدمات والتسهيلات الكثيرة التي أنجبتها الثورة التكنولوجية إلا أنه على ما يبدو أن العقل البشري هو الأكثر تضرراً من الإعتماد المفرط على التكنولوجيا التي قد تتسلل مع الوقت إلى الدماغ وتدمره وتجعل الشخص المعنيّ يُصاب بمرضٍ خطيرٍ لا شفاء منه: الزهايمر أو  فقدان الذاكرة.

تآكل الدماغ

هل أصبحنا نعتمد على التكنولوجيا بشكلٍ مفرط يصل إلى حدّ الهوس والإدمان؟هل فقدنا كبشرٍ قدرتنا على التفكير بعقلانية والرغبة في التعلم وتطوير مهاراتنا؟ هل شعرنا بالإحباط حين لاحظنا بأننا لا نحسن الوصول إلى منزل صديقنا من دون الإستعانة بنظام الGPS؟

لا شك أن أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية كلها أمور سهلت حياة البشر، من خلال تقليص المسافات الجغرافية وجعل العالم كله عبارة عن قريةٍ كونية، غير إن الإعتماد المفرط على التكنولوجيا يؤدي إلى تآكلٍ بطيء في الدماغ البشري، نظراً لكون ذاكرة الأجهزة الالكترونية باتت تحل محل ذاكرتنا الفعلية، مما يقلل من قدرتنا على التذكر وحفظ المعلومات، في عمليةٍ تعرف باسم "التفريغ المعرفي": كلما ازداد اعتمادنا على التكنولوجيا لتكون بمثابة ذاكرة بديلة، كلما خانتنا ذاكرتنا الأصلية....

فقد حذر الخبير والدبلوماسي البريطاني السابق "ديفيد باري" من أن أجهزة الملاحة عبر الأقمار الصناعية مثل خرائط "غوغل"، يمكن أن تدمر أدمغة الناس وقد تساهم في تطوير مرض الزهايمر.

أوضح "باري" الذي يكتب بشكلٍ مكثفٍ عن الملاحة الطبيعية، أن البشر قد طوروا إحساساً حاداً بمحيطهم ومكانهم في العالم على مدى مئات الآلاف من السنين، غير أن ذلك قد تلاشى الآن مع استيلاء التكنولوجيا عليه.

العقل البشري هو الأكثر تضرراً من الإعتماد المفرط على التكنولوجيا التي قد تتسلل مع الوقت إلى الدماغ وتدمره وتجعل الشخص المعنيّ يُصاب بمرضٍ خطيرٍ لا شفاء منه: الزهايمر

وأعرب الخبير عن قلقه من قدرة نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) على منع الناس من بناء المرونة التي تحتاج إليها أدمغتهم في وقتٍ لاحقٍ من الحياة، خاصة وأنه عند الإصابة بمرض الزهايمر فإن الحصين يعتبر أحد أول المناطق التي تتدهور في الدماغ، بحيث يفتقد الشخص المعني القدرة على تذكر الإتجاهات والتنقل.

وفي حديثه في The Hay Festivalاعتبر "ديفيد" أنه من المحزن للغاية أن نرى أشخاصاً يحنون رؤوسهم باستمرار لمتابعة خرائط الهواتف الذكية، مشدداً على إننا كبشر "أصبحنا أكثر فأكثر اعتماداً على هذه الأدوات الإلكترونية لمعرفة الطريق من حولنا، مما يجعلنا معزولين أكثر فاكثر عن العالم الطبيعي".

هذا بالإضافة إلى وجود مشاكل أعمق من ذلك متعلقة بالوظائف الإدراكية، اذ أن أجزاء الدماغ المسؤولة عن القدرة على التنقل تحتاج إلى ممارسة بعض التمارين، وفي حال عدم المثابرة على تمرينها فإن القدرات الذهنية تتقلص.

وأشار "باري" إلى أنه من المحتمل أن الاشخاص الذين وقعوا ضحية مرض الزهايمر، يكون الحصين لديهم قد تقلص بالفعل نتيجة قلّة الاستخدام، وبالتالي فإن "هذا يعتبر سبباً وجيهاً للرغبة في الحفاظ على تلك الأجزاء من الدماغ من خلال التمارين".

وكشف الخبير الذي يتناول في كتابه الجديد Incredible Journeys قدرات الملاحة الاستثنائية لدى الحيوانات، أن الدماغ البشري ربما لا يزال قادراً على تحقيق نتائج مماثلة بما في ذلك اكتشاف المجال المغناطيسي للأرض، على غرار العديد من الحيوانات التي تتنقل عبر استخدام المجال المغناطيسي.

ففي حين أن العلماء سبق وان اعتبروا أن هذه الخاصية محصورة بالحيوانات فقط، فإن إحدى الدراسات كشفت أن الموجات الدماغية لدى البشر تتغير بشكلٍ ملحوظ مع تحرك المجال المغناطيسي، مما يشير إلى أن الدماغ يلتقط الاتجاهات باللاوعي.

كما وجدت الدراسات الحديثة أن الحيوانات تستخدم البصر، الرائحة والصوت وحتى اتجاه درب التبانة للتنقل، وعليه اعتبر "باري" أن "جنسنا البشري موجود منذ 300 الف عام تقريباً وطوال الوقت كنا كبشر نتنقل من دون تكنولوجيا، اذ تم استخدام البوصلة المغناطيسية فقط في القرن الثاني عشر والخرائط في الفترة الحديثة، في حين أن أسلافنا كانوا يعتمدون على حواسهم وفطنتهم للعثور على وجهتهم".

وبالتالي أكد "ديفيد باري" أن استخدام خرائط "غوغل" وأنظمة الملاحة عبر الأقمار الصناعية قد تكون مسألة خطيرة للغاية، اذ تعزل الناس عن العالم الخارجي وتمنع عقولهم من التطور.

غياب المبادىء الإنسانية

إن الهوية الإنسانية بخطر والعقل البشري يتعرض لتهديدٍ عنيفٍ من العالم الحديث لكون الإعتماد المفرط على التكنولوجيا يؤدي إلى تآكل مبادئنا الأساسية، بحسب ما كشفته دراسة نشرها موقع science daily.

ففي هذا العصر باتت التكنولوجيا الرقمية في متناول اليد، مما يمهد لأزمةٍ حقيقيةٍ غير مسبوقة تهدد المفاهيم القديمة وتثير بعض الهواجس والتساؤلات: من نحن؟ ماذا نفعل؟كيف نتصرف؟.

فبحسب صحيفة الديلي ميل البريطانية، فإن هذه الأزمة يمكن أن تُعيد تشكيل طريقة تفاعلنا مع بعضنا البعض وتغيير مجرى سعادتنا وتعديل قدرتنا على تحقيق إمكاناتنا الكاملة كأفراد.

إذا قمنا بترسيخ أنفسنا في التكنولوجيا، فما الذي سيحدث لتلك المبادىء العالمية التي أوقفت الحروب ورفعت الوعي البشري والضمير الحيّ في أكثر الأوقات البدائية في التاريخ؟

وقد أوضح "مايكل بوغيجا"، أستاذ في جامعة آيوا أن "إعتمادنا على هذه الأدوات قد غيّر بشكلٍ جذري طريقتنا في التواصل والتفاعل والإطاحة ببطىءٍ ببعض مبادئنا الأساسية"، مشدداً على أهمية إدراك التداعيات المحتملة قبل فوات الآوان.

وفي كتابه Interpersonal Divide in the Age of the Machine يشرح "مايكل" ما يمكن أن يحدث في حال سمحنا للآلات بأن تملي علينا حياتنا:" إننا نفقد التعاطف والرحمة وقول الحقيقة والإنصاف والمسؤولية ونستبدل كل ذلك بقيم الآلات"، متسائلاً:" إذا قمنا بترسيخ أنفسنا في التكنولوجيا، فما الذي سيحدث لتلك المبادىء العالمية التي أوقفت الحروب ورفعت الوعي البشري والضمير الحيّ في أكثر الأوقات البدائية في التاريخ؟".

مخاطر الإعتماد البشري على التكنولوجيا

كشف موقع The next web عن بعض التداعيات الناجمة عن الإستخدام المفرط للتكنولوجيا:

فقدان الذاكرة: تكشف الدراسات الحديثة أن الإستخدام المفرط للهواتف الذكية والأجهزة الالكترونية من شأنه أن يضعف ذاكرتنا نظراً لكون عقولنا تدرك أن المعلومات يتم تخزينها في مكانٍ آخر، وبالتالي نشعر بأنه من غير المهم أن نبذل جهداً لتذكرها.

القلق والإكتئاب: لقد تم ربط الإستخدام المفرط للأجهزة المحمولة بالقلق والاكتئاب، بالإضافة إلى مشاكل أخرى متعلقة بالصحة العقلية، فعلى سبيل المثال، يمكن لسيل الأخبار والمعلومات أن يجعلكم تشعرون بأنكم منعزلين عن العالم الخارجي، كما أن الهوس بالتفاعلات الرقمية يمكن أن يؤثر سلباً على العلاقات الواقعية.

نفاذ الصبر: لقد جعلتنا التكنولوجيا نفقد الصبر بسرعة، فنظراً لكون الناس لديهم إمكانة الوصول إلى الرسائل والبريد الالكتروني على مدار الساعة، فإن ذلك يجعلهم يتوقعون أن يتم الردّ عليهم في غضون دقائق.

الإدمان: بالرغم من أن مصطلح "ادمان التكنولوجيا" هو محل نقاش وجدال، فمن الواضح أنه بالنسبة لبعض الناس فإن الاعتماد على التكنولوجيا بشكلٍ مفرط يسبب قلقاً شديداً عندما يتعذر الوصول إلى المجال التكنولوجي، وقد يظهر هذا كادمانٍ على وسائل التواصل الاجتماعي، الألعاب، الصور....

فقدان المهارات: إن استخدام الهاتف الذكي بشكلٍ منتظم لاستبدال أو تحسين مهارةٍ ما قد يقلل تدريجياً من قدرتنا على اتقان تلك المهارة، فعلى سبيل المثال وكما أشرنا في السابق أنه في حال كنتم تلجؤون إلى الهاتف الذكي للتنقل، فإنكم قد لا تتعلمون ابداً قراءة الخريطة أو التنقل من مكانٍ إلى آخر دون مساعدة جهاز الGPS.

باختصار لقد أحدثت التكنولوجيا الرقمية ثورة فعلية في تاريخ الحضارة الإنسانية، ولكن في حال لم ننتبه للأضرار التي قد تحدثها أو في حال لم نحسن التعامل معها بحذرٍ شديد، فإن الاستخدام المفرط للأجهزة والأنظمة التكنولوجية يمكن أن يؤدي إلى سقوط العديد من الأمور التي تميّزنا كبشرٍ عن سائر المخلوقات، ولعلّ أهم تلك الميزات قدرتنا على التفكير بعقلانية ورسم الخط الفاصل بين أجسادنا والعالم الخارجي من حولنا إضافة إلى احتمال التسبب بمشكلةٍ بيننا وبين الآخر حين يعلم هذا الأخير بأننا نعتمد على التكنولوجيا من أجل تذكر رقم هاتفه أو عنوان بيته.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard