شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
كيف بلوّرت أميرات ديزني

كيف بلوّرت أميرات ديزني "الفاضلات" مفهوم الطهارة وسلبيّة الجسد الأنثوي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 11 مايو 201908:24 م

جميلات ديزني، القصص الأشهر في العالم، المُقتبسة عن حكايات الأخوين غريم وهانس كريستيان أندرسن وغيرهم. قصصٌ أخلاقيّة قديمة بنهاياتٍ مريعة، إيحاءاتٍ جنسيّة، وعنفٍ شديد. تعرّضت هذه الحكايات العالمية لعدّة تعديلات على مرّ العصور، فنسخة الأخوين غريم تختلف عن نسخة شارل بيرو، بما يتناسب مع معطيات العصر، إذ حملت نسخة الأخوين غريم فكراً تربويّاً والذي كان النهج المتبع في القرن التاسع عشر، أمّا النسخة التي نعرفها، فهي نسخة ديزني غالباً، والتي ترويها لنا أمهاتنا بنهايات ديزني، حيث تتزوّج الجميلة من الأمير ويعيشان بسعادةٍ إلى الأبد، ولم نسمع بالنهاية المأساويّة لحوريّة البحر الصغيرة حتى نُشرت حكايات هانس كريستيان أندرسن باللغة العربيّة.

خروج سندريلا من القصر أثار رغبة الأمير أكثر، إلا أنها في بيتها الآن، ولا يمكن له إن أرادها إلا الزواج. سندريلا بقيت "شريفة" و"طاهرة" وحظيت بنهايةٍ سعيدةٍ لقاء ذلك!

جنيّات، أمير، ونهاية سعيدة. قصصٌ مناسبةٌ لتحكيها الأمهات قبل النوم، ورغم تواجد قصص الحبّ فيها، إلا أنها لا تزال تُحكى لجميع الفتيات الصغيرات حتى في المجتمعات المغلقة، ويوافق الأهل على مشاهدة الأفلام التي تحكي حكاياتهن، في وقتٍ نرى فيه بعض العائلات تمنع بناتها من مشاهدة مسلسلات الأنميشن الحديثة. إذاً ما الفارق بين حكايات ديزني وغيرها؟ وأؤكّد هنا على ديزني لأننا نعرفها بمعالجة ديزني لها.

رغم وجود "علاقة الحبّ" التي تُثير امتعاض الأهل غالباً، إلا أنّ أميرات ديزني الشهيرات هنّ فاضلات بالكامل، ولا يذهبن "للخطيئة" بل تأتي النهاية السعيدة إليهن دون أي مشاركةٍ فعّالة منهن.

سندريلا، بياض الثلج والجميلة النائمة

كيف ذلك؟ على سبيل المثال: السؤال الذي يراود جميع الأطفال، والكبار ربما، حول حكاية سندريلا. لماذا كان على السحر أن يتوقّف عند الساعة الثانية عشرة؟ أذكر أن جواب أمي كان: "لو لم ينتهِ مفعوله، لما كانت هناك حكاية جميلة". رغم ذلك بقي السؤال يلحّ عليّ، ماذا لو بقيت سندريلا في الحفل؟ فشاهدتُ الفيلم مجدّداً عندما كبرت. سندريلا فتاة ساذجة بالكامل، قابلة للاستغلال بشكل كبير ولا يمكنها قول كلمة "لا"، وهذا واضح من تقبّلها لمعاملة زوجة أبيها وبناتها. الجنّية الطيّبة أدركت ذلك، وأرادت أن تضمن لسندريلا نهايةً سعيدة، لذا كان على السحر أن يتوقّف عند الساعة الثانية عشرة، ما يجعل سندريلا مضطرّة للخروج بسرعة من القصر والابتعاد عن الأمير. ماذا لو بقيت سندريلا هناك ولم ينته مفعول السحر؟ حسناً، فتاة بهذه السذاجة لن تقاوم أي طلبٍ من الأمير، وبعد منتصف الليل سيتمكن من ممارسة الجنس معها بسهولة ودون أي رفضٍ منها، وبهذه الطريقة لن يتزوّجها فعلاً "لأنه حصل على مراده" كما تقول أمهاتنا. خروج سندريلا من القصر أثار رغبة الأمير أكثر، إلا أنها في بيتها الآن، ولا يمكن له إن أرادها إلا الزواج. سندريلا بقيت "شريفة" و"طاهرة" وحظيت بنهايةٍ سعيدةٍ لقاء ذلك!

الحكايتان الثالثة والرابعة، بياض الثلج، والجميلة النائمة: الحلّ في كلتا الحكايتين متشابه أو يكاد أن يكون نفسه. الأميرة نائمة بلعنةٍ سحريّة، ولا تستيقظ إلا بقبلة حبٍّ حقيقي. هنا أيضاً يلحّ سؤال طفولي مجدداً: كيف يكون حبّاً حقيقياً وهما لا يعرفان بعضهما فعلاً؟ ومرّة أخرى لا إجابة منطقيّة على هذا السؤال، ولو كان هذا "الحبّ" الذي نسأل عنه موجوداً في الحكاية لما كانت مقبولة لدى الأمهات. كلتا الأميرتين تغرقان في نومٍ لا يمكن أن يستيقظا منه، وهكذا يبقين دون "فعل" أي دون "خطيئة". بالتالي فإن القبلة التي تتلقّاها بياض الثلج أو أورورا (الجميلة النائمة)، لا تُحتسب ضدّهما، لأنهما كانتا نائمتين، وغير واعيتين لما يحدث، بالتالي يُفعل بهن ولا يَفعلن، ما يُبقي صورتهما طاهرة ونقيّة لا تشوبها شائبة، وبهذا النقاء تحصل على نهايتها السعيدة التي تبدو كمكافأةٍ على "الطيبة". الطيبة التي ترتبط بالسذاجة بشكلٍ كبير في حكايات كهذه، فتاة لا تفعل، تتلقّى فحسب، سواء أكان تلقّي الاضطهاد في حالة (بياض الثلج) مثلاً، أو تلقّي الحب.

ديزني الآن أخذت طريقاً مختلفاً لعرض الأميرات في أفلامها الحديثة، ويبدو هذا مبشّراً بشكلٍ كبير. أميرات ديزني الجديدات أكثر وعياً

اختلاف صغير: حوريّة البحر 

الحكاية الرابعة مختلفة بعض الشيء، فالأميرة هنا فاعلة بشكلٍ كبير، بل قد تكون أشهر شخصيةٍ أنثويّةٍ فاعلة في الحكايات الشعبيّة، ومثال عن الثورة على الأهل. حكاية حوريّة البحر الصغيرة، والتي اقتبسها هاياو ميازاكي في فيلمه (بونيو) جاعلاً فيه بطلته بونيو، سمكة صغيرة تذهب إلى حريّتها مهما كان الثمن. القصّة الحقيقيّة مختلفة في العبرة، كما ذكرت سابقاً، كانت هذه الحكاية لتخويف الفتيات من فكرة الحرية والخروج عن طاعة الأهل، فتنتهي نهايةً مؤلمةً وقاسية، تعدّلها ديزني فتتزوج آريل (حورية البحر) من الأمير في النهاية. آريل ليست سلبية مثل الأميرات السابقات، إلا أنها "طاهرة" بحكم جسدها، ذيل سمكة وبالتالي لا يمكنها أن تقوم بأي فعلٍ "شائن"، لأنها لا تمتلك ساقين أصلاً. تدرك آريل استحالة حصولها على الأمير بهذا الجسد، فستعين بساحرةٍ –شريرةٍ هذه المرّة- لتساعدها في الحصول على الساقين وبالتالي الأمير. إلا أنّ ثمن هاتين الساقين كان صوتها، أو لسانها حسب بعض الروايات، وبالتالي رغم حصولها على الجسد الأنثوي، ستفقد أداة التواصل التي تساعدها في إظهار شخصيّتها، مما يُفقدها القدرة على الحصول على قلب الأمير في الحكاية الأصليّة، وديزني تعدّل الأمر بحل سحري يُنهي الحكاية نهايةً سعيدة. رغم اختلاف هذه الحكاية عن الحكايات السابقة، إلا أن آريل أيضاً أميرة طاهرة لا يمكن التشكيك بطهرها بسبب جسدها المستحيل.

رغم وجود "علاقة الحبّ" التي تُثير امتعاض الأهل غالباً، إلا أنّ أميرات ديزني الشهيرات هنّ فاضلات بالكامل، ولا يذهبن "للخطيئة" بل تأتي النهاية السعيدة إليهن دون أي مشاركةٍ فعّالة منهن.

بالتالي فإن القبلة التي تتلقّاها بياض الثلج أو الجميلة النائمة، لا تُحتسب ضدّهما، لأنهما كانتا نائمتين، وغير واعيتين لما يحدث، بالتالي يُفعل بهن ولا يَفعلن، ما يُبقي صورتهما طاهرة ونقيّة لا تشوبها شائبة، وبهذا النقاء تحصل على نهايتها السعيدة التي تبدو كمكافأةٍ على "الطيبة". 

ديزني الآن أخذت طريقاً مختلفاً لعرض الأميرات في أفلامها الحديثة، ويبدو هذا مبشّراً بشكلٍ كبير. أميرات ديزني الجديدات أكثر وعياً، وفاعلات أكثر، فعلى الرغم من أنّ فعل "روبانزل" في الهروب كان مبرّراً لكونها مختطفة من قبل امرأةٍ شريّرةٍ تحاول استعادة شبابها، ما يجعلها شهوانيّة، وباحثة عن المتعة، وبالتالي تظهر "روبانزل" كمقابلٍ فاضلٍ ونقي أمامها، إلا أنّ مغامرات "روبانزل" بعد الهروب في الفيلم جعلت منها فتاةً أكثر واقعيّة من سابقاتها، وبالطبع النقلة الأكبر كانت في فيلم "فروزن"، الذي تُلغى فيه ثيمة (الحبّ من النظرة الأولى). إلا أنّ السؤال هنا هو: هل ستخَلَّد هذه الحكايات "الحديثة" في الذاكرة، وتُروى للفتيات قبل النوم؟ أم إنها ستخبو وتبقى الأميرات الفاضلات ذوات الجسد السلبي خالدات في الروي وتؤبّد معها بالتالي ثقافة الأنثى الضحية السلبية، والتي لا يجب أن تكون (فاعلة) إذا ما أرادت أن تكون فاضلة؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard