شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
“أُخرج لساني للدولة”... كيف يتحايل المصريّون على حجب المسلسلات والمواقع؟

“أُخرج لساني للدولة”... كيف يتحايل المصريّون على حجب المسلسلات والمواقع؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 18 مايو 201907:34 م

"هي الناس ديه يا ولاد بتفكّر بالمقلوب".. أردّد كلمات عبد الرحمن الأبنودي وأنا أقرأ قرار شركة إعلام المصريين "ذراع الدولة السينمائي" وهي تعلن قبل شهر رمضان بـ48 ساعة عن عدم طرح مسلسلاتها الرمضانيّة أي 15 مسلسلاً من أصل 23، ومعظمهم لنجوم الصفِّ الأول، على "يوتيوب"، طارحةً تطبيق "watch it" باشتراكٍ شهري ليصبح المشاهد أمام خيارين، إمّا تحمل إعلانات القنوات المُملّة والطويلة للمشاهدة، أو الدفع في سلوكٍ احتكاري للمتعة.

مع كلّ موقعٍ يتمّ حَجْبه يظهر مواقع أخرى بطرقٍ أسهل، لم ألجأ حتى لاستخدام تخطي مواقع الحجب.

أكثر من 10 أيام مرّت من الشهر الكريم، وأستطيع وأنا مُطمئن القلب أن أُخرج لساني للدولة التي اتخذت هذا القرار، ثمّ أعقبته بحَجْبِ أشهر مواقع المشاهدة مثل "إيجي بيست - شاهد فور يو - السينما للجميع"، نعم أُخرج لساني لهم، فأنا أتابع 5 مسلسلاتٍ رمضانيّةٍ بشكل يومي ولم أضطرّ للدفع أو للإعلانات المُملّة، فقط يكفي أن أدخل على شبكة الانترنت لكتابة مشاهدة الحلقة كذا من المسلسل الذي أريده، لتظهر لي عشرات المواقع التي حُجب بعضها وفلت معظمها، ومع كلّ موقعٍ يتمّ حَجْبه يظهر مواقع أخرى بطرقٍ أسهل، لم ألجأ حتى لاستخدام تخطي مواقع الحجب، بل الأمر كان فرصة لمعرفة مواقع مشاهدةٍ كثيرة واستمتع بمحتواها وأدعو القرّاء للتجربة، أعود وأكرّر كلمات الأبنودي "بيفكّروا بالمقلوب".

وبعيداً عن التجربة الرمضانيّة التي أثارت فيَّ شعور الانتصار، أنظر إلى حياتي خلال السنوات الماضية والتي باتت حياةً محجوبة بالفعل، لم أكن تقنياً يوماً ما، لكن الحاجة أم الاختراع، وكم اكتشفت سذاجتي حين عرفت أن الأمر أسهل مما كنت أتوقّع، ويمكن التأريخ بثورة 25 يناير حين تمّ حجب موقع "فيسبوك" يوم 27 يناير 2011 تفادياً لجمعة الغضب، وقتها كلّ التحركات كانت تتمّ من خلال فيسبوك، لا يمكنك أن تكون وسط الأحداث إلا من خلال المتابعة، وفي وسط هذا الإجراء الذي أصابني بالشلل والإحساس بالهزيمة، وجدت من يتحدّث عن مواقع تخطي الحجب والبروكسي، اتبعت الخطوات وأنا لا أفهم شيئاً، لأجد الموقع الأزرق متاحاً أمامي، بل ومواقع الحجب تحدّد لي الدولة التي أريد أن أظهر أني أدخل من خلالها، عاد شعور الانتصار وشكرت التكنولوجيا التي لم تجعلنا عرضةً للقهر وأدوات الأجهزة الرقابيّة، وانتهت تلك الجولة بانتصار الثوّار.

سُبل المنع لم تكن في يوم من الأيام قادرة على المنع فعلاً، حدث هذا في زمن إمكانيّاته قليلة، فما بالكم بزمن يتحكّم فيه الإنترنت؟!

ورغم نسيم الحرية في السنوات القليلة ما بعد ثورة يناير، لكن منذ عام 2017 بدأت معركة أخرى، حين قرّرت الدولة حَجْب الكثير من المواقع الإخباريّة والتي وصل تقديرها في بعض الأحيان لأكثر من 512 موقع معظمها مواقع إخباريّة، أما حظي التعيس هو أن كثيراً من كتّابي المفضّلين يكتبون في تلك المواقع المحجوبة، وإن كان معظمهم ليس لهم أي علاقة بالسياسة.

أمام تلك الأزمة كان هناك حلان، الحلّ الأول أن بعض الكتّاب ينشرون مقالاتهم بالفعل على صفحاتهم الشخصيّة عبر "فيسبوك" لتنتصر التكنولوجيا مرّة أخرى على أي شيء، والحلّ الثاني استخدام مواقع تخطي الحجب، ولعلي فوجئت بعد سنوات من عدم استخدامها أن الأمر بات أسهل، فقط كتابة موقع لتخطي الحجب ووضع اللينك في مكانه المخصّص وضغط زرٍّ، وبعض الكتّاب يفعلون ذلك تطوعاً فيضعون روابط تخطي الحَجْب بالفعل، هكذا سارت الأمور بل ونصحت كثيراً من أصدقائي باستخدام تلك المواقع ودلّيتهم إليها ليتابعوا أيضاً ما يريدون.

بعد أيام من بداية الشهر الكريم، أستطيع وأنا مُطمئن القلب أن أُخرج لساني للدولة التي اتخذت هذا القرار، ثمّ أعقبته بحَجْبِ أشهر مواقع المشاهدة... نعم أُخرج لساني لهم، فأنا أتابع مسلسلاتٍ رمضانيّةٍ بشكل يومي ولم أضطرّ للدفع.

منذ أحداث "جمعة الغضب"، وجدت من يتحدّث عن مواقع تخطي الحجب والبروكسي، اتبعت الخطوات وأنا لا أفهم شيئاً، عاد شعور الانتصار وشكرت التكنولوجيا التي لم تجعلنا عرضةً للقهر وأدوات الأجهزة الرقابيّة، وانتهت تلك الجولة بانتصار الثوّار.

بالنظر إلى تاريخ السينما المصريّة، نجد هناك الكثير من الأفلام التي تمّ منعها من العرض في وقتها، وظنّ المسؤولون عن القرار أن ذلك يعني إعدام الفيلم، أكّد الزمن إنهم خاطئون، لقد تمّ عرض تلك الأفلام ولو بعض فترة من الزمن.

ما يحدث خلال السنوات الماضية لم يكن أكثر من استمرار تفكيرٍ بعينه يسيطر على كثير من دول الوطن العربي التي تظنّ أن المنع مفيدٌ، والحجب قرارٌ صائب، متخطين آليات الزمن، وعقول الناس، بل أن الأمر أفدح من ذلك، فبالنظر إلى تاريخ السينما المصريّة لأكثر من 100 سنة، نجد هناك الكثير من الأفلام التي تمّ منعها من العرض في وقتها، وظنّ المسؤولون عن القرار أن ذلك يعني إعدام الفيلم، أكّد الزمن إنهم خاطئون، لقد تمّ عرض تلك الأفلام ولو بعض فترة من الزمن، وبعضها طُبع على شرائط فيديو في الثمانينيات، ولا يزال يتمّ رفع أفلام مُنعت من العرض على "يوتيوب"، وتحوّل شعار المنع لنقطة جذبٍ للأفلام التي ربما نجح بعضها فقط لأنها ممنوعة.

ذلك ما تكرّر أيضاً مع الصحافة، فالراحل رفعت السعيد وهو يؤرّخ للحركة الشيوعيّة من خلال كتابه الصحافة اليساريّة في ثلاثينيات القرن الماضي، يحكي أيضاً كيف تمَّ التحايل على قرارات الرقابة التي كانت تغلق صحف اليسار بعد عددٍ أو اثنين، وتنوّعت الطرق، بإمكانيات ذاك العصر، من تحايل على القانون بإصدار صحفٍ جديدة، واستخدام رُخَصِ صحفٍ قد صدرت بالفعل، وبعيداً عن تنوّع الطرق، لكن الصحف استمرّت طوال الوقت، وأقبل عليها الجمهور رغم كل شيء.

في منتصف الثمانينيات ومع اختراع "الفيديو" بات هناك متنفّس أكثر للتلاعب، فما أن يتمّ منع فيلم من العرض حتى يتمّ طبعه على شرائط فيديو ويتمّ بيعها في مصر وخارجها، ليحقق الفيلم مكاسب مادية تفوق عرضه في دور السينما في بعض الأحيان، وهي عقبة تخطاها المنتجون لأوّل مرة، إذ كان الضرر الأوّل لمنع الأفلام أو المسلسلات يتحمّله المنتج الذي يعتمد على شباك التذاكر لتغطية مصاريف الإنتاج.

ما يحدث خلال السنوات الماضية لم يكن أكثر من استمرار تفكيرٍ بعينه يسيطر على كثير من دول الوطن العربي التي تظنّ أن المنع مفيدٌ، والحجب قرارٌ صائب، متخطين آليات الزمن، وعقول الناس.

لم تهدأ التكنولوجيا بعد ذلك، فبعد شرائط الكاسيت ظهرت "السيديهات" والتي تمّ من خلالها أيضاً تهريب الكثير من الأعمال الممنوعة من العرض، وهكذا شاهد الجمهور كلّ ما يريد منتصراً على أي قوانين رقابيّة، وبظهور الإنترنت وجدت الصحافة متنفساً، من خلال المواقع الإخباريّة التي اكتسبت شهرةً بسبب مساحة الحرية الأكبر مقارنةً بالصحف، خاصّة أن الدولة وقتها، أي في بداية الألفية الثانية، ومع عدد تلك المواقع المحدودة لم تهتمّ كثيراً بذلك.

ومع الصعود الصاروخي للإنترنت خلال السنوات الماضية، وظهور آلاف المواقع التي تؤرّق الأنظمة مثل ما يحدث في مصر، سواء كانت المواقع إخباريّة أو فنيّة، كان هناك أيضاً حلول لتلك المواقع من خلال تخطي الحجب، وإن كان المواطن يحتاج قديماً إلى شراء شريط فيديو أو "سيد دي" فإنه لم يعد محتاجاً الآن سوى ضغط زرّ، ومن خلاله يعرف كل شيء.

تلك بالطبع ليست دعوة لأن يتمّ فرض الرقابة أكثر وأكثر في كافة المجالات، لكنها دعوة بأن سُبل المنع لم تكن في يوم من الأيام قادرة على المنع فعلاً، حدث هذا في زمن إمكانيّاته قليلة، فما بالكم بزمن يتحكّم فيه الإنترنت؟!


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard